أرتريا بين غياب الكلمة الحرة والحقيقة المرة

الكلمة الحرة هى التى تضبط إيقاع الحياة السياسية والثقافية واﻹجتماعية للشعوب وللأنظمة ، لما تمثله من دور ريادى فى إبراز الحقائق وتسليط الضوء على مكامن القصور والخلل فى إدارة الحياة كما أنها المعيار الذى من خلاله تقيم العﻻقة بين الحاكم والمحكوم ومدى إحترام الحقوق والقيم اﻹنسانية فى المجتمعات.وهى حق إنسانى نص عليه العهد الدولى ليس ﻷنه حقآ قائمآ لذاته فقط وإنماهو ضروري لتحقيق حقوق اﻹنسان اﻷخرى وتاريخيآ كانت الكلمة الحرة هى بداية الثمن لتحرر الشعوب وإنطﻻقة إرادتها نحو أفاق المستقبل وتأسيس مجتمعات تسودها روح القانون وتحكمها الحقوق والواجبات.
ونستطيع القول بأن الكلمة الحرة هى اﻷساس والقيود هى اﻷستثناء عندما تتعارض مع حرية اﻷخرين أوتلحق الضرر واﻷذى باﻷفراد أو المجموعات.وفى ظل وجوداﻷنظمة اﻹستبدادية عاشت الكلمة الحرة حبيسة الصدور أو حائرة فى السطور أو موردة للقبوروبما أن الكلمة تتمحور فى اﻷفكار أو اﻷراء والتعبيرات عبر الوسائل المختلفة ﻻسيما الصحافة والتى هى بمثابة مرآة الشعوب ورئتها التى تتنفس عبرها . ومن هنا نجد أن أرتريا عرفت الصحافة منذ وقت مبكر من تاريخها بدءآ بعهد اﻹستعمار اﻹيطالى وخاصة اﻹستعمار اﻹنجليزى حيث شهدت تلك الفترة حضورللكلمة الحرة من خﻻل الصحافة التى تم تأسيسها واﻷحزاب السياسية التي سمح بتكوينها وإتسمت تلك الفترة بحراك وتفاعل سياسى وممارسات إعلامية حرة تشكل عبرها الوعى الوطنى.
وقد وصل عدد الصحف فى تلك الفترةعشرون صحيفة (20) منها الحزبية والمستقلة والثقافية والدينية ونذكر منها على سبيل المثال ﻻ الحصر
1- صحيفة اليومية اﻷرترية والتى تأسست عام 1928م وكانت تصدر بالعربية واﻹيطالية والتجرنية.
2- الجريدة العسكرية تأسست 1934م وكانت تصدر بالعربية.
3- الجريدة اﻷرترية اﻷسبوعية تأسست 1943م وكذالك كانت تصدر باللغة العربية
4- صحيفة الزمان 1953م كانت تصدر بالعربية والتقرنية.
هذا يوضح أن أرتريا عرفت الصحافة فى وقت مبكر من تاريخها وكان ينبغي أن تكون رائدة فى هذا السياق ولكن بالنظر اليوم الى الحالة اﻷرترية التى غابت فيها الكلمة الحرة بجلاء وغابت معها الحقيقة وتم تغيب من صدح بها فى بلد ﻻيعرف العالم مايدور بداخله نتيجة للقبضة اﻹستبدادية والسياج اﻷمنى الذى أحاط به نظام أفورقي هذه الدولة وشعبها ، وعليه يمكننا القول بأن أرتريا فى ظل هذا النظام تعيش أسوأ مرحلة من تاريخها فى السجل اﻹنسانى والحقوقى بشهادة المنظمات الحقوقية والمدنية وواقع تشهد عليه الصحارى والبحار،ليجد الشعب اﻷرترى بعد هذه التضحيات تحكمه شريعة الغاب حيث ﻻدستور يحتكم اليه يضمن من خﻻله حقه وحق الكلمة الحرة وتصان به مقدراته ومكتسباته التاريخية، كماأنه ﻻيعرف ولمدة 23عامآ ونيف إﻻ صحيفة واحدة مدادها من محبرة دم الشعب وهى بوق النظام الذى يقول عبرها ماأريكم إﻻ ماأرى وما أرى غيرى سبيل الرشاد! فليس فيها مكان للكلمة الصادقة وللأقلام الحرة التى تبرز الواقع بكل مرارته وتوثق لحقيقة التاريخ الذى يجهله جيل مابعد اﻹستقﻻل نتيجة لطمس الحقائق التاريخية والتنكر للرموز الوطنية وصياغة التاريخ وفقآ لهوى وأجندة النظام الحاكم على حساب اﻷرض واﻹنسان،وذالك من خلال إحتكار مصادر الكلمة وجعلها تفرض على الجمهور أخبار الحزب ودعايته مع مصادرة حق الشعب فى التعبير عن رأيه عبر مساحات الكلمة الحرة التى تؤسس للمجتمع المدنى وتقوى البناء الديمقراطى وتعزز الحوار الوطنى بين مكونات الشعب من خلال حرية الفكر والعقل النقدى الذى يقود الى بناء أمة تنهض بمسؤلياتها وتسهم فى حركة التاريخ. مؤلم أن تعيش فى وطن ﻻتبوح فيه بكلمة و ﻻتستطيع أن تتحدث وتجادل وفقآ لضميرك فالضمير غائب والناس مغيبون هناك إن الكلمة الحرة ﻻيكتبها اﻷذﻻء المستعبدون ﻷنظمتهم بل يكتبها اﻷحرار الذين رضعو من ثدى الحرية وعرفو معنى كرامة اﻹنسان يقولوها ويكتبوها ثم يرحلو حتى وإن لم يجدو فى الوطن شبرآ يضم رفاتهم لكن تظل كلماتهم ومخطوطاتهم نبراسآ تتلمس عبره اﻻجيال القادمة لبناء مستقبل واعد فى وطن الكل يجد فيه نفسه .إن المثل الشائع الذى يقول بأن العالم أصبح قرية صغيرة نتيجة لهذه الفضاءات المفتوحة والمعلومات المتاحة عبر وسائل التواصل فأرتريا قرية لذاتها لم يشملها هذا المثل ولم يعرف العالم عنها الكثير نسبة للعزلة او السياج القمعى الذى أحاطها به نظام الهقدف فكل المتاح للعالم عن هذا البلد هو ماتوفره بعض المواقع اﻹسفيرية ﻷناس أفنو أعمارهم من أجل إيصال الحقيقة أو الذين عبرو المحيطات فرارآ من البطش والقمع أو من تقارير بعض المنظمات التى تعمل على كشف الحقائق للضمير العالمى. إن أرتريا اليوم هى بأمس الحاجة لجهود أبناءها بمختلف توجهاتهم ومشاربهم أن يتسامو عن خﻻفاتهم ويرتقو بعقولهم على قدر المسؤلية التاريخة تجاه هذا الشعب المكلوم فى وطن أشبه بالسجن الكبير الداخل فيه ليس بخارج والخارج ليس بعائد.
فأرتريا فى ظل نظام أفورقي لم تعد ذالك الوطن الذى طالما حلمنا به فى المﻻجئ وتغنينا به فى الشتات ونحن صغار وليس الذى كان يردده اﻷحرارأنشودة بين السهول والتﻻل،أرتريا اليوم تحتاج الى الاقلام الصادقة والى كتابة التاريخ الحقيقى بكل أمانة ونكران للذات ﻷننا فى كل يوم نسمع برحيل مناضلين أحرار وشرفاء عايشو وكانو شاهدآ على مرحلة مفصلية من تاريخ أرتريا يجب أن تكتب وتؤرخ الحقيقة قبل أن ترحل معهم الى اﻷبد! ﻷن اليوم نظام أفورقي صار يعيد صياغة التاريخ واﻻحداث بما يخدم مصالحه وأهدافه .
إن أرتريا اليوم تحتاج لجيل يؤسس لوطن العدالة والكرامة الإنسانية تعاد فيه الحقوق المسلوبة وتصان فيه كرامة اﻹنسان ويحفظ فيه ماء وجه هذا الشعب الذى أريق فى الطرقات والصحارى والبحار على أيدى المجرمين وفى مقدمتهم النظام الحاكم وتجار البشر والتاريخ سوف لن يرحم كل من شارك فى إذﻻل هذا الشعب واﻷيام كفيلة بعون الله ﻹحقاق الحق وإن طال عهد الظﻻم.

بقلم/ عبده محمد عثمان

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33275

نشرت بواسطة في فبراير 16 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010