الموت يغيب المناضل الكبير أحمد محمود أمس الجمعة
بقلم محمد توكل
غيب الموت أمس الجمعة المناضل الكبير أحمد محمود محمد حسين؛في منطقة “كمهلي” بدقعا داخل الوطن ارتريا؛ عن عمر ناهز الـ 80 عاما.
ويذكر أن الراحل قد التحق بجبهة التحرير الإرترية عام 1967؛ ثم انضم المناضل الراحل أحمد محمود في عام 1973 إلى صفوف قوات التحرير الشعبية وأخيراً في صفوف الجبهة الشعبية.
وكان سبب التحاق أحمد محمود بجبهة التحرير الإرترية أنه وقع مع 9 شبان من أبناء قبيلته في كمين لقوات الكوماندوز التابعة للقوات الإثيوبية في منطقة “عربتو” التي تقع في نهاية السلسلة الجبلية لتقاطع سمهر وإكيلي قوزاي وتوجد في هذه المنطقة نبع مياء وتحيطها مزارع.وقامت قوات الكومانوز التي عسكرت لاصطياد الباحثين عن الماء والكلا باقتياد الشبان الـ 10بعيدا وحاصروهم في زاوية ضيقة لتسهل لهم عملية التفتيش وبعدها تأكد لهم ليست معهم أسلحة بدأوا يسألونهم هل لكم علاقة بجبهة التحرير وهل تعرفوا عنهم شيئا وجوابهم كان بلا بل قالوا لهم أيضا لم نسمع بها أبدا.
وكان أحمد محمود يقول وهو يروي القصة قاموا بضربنا وأطفئوا السجائر وأعواد الكبريت في اجسادنا ورغم ذلك فشلوا في انتزاع اعترافاتنا حتى قاموا بذبح اثنان من زملائنا وبعدها لم أستطع تحمل الموقف وقمت بقطع غصن الشجرة وضربت به أربع من قوات الكوماندوز التي قامت بعملية الذبح إلى أن تمكن اثنان من زملائي بأخذ أسلحتهم وتبادولوا اطلاق النيران مع ثمانية أخرين كان يصوبوا باتجاهنا الأسلحة ورموا منهم اثنان لكنه مات منا اثنان واصبنا أنا وزميلي صالح على بجروح. وهنا تخيل لهم أن الجبهة وصلت ولم يلاحقوننا وبعدها تمكنا من الهرب بأنفسنا واحتمينا بالمزارع المحيطة بالمنطقة.
وهكذا نجا أحمد محمود الذي رحل أمس الجمعة عن دنيانا من أيدى قوات الكوماندز سيئة الصيد التي تطورت تلك الفترة في عمليات القتل وترويع المواطنين. وكانت هذه القوات تم تشكيلها من أبناء الشعب الإرتري في عهد الامبراطور هيلي سلاسسي واستخدموهم عملاء لهم.
وكان احمد محمود وصالح على احد زملائه قد جرحا ومات اربعة منهم اثنان بالزبح واطلاق النار . واحمد محمود الذي توفي امس كان احد الناجين من
فالراحل أحمد محمود هو شقيق المناضل الكبير “صالح محمود” الذي يقبع في سجون نظام أفورقي لأكثر من عقدين ولايعرف مصيره حتى الآن.
وقد أفنى الراحل أحمد محمود كغيره من المناضلين الإرتريين جل عمره في الكفاح المسلح إلى أن نالت إرتريا استقلالها في العام 1993.وكان الراحل مقاتلا شرسا وعفيف اللسان وقد عرف في أوساط أصدقائه وشعبه بالوطنيه.
وهذه هي بداية احمد محمود للالتحاق بجبهة التحرير الارترية الذي تبنى المقاغومة ورفض الاستسلام للزبح والموت وحمل بندقيته في صفوف جبهة التحرير الارترية.
وبعد الاستقلال فضل الراحل أن يبقى في “قمم جبال دقعا” بعيدا عن دهاليز السياسة إلى أن أتته المنية في مسقط راسه بـ “دقعا”.
ولم يشفع للراحل أحمد محمود نضاله الطويل في صفوف الجبعة الشعبية من اعتقال أخيه المناضل صالح محمود الذي تم اختطافه من قبل عصابات النظام ولايعرف مصيره حتى هذه اللحظة رغم الأقاويل المتضاربة. وكان الراحل لم يترك بابا إلا وطرقه لمعرفة مكان شقيقه صالح محمود لكنه فشل وعاد إلى مسقط رأسه حزينا على أخيه المسجون وعلى مصير الشعب الإرتري في ظل حكومة أفورقي وعصابات نظام الفرد الواحد التي اختطفت أخاه من منزله ومات حصرة عليه.
وصورة الراحل أحمد محمود لازالت محفورة في ذاكرتي لأنه كان أول شخص شاهدته وهو يحمل البندقية عندما جاء إلى منزلنا في “حرقيقو” في أكتوبر من عام 1974 حاملا خبر أخي محمد نور؛ الذي كانت قد انقطعت عنا أخباره حتى علمنا من الراحل أحمد محمود أنه يناضل في صفوف قوات التحرير الشعبية.
وكانت الأسرة في تلك الليلة محتفية بقدومه حتى التف حوله كل من الوالد والوالدة وجدتي من جهة الوالد؛ ومعهم أخي المهندس صالح طه الذي كان يطاردني كلما أقترب منهم الأمر الذي زاد فضولي واصراري للتعرف على احمد محمود وما يدور حوله وبعد أن فض الجميع حاولت التسلل إلى مكان تواجد الضيف أحمد محمود وبدأت أقترب منه حتى سمعته ينادي بالقول:تعالي محمد طه وبعد الوصول إليه وجدته في ملابس عسكرية وبجانبه بندقية حتى جلست إلى جانبه وبدأ يمسح رأسي ويسألني عن الدراسة وبعد أن أخبرته عن الدراسة قال لي شد حيلك حتى تذهب إلى القاهرة لمواصلة الدراسة. لأنه في ذلك الوقت كان عمي وأبناء أعمامي بالقاهرة وحينها كانت القاهرة قبلة ومقصد الإرتريين للتعليم.
ورغم الإضاءة المنخفضة التي كانت تأتي من مصباح صغير استطعت التعرف عليه وتأكد أنه ابن عمتي خديجة التي كانت دائما ما تحدثنا عن أبنائها صالح وأحمد؛ وتقول: إن أبنائي في التحرير( اختصارا لجبهة التحرير) وسيأتون بالحرية.وكان ذلك اليوم هو أول يوم أشاهد فيه مقاتل إرتري عن قرب.
ولم ألتق بالراحل أحمد محمود بعد تلك المناسبة السعيدة إلا بعد التحرير في أسمرا واللقاء الثاني بيننا كان في الصلح الذي عقده النظام في مدينة “عدقيح” بين قبلتي طروعا وصنعدقلي”.وكان في ذلك الصلح الدور الكبير ل احمد محمود رحمه الله وجعله في ميزان حسناته.
وبعد أن رأى المتغيرات بعد التحرير على الأرض بدأ الراحل اهتمامه الكبير بأبناء جلدته من خلال الجهود التي كان يقوم بها لاقناع الأهالي بالنزوح من الجبال التي لجأوا إليها بسبب الحروب؛وادخال أبنائهم المدارس.وكانت الصحة والتعليم من جل اهتماماته إلى جانب محاربة الفقر والمرض حتى أتته المنية بين أهله في مسقط الرأس.
ألا رحمة الله الفقيد أحمد محمود بقدر ما قدم لوطنه وشعبه . إن لله وإنا إليه راجعون”.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34523
رحم الله الراحل بقدر عطاؤه .. اللهم إحتسبه عندك شهيدا وأسكنه روض الجنان ,الهم أهله ودويه وأصدقاءه ومعارفه الصبر…والشكر لكاتب المقال الأستاذ محمد طه توكل.. إنّا لفتة منك مقدرة يستحقها المقاتل الراحل…وتدوين ما نعرفه عن الشهداء أصبح فرض عين اليوم فى ظلّ غياب الدولة