قناة الجزيرة (عينك في الفيل…..)
بقلم : عامر راكي
لعل من نافلة القول أن للإعلام دور حاسم في تشكيل الرأي العام تجاه قضية معينة أو موقف معين ، وإدراكا لذلك كان من الطبيعي أن يهتم مثقفونا بما يحدث في بعض القنوات الفضائية من طمس للحقائق أو ليّ عنقها او تشويهها، أو قلبها راسا على عقب ، وتلميع ما هو قبيح وتقديمه في قالب من الزينة والزخرف.
ما حدى بي لكتابة هذه الأسطر هو حملة المناشدة لقناة الجزيرة القطرة (القناة الإخبارية العربية) التي يقوم بها الكتاب الإرتريون هذه الأيام في العديد من المواقع الإلكترونية الإرترية، ومحاولة إيقاظ الضمير وتحفيز الجوانب الإنسانية ـ إن كانت موجودةـ للقائمين على هذه القناة ، وحثهم على إنصاف الشعب الإرتري ، والكف عن تلميع نظام اسياس أفورقي الذي يعدّ أقبح نظام سياسي بشهادة جميع المنظمات الحقوقية ، الأهلية والرسمية ، والمنظمات الإقليمية والدولية، والإلتفات ـ ولو مرة ـ لمعاناة الشعب الإرتري في الداخل ، سيما وإن قناة الجزيرة هي القناة الوحيدة التي يُسمح لها بدخول إرتريا (الا تعلم الجزيرة بانها تنفرد بهذا الامتياز؟؟؟؟) ، وإذا لم يُسمح لها بلقاء الجماهير، أو أن الجماهير لاتسطيع أن تقول ماتريد ـ وهو الواقع ـ فبإمكان قناة الجزيرة ان تزور إحدى مخيمات اللاجئين الإرتريين المنتشرة في كل دول الجوار الإرتري، أو في المنافي البعيدة ، أو الاستماع ولو مرة إلى صوت المعارضة ،بوصفه الرأي الآخر (شعار قناة الجزيرة) والتحدّث إلى قادتها في برامج القناة العديدة. بمعنى آخر: عرض الرأي الآخر الذي هو رأي غالبية الشعب الإرتري، مقابل رأي الحكومة الذي هو رأي فرد واحد إسمه أسياس أفورقي.
وقد يتساءل البعض لماذا مناشدة قناة الجزيرة دون غيرها من القنوات؟؟ والإجابة واضحة، وهي إن القنوات الأخرى ليس ضمن رسالتها الإعلامية أن تُلمّع ما هو قبيح في إرتريا، أو تقلب الحقائق وتطوعها لمصلحة نظام ديكتاتوري، مجرم في حق شعبه وجيرانه، وموصوف بأنه مارق إقليميا ودوليا.
قناة الجزيرة هي المنبرالذي يطل منه نظام أسياس أفورقي على العالم ويبث من خلاله أكاذيبه وسمومه ـ وفي كثير من الأحيان بذاءاته، لأن القناة الفضائية الإرترية موجهة فقط لأقل من ثلث الشعب الإرتري ، لكنه ثلث يستحوذ على ما يربو على 95% من وظائف الدولة ومقدراتها، فالشيوفونية والعنصرية تقتضي أن لا ينطق التلفزيون المحلي بغير لغة الثلث الأثير. فالجزيرة إذن منبره الخارجي. لذلك كانت المناشدة للكف عن لعب هذا الدور.
في نظري، إن الموضوع يجب ان ننظر إليه على نحوٍ مختلف قليلاً إذا وضعنا قناة الجزيرة في إطارها الصحيح، فهي قناة تملكها دولة قطر، تلك الدولة العربية الاسلاميةالآسيوية النامية و التي تتطلع لأن يكون لها شان في مجال السياسة والمال والرياضة والإعلام وغيرها من المجالات، ولكن تظل حديثة العهد في مجال الحريات واستقلالية الإعلام …إلخ. أي قناة الجزيرة لا تعدو أن تكون قناة دولة فحسب. وإن هذه الدولة (قطر) لها علاقات متميزة مع دولة إرتريا ولها استثمارات ضخمة تضخّ فيها اموالا طائلة هي من أكبر عوامل استمرار نظام أفورقي ـ وهذا مبحث آخر ليس مجاله الآن ـ
بمعنى آخر، إن مصالح دولة قطر في هذه المنطقة قد ارتبطت بنظام أسياس افورقي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقات القطرية ـ الأثيوبية ليست مقطوعة من منذ فترة طويلة فحسب، بل سيئة لحد بعيد، وهوما يفسر سلوك قناة الجزيرة عندما تتكبد مشاق السفر ومخاطر انعدام الأمن لتدخل إلى أدغال إقليم اوغادين بحثا عن المعارضة الأثيوبية وبث تقارير عن أحوال النازحين هناك بغرض إظهار الحكومة الأثيوبية بأبشع ما يمكن، بينما تغض الطرف عن المحارق التي يرتكبها جنود أسياس افورقي ضد الشعب الإرتري في مناجم الذهب التي تقع ضمن نطاق الإستثمارات القطرية في إقليم قاش ـ بركة .
لذلك أرى أن المناشدة يجب أن تكون في مكان آخر ، يجب أن تكون لأصحاب السمو والمشايخ سفراء دولة قطر في الدول الشقيقة والصديقة ، وأن نوضح لحضراتهم إن هذا السلوك يُطيل معاناة الشعب الإرتري ، وأن مصالحهم في إرتريا ستكون مصانة أكثر في ظل نظام ديمقراطي قوامه جميع الإرتريين ، نظام يصون شعبه أولاً، ثم جيرانه واصدقاءه وضيوفه ، مستثمرين وسياح ، وغيرهم.
مناشدة القناة وصحفييها في نظري ينطبق عليه المثل القائل (عينك في الفيل تطعن في ظله ؟)، فصحفيي الجزيرة هم كفاءات عالية في مجالهم ، لا أحد يقلل من شأنهم المهني، ولا حتى من نزاهتهم، لكن يظلوا في النهاية موظفون لدى الدولة القطرية.
لعمري أكاد أجزم بان مناشداتنا هذه ستردّ عليها قناة الجزيرة بلقاء تلميعيٍّ مطوّل مع رأس النظام أو مع أحد زبانيته المشمولين بقرار الحظر الدولي ما لم نتمكن من إقناع قطر الرسمية بأن هذا المسلك لايطيل معاناة الشعب الإرتري فحسب، بل يُسئ إلى دولة قطر التي تتطلع للعب دور كبير في المنطقة
عامر راكي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3266
أحدث النعليقات