إنقاذ النفس قبل إنقاذ الوطن مشرط التغيير الديمقراطي
بقلم أبوعادل : عمر محمد صالح abu.adill4@gmail.com
الى متى نخدع أنفسنا ونملي عليها مالا تؤمن به أو تعتقده من الشعارات الوطنية .. والى متى سنسير في الطريق الذي لا يؤدي الى إنقاذ الوطن.. إن التضحيات الكبيرة التي ُقدِمَت لم تصدر عبثاً بل من الأشخاص الذين إستطاعوا إنقاذ أنفسهم أولاً من الأنانية وحب الذات وبالتالي تمكن هذا النموزج الفريد للبشر من تحقيق شعار الإنقاذ عبر الإخلاص والتفاني الذين أنتجا القدرة على تقديم كل تلك التضحية الكبيرة التي أزهلت المجتمع الإرتري حينها ولازالت .. إلا أن الذين تعثروا في طريق الإقتداء بهم والتخلص من الأنا قد فشلوا في الإختبار الوطني الكبير وبالتالي لم يرتقوا الى مقام الإستعداد للشهادة ومن الطبيعي أن نجدهم قد ضعفوا أمام رغباتهم الذاتية الوضيعة فأداروا عجلة الثورة في الإتجاه الخاطئ المؤدي للعداوة والخصومة والرغبة في التخلص من الصديق قبل العدو .. والخلاصة بلوغنا هذه المرحلة النكدة من مسيرة الدولة الإرترية التي تعتبر النسخة الكربونية لمسيرة الثورة وما قبلها من إرهاصات .. فهل حان الوقت لنفهم معنى أن ننقذ أنفسنا أولاً من كل تلك الصفات السالبة التي تجعلنا نمتلئ بخصال الأنانية وحب الذات والدفاع عن المصالح الذاتية بدلاً من الدفاع عن المصالح العامة للمجتمع الإرتري..
إن إنقاذ الشعب الإرتري من آثار الإنحراف التنظيمي الهائل الذي أصاب بناء العلاقات البينية لمجتمعه بشقيه العرفي والسياسي وتجفيف مسارهما من كل هذا الرصيد المتدفق من المعاناة التي إنطلقت منذ مراحل سابقة لعمر الثورة .. هي تفاصيل يصعب جمع أطرافها وربطها بمايحدث للشعب الإرتري الآن مالم نفتح أبصارنا على كل التفاصيل السابقة لمرحلتي الثورة والدولة .. والتي ترسخت في الذاكرة الجمعية على شكل إنطباعات وعادات إجتماعيه وثقافية متوارثة أومنبثقة من معتقدات دينية ومزهبية متفرقة وأخرى من إفرازات التلوث الثقافي بأفكار فلسفية وسياسية وافدة على مجتمعنا العذري الذي تشوه بسبب تلاقحه بتلك الأفكار والمعتقدات السلوكية التي أصبحت وللأسف المرجع الثقافي الإستلابي للمزاج الإرتري العام .
وعليه من يتحدث عن الإنقاذ ويرفع شعاره يجب أن يكون صادقاً في قوله وفعله وأن يراعي فهم وإدراك حقيقة مايدور في إرتريا اليوم، لأن تجاهل التفاصيل والإعراض عن رؤية الأمراض التي تنخر مفاصل مجتمعنا الأساسية وتهدُّ أرضية التعايش القائم يعني مشاركة العدو في الدور الذي يقوم به لخلخلة التماسك الثقافي والتوافق المزاجي للمظهر والسلوك العام الإرتري.. كما أنًّ على كل من تصدى لعملية التغيير الديمقراطي أن لا يردد شعاراتها إن كان يجهل أبعادها أولايملك مفاتيح ترجمتها على أرض الواقع .. إن فشل المسار التنظيمي للقوى المناهضة للهقدف اليوم ساهم بقدر كبير و لايزال يسهم في تقوية العدو وإطالة عمره وجعله صامداً وقادراً على خلق المبررات لبقاءه ..
لا سبيل إذن أمامنا إن أردنا رفع شعار الإنقاذ للوطن سوى السير في الطريق المؤدية إليه .. وهي طريق الذات التي باتت تقودنا اليوم لرغباتها بدلا من أن نقودها نحن لتحقيق تطلعات كل أبناء الوطن .. أي بمعنى أنه يجب تسليط الضوء على الأدوار التي يقودنا اليها منطق العقل الجمعي لأنه منطق يتميز بالإستقرار والثبات بينما لايتوجب علينا أن نسلط الأضواء على الأدوار التي يقودنا اليها منطق الرغبات والنزوات الشخصية المتميزة بالتقلب وعدم الثبات .. وبالتالي علينا أن ندرك تبعات كل قرار قبل إتخاذه وأن نميز بين القرار الذي يقوده منطق العاطفة والذي يقوده منطق العقل .. وهي قراءة تفصيلية لابد منها لنرى موضع أقدامنا ومن ثم لنتوخى الحرص كي لا نفقد توازننا الجمعي وتماسكنا النفسي.
إن التظاهر بالقدرة في الوقت الذي يتملكنا فيه العجز لا يعد من القرارات التي يوافق عليها منطق العقل بل العاطفة هي الدافع وراء هدا التكتم وهي التي توحي لنا ما ينبغي علينا القيام به لحماية كبرياءنا العاطفي .. كما أن التظاهر بإمتلاكنا لحقوق الريادة والقيادة إذا تجاوزت أعمارنا سقف هذا الإستحقاق الوطني (من الـ 30 ـ 60 عام) يدل دلالة واضحة على وقوعنا في أسر المنطق العاطفي المرتبط برغبتنا كنخبة في الإحتكار.. وبالتالي ندرك أن تمسك البعض بمركزه القيادي وعدم قبوله لمبدأ التداول إنما يعود لهذا الإشكال التنظيمي المعقد المرتبط بالعاطفة المتقلبة والمنطق العقيم الذي تفرزه كأساس تنظيمي معارض لمنطق التنظيم العقلاني ..
كما علينا أن ندرك بأن تشخيص الأزمة التي يعاني منها مجتمعنا تتمثل في العملية التنظيمية التي لا ترتبط بالأشخاص بقدر إرتباطها بالبناء المنطقي المتعارف عليه والذي بات يحكم مسارنا التنظيمي الحالي .. ومتى ماتميز القائمون على أمر العملية التنظيمية بالموضوعية أمكننا حل قضايانا على الطاولة وبمنتهى السهولة .. لأنه لن نجد صعوبة في تشخيص واقعنا وإدراك عللنا وأمراضنا الإرترية المتأزمة متى ما إتفقنا على زاوية تسليط الرؤية المنطقية لتشخيص منطلقاتنا إن كانت صادرة عن منطق العقل أو العاطفة وبالتالي فرز الصالح والطالح منها.. فالأم مثال يوضح ماقد تفعله العاطفة من تشويه للرؤية وأخطاء في التقدير المنطقي للأمور .. ولهذا قد تُعَرض إبنها للمخاطر الصحية مثلاً إن أخرت وأبطأت من عملية الإنقاذ والعلاج بإجباره على تناول الحبوب بدلا من أخذه العلاج عن طريق الإبر .. لأن القرار السليم هو الذي يخضع لمنطق العقل ويحقق النتائح المطلوبة بأسرع مايمكن وبدون خسائر بعكس القرار الصادر عن تقلبات المنطق العاطفي المثار والمتجاوز عادةً لميزان العقل وأحكام الواقع الإنساني المعاش وحاجاته الملحة .
فهل نخبتنا أصبحت مستعدة للسير في طريق الإتفاق على هذا الأساس الواضح لننطلق وبقوة من خلاله لتأسيس واقع تنظيمي جديد أم ستصر النخبة المتشبعة بالمنطق العاطفي على رفض الخضوع لميزان المنطق العقلاني المتجرد من عمليات المد والجزر المرتبطة بمخزون الرصيد العاطفي وإرتباطاته المتداخلة الى حد التعقيد .. إنها دعوة موضوعية لكل النخب لرفض العمليات غير الأخلاقية التي باتت تحكم المسار من خلال العاطفة المتطاولة على المنطق السليم.. وحينها ستضح الإجابة من خلال التجاوب لهذا النداء الإنساني الأخير لإنقاذ النفس قبل إنقاذ الوطن .. وهو خيارنا العادل لتصحيح المسار التنظيمي الحالي ..
ومخطئ من يظن أن تقديم الذات على الوطن مثال صارخ على الأنانية لأنه لم يعدل بعد بؤرة العدسة المنطقية التي يرى بها المعنى المقصود .. لأن تقديم الذات أولاً لتشخيص حالتها ومعالجة وإجتثاث بذور أورامها التنظيمية الخبيثة (أوالخطرة) تعتبر خطوة تنظيمية “إستثنائية” تستدعيها الضرورة التأريخية لتفعيل المنطق العقلاني المعطل في إرتريا نتيجة تأثره بالتجارب الإستعمارية الظالمة التي مرت ولاتزال تمر به عبر مشاهد الفساد التنظيمي والصراع الإنتهازي بين الأفراد والفئات الإرترية المتناحرة.. وهي خطوة تنظيمية بالغة الدقة والموضوعية لأنها تبرز في هذا التوقيت بالتحديد لعلاج الأساس التنظيمي الفاسد الذي أيدته التجارب التنظيمية السابقة المرتبطة بخيوط المستعمر والتي إرتهنت الإرادة الإرترية وخلقت لديها الإحساس بالعجز ونزعت عنها القدرة على الثقة بالآخر وبصورة خيالية حتى وإن كان إرتري الجنسية ..
ولهذا فإن ماتهدم من بناء الثقة بالآخر لايمكن إعادة بناءه من المنتصف بل لا بد من النزول الى الأساس أي الذات الإرترية المفردة.. حيث علينا أن نغرس بذرة الثقة في أحقية هذه الذات الإرترية المفردة في الإنقاذ أولاً .. وذلك لتصحيح بناء هذه الثقة الإرترية ورفعه الى سقف الوطن كي يتسع لكل فئات الشعب الإرتري .. ومتى ما بلغنا هذه الخطوة عندها فقط يمكننا التلويح ورفع هذا الشعار (إنقاذ الوطن) لأن الواقع الإرتري بات يترجمه ويؤيده .. أما قبل ذلك فهو حديث سابق لأوانه .. وصادر عن أناس لم يرتقوا بعد لسقف الشعار المرفوع .. وهو خطأ تنظيمي فادح يصعب علاجه بأي وسيلة أخرى غير ذلك .. كما أنها رسالة لمن إعتقد أن إجراء هذا التشخيص للداء ووضع العلاج له يعتبر حصر على من إمتلك مقعد من مقاعد النخبة ومارس وظيفتها أيام الثورة وليس قبل ذلك أو بعده .. وللحديث بقية بإذن الله.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35340
أحدث النعليقات