تركيا في القرن الإفريقي … هل تفلح الدبلوماسية الناعمة

عبد الله اسماعيل

مركز دراسات القرن الافريقي

خلال الأيام القليلة الماضية قام الرئيس التركي السيد/ رجب طيب أردغان بجولة على ثلاثة من دول القرن الإفريقي هي اثيوبيا وجيبوتي والصومال حيث أوضحت هذه الجولة مدي التطور الذي تشهده العلاقات التركية مع دول القرن الإفريقي لا سيما الاهتمام بالصومال، فالسيد أردغان قد حقق سبق تاريخي حيث كان أول رئيس وزراء يزور الصومال الغارق في الفوضى منذ عشرين عاما وذلك في شهر أغسطس من عام 2011م ووعد بتقديم مساعدات تنموية تعمل على انتشال الصومال من حالة البؤس التي هو فيها.

مسار التطور في هذه العلاقة

لا شك في أن الملف الصومالي يحظى بأولوية في هذه العلاقة فتركيا بزيارة السيد أردغان الأولي للصومال قد دخلت في الملف الصومالي الشائك بأعلى سقف من الاهتمام بخلاف الدول التي حاولت في هذا الملف حيث كانت تتحرك في اطار واحد وهو الإطار الأمني المخابراتي وقد يكون مسنودا ببعض الجهود الإغاثية يمسك به موظفون صغار، أما تركيا فقد اختارت أن تدخل الملف الصومالي وهي تتأبط ملف اعمار الصومال، و بأعلى مستوي في هرم الدولة التركية مما كان له أثرا  كبيرا على الاطراف الصومالية في قبول هذا الدور والترحيب به.

آثرت تركيا أن تتحرك في الملف الصومالي وبموازاته أيضا التحرك في ملفات عدة من أجل تسهيل مهمتها فيه ويأتي على رأس هذه المسارات العلاقات مع دول القرن الإفريقي فكان التحرك في اثيوبيا حيث تدرك أهمية الدور الإثيوبي في الملف الصومالي، وكانت العلاقات الاقتصادية هي المفتاح في هذا الملف.

   العلاقات مع أثيوبيا

أقامت تركيا مع اثيوبيا علاقات اقتصادية متينة خلال الخمسة عشر عاما الماضية، ففي عام 2000م كان حجم التبادل التجاري بين البلدين في حدود 27 مليون دولار أمريكي ليقفز في 2005م إلى 140 مليون دولار وفي عام 2012م قفز إلى 441 مليون دولار أمريكي وهو العام الذي تلي زيارة أردغان الأولى للصومال، في هذه الزيارة يطمح البلدان إلى رفع مستوي التبادل التجاري إلى 500 مليون دولار أمريكي . يضاف إلى ذلك أن عدد الشركات التركية في اثيوبيا الآن يزيد على مائة شركة، وهي تعد من أهم الشركاء الاستراتيجيين لأثيوبيا حيث تعمل في مجالات حيوية ومشاريع استراتيجية وتشغل أكثر من 64 ألف عامل، ويأتي على رأسها مشروع السكك الحديدية الذي تهدف اثيوبيا من خلاله ربط البلاد بشبكة من السكك الحديدية السريعة وهو مشروع ترى فيه اثيوبيا أهم عوامل نهضتها وذلك عبر مسارين حيويين لهذه الشبكة من الخطوط الحديدية، الأول يربط بين شمال اثيوبيا وجنوبها من الحدود الكينية وحتي أطرافها الشمالية، والثاني يمتد من جيبوتي في شرق اثيوبيا وحتي مدينة قندر الواقعة على الأطراف الغربية للحدود المتاخمة للسودان وتركيا تتولي في هذا المشروع تشييد جزء من الخط الشمالي وهو الواقع بين أواش و ولدِيا التي تقع في الشمال الأوسط من اثيوبيا.

لا شك أن تركيا تدرك بأن اثيوبيا لديها موارد طبيعية غير محدودة يأتي على رأسها الموارد المائية ولذلك دخلت تركيا كشريك استراتيجي لإثيوبيا في الصناعات الكهربائية كذلك في المجال الزراعي وصناعة النسيج فتركيا تدرك تماما أن اثيوبيا سوق واعدة لما لديها من كتلة سكانية كبيرة وموارد زراعية غير محدودة وقريبة من سوق استهلاكية كبيرة في منطقة الخليج العربي فرأت أن تدخل في هذا المجال بقوة وتسخره لأهدافها السياسية في منطقة القرن الإفريقي.

ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا أن تركيا عضو في حلف النيتو وترغب في الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي ولذلك تحركها في هذا الفضاء يأتي ضمن السياسات العسكرية والأمنية لحلف النيتو في هذه المنطقة الحيوية والتي واجهت تحديات تمثلت في، الإرهاب، والقرصنة، المنطلقين من الدولة الصومالية المنهارة. وتزايد النفوذ الإيراني الذي يسجل حضورا عسكريا في مواجهة السواحل الصومالية حيث تقوم البحرية الإيرانية بدور في مكافحة القرصنة وهذا يتطلب وجود حضور دور موازي للدور الإيراني ولا يتوفر ذلك الا لدي تركيا مما يعني أن التحرك التركي لا يخلو من وجود تأثير لقوي دولية كبري تقف من خلفه تري أن يكون هناك تحرك لدولة قد يكون لها تأثير معنوي على الفرقاء الصوماليين وتحظي بقبول لدي أغلب المكونات الصومالية.

تعارض الجهود التركية مع مطامح إرتريا

كانت تركيا قد أبدت رغبتها في تطوير علاقات جيدة مع ارتريا فبادرت في نهاية عام 2012م بزيارة إلى ارتريا قام بها وزير خارجية تركيا داود أغلو وذلك من أجل التمهيد لقيام علاقات تمكن تركيا من الإمساك بكل خيوط الصراع الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي فبدأ البلدان بالتمثيل الدبلوماسي حيث سمت تركيا فازيل كورمان في يوليو 2013م سفيرا لها لدى ارتريا كما قامت مجموعة من رجال الأعمال الاتراك خلال العام الماضي بزيارة استكشافية إلى ارتريا من اجل دراسة الفرص الاستثمارية في إرتريا غير أن تعاطي النظام الإرتري مع  الرغبة التركية كانت متشنجة وحاولت كعادتها التعامل مع هذا الموضوع كما هو عادتها وهو أن تصب الشركات أو الدولة الراغبة في اقامة العلاقات التجارية أموالها في يد شركات الحزب الحاكم في ارتريا ومن ثم التنحي.

تسربت أخبار من أطراف عدة أن تركيا حاولت عن طريق القطريين التفاهم مع ارتريا في الملف الصومالي غير أن النظام الإرتري أغلق هذا الباب وذلك حتي لا يفرط بآخر كرت يمسك به في صراعه مع اثيوبيا ولذلك تركيا لم تتحمس في الدفع بعلاقاتها مع النظام الإرتري إلى الأمام كما هو الحال مع باقي دول القرن الإفريقي، فرأت أن تتحرك بحرية أكثر ولذلك جاءت زيارة أردغان إلى جيبوتي، وهي في صميمها مكملة لملف العلاقات التركية الإثيوبية لأن جيبوتي تتضاءل أهميتها الاقتصادية اذا لم تكن اثيوبيا دولة حبيسة.

جيبوتي وتركيا اهمية الموقع

تدرك تركيا أهمية العامل الاقتصادي في التأثير على جيبوتي فرأت الربط بين التطور الذي تشهده علاقاتها مع أثيوبيا بتطور موازى له في العلاقة مع جيبوتي من أجل تكامل المسارين فبدأت باستثمارات تخدم أهداف تركيا المستقبلية في هذه المنطقة الحيوية حيث قامت تركيا بتمويل الطريق الذي يربط شمال اثيوبيا بجيبوتي وهو طريق تاجورة مقلي حيث تتولي تركيا تمويل الجزء الذي يقع داخل الأراضي الإثيوبية بينما تمول الهند الجزء الذي يقع داخل الأراضي الجيبوتية وبذلك تكون تركيا قد أكدت رغبة أثيوبيا في إيصال رسائلها للنظام الإرتري بأنها قد تجاوزت أهمية ميناء عصب لإثيوبيا بوجود اتصال مباشر لوارداتها وصادراتها من أقاليمها الشمالية عبر منفذ جيبوتي، هذه الصادرات والواردات التي تضطر لسلوك طريق دائرية ستكون بعد اكتمال هذا الطريق في غنا عن منفذ عصب والذي بالتأكيد سوف تتضاءل أهميته الاستراتيجية.

تسعي تركيا لمضاعفة الروابط التجارية مع جيبوتي لتصل خلال هذا العام إلى 150 مليون دولار أمريكي أي بزيادة (100%) عن العام المنصرم 2014م، وبهذا تكون تركيا قد حققت نجاحا معتبرا في ارساء دعائم سياساتها في الدبلوماسية الناعمة التي تنتهجها في هذه المنطقة الاستراتيجية من افريقيا.

 

    التنافس المصري التركي

ستعقب زيارة أردغان لإثيوبيا زيارة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أن ينقضي هذا الشهر وستبين هذه الزيارة مدي تضاؤل الدور المصري في منطقة القرن الإفريقي، مصر بالتأكيد تأتي إلى اثيوبيا وهي مثقلة بتبعات ملف سد النهضة، وبذلك يكون قد تأكد تراجع الدور المصري وأهميته أمام الدور الصاعد لإثيوبيا كدولة محورية في منطقة القرن الإفريقي وهو الدور الذ ترغب فيه القوي الدولية وخاصة الولايات المتحدة التي سعت خلال العقد الماضي على أن تصبح اثيوبيا دولة محورية في مداره دويلات متقزمة وضعيفة وهو ما ظهر خلال أزمة دولة جنوب السودان حيث برز الدور الإثيوبي مع تراجع واضح للدور الإقليمي لمصر  والسودان في قضية هي الأقرب اليه أي السودان من اثيوبيا لعوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية وسياسية غير أن افتقاره إلى سند دولي أدي به إلى أن يكون في الهامش. مصر الآن تضاءل موقفها الاستراتيجي في هذه المنطقة الحيوية أمام الدور التركي المرتقب إن في الصومال أو باقي منطقة القرن الإفريقي، كما أن هذ التمدد لتركيا بالتأكيد يشكل مصدر قلق كبير للكيان الصهيوني إلا أن تركيا قد لا تتأثر منه لكونها تتحرك في بيئة معادية في الأساس لإسرائيل.

عقبات تعترض التحرك التركي

انقسام الصومال إلى دويلات، الدولة المركزية في مقديشو، دويلات منفصلة وغير معترف بها في كل من صومالي لاند، وبونت لاند، ومثلهما جوبا لاند التي تسعي لقيام حكم ذاتي مستقل عن السلطة في مقديشو، هذه الكيانات أبدت عدم الرضا من تركز الدعم التركي في مقديشو مع أن تركيا حاولت الموازنة بين الأطراف خاصة عندما دعت الفرقاء الصوماليين إلى قمة اسطنبول ولم يتخلف عن الحضور الا حركة الشباب المجاهدين.

التردي الاداري والامني قد لا يساعد تركيا في انفاذ خططها لما يعتريها من مشكلات لتردي الأوضاع الأمنية وانتشار الفساد ووجود مساحات شاسعة من الدولة الصومالية لا تخضع لسيطرة الدولة مما يجعل هذه الجهود عرضة للابتزاز من قيل امراء الحرب وهي معضلة أعاقت جهود كثير من المنظمات في السابق.

حركة شباب المجاهدين قد لا يروقها أن تري حكومة حسن شيخ محمود وهي تحقق نجاحا من خلال المشاريع التي أنجزتها بدعم من تركيا في مجال التعليم والصحة والطرق التي كان أردغان قد وعد بها في زيارته الأولى وجاء في هذه الزيارة للتأكيد على هذه الوعود بل عززها بإقامة عشرة آلاف وحدة سكنية كنواة في مشروع إعمار مقديشو، وكان قائد شباب المجاهدين مختار أبو الزبير ـ أحمد عبدي غوداني قتل في سبتمبر الماضي ـ قد اعتبر في مارس 2012م التحرك التركي بأنه مكمل لأجندة أمريكا، ولذلك كان تصرف هذه الحركة معبرا عن ذلك الارتياب حين حاولت التشويش على هذه الزيارة من خلال التفجير الذي استهدف فندق قريب من القصر الجمهوري ويستغله وفد المقدمة التركي، غير أن السيد أردغان لم يعبأ لهذا التهديد وأكمل برنامجه من غير اكتراث مما يعني تصميم تركيا في العبور بهذا الملف الشائك إلى بر الأمان.

لاشك أن تركيا في تحركها في منطقة القرن الافريقي ترتكز على إرث تاريخي يدعم من موقفها حيث حظيت جهودها بالترحيب من كل المكونات الصومالية، كما أكدت أثيوبيا عن عمق علاقاتها التاريخية مع تركيا التي تعود إلى القرن التاسع عشر مما جعلها تتحرك وهي أكثر اطمئنانا في أن دبلوماسيتها الناعمة ستحقق أهدافها.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33082

نشرت بواسطة في فبراير 3 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010