بين يدي الرحيل الفاجعة

بقلم :- محمد محمود صالح

جاء الخلافة أو كانت له قدرا ** كما أتي ربه موسى على قدر

(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )

انقطعت عن الكتابة في الفضاء الالكتروني  ردحاً من الزمن ،غير أن رزءاً عصياً على الاحتمال أعادني قسراً ، ففاضت لواعج المهجة الولهى تنثر كلمات الحزن الموغل في الدواخل  بين يدي سليل الشهداء، وتسكب المقلة الثلمى عبرات الوداع في موكب العروج المهيب ، حيث فجعت كغيري من أبناء آل الشيخ حامد على طول امتداد البسيطة وعرضها بالرحيل المر، والمصاب الجلل ، إذ نثر الموت كنانة العشيرة فانتقى أعظم أعوادها واصطفى اجل ما فيها واصطحبه في رحلة أبدية .

لعمرك ما الرزية فقد مال * ولا شاة تموت ولا بعير

لكن الرزية فقد شهم * يموت بموته خلق كثير

إذ نعى الناعي صباح اليوم الأحد 15 مارس 2015 م الطود الأشم،والقامة الباسقة  القائد الهمام معالي  الشيخ /عامر بن الشيخ الأمين بن الشيخ محمد بن الشيخ عامر رحمه الله شيخ مشائخ أل الشيخ ، وراعي بيت الخلافة ، وعميد عموم أل الشيخ حامد إثر علة ألزمته الفراش أشهرا عديدة .

ولد الفقيد الراحل في العام 1955م في بيت العلم ،ومحضن المعرفة ،ومعدن الصلاح والإصلاح ، وترعرع في كنف والديه في (دقى شيخ )،  ينهل من العلوم والمعارف ، ثم انخرط في سلك التعليم النظامي ، بعد أن نال قسطاً وافراً من العلوم الشرعية ، والأعراف الاجتماعية بمسقط رأسه، وتولى الخلافة إثر اغتيال والده الشيخ/ الأمين بن الشيخ محمد ، في مذبحة امبيرمي الشهيرة على أيدي الغزاة الآثمين في العام 1976م وهو لم يزل غض الإهاب – وقد كان الحادبين من أبناء آل الشيخ والقبائل المحيطة بهم يشفقون عليه لجسامة المهمة وعظم المسؤولية نظراً لحداثة سنه –  لكنه كان كبيراً قامة ومقاماً إذ شغل الموقع بكفاءة فقد كان خير خلف لخير سلف ، ولم تمضي إلا أياما معدودات حتى أضحى ملئ السمع والبصر، لما كان يتمتع به من سعة أفق ، وبعد نظر كان يتنفس كرائم الأخلاق، ومحاسن الخلال ، كان لا يشهد مجلساً إلا وسدوه  صدارته بإجماعهم ، وذلك لأنه أعلاهم كعباً ، وأصدقهم مقالاً، وأفصحهم بياناً، وأكثرهم رزانة وأبلغهم حكمة ، حباه الله قبولاً منقطع النظير فما عرضت قضية في مجلسه إلا كان الرضا والقبول من طرفيها سيد الموقف

كان رحمه الله دمث الأخلاق ، موطأ الأكناف ، زاهداً لم تستهويه مظاهر الدنيا وبريق المواقع ، ولم تصرفه قشور الدنايا ، رغم حداثة السن امتاز برصانة  الفكر،  وحصافة الرأي ، وأناقة المظهر، ونقاء الجوهر ، قوي الحجة ، واضح الوجهة ، صادق التوجه طيب السيرة ، طاهر السريرة ، أبي النفس،  أنيق العبارة ، يضفي على مجلسه المرح دون أن يفقد هيبته،  متواضع لا يتعالي وهو العالي قامة ومكانة ، كان رحمه الله ذو رقة فياضة ، وعاطفة جياشة ، رابط الجأش يبتسم في أحلك المواقف ، حاضر البديهة ، أليف المحراب ، كثير التضرع متواصل الذكر إذ قل أن تفارق السبحة يده ،  صوام الهواجر قوام الليالي ، كريم النفس، لين الجانب ، سخي اليدين ، كافل اليتامى ، وأمان الأيامى ومواسي الثكالى ، ضامن الغارم ، ومعين العاني ، ألوفاً، بشوشاً، عطوفاً، يعفو عند المقدرة (وسيد القوم لا يحمل الحقد) لا يقبل الضيم في غير غلظة ، سمح السجايا في غير هوان .

زاوج بين نشر الدعوة بالحسنى – كدأب إسلافه ، فشيد المساجد ، ورعى دور العلم ، وأوقد نار القرءان الكريم ، في القرى والبوادي – وبين سياسة الرعية بالرأفة والإصلاح فطوع العصي ، واستدنى القصي ، ونصر المظلوم ، وأغاث الملهوف ، فكان مهوى الأفئدة ، ومورد القلوب (إذا أحب الله عبداً حببه إلى خلقه) نحسبه كذلك وما شهدنا إلا بما علمنا .

كان ترتيبه في الخلافة تاسع ثمانية ، إذ تولاها قبله ثمان من أسلافه ابتداءاً من جده الشيخ الأمين بن الشيخ حامد بن نافعوتاي، وكانت مدة خلافته 39 سنة رحمه الله رحمة واسعة .

رحل باكراً هادئاً كما النسائم ، والنفوس لم تمله بل تتمنى الاستزادة ، لكنه القدر المحتوم ، والوعد المسطر، (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) .

ولفقد مثل أبا محمد فلتبكي البواكي . نبكي ونعلم أن البكاء لا يجدي… نحزن رغم يقيننا أن الحزن لا يعيد من مضى … وذلك لأن الفقد عظيم ، والمصاب جلل، لكننا نتجمل بالصبر احتساباً ،  ونتدثر بالتجلد امتثالا ، إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا يا أبا محمد لفقدك لمحزونون ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،  إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرنا في مصيبتنا وأبدلنا خيرا منها

أعزي نفسي ، وأشاطر الأحزان كافة أهلي أبناء أل الشيخ حامد على امتداد المعمورة وأعزي كل أهلنا الحباب عموما ، وأل كنتيباي عثمان خصوصاً ،لأن الفقد فقدهم أيضاً إذ أن والدة شيخنا الكريمة هي بنت الزعيم محمد بن كنتيباي عثمان ، والعزاء لكل أحبائه ومريديه من سائر القبائل والأعراق،  وفقد الشيخ /عامر ليس فقد أسرة أو عشيرة بل فقده فقد أمته كاملة ومجتمعه الممتد بأثره ،حيث كان أمة في رجل ، أحسن الله عزاء الجميع واسكن الله الفقيد الفردوس الأعلى ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33701

نشرت بواسطة في مارس 16 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010