إذا كثرت العصابات كثر المجرمون

الحسين علي كرار
1)أثناء حرب بادمي حصل نقاش بيني وبين أحد كوادر الجبهة الشعبية ، وكان مسئولا في إقليم معين في المملكة العربية السعودية ، وقتها كانوا يتجولون لجمع الأموال والتبرعات للمجهود الحربي ، وكانت معرفة سابقة بيننا ، وبحكم العمل كنا في السوق نشاهد بعضنا ، وفي يوم من الأيام كنت جالسا في مقهي في أحد المراكز الكبيرة ، فسلم عليّ وجلس ، ثم أعطاني محاضرة طويلة عن القتال والأثيوبيين والدفاع عن الوطن – وهو يعلم إنتمائي لجبهة التحرير الأرترية – ولهذا قال : وبغض النظر عن الإختلاف بيننا لا بد أن تشارك معنا في المجهود الحربي لقوات الدفاع الشعبي ، قلت له كلامك جميل وأن الدفاع عن الوطن واجب ، ولكنك كيف تضمن أن ما سأدفعه لك سيصل لقوات الدفاع الشعبي ولا يصرف في مجالات أخري وأن غذاء الجيش الآن هو العدس ودقيق المعونات الخارجية – وقتها كانت المنظمات الأجنبية تقوم بتقديمها للشعب والحكومة الأرترية كانت تصرفها في إحتياجاتها القتالية – صرخ الرجل بكل غطرسة وقال : أوووو عرفتك أنت من المجرمين الذين يضعون المتفجرات والقنابل في الطرقات ويقتلون الناس أنتم مجرمون ، هذا ما قاله منفعلا ، والله علي ما أقول شهيد ، قلت له إذا كنت تعرفهم فأنا منهم ، فقط استمع إليّ وبعد ذلك بإمكانك أن ترد ، أنت تعرف ما فعلته أثيوبيا بالشعب الأرتري وبكل الفظائع والجرائم التي إرتكبتها من قتل وتشريد و إحراق وتدمير وسجون ، عذاب ما بعده عذاب ، ولكن أثيوبيا مع فظاعتها عندما كانت تتهم الشخص وتعتقله، كانت أسرته تعلم في أي سجن هو وفي أي مدينة ، وكانت تسمح لهم بزيارته ، وكان يقدم للمحاكمة  ، فتحكم عليه بالإعدام شنقا  أوالمؤبد أو السجن أو تطلق سراحه ، ولكن أنتم تعتقلوا الأشخاص ووجوهكم ملثمة أثناء الليل أوتخطفوهم من الطرقات قبل أن يشاهدكم أحد ، وأساليبكم في الخطف كثيرة، ومن تعتقلونه تبلعه الأرض ، لا عين رأته ولا أذن سمعت به ، وإذا سألكم عنه ذويه ، أجبتموهم لو عدتم مرة أخرى ستندمون ، فلا يسألكم أحد بذلك ، يا سيد (فلان) هذا ما تفعلونه ، وهو أسلوب عصابات الإجرام ، فإذا كثرت عصابات الإجرام بالتأكيد سيكثر المجرمون ، ماذا أنت قائل ؟ فصدم من السؤال وتلعثم وغادر المكان دون النطق بكلمة ،  وبعد غياب سنة تقريبا بالصدفة تقابلنا واستأذنني الحديث، ، قال دار بيني وبينك نقاش حاد قبل هذا ، وأنا والله جئت من أرتريا وأنت ربما تعلم ، أنتم المعارضون تظنون أننا جواسيس للنظام وعندما نذهب إلي أرتريا تعتقدون أننا نقدم أسماء كم  ومتي ذهبتم سيعتقلونكم فتخافون الذهاب ، وأنا والله لم أسجل إسمك وإذا أردت أن تسافر اليوم فسافر فمن عندي والله أحلف لك لا يأتيك شئ ، فشكرته علي هذا الشعور ، وعرفت من أحد جيرانه بأنه عاد متمردا يشتم  النظام لأنه وزوجته كانا من ضحايا النظام وهما من الذين دفعوا بالدولارات الثقيلة من أجل الحصول علي قطع الأراضي في أسمرا والتي أصبحت سرابا ، فخسروا.
2) كان تربطني علاقة عمل مع أحد الملتزمين بالنظام والمتعصبين له في كل شئ، وهو كذلك يعرفني أنا من المعارضة ويعرفني كذلك أنا من جبهة التحرير ،  ولكن للحق أقول أنه رجل محترم ومؤدب لا يحاول أن يتطاول ولا أن يجرح شخص بحديث مؤذى ، وكان يتجنب الحديث مع المعارضين ولا يخسرهم ، هذا ما كنت ألاحظه ، وفي مكان عام (هايبر) كان يعمل فيه ، كنا نتحدث حديث عادي وحديث عمل ، وفجأة ظهرعلينا أحد العاملين معه ، وهو من المتعصبين الذين كانوا يقولون نحن الشعبية جئنا  فيا أرض إهتزي لنا فأقدامنا الثقيلة ستخرقك ، ويا سماء إن شقي لنا فقامتنا الطويلة ستصيبك — وسوف أذكرهنا استطرادا عينة متغطرسة أخري قبل الدخول في هذا الموضوع  كان نقاش بين مجموعة في الأوضاع العامة وخاصة ما ترتكبه الشعبية من جرائم ، فقال أحد المتغطرسين المتعصبين  ، نحن  والله بلواء واحد من الجيش الشعبي نستطيع أن نحتل الخرطوم عاصمة السودان ، فمن تكونوا أنتم ومن يكون السودان ، فرد عليه أحد الجالسين وهومسجون ولا يعرف مكانه ولا أعرف لماذا ذهب ، والله متي وطئت أقدامكم مدينة كسلا عليكم أنتم أن تفتشوا رأس رئيسكم إسياس أفورقي معلقا في متحف الخرطوم ، فكانت الإجابة صادمة له وملعثمة فإنصرف – ونعود إلي الموضوع ، وقف هذا القادم غضبان وعبوس ، وسبب عبوسه وغضبه أن صاحبه هذا كان يتحدث معي باللغة العربية ، وقف دون سلام ودون كلام برهة يستمع ، ثم قال أسمع أنت – يخاطبني – قلت نعم ، قال لماذا لا تتحدث بلغة التجرنية ؟ ، كان المكان عام (داخل هايبر) فحاولت أن أتجنب النقاش معه  ، فقلت لا أعرف التجرنية ، فقفز قفزتين وشهق وقال أوووو ،  أنت سوداني ، والغريب كان يتكلم معي بالعربية ، ركزت علي ملامح وجهه ، وقلت من باب الإقحام ، هل تعرف التجري ؟ قال – لا- قلت له أوووووو ، وأنت متي وصلت من التجراي ؟ – والله علي ما أقول شهيد هذا ما حدث – تجمد دمه الفائر،وتقزم حجمه المنتفخ ، فلم تهتز له الأرض ولم تنشق له السماء ، وأصابته الصدمة وتلعثم  ، وقبل أن ينطق بكلمة واحدة رد عليه زميله بالتجرنية (تقاقيخا) أخطأت ، وذهب دون أن ينطق بكلمة , وأعتذر لي هذا المحترم .

هذه العقلية ليست عقلية الأفراد وإنما عقلية الجماعة وهي العقلية الحاكمة في أسمرا والعقلية المعارضة منهم في أديس أبابا واوربا أوأمريكا ، والمعتذرون منهم القلة.

    3) إن ما يحدث في أديس أبابا من إستهتار داخل المعارضة ليس بالشئ الغريب أو الجديد، وهو شئ قديم يعلمه الجميع ، فمنذ تكوين الدولة الأرترية وقبل تأسيس الرابطة الإسلامية وقبل خروج الثورة الأرترية ، وقبل الاستقلال والتحرير ،تجدهم في الضفة الأخري مع أثيوبيا ، وهم جادون لحماية حقوقهم ومستقوون بها ومتغطرسون ليهيمنوا، مقابل أناس متخاذلون ويستنجدون ويستغيثون ، ولا يعرفون ماذا يريدون؟

أناس همهم رفع شعارالديمقراطية المزيفة ليحكموا وأناس همهم البكاء  لإثبات حقوقهم وثقافتهم وهويتهم وأرضهم ليعيشوا  ، أناس يرفضون حكم  أفورقي ويدعمون أفكاره المدمرة من داخال المعارضة لإثباتها في مستقبل الحكم ، وأناس يرفضون أفورقي  في الحكم ، ويقبلون ويناقشون أفكاره مع من يعارضونه منهم ، عجائب وتناقض ، إن ما يحدث في أرتيريا لشئ عجيب ، جيش من تجرنيا أثيوبيا يبنيه النظام في أرتريا ليحمي به نظامه ، ويرفضه إخوته التجرنية المعارضون له ، وهم في نفس الوقت يبنوا جيشا آخر ، من تجرنيا أرتريا تشكله أثيوبيا ويرفضه أفورقي ، ومعارضون التجرنية يرفضون الجيشين ، ولا يستطيعون أن يكوّنوا جيشا ولا وحدة في ما بينهم ،  إنه صراع مرير مستقبله مظلم ، التجرنية في الدولتين بينهم صراع شديد في: لمن تكون السيطرة منهم علي الأكسوميين في الدولتين ؟ وكلاهما غير متردد في إبتلاع حقوقنا الوطنية .

مسلمون المرتفعات وسكان المنخفضات هم ضحاياهم في هذا الصراع المستمر منذ دعمهم الإمبراطور هيلي سلاسي بحزبهم الإندنت (الوحدة)  ، في السابق كانت السيطرة  لتجرينية أرتريا ، ولكن تحول المركز إلي تجرنية أثيوبيا ، وهذا ما يرفضه نظام أفورقي لأنه يعني نهاية سيطرة الحماسين علي التجرنية قاطبة منذ عقود .

ولكن ماذا نمثل لهم في هذا االصراع  ؟ لا شئ ، لا شئ ، ما نفكر فيه نحن بوحدة أرتريا و نظامها خارج دائرة تفكيرهم ، وما نحن في نظرتهم إلا هامش نساق كوقود في حروبهم ، يجيشوننا حيث يشاءون ، ويقودننا كما يشاءون ، سواء كانوا في النظام ، أو كانوا خارجه في أديس ابابا ، لأنهم أفقدونا بالسيطرة والإذلال عند الغفلة  قدرة المقاومة ،  ولكن ماذا يجب علينا فعله؟ نحن أولويتنا يجب أن تكون ، لا نريد لا حريتهم ولا ديمقرطيتهم التي تسطّرمن القوي الإقليمية والدولية علي مقاسهم ، نريد أولا وقبل كل شئ لبناء دولة واحدة مستقرة ، أن يعترفوا بالتوازن  الثقافي المفقود ، أن يعترفوا بظلمهم ونكرانهم  بعودة لاجئيننا الذين قذفت بهم حروب التحريرفي معسكرات اللجوء ، أن يعترفوا  بأرضنا التي تسلب تحت مسميات التعمير الغير معمر ، أن يعترفوا بالإقصاء الشامل الذي فرضوه علينا ، وبعد ذلك يجب الحديث معهم في ديمقراطية العالم الثالث الموعودة والتي تبيعها أميركيا حسب مصالحها المطلوبة ، هذا هو الصوت المفقود ، وللحقيقة لم يسمعوا هذا الصوت بوضوح إلا من رابطة المنخفضات حديثة النشأة ، فيا شباب المنخفضات لا تهينوا ولا تستكينوا ، فما هو قادم أعظم ، و يجب دعم ومساندة ما يقوم به مسلمون المرتفعات الأشاوس والذين  يعيشون في جزيرة يحيط بها بحرقاتل متلاطم  .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35328

نشرت بواسطة في سبتمبر 6 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

2 تعليقات لـ “إذا كثرت العصابات كثر المجرمون”

  1. عامر

    على جميع مسلي ارتريا ، يجب ان نعرف حقيقة واحدة، اذا لم نترك الخلافات العنصرية، والازدراء من قومية واخري أو من قبيلة واخرى ، ه( هذا تقري، هذا تقرينيا، هذا ساهو، وهذا عفر … الخ). فتستمر سيطرة من هم كانو سببا في بعثرتنا وتشتيتنا، ويجب ان ننسى ان ننعم بالاستقرار والديمقراطية في ارتريا.

    وشكرا

  2. عبدالله

    تسلم يا الحسن علي كرار على هذا المقال الرائع

    تبدأ التوبة بالإعتراف بالذنب — ومن لم يعترف بجرمه يعتبر لازال مصر على الإجرام الذين كان يمارسه في السابق

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010