دعوة إلي مؤتمر للإدارات الأهلية الإرترية
تحت شعار : حتي نخفف من حجم الإختراق الأجنبي
دكتور الجبرتى
تتزاحم هذه الايام الافكار الي قيام المؤتمرات الاستباقية للمؤتمر العام للمجلس الوطني للتغيير الديموقراطي الارتري . وقد شاهدنا وشاركنا سابقا في مؤتمراته شبه القاعدية ، والقاعدية ، مؤتمر المثقفين الارتريين ، ومؤتمر الشباب بشقيه ، ومؤتمر المنظمات المدنية ، اضافة الي مؤتمر التنظيمات والاحزاب السياسية . ونري هذه الايام رغبة الاعلاميين في انشاء وقيام مؤتمر لهم في حاضنتنا الوفية اديس ابابا الحديثة .
في خضم هذه الافكار الراقية والتقدمية والمتطورة بعض الشيئ ، نسينا أو تناسينا الادارة الاهلية في ارتريا ، الحاضنة والأم لكل الموضوعات والافراد والتنظيمات ، وهي التي نعود لننام علي أحضانها بعد حواراتنا وصراعاتنا وإنجازاتنا الوطنية والسياسية والتقدمية . وهي أيضا النبع الأول الذي نستقي منه وطنيتنا الكبيرة ، ونبدأ فيها أولي خطواتنا للعمل الجماعي والتوافق العام والخروج عبرها الي الشان الوطني الاكبر ، وخيركم خيركم لاهله ، ومن لم يفيد اسرته الصغيرة لن يفيد اسرته الكبيرة . فهي صانعة الوطنية واصلها وبذرتها .
إذا تبدأ الحياة الاجتماعية في النموذج الاصغر والنواة الاقوي للانسان المتمثلة في الاسرة النووية بين الاب والام والاخوان والاخوات في حدود جغرافية المنزل الواحد ، ثم تزيد في اطارها البشري لتشمل الجدود والاعمام والعمات والاخوال والخالات ، لتتضاعف بمتوالية هندسية تزيد فيها العدد والعلاقات البشرية وتتوسع فيها المساحة الجغرافية لتبلغ اضعافا كبيرة . وهذه لا يدخلها الانسان الا بعد مرور سنوات عليه في كل مرحلة . فالأطفال لهم حدود معرفية بالوطن الصغير الذي يتربون فيه ولا يخرج عن منزل الاسرة والمجتمع الصغير الاباء والاخوة . ثم يدركهم الصبا لتزيد امكانية التعايش مع المجتمع الاكبر والمساحة الجغرافية الاوسع بعدها وهي اسرة الاجداد والعمومة والخؤولة ومواقع النشاط الاقتصادي للاسرة ، ليتعلم التواصل والتاخي والتعون والتحابب . ثم تتسع في علاقاتها ومساحاتها الجغرافية في الشباب لتخرج عن محيطها لمحيط اخر ، قد يكون مختلف تماما عن الاسرة النووية ، لغة وعرقا ودينا ونظاما و نشاطا اقتصاديا . فيتفهم العلاقات الاوسع وكيفية الاندماج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي ، في أول مدرسة للوطنية المتنوعة الاعراق والاطياف . ينهل من معين آبائه وشيوخ قبيلته ، فيبرز مهاراته وابداعه بين وسطه الصغير أو الاكبر ، ليثبت مكانه بكل حرية وشفافية وواقعية بين اقرانه والقبيلة كلها ، وما جاورها . كل ذلك خلال المناشط والمنافسات الثقافية والرياضية والاجتماعية التي يعيشها ويشارك فيها بكفائته الخاصة .
وفي حالة اختلاف الام والاب من جهات المجموعة البشرية والعلاقات ، وهذا واقع المجتمع الارتري وما يميزه فيها ويحفظ كيانه ، فان حياة الانسان فيها تبدأ أكبر من سابقتها واجمل واوسع . وهو ما يزيد من امكانية تحقيق مستويات افضل من الاوضاع الاقتصادية والعلاقات الانسانية . وهذه العلائق المختلطة هي الصورة المثلي للانسانية ، وهي التي تحقق الخير للعالم اجمع وليس لاقليم صغير فقط ، الاستقرار عبر العلاقات الواسعة والتداخل الفسيفسائي الملهم لافراده ، ليصنع التميز بينهم بالانجاز ، وتكون الافضلية بالمساهمات التي تخدم الانسانية والمجتمع الصغير ثم الاكبر . وكما تقول الحكمة ( العالمية تبدأ من المحلية ) فالنموذج المحلي الافضل والمفيد هو الذي سيعم العالم ويكون الصورة الافضل التي تريد المجتمعات الانسانية ان تقلدها وتتبني افكارها .
مما سبق نستلهم ان الفكر الاداري والسياسي للمجتمعات ينشأ دائما مع النواة الاولي لهذه المجتمعات ، ثم يتوسع ليبلغ ما بلغته الامم المتحدة في النموذج العصري المعاش . اضافة الي انه كلما استعصت الامراض وتعقدت المشكلات فان الرجوع الي النوايا في علوم الطب مثلا ، شكل التشخيص الافضل للمشكلات والعقبات ، و انتج العلاج الامثل للامراض المستعصية . وهكذا ايضا تقول الحكمة ، بأن الوطنية تبدأ من الأسرة الصغيرة . فمالم تجد الاسرة الصغيرة موقعها من الاحترام والتقدير والمشاركة في كل الحقوق والواجبات ، لن تنتج لنا فردا مفيدا للوطن الاكبر علي كل مستوياته . والقبيلة هي الاسرة الروحية الاكبر للفرد .
تحاول بعض الافكار السياسية الخروج عن المألوف في بحثها عن الحلول المثلي لادارة الجماعات والدول ، عبر الهروب من واقع ان الاسرة والجماعات الصغيرة ذات العلاقات الدموية والابوية ، هي النقطة التي يجب ان يبدأ الانسان منها للتغيير والتحول الي الافضل في الممارسات الادارية العليا . و نجد كثيرا ممن تخطو هذه النواة واهملوا الاهتمام بوضعها في محلها واعطائها حقها المناسب ، قد تاهت بهم الحياة ، وضلوا عن جادة الفكر السياسي ، وتعمقوا فيما ليس منه جدوي ، فتفسد البلاد والعباد .
والنموذج الشيوعي اوضح مثالا علي ذلك ، فبعد ان وضع الشيوع والعمومية والاشتراكية حلا لادارة الجماعات علي كل مستوياتها ، رغم ذلك لم يستطع الفكاك من نواته واصله ، فيعود بصورة اوضح للنظام القبلي بل والاسري بل والفردي ، والنماذج متوفرة في العالم المعاصر ، ونتائجها الكارثية علي البشرية ايضا شاهدة علي ذلك . سواء علي مستويالدول او التنظيمات التي تتبني الفكر الشيوعي البائد .
أيضا حاولت النماذج الاخري مثل الرأسمالية واللبرالية الغربية ، بطرح أنموذجها السياسي والاداري ، والذي حطمت فيه النوايا وصنعت الانفجارات الكبيرة المهددة بانقراض البشرية . فانتجت انسانا بلا هوية ولا هوي ولا هدف ، وأعادته الي عالم الحيوان بل أضل . فاصبح همه القتل واشباع حاجاته باي وسيلة ، مخدوعا بالانجازات المادية . وهاهو الان بعد ان وصل الي ادني قاع له ، يبحث عن مخرج له من هذا الانفجار الهائل ، اضحي يوصي بالاسرة والعلاقات والرحم والبناء الاجتماعي كحل لمشكلاته .
لم يهمل الاسلام هذه النواة الفاعلة ، وانما جعلها دينا والتزاما بكل مراحلها ، وشكل منها دولته الفارهة التي صنعها النموذج الذي فهمها بأريحية ، لانها جاءت من ثقافته ومكوناته و حلت له كل مشكلاته في اوجز فترة شهدها الفكر البشري للاصلاح الاداري والاجتماعي . فحققت عالميتها بتجويدها لمحليتها . ولا نجد مثالا أفضل من الفكر الاسلامي في توازنه الاجتماعي وتناسبه الجهوي وتفهمه الموضوعي لمشكلات البشرية . لان صاحب الفكرة هو خالق البشرية والكون ، فمن برأيك يستطيع أن يأتي بمثله حلولا للادارة والسياسة في هذا الكون وليس الدولة فقط !؟
ويحاول العقل المسلم اليوم طرح هذا النموذج الإلهي ليعيد الانسانية الي اسباب وجودها ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) ، إلا أن غلبة الاهواء ، وضعف الارادة ، وقوة شياطين الانس والجاه والسلطة ، أضعفتهم وأبرزت نماذجهم بصورة غير مثالية و أفضلية ، وأهم ما أفسدهم ولم يحقق لهم الفكر الاسلامي في السياسة والادارة ، إشراكهم بالله في السياسة والادارة ، أفكارا بشرية مهلكة ، خلال محاولاتهم المجاملة بإضافة القليل من سموم الفكر الشيطاني للسياسة والادارة المنتشر في المعمورة . فاذا ما قيض الله لنا مفكرين وعلماء يفهمون حقائق الفكر الاسلامي ومنهجه ، بدون إضافات ، سنتمكن من انتاج النموذج الإلهي الذي سيعيد البشرية الي هداها .
في خضم الصراع الفكري والابداع البشري ، نفذت المجتمعات الاسلامية والعربية نماذج ، للفكر الاسلامي استوعبت فيه بعضا من جواهر الفكرة ، كان اهمها الاسرة والقبيلة والشعب . الا انها كانت تتجاوز النسبة والتناسب الخاص بمساحة هذا الموضوع ، وغالبا ما كانت تزيد من اهميته الي ما يضر بالعملية الادارية والسياسية ككل . ولم تستطع الالتزام النموذجي بتثبيت هذه المكونات الاساسية في حدود امكانياتها، فتهلك ، وهنالك نماذج ايضا مذكورة في التاريخ الدولي والعربي والاسلامي وايضا نماذج عصرية معاشة .
اذا من يستطيع ان يصنع هذا المعجون الفكري النموذجي في هيئته المثلي ؟ بدون انقاص في المكونات اوزيادة ، لتخرج كيكتنا متناسقة مهضومة ؟ هذا هو السؤال الذي يجب ان تجيب عليه العقول الادارية ثم السياسية ،لان الاداري يغلب علي السياسي ويشمله .
في الوضع الارتري ، نجد ان الادارة الاهلية كانت هي النواة المؤسسة للوطن الارتري . فشيوخ القبائل وفي حدود ممالكهم (ممتلكاتهم الاسرية ) الصغيرة ، هم من أتي بالتركية لنصرتهم قبل ثلاثة قرون ، لينجدوهم من بطش الامبراطوريات الاقطاعية الاسرية النصرانية . ثم هم من رضي بادخال الايطاليين وباعهم الاراضي ، وصنع الاتفاقيات الاولي معهم للتواجد في جغرافية ارتريا الحالية . كما نجد ان حدودهم الادارية القبلية لعبت دورا كبيرا في تخطيط الحدود السياسية للدولة الارترية الوليدة انذاك . ايضا كانت تعتمد عليها كل نظم الادارة الاستعمارية المستحدثة في تسيير شؤونها العامة ، والقضائية علي مستوي اوسع .
كما كانت الادارة الاهلية هي النواة الاولي والاساسية التي تبني حتي اليوم الفكر والثقافة المحددة بعينها لكل مجموعة . وبما ان الاديان هي اساس صناعة الفكر الثقافي الاداري والسياسي الارتري ، فان القبائل الارترية كانت تدير امورها بمناهج فكرية نابعة عن فكرها الديني . فكل الاحكام لدي القبائل المسلمة مصدرها القران والسنة ، وبقية المجموعات البشرية في ارتريا ايضا تنبع افكارها من معتقداتها .
وكانت القبائل الارترية عبر قادتها وفي مختلف العهود هي من يحقق السلم والامن الاجتماعي ، عند انفراط عقده ، بصياغة العقود الاجتماعية التي تحافظ علي الحقوق بين المجتمعات المتعددة ، وما نموذج ( حقي اندا ابات ) إلا نموذجا واحدا من بين عدة نماذج متوفرة في أرتريا ، حفظت السلم والامن وحققت الاستقرار والتنمية لمواطني القبائل والجوار ، وحققت الوطنية والجماعية في اكبر مساحة جغرافية .
و في بداية عهد الثورة الارترية لم تقف الثقافة القبلية والادارة الاهلية موقفا محايدا او سلبيا ، بل هي من اسست للثورة وصنعتها ، لان ما كان يجري من ممارسات وافكار لضم ارتريا الي النموذج الاداري الامبراطوري الذي تتحكم فيه اسرة واحدة بالقوة بدون عقد متفق عليه ، لم يناسبها ، فحرضت عليه حتي انتصرت ، وحققت الفجوة التي سار عليها المناضلين حتي النهاية . ورغم انهم لم يستطيعوا كبح جماحها ،ففلتت منهم واثرت كثيرا علي مجري الاحداث الي ما وصلنا اليه ، إلا انها المحك الذي نمتحن فيه وبه دائما ، فإما أن ننجو به أو نهلك بدونه .
إن فكر الادارة الاهلية القبلية هو جذر يصعب الالتفاف عليه أو الهروب منه في المجتمعات الافريقية ، والمجتمعات الافروعربية . وهو كدم الانسان الذي لن يستطيع التخلص منه ليعيش حياة اخري علي وجه الارض ، غير التي ارادها الله . وهو الحبل الذي يربط العقل البشري بإنسانيته و عبوديته للفكر الإلهي الذي صنعه ووضع له الشرايين ليمشي عليها ، عبر خطة تنظيمية الخروج منها هو الهلاك . فالقبيلة في ارتريا هي خط الدفاع الاول من اختراقات الجوار المشابه ، والامتدادات السرطانية الخبيثة .
اذا فالندع الخوف من المعقول ، ونبدأ بالحديث والتحضير لمؤتمر الإدارة الاهلية الارترية ، ليحدث قبل مؤتمر المجلس الوطني الارتري ، لنعيد لآبائنا وتاريخنا مجده الناصع في صياغة وصناعة الدولة الارترية الوطنية ، بادواتها المثالية التي استغفلتنا عنها الافكار الدنيوية الوضيعة ، والمستوردة من مناطق موبوءة مجزومة الاصل ، لا تعرف سوي فرض رأيها بالقوة ، ولا تعتقد في خبرات المناطق والافراد المحليين في ادارة انفسهم في عالم اليوم ، كما تقول كل الافكار الادارية والسياسية الغربية وتتهكم علي الخبرات المحلية والتاريخية .
وهذه الافكار هي التي نري نتائجها وآثارها علي وجوه أفرادنا واوضاعهم داخل وخارج البلاد . و لنذهب بعيدا عن التجارة باسم الدين والوطن ، وليرجع كل منا الي اسرته وقبيلته التي تؤويه ، ليعود الجميع الي آبائهم ليعلموهم معني الصبر والرجولة والفداء من اجل المجتمع ، ليرضع منهم معني التالف والتماسك والتواصل ، ولنبني عقدا اجتماعيا نستلهمه من تاريخ آبائنا و أجدادنا ، لنحقق وطن المساواة والعدل والنماء . ولن يصلح خلف ارتريا التائه الضائع اليوم الا بما صلح به سلفها آبائها .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34243
societal leaders emerged in the absence of government and modern civil societies. such a call is a heinous invitation to backwardness, division and bigotry. tribal leaders should play no role in future Eritrea. I wonder why a man with a title of doctor should make such call. We are in a different age where tribalism is only a history that should never be resurrected. Eritrea lacks governance, justice and peace. tribal leader have contributed hugely in creating an ugly face of Eritrea by promoting division and regionalism. .
I long for a civil society that would never recognise tribalism. we already have a big tribe called Eritrea and we do not need further sub title.
فووووووك يادكتور
حقيقة من ينظر إلى وضعنا ويتأمل جيداً .. يدرك أن هنالك حلقة مفقودة
حالة الأحزاب السياسية والتنظيمات .. حتى الأفراد الكثير من التناقضات
مواقع التواصل الاجتماعي تسير دون وجهة إلا الهاوية باختصار ( أصبح ماعندنا
كبير ) .!!
نرجوا لمقترحك ان يرى النور .. حتى يجتمع الآباء ويجمعوا الأبناء المتفلتين. !!
موضوع موفق ولفتة بارعة منك يادكتور الجبرتي بارك الله فيك وسدد خطاك فا لإدارة الأهلية كانت ومازلت تسهم في الترابط الإجتماعي قبل الإسلام وبعده ومن المهم جدا الإستعانة بهم في خدمة الوطن وإصلاح ذات البين وحل الخلافات المستدامة بين االتنطيمات الإرترية