من موت الي موت . . قصة حقيقية (1-3)
قصة شاب ارتري نجي من موت محتوم
انا عبد الفتاح محمود ادريس نور
في يوم 9 من شهر/ 9 / 2013 وفي الساعة السادسة مساء تحركنا من امدرمان والسمساري الذي اخذنا يدعي عبد الرؤف وعمه الذي يعمل تحته اسمه محمد نور .
كنا خمسة وعشرون شخصا تحركنا في تايوتا صغيرة, بيننا خمسة نساء ثلاثة منهن يحملن اطفال .. بعد ان تحركنا حوالي 80 كيلو من مدينة امدرمان صادفتنا الحكومة السودانية ولا اعرف ان كانو عساكر حقيقين ام غير ذلك انا لا ادري حقيقتهم بالضبط .. قالو لنا ياحبش انتم ذاهبون الي اروبا؟ ذاهبون الي هناك اليس كذلك ؟ كل احد منكم عليه ان يدفع 100 جنيه سوداني . المهم هناك من بيننا من استطاع ان يدفع المبلغ ومن عجز عن الدفع نسبة لعدم وجود مال معه اخذ نصيبه من السائق لتضاف الي النقود المتفق علي دفعها بعد الوصول وبذلك استطعنا العبور .
الساعة الثالثة صباحا وصلنا الي قرية اسمها صحي النوم مكثنا فيها ساعات النهار الطويلة ونمنا فيها الليل ايضا ,وفي اليوم التالى قالو لنا الأن سنتوجه الي ليبيا ثم قالو لنا قبل ان تصعدوا الي السيارة اقتربوا من بعضكم سنخبركم كلام مهما وقالو لنا “من يتحدث منكم سيضرب بهذه الحديدة في رأسه وان علا صوتكم اكثر سنترككم في الصحراء لوحدكم ونعود بسياراتنا لهذا عليكم ان تتأدبو وتصمتوا “.. حملو الماء والبسكويت الي السيارة وقالو لنا رافقتكم السلامة .
مضت ستة ايام منذ ان تحركنا من قرية صحي النوم حتي وصولنا الي المثلث السوداني المصري الليبي .. كنا في اربعة سيارات واحدة من تلك السيارات وصل السمساري الذي يتبعها من ليبيا حتي تحصل عملية التسليم والتسلم وبالفعل تسلم من كانو في السيارة ثم انطلقوا نحو الطريق .. وفي الطريق واجهتهم الحكومة المصرية فما كان من السائق الا ان هرب منهم سريعا وقبل الهروب طلب ممن كانو في السيارة النزول منها ودفعها بالايدي لانها لاتستطيع ان تتحرك في الصحراء فالرمال اوحلتها وبالفعل نفذوا اوامر السائق ودفعو السيارة لكن الأمر القاسي هو ماحصل لهم بعد ذلك .. فالسائق لم يتوقف ,فقد تركهم في الصحراء من كان سريعا في التسلق صعد الي السيارة وكان عدد الذين صعدوا الي السيارة احدي عشر شخص اما الثلاثة عشر شخص فلا اعرف مكانهم حتي الان .. ونحن لازلنا في المثلث اتصلوا علينا من ليبيا وقالو لنا توجد دوريات من الجيش المصري امامكم لاتتحركو.. فقلنا لهم ماذا نفعل ؟ وكانت اجابتهم عليكم ان تصبروا يوما او يومان حتي يتحرك الجيش المصري من هذا الطريق . انتظرنا يومان انقضي فيها الماء والبسكويت الذي كان بحوزتنا … الاطفال الصغار يصرخون ويطلبو من امهاتهم ان يعطوهم ماء …. وانت تشاهد المنظر تنسي روحك وتشغلك مصيبة هؤلاء القصر حين تنظر الي تلك الحالة تبكي لوحدك . مكثنا ثلاثة ايام في نفس المكان قالو لنا نعرف مكان يوجد به ماء لكن كل لتر ماء سيشترك فيه شخصان في اليوم .. قلنا لهم خيرا فهذا افضل من العدم كنا نشرب نصف لتر من الماء في اليوم.
كانت الشمس حارقة ولاوجود لظل نستظل به ,, الصحراء يعرفوها اولئك الذين سلكو طريقها ,, كنا نملأ جوالات الخيش بالتراب ونربط فيها قطعة القماش كانت لنا هذه الجوالات مأوي في الصحراء بمعني اصح كانت هذه الجوالات بيوتنا التي تقينا حر الشمس …اربعة ايام مكثناها هناك رأينا فيها الويل والعذاب .. كانت الشمس تقترب من رؤسانا والقماش لم يعد صالحا ليقينا حرها ..
بعد عشرة ايام من تحركنا قالو لنا عليكم ان تغيروا طريقكم نحو تشاد .. قلنا لهم نحن لا نستطيع ان نذهب الي تشاد فنحن لانملك الوقود وليس بحوزتنا ماء فكيف نذهب الي تشاد ؟؟.. قالو لنا عليكم ان تختاروا بين الموت في هذه الصحراء اوتغامرو ا وتذهبو الي تشاد فالوقود لايكفي لاعادتنا الي السودان .
كنا خائفين وكنا في حالة قلق مستمرة في حالة ذهابنا الي تشاد كنا نخاف من ان نقع اسري في يد المعارضة السودانية التي تتواجد في الحدود التشادية .. كان قرار صعبا ولكن كان يتوجب علينا ان نسلكه لقد كان أمرا واقعا تقبلناه رغما عنا .
بعد مرور خمسة عشر يوما استلمنا السماسرة الليبيين في تشاد في منطقة تسمي بالجبليين .. ومن هناك عادوا السماسرة السودانيين .. بمجرد ان استلمونا الليبيين اخرجو اسلحتهم ووجهوها نحونا .. احدهم اطلق ثلاثة رصاصات .. قالو لنا لو تحدث فيكم شخص فان الرصاصة حتما ستكون من مصيره لاوجود لماء ولا لأي شئ غيره .. الماء الذي نمنحكم له تكتفون به وتصمتون .. قلنا لهم لاتعنينا انفسنا لكن امنحوا هؤلاء الاطفال قليل من الماء .. فكان الجواب: ومن قال لكم احملوا اطفالكم معكم .
وبعد يوم من تنقلنا انزلونا في الصحراء ولأن السيارات في الصحراء يصيبها الوحل .. كنا نمشي في الصحراء بارجلنا مسافة عشرين دقيقة .. الصحراء للناس مختلفة وهناك نوعين منها .. صحراء عادية واخري بركانية يخرج البركان من باطنها الصحراء التي كنا نذهب فيها بارجلنا هي الصحراء الحارقة ( الصحراء البركانية ) .. كانت اقدامنا تنزف الدم وكنا لانستطيع المشى الا تحملا .. حتي النساء والفتيات والاطفال كانو ينزلونهم احيانا .. كنا لانعرف ماذا نفعل … انحمل في اكتفنا النساء ام الاطفال ؟.. كان الأمر حزينا فلم نكن نعرف مانفعل .. علي كل حال كنا نرفع الاطفال احيانا لفترة خمسة عشر دقيقة او عشرين دقيقة كما كنا نرفع النساء احيانا .. كنا نفعل ذلك حتي تخرج السيارة من مكانها ونصعد فيها من جديد .. كنا نفقع الجروح وكان بعضها يخرج الماء وبعضها الاخر يخرج الدم .. في يوم السابع عشر انقلبت بنا السيارة في اتجاه واحد هذا الحادث ادي لسقوط بعض من رفاقى في الصحراء بعضهم اصيب في رأسه وبعضهم في رجله وبعضهم في الخصية .. كان من بينهم صبيا يدعي عمر اصيب بكسر في رقبته لم يتكلم منذ الحادث لأنه كان قد اصيب بنزيف داخلي .. وكان في حالة غيبوبة .. لذا حملناه وهو في تلك الحالة .. قلنا لليبي ان زميلنا اصيب وهو الأن في حالة غيبوبة ارجوك اسرع حتي ندخل ليبيا .. كنا نتحدث بصوت عال معه … انها هيستيريا الغضب .. اخرج الليبي بندقيته وقال لنا امامكم خيارين اما تصمتوا حتي اوصلكم او تتركوه هنا في الصحراء والحكم بيننا هو السلاح .. ابتعد منا قليلا يبدو انه كان خائفا وقال لاتأتوا الي مجتمعين تعالوا فرادي اذا اردتم ان تحدثوني .. كان علي بعد عشر امتار منا .. طلبنا من الله ان يمنحنا قوة وصبرا .. بعد ثمانية عشر يوم من رحلتنا صادفنا الجيش الليبي في الطريق .. اول شئ قاله لنا الجيش الليبي انتم تدخلون الي البلاد بصورة غير قانونية ولهذا سنحتجزكم في السجون .. او يدفع كل شخص فيكم 100 $ لنطلق سراحه .. قالو لنا ايضا ان الذي لا يدفع الفدية المطلوبة قد نقتله او يمكث في السجن كثيرا .. والنساء نعرف كيف نتصرف معهم .. السيارات التي كانت معنا هي اثنين قالو لسائقيها اذهبوا فذهبوا .. وضع الجيش الليبي البنادق فوق رؤسنا وقالو لنا اخرجو النقود التي معكم او سنقتلكم هنا .. قلنا لهم ليست معنا نقود .. فقالوا كل شخص نجد معه نقود بعد تفتيشكم سنقتله لذلك من الافضل ان تخرجوها لوحدكم .. امتلكنا الخوف واخرج كل شخص فينا النقود التي معه .. فمنا من اخرج عملة سودانية ومنا من اخرج 50 $ المهم جمعنا لهم النقود واعطيناها لهم .. اخذوا ماطلبوا ثم ذهبوا .. تركونا دون ماء في صحراء قاحلة حتي انهم لم يحنو علي الاطفال انهم اناس عديمي رحمة .. كنا نحرس المريض وننتظر موته حتي نقوم بعملية دفنه كانت الساعة الحادية عشر حين تركونا في مكاننا .. في الساعة الثالثة ليلا اصبح اليأس يعرف طريقه الينا .. اصبحنا نقول لبعضنا ينتظرنا مصير صديقنا عمر آه .. لا حياة ولاموت كنا نتأسف اكثر حين ننظر اليه .. في اليوم الثاني وفي الساعة الثالثة مساء جاءتنا سيارتين دفع رباعي كان معهم ماء اعطونا ماء لكنهم قالو لنا لا تكثرو من شرب الماء .. فحالتكم الصحية حرجة .. لكننا حين رأينا الماء لم نتمالك انفسنا شربنا الماء كالحيوانات .. بعضنا اغمي عليه بعد ان شرب الماء .. وفي اليوم التاسع عشر دخلنا الي ليبيا .. بعض الناس يقولون لكم ستصلون في اربعة ايام هكذا يقولون لكم السماسرة لكنهم كاذبون .
الجزء الثاني من قصة عبد الفتاح .
بقلم : جعفر وسكة
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36244
نشرت بواسطة فرجت
في يناير 5 2016 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
مأساة حقيقية لهذا الشعب المغلوب على أمره ولكن لدي عتب على الكيانات المعارضة لأنه ليس لديها برنامج للاستفادة من هذا النزييف الوطني وتوجيهه لخدمة القضية الوطنية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وضع المعارضة وخلافاتها المقيتة ومراوحتها مكانها لسنين سبب الإحباط للكثيرين. وعتبي على هولاء الشبابايضا يبدو لي أن همومهم هموم خاصة وشخصية ولهذا كثير منهم حين يصل إلى مبتغاه يعاوده الحنين إلى الوطن -وهذا لاغبار عليه بل هو أمر إيجابي أن يظل الشاب مرتبطا بوطنه- لكن العتب هو فيوقوع الشباب في أحضان الهدف دافعا للاتاوات ومشاركا في المهرجانات العبثية للراقصين على جثث وأشلاء هذا هذا الشعب . والله المستعان
استاذي جعفر والاخ عبد الفتاح في شخص اتسل طالب العون من ليبيا في نفس الفترة او بعدها بشهر اوسمه علي عمر ادريس ثم ختفاء تماماً هل من معلومة عنه؟والحمدلله على السلامة اخي عبد الفتاح وياريت الشباب قليل من الصبر ولايعردو النفسهم ال المهالك خيراً فعلت اخي عبد الفتاح بروايتك لماحدث لك حتى يعلم من لايعمل بهذا الطريق الخطير الذي راح فيه من الشباب الكثيرين.