الفكر السياسي الارتري الواقع والطموح تفكير في التبني و درجة التطبيق

بقلم : دكتور الجبرتى

نعني بالفكر السياسي الارتري ، ما تدعوا اليه وتمارسه الجماعات السياسية الارترية القائمة منذ تكوين وتسمية ارتريا مستعمرة ايطالية  وحتي اليوم . كما نريد من مناقشة الموضوع التعرف علي نتائج أعمال الفكر السياسي الارتري ، علي واقع الكيان الارتري في كل جوانبه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، خلال بحثها عن الاستقرار والتنمية الرفاه لارتريا والارتريين .

وبهذه المقدمة نود ان يكون الاطلاع علي رأينا إنتاج لرأي اكثر تقدم وحوار للاضافة والتطوير ، قبل ان يكون راينا في الافكار موضوع لمناقشات جانبية وشخصية وذلك لتعميم الفائدة الراجعة من الكتابة في الموضوع .

ولأن الفكر السياسي يبحث أصلا في الوصول بالدولة ومجتمعها الي التنمية الايجابية  والرفاهية ، عبر صناعة الامن الشامل والاستقرار النموذجي ، سيكون محور عرضنا المختصر للفكر السياسي الارتري عبر مطابقته للاصل السابق ، والنظر لمدي تحقيقه لذلك ، وكيفيته ، وان لم يكن ، سنتطرق الي ما وجدناه من قصور باسبابه ، في محاولة هادئة للتفاكر حول موضوع تطبيقات الفكر السياسي العام والفكر السياسي الارتري ، لنري أين تكمن مشكلة العمل السياسي الارتري عامة .

وُجد ان تاريخ ثقافة الفكر السياسي في المنطقة عامة ، ينبع من الفكر الديني الوثني القديم ، ثم تطور ليبلغ ما استجد من ديانات عمومية ومذاهب تفصيلية . و كان لاتساع الارض والكفاية الاقتصادية للمجتمعات الأولي من بيئاتها ومحيطها الطبيعي ، أن تحقق لهم الاستقرار وأنتجوا الرفاهية النموذجية لكل مجتمع وزمان .

برزت أولي الومضات المؤرخة و أكبرها خلال فترة حكم أحمد النقاشي     ( رضي الله عنه ) قبل إسلامه ، كنموذج متقدم للفكر السياسي الذي حقق الاستقرار والتعايش بين مكونات دولته ، رغم تباينها الصريح . فكانت دولة القوة والعدل والمنهج الديني المتقدم . لجأ اليها كل من فقد الأمن وبحث عن الرفاه والاستقرار . فاستضافته واثرت عليه وشكلت عقله للتعايش مع البيئات الفكرية والمادية المحيطة به . وأدي هذا الرقي الفكري والسياسي الي حوار هادئ ، استسلم فيه عقل النقاشي أحمد (رضي الله عنه) للفكرة المتقدمة النابعة من معين فكره السياسي السابق ، للعدل والانسانية والتقدم والوضوح . فتقبلها بكل حرية لانه ايضا كان حرا يعرف العلاقة بين  الفكر والعقل والدين  وممارستهم .

استمرالفكر السياسي في المنطقة يستلهم من الفكر الروحي والوحي السماوي من كتب الرسل ، في نموذجيها المعروفين في الحبشة ، وهي القانون والتجربة الاسلامية ، والفكر النصراني القديم . وانتجت فكرا مستقرا في صورتها الأولي والثانية لمجتمعاتها .  واستمر معه ايضا الحوار الواقعي بين مكونات الفكر السياسي ، والتي تفرعت الي الفكر الاسلامي ، والفكر النصراني ، إضافة الي الفكر المحلي ذو الطابع الاقطاعي والقبلي التقليدي .

كطبيعة للحوار الفردي والجماعي للفكر السياسي السائد في المنطقة ، كان للفكرة الافضل والتطبيق الامثل أن ينجح ويثمر ، وينال حظا اوفر في القطعة الجغرافية التي يعيش فيها ، والبيئة البشرية التي ينتشر في أوساطها . وبما أن الفكر السياسي الاسلامي كان لاحقا للفكر الاقطاعي القبلي ثم الفكر النصراني في المنطقة ، فقد ظل يصارع من أجل البقاء والاستقرار ، ثم بعد تحقيقه لذلك ، انتشر بفعل الديناميكا الطبيعية ، بفضل تكوينه المتفتح وعمومياته التي تهضم كل مكونات الفكر البشري السابق ، والذي يحيط به ، في أي بقعة جغرافية علي الارض ومحيط بشري متوفر ، اذا ما وجد شرط الحرية والديموقراطية ، والتنافس الشريف في طرح وتناول الافكار السياسية .

إضافة الي ذلك توفر للفكر الاسلامي في المنطقة أفراد ذووا خبرة بالفكر الاسلامي نفسه ، وبإمكانيات عالية جدا ، وخبرات متقدمة بالمنطقة وثقافاتها ومجتمعاتها، وهذا هو العنصر الاهم والحاسم في تصدير ونشر الفكر الانساني عموما ، والفكر الاسلامي خاصة . فانتشر الفكر الاسلامي بتنوعاته المذهبية وحركته الفردية والجماعية ، وحقق صيتا ونجاحا كبيرا ، استسلمت فيه الجموع البشرية خلال قرنين او ثلاثة قرون من وصوله للمنطقة . فاصبح الفكر الاول بلا منافس ، والتجمع البشري الأكثر ، اضافة الي احتلاله للمساحة الجغرافية الاوسع ، وتمدده الدائم والمستمر ، لان الفكرة الناجحة لا حدود بشرية او جغرافية لها .

بعد نجاح الفكر الاسلامي في الاوساط النصرانية والتقليدية في المنطقة ، وتحقيقه لمكاسب المادة والروح . كان طبيعيا ان يتغير نوع الحوار الفكري والسياسي في المنطقة ، برغبة الافكار الاخري في العيش وقناعة افرادها بالافضلية ايضا . الا أن اسلوب الحوار تحول الي صراع وجدال افضي للخروج من المستوي العقلي للحوار الي المستوي المادي ، وتحول بذلك الي صراع لتحقيق النفوذ والمصالح المادية للافراد الذين يمثلون هذه الافكار . وهنا اصبح الحوار ليس فكريا وانما ماديا وشخصيا ، وفي مثل هذا الجو ،لا ينجح دائما الافضل وانما يفرض واقعا الاقوي ماديا . وعاشت المنطقة لقرون في صراع مادي يستخدم افراده الفكر الديني في اكثر مراحله ومواقعه ، من أجل تحقيق المصالح والمكاسب المادية للفرد المسيطر أو للمجموعة الأقوي . فكانت السيطرة سجالا ووتبادلا بين الاطراف البشرية والمادية ، فذل الفكر بكل اشكاله ، وانتشر الجهل  والمادة ، وضاعت الفرصة علي المنطقة فعاشت لقرون في جاهلية فكرية و تخلف مادي لافرادها ، اعادهم الي الصراع و الجوع والعطش والموت .

اصبحت القوة المادية هي المحرك الاول والفكر السياسي القائم في المنطقة ، استخدم الفكر الديني فيها بطريقة اوسع ، وتقاسم الفكر الاسلامي والنصراني المنطقة بتفوق الفكر الاسلامي بشكله الواقعي الاخير ، لانه كان الاوسع انتشارا جغرافيا في المنطقة ، والاكثر حاشية بشرية ، والاقوي فكرا ، بميزة أنه جاء لا حقا وحقق هذه المكاسب .

خلال القرن التاسع عشر وبعد نجاح الكشوف الجغرافية الاوروبية ، وتعرفها علي معظم المساحات الجافة وسكانها والمائية ومحتواها ، رغبت في استغلال الموارد المادية المتوفرة في هذه الجغرافيا الواسعة والمتعددة الغنائم ، اضافة الي الضعف الفكري والمادي للسكان الذين يخالطون هذه الموارد ، بل اعتبر الاوروبيون السكان ايضا موردا اقتصاديا يمكن استهلاكه لتحقيق الرفاه الاقتصادي الذي يبحثون عنه . وهذا حق طبيعي لمن له الحاجة والقدرة  . فانتشر إثر ذلك الصراع المادي بين مكونات القوة الاوروبية من جهة وبين سكان المواقع الجغرافية المكتشفة ، للدفاع عن مواطنهم او البقاء علي قيد الانسانية .

بدأ الصراع بين مكونات الاسرة الاوروبية سريعا وقويا لدرجة جعلت الصراع يتحول داخل القارة نفسها لاستغلال بعضهم البعض بالقوة . حيث كانت الصراعات الجهوية والقبلية والدينية مسيطرة عليهم ، جائت فكرة بعضهم لماذا يبحث عن الغني بعيدا لهذا الحد ، وهو قوي وقادر علي ان يستغني بالاوروبيين انفسهم . الا ان دور العقلاء في استخدام العامل الديني في ادارة الصراع المنهك ، تمكنوا من صد هذه الفكرة وتحويل الجميع الي خارج اوروبا . وقد نجح استخدام الفكر لديني في تحقيق السلام بين افراد القارة الاوروبية في هذه المرحلة . واستغل الدينيون هذا النجاح ، وبما ان الفكر الديني ايضا يسعي لتحقيق الرفاه للانسان في الدنيا والاخرة . ألبس قادة الفكر الديني الاوروبيون الحراك التوسعي للفكر الجغرافي ثوب الدين النصراني ، في أغلب مراحله . وذلك لاصطدامهم بالفكر الاسلامي في كثير من المساحات الجغرافية التي كانوا يظنون انهم اول من اكتشوفوها . واستخدم الفكر الديني ليكون مادة للسيطرةعلي عقول المستهدفين ، ولتحقيق مصالح الاوروبيين المادية من حركتهم نحو العالم الجديد .

نالت منطقة شرق افريقيا ذات الصراع الفكري والمادي الطويل ، حظها من التواصل الاوروبي ، بعد انتصار الطرف الاسلامي . فاستصرخ الطرف النصراني بالقوة الاوروبية معتقدا في الفكر الديني . وتحقق للقوة الاوروبية ذات الغطاء الديني ، موقعا لقدمها في المنطقة . واصبح نواة للفكر السياسي الحديث في المنطقة ، والذي وضحت فيه الفروق المادية والروحية للفكر السياسي الانساني في المنطقة . والتي أظهرت سريعا ماديتها خلال نصف قرن من حضورها ، حيث كان ظن المستنصر الحبشي روحانيتها . فهجمت عليهم الدول الاوروبية من كل الاتجاهات وحاولت استضعافهم واستهلاكهم ماديا وبشريا . فصارعوها بقوتهم وخبرتهم الحربية الباسلة ، مع تذكيرهم بضرورة العودة للروحانية التي استقدموا من اجلها . لكن الطرفين دفعوا ثمنا باهظا من اجل تحقيق الكل لمصالحه المادية .

كان الصراع الفكري السياسي في اوروبا نفسها يدور بين المجتمع والكنيسة ، والتي وصلت لحد الاستبداد الذي انهك المجتمع الاوروبي ، ومنعه من التقدم وتحقيق الرفاه العلمي ومن بعده المادي . والذي ظهر بقوة بعد اختلاط الاوروبيين بالقارات الجديدة ونهلهم من معينها الفكري الحر السائد فيها . وأدي التخلف العلمي للكنيسة ورغبة القائمين عليها استمرار وضع الاستهلاك المضر بالبشرية هناك ، لتحقيق رفاهيتهم الشخصية لهم وللاقوياء م الاباطرة والاقطاعيين ، ادي الي صراع فكري ومادي ، فجر ثورة قضت علي الفكر الديني والاقطاعي الاوروبي القديم ، في كل اركان الجغرافيا والفكر . وتأسس نتيجة لذلك الفكر السياسي الحديث الذي نعايشه . وانتشر في كل العالم بفعل الانتشار السابق للاوروبيين في البلاد التي كانوا يحتلونها .

خلال القرن العشرين وبعد احتلال ايطاليا للسواحل الشرقية من القارة الافريقية باسم التبشير الديني واعمار المناطق المتخلفة دينيا وماديا . وخلال محاولاتها التوسع وادارة الصراع  لتحقيق مصالحها المادية ، استخدمت كل الوسائل العقلية والفكرية والمادية من اجل البقاء والاستفادة . فتارة حققت للمسلمين مصالحهم التي فقدوها ، وذلك نكاية في قيادة نصاري الاحباش الذين منعوا تقدمها بفضل قوتهم العسكرية وخبرتهم بالمنطقة . وتارة بتوزيع الادوار بينهم والنصاري والاديان التقليدية . فاستفاد مجتمع المنطقة ومفكريه من الخبرات والتجارب الادارية التي يعمل بها الطليان من اجل تحقيق مصالحهم .

جاء البريطانيين اثناء فترة الانتداب الاممي لهم الي ارتريا ، واضافوا تجربة واسعة متميزة للشعب الارتري ، بسماحهم لممارسة الحرية الفكرية في كل اشكالها السياسية والدينية والمادية . فاخرج كل منهم ما بجعبته من امكانيات صنع بها مؤسساته التي تحقق له اهدافه ومصالحه الجماعية . وظل الفكر الديني القائد للسياسة هو المسيطر ، لسبب حالة التنازع التي صاحبت خروج الايطاليين من ارتريا ، ورغبة الامبراطورية الاقطاعية الحبشية النصرانية في التوسع بضم منطقة الاحتلال الايطالي الي سلطتها ، لتحقيق مصالحها المادية . فاستخدمت الدين وسيلة مهمة في ذلك ، وبلغت به مبلغا صنعت حواجز قوية متينة بين مكونات مجتمع منطقة الاحتلال الايطالي ارتريا .  وظهرت الافكار الاوروربية الحديثة لادارة الدولة بالفكر الديموقراطي الحر ، والفكر اليساري الشيوعي والاشتراكي ، اضافة الي الفكر الديني السائد والاقدم في المنطقة .

لعموم رغبة الاوروبيين في ابعاد الفكر الديني عن طرق إدارة الحوار والصراع من اجل ادارة الدولة ، لتجربتها المريرة مع الكنيسة التي حكمت اوروبا ، بالحديد والنار ورفضت العقل والعلم . وظنا منهم بان كل الاديان ستمارس وتمارس نفس المهمة الاجرامية المتخلفة ، التي عايشوها . فقد وقفوا بصلابة ضد كل الافكار السياسية الدينية والاسلامية منها علي وجه الخصوص ، وهو ما نعايشه اليوم في كل التجارب الاقليمية والدولية التي يحاول فيها المفكرين الاسلاميين الوصول الي ادارة دولهم ، وممارسة كل الاساليب المتخلفة والقمعية التي مارستها الكنيسة ضد فكرهم العقلاني والعلمي . وهذا كاف لكل عاقل وعالم منهم ومنا ان يسأل لماذا هذا الصراع ؟ لماذا يخافون تجربة الفكر الاسلامي في ادارة الدولة ؟ باستخدام نفس اساليب القمع الكنسي السابق لهم ؟ لماذا لا يجعلونها موضوعا بحثيا علميا واقعيا ؟ لننظر أنهتدي ونهدي أم لا .!

تحرك المجتمع الارتري خلال صراعه من اجل الاستقلال ، اثناء الحركة الفكرية السياسية للاستقلال ، ثم خلال حرب التحرير ، تحرك بين دول الاقليم المحيط به و المساحة الدولية . وتاثر في حراكه بالفلسفات الفكرية السياسية السائدة اقليميا ودوليا ، وهي الفكر الاسلامي ، والفكر اليساري العربي ، ثم العربي الشيوعي .

بعد خروج المحتل الايطالي من ارتريا ساد الفكر الاسلامي وكان الغالب في ارتريا عبر الرابطة الاسلامية ، ودعا الي الاستقلال الكامل وعدم الانضمام للامبراطورية الاقطاعية النصرانية الاثيوبية . و قد ادي هذا الفكر وبمرونته واستيعابه للواقع والمستقبل ، وضمانه لحقوق الاقلية النصرانية في الدولة الوليدة ، ادي الي اقناع معظم القادة الاجتماعيين من النصاري . فاستخدمت الامبراطورية الاقطاعية مادة الدين لتحقق مصالحها بتفريق الاخوة الارتريين اولا ثم محاولة ابتلاع القطعة الجغرافية الارترية . فتمكنت من تحقيق الأولي ، ووقفت الثانية حجرا في حلقومها ، حتي قتلتها . واستمر حجر الاساس الذي وضعه الفكر الاسلامي محددا وحيدا  لشكل العلاقة مع اثيوبيا في كل اطوارها حتي اليوم .

بعد عقدين من تجربة الرابطة الاسلامية ووضعها لحجر اساس الفكر السياسي الارتري بالانفصال عن اثيوبيا ، من اجل تكوين دولة منفردة ، وتحول الصراع الي مواجهات دامية وعنيفة مع المحتل الاثيوبي . وخلال البحث عن دعم مادي للثورة من الجوار الاقليمي والدولي . تأثرت المجموعات الارترية الثائرة بالدعم المادي المشروط وقبلت به ما دام سيحقق لهم الفكرة الاساسية ، وهي الاستقلال من اثيوبيا . الا أن ضعف التجارب الفكرية غير الاسلامية للمجتمع الارتري ، وكثرة الافكار الوافدة لهم مع الدعم المادي المشروط ، عطلت مجري الثورة ، وحولته الي صراع بين الاخوة من اجل تسويد فكر بعينه . وتشتتت الثورة ولم تحقق سوي الخيبة للشعب الارتري بعد عقدين من الدماء والتنكيل الأثيوبي .

استغلت مجموعة الجبهة الشعبية  الفكر الديني لتجميع اتباعها ، وخلطته بالفكر الشيوعي ، لتضليل المجتمع الارتري ومضاعفة قوتها البشرية والظهور بالوطنية والقومية الشاملة ، ولتحقيق الفائدة المادية من اصحاب الفكر الشيوعي واليساري . وحققت الهدف الكبير والرئيس للفكر الاسلامي والشعب الارتري  وهو الاستقلال وعدم الانضمام لاثيوبيا ذات القوة النصرانية .

للتداخل والخلط الذي حققته الجبهة الشعبية النظام الحاكم في طرحها الفكري ، ورغم وضوح رغبتها عبر اطروحاتها الفكرية السابقة واللاحقة للاستقلال للباحث الذكي ، الا انها ولحداثة تجربة الاستقلال الهدف الاكبر ، اعمت معظم الشعب الارتري عن فكرها الحقيقي ورغبتها في الاستئثار بالدولة ، وهذا ليس عيبا ان كانت تريد تحقيق اهداف الفكر السياسي من ادارة الدولة ، والذي هو تحقيق الامن والاستقرار والوصول بالمجتمع الي افضل رفاهية ممكنة ، كما تفعل دولة الجوار اثيوبيا ويحاول السودان وجيبوتي . ففشلت في تحقيق اي نوع من المطلوبات المادية التي تتأسس عليها كل الافكار السياسية ، ونري الشعب الارتري اليوم بكل مكوناته الطائفية والعرقية والاقتصادية  والعلمية ، يباع في سوق النخاسة الاقليمية اسبيرا بشريا ، وطعاما للأسماك في البحار ووجبة لوحوش البراري ، ومادة لتجارة البشر . وهذا فشل علي مستوي الفكر والتطبيق لاي مستوي اونوع من الفكر السياسي . الا ان يكون التدمير وتخريب المجتمع والدولة الارترية  والعبث بها هو الهدف الخاص للرئيس والعام للجبهة الشعبية .

بعد الهروب الكبير للجبهات الأرترية الي السودان وتحللها الي تنظيمات شخصية وقبلية وجهوية ، وسكونها لفترة من الزمان ، اثرت علي افرادها وافكارهم في تحقيق اهداف الفكر السياسي العام للمجتمع الارتري عامة والخاص بالمؤسسة السياسية في حدود افرادها ومجتمعها الذي يؤمن باسلوبها الفكري والتطبيقي لتحقيق الاستقرار والرفاه لافراد التنظيم ثم الدولة أو العكس . وهذه حقائق تاريخية لا بد من الاعتراف  بها وتسميتها باسمائها ، للوصول الي نتائج تحقيق الاهداف السياسية العامة والخاصة لكل فرد ومجموعة .

خلال بحث التنظيمات الارترية ومحاولاتها لبعث حياتها ، للمشاركة في الفعل السياسي لتطوير الفكر والتطبيق  من اجل تحقيق الرفاه للمجتمع الارتري . تاهت بين مكونات الفكر السياسي الاقليمي والدولي ، وتحولت من يميني الي يساري الي ديني الي جهوي وقبلي ثم شخصي . وهذا ليس عيبا أو نقصا اوتخلفا كما يظن البعض في بعض الاشكال التنظيمية التي نعيش واقعيتها وحقيقتها ، وتفرض وجودها وفكرها السياسي في واقع العمل السياسي ، بمشاركتها وفاعليتها في تحريك العمل ن أجل تحقيق الاهداف العامة للفكر السياسي ، ومطلوبات الانسان الارتري من الاستقرار والتنمية والرفاه .

توزعت التنظيمات الارترية التي تبنت الفكر الاسلامي لتحقيق الاهداف العامة للفكر السياسي ، بين المذاهب الفكرية والمذهبية الاسلامية . فسيطرت عليها موضوعات تفصيلية خاصة جدا وفرعية في الدين والتدين ، وفي حدود الشخص ومجتمعه الخاص مرة . ومرة أخري دارت به في حلقة النقاش والصراع الفكري السائد بين رئاساتهم الخارجية  والافكار الاخري . في تجاهل للوضع الارتري والشعب الذي ينتظرهم ليفرجوا كربته ببركة الشيوخ والدعاء والجهاد الذي يعتقدونه . فأصبحت قضايا العالم الاسلامي والارتهان لبرامج الشيوخ الدوليين اولويات فكرية وعملية لهم ، منعتهم من التفكر والعمل في انجاز بسيط جدا من اجل الشعب الذي تتزايد  مأساته يوميا بأبشع الأشكال . وسكنتهم تفاصيل الصراع علي السلطة بجهوية وقبلية وشخصية ومذهبية . فتفرقوا الي جهات مذهبية اولا ثم الي قبلية وبلغت بهم النهاية الي الشخصيات المسيطرة وصاحبة النفوذ . وضاعت الفكرة والنتيجة الحقيقية هي ما هم عليه وما عليه الشعب المنتظر ، ومدي ما تحقق من أهدافهم العامة والخاصة خلال عقد من تاريخ بداية اعمالهم التطبيقية للفكر السياسي الذي ينهجون .

تنظيمات اخري تبنت الفكر اليساري  الشيوعي  والقومي البعثي ، والذي لم يستطع الفوز علي المستوي الدولي ولم يحقق اهداف الفكر السياسي لمؤسسيه  ،  وهزمته الراسمالية  بفكرها  وتطبيقها ومهاراتها . رغم ذلك يظل الفكر اليساري مسيطرا علي بعض التظيمات اليسارية في انتظار طويل وممل ، عششت عليه القبلية والرمزية الشخصية  ، ولم يحقق لافراده شيئا من الرفاه ، ولم يتوسع ليزيد ممن يؤمنون بفكرته وموضوعيته لتوفير فرص الحياة الانسانية للشعب الارتري في الداخل والخارج . فحينا تجره التنظيمات الاسلامية ، لانه يمثل بعضا من مكوناتها الاجتماعية لتستفيد منه في زخم العمل السياسي ، والتبرير لوجودهم معا في الساحة . والنتيجة ماثلة امام المجتمع الارتري الذي تحول الي منتظر للرموز والشكليات الفكرية التي لم تنتج له سوي مزيد من الالم والضياع . والواقع هو ما نشاهده من نتائج علي ارض الاعمال ، فلا فكر تطور ولا انتاج مادي لتطبيقات فكرهم علي ارض الوطن ولا بلاد اللجوء والمنافي .

نتيجة لعدم نجاح تنظيمات الفكر القومي والوطني في كل شكل من اشكاله الدينية والمذهبية والشمولية اليسارية ، ولعدم تحقيقه لأي من أهداف المجتمع الارتري العامة او الخاصة ، من هزيمة لمن يصنع بؤسه ، ومن ثم استقرار في بلاده وتنمية ورفاه . ولأن الانسان الفرد او الجماعة وفي كل اشكالها الحياتية ، لا تنتظر كثيرا لتحقيق الاستقرار والتنمية والرفاه لدائرتها الضيقة ثم الاوسع ، وللاحتقان القبلي الذي لا ينكره احد داخل التظيمات المذهبية الدينية او اليسارية والوطنية القومية ، والتي سببها الاول ضعف تطبيق الفكرة السياسية الاساسية علي أي مستوي . تراجع المجتمع الارتري خلال بحثه عن الخلاص ، الي محاولة تجريب تنظيم الجهويات والقبليات بصورة واضحة وصريحة ، لحل الازمة الانسانية التي ألمت بمجتمعاتهم وقبائلهم ، والمشاركة مع التنظيمات السياسية التقليدية السابقة واللاحقة ، لتحقيق أهداف الفكر السياسي  ،  لهزيمة العدو المشترك والوصول الي الاستقرار والتنمية والرفاه . ولن يتحقق رفاه لقبيلة او جهة دون اخري ، اوتنظيم دون اخر ، اذا ما كانت أهداف الفكر السياسي هي نفسها ، وأدوات التطبيق الحديثة سليمة وتتوفر لها الخبرات بل سيعم الرفاه الجميع . ولان هدف كل المؤسسات والتنظيمات والاحزاب في عصرنا الحاضر هو الانسان . ولحداثة تجربة الكيانات القبلية والجهوية الصريحة ، فإن نتائج نجاحها او فشلها في تحقيق الاهداف العامة للفكر السياسي ، ما تزال في طور التشكل ، ونري ان هنالك نجاحات في المستقبل ، لما تشير اليه الخطوات التي تتحرك عليها هذه التنظيمات. ورغم مشاركتها لدرجة من الفشل العام في تطبيق اهداف الفكر السياسي ، الا أن حداثة الفكرة واسلوب تطبيقها يحتاج الي انتظار نتائجه وتاخير التعليق ودراسته حتي تكتمل دورته الاولي .

توفرت للوضع السياسي الارتري اشكال تنظيمية لا ترقي لان تكون منظمات سياسية ذات فكر محدد او واضح ، وهي عبارة عن افراد لا يتجاوزون العشرة واقل من الثلاثين، يجتمعون تحت مسمي سياسي ، يحاولون عبره المشاركة في الاجسام الجماعية الاكبر لتحقيق اهداف شخصية او عامة . وهذا النوع وبصورته الواقعية لا يستطيع الباحث ان يتحدث عنه او يبحث عن فكره ، لعدم تجاوزه للمساحة العددية او تحقيقه للبعد الذي يجب ان يحققه خارج مجموعته الضيقة جدا . إلا أن الواقع المعاش لتطبيقات الفكر السياسي الارتري تقبلته وتتعامل معه لاغراض مبهمة وغير مفهومة . كما انها لن ولم تحقق شيئا من اهداف الفكر السياسي الثلاث .

مما سبق نخلص الي ان الفكر السياسي الذي تقوم عليه التنظيمات السياسية الارترية بما فيها التنظيم الحاكم ، ورغم تبنيهم لقوالب فكرية جاهزة ومستوردة من الخارج ، فشلت حتي الان في تحقيق الاهداف العامة لطموح الأنسان الارتري ، بسبب ضعف المكونات الفردية للقائمين عليها ، وهو ما يوضحه للعيان واقع النتائج التي حققتها خلال الخمس سنوات أو العشرة الاولي من ظهورها كمؤسسات سياسية في الساحة الارترية . وأنها اذا ما ابتغت الوصول الي غاية  التطبيق الاسلم للفكر السياسي العام لخدمة الانسانية في ارتريا ، فعليها الاعتراف بواقع العجز ، وان اسبابه البشرية المتمثلة في قادته ومنظريه هي موطن الضعف الاكبر والهادم للفكرة قبل التطبيق . ثم محاولة جذب اكثر عدد من المتخصصين علميا واصحاب التجارب الناجحة المنتجة ، وفتح الفرصة امامهم ليحلوا محل القيادة والتنظير والبحث ، حتي تحقيق الاهداف الاساسية وبعدها الثانوية .  ومن بعده  البحث في التوافق والمزج بين التنظيمات بعضها البعض ، التي تتفق في ما يزيدعن ربع الاهداف . والخروج بمؤسسات أفضل عاجلا . فالواقع لا يحتاج لبحث أوتعليق أو تأخير أو نقاش وجدال .. كل يوم غرقي وكل يوم دافعوا فدية ، وكل ساعة انتهاك عرض انثي ارترية  .

والسؤال الذي نختم به هذا التفكر هو : هل لدي التنظيمات السياسية وافرادها الجرأة للاعتراف بفشلها في تطبيق افكارها علي ارض الواقع ؟ وهل تستطيع باعترافها التوجه الجاد نحو الحلول الواقعية المطلوبة للعلاج ؟ هل تستطيع التنظيمات ذات الفكر المتشابه التماذج لاعادة ترتيب اوضاعها واولوياتها لتحقيق الاستقرار للانسان الارتري التائه ؟ هل يستطيع اي فرد ارتري له عضوية في تنظيمه الاعتراف بالفشل والبحث عن تنظيم اخر اكثر فاعلية واداء والتواصل معه لتطبيق اكبر قدر من الاعمال لتحقيق اهداف الفكر السياسي العامة ؟

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34622

نشرت بواسطة في يونيو 1 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010