إنعدام الثقة يجب البحث عن حلول
من البديهي أن الثقة تبنى بالتفاعل البناء والتعاطي بشفافية وأريحية ، سواء بين الافراد اوالجماعات ، عبر فترمن الزمن وفي أنواء ومناخات مختلفة ، فتماما كالبناء توضع لبنة فوق لبنة ، وجدار وراء جدار ؛ وعلى العكس يكون عدم الثقة نكوث وراء نكوث وترجرج وتخبط في المبادئ قبل المواقف والمواثيق .
والثقة أو عدمها اخطر ما تكون في السياسة ، حيث يتم إسقاط الأحداث كالظلال وترتسم كل خطوة على قانون الفعل ورد الفعل ، فعدم الثقة كلعبة شطرنج يحيطها الحذر والترقب ويشوبها البحث عن موطن المكر وربما الحذر من الغدر فهي ساحة للكيد وميدان للتكتيك السياسي لا تتسع لتكون مجالا للرؤى الاستراتيجية ولا تتضمن خرط آفاق المستقبل ، لا مكان فيها للاخر السياسي اوالايدلولوجي إلا من باب درئ شره والتحايل لتعطيل نشاطه وتوقيفه في محطة يكون مقدور عليه فيها بعد حلحلة الروابط بين الأطر وبعثرة الثوابت ، وبالتالي لا مكان فيها للبعد الوطني بكل ما تعنيه الشفافية والتواثق بروح وطنية مجردة .
سقت هذا الكلام لأني أرى أن مشكلة الإرتريين أساسا تتلخص في عدم الثقة ولا أريد أن أعدد الأسباب في البرهان أو أعرف المعروف .
فأنظر الى آثار عدم الثقة عبر تاريخنا الثوري ثم هل تجد عائقا غيرها الآن يشتت مجهوداتنا أو يجعل مؤتمراتنا وكل مجلس إنتخبناه ليكون صرحا لوحدة منشودة نجده مجرد لوحات نعلقها في الحائط ونتأمل فيها مآسينا المجسدة.
كذا مشكلة النظام الإرتري الأساسية اليوم هي الثقة ، رفعت الثقة عنه حتى من أخلص منتسبيه ، وقد وصل الآن الى مرحلة التآكل نتيجة هجر القريب والبعيد له في الداخل والخارج ؛ وفي إعتقادي أنه لم يكن ليستمر على ماهو عليه بعد ما وصلت الأمور الى ما وصلت اليه دون أن يبحث عن سبيل لمساومة البعض ومصالحته لإيقاف نزيف الهجران والهجرة لكنه يائس وميؤس منه فلا يجد منطقا يواجه أو يتوجه به الي الناس وخاصة أقربيه ، على أي ضمان يصالحوه وبأي وجه يثقوا فيه ويأمنو غدره ، لأن تاريخه كله مكر وغدر لا قريب يطمئن له ولا بعيد ينخدع فيه .
ولذلك الكل يترقب رحيل أفورقي ليرجم بكل مساوئ النظام وترحل معه مرحلة السوء ، القتل بلاسبب والسجن القاتل والإرهاب السلطوي بكل أصنافه ، ويستشرف الناس بعدها مرحلة إن لم تكن إنفراج ليست أسوء من سابقتها.
فالنظام الحالي في رأي قوضته عدم الثقة فيه ورجمته أفاعيله الباغية ، فلا خير فيه ولا رجاء ؛ ويعلم أو يجب ويفترض أن يعلم من يخلفه التغيير والإصلاح وإلا الزوال النهائي والإنهيار التام إنشاء الله ، هو ما تسير عليه عملية التآكل الداخلي مع الضغوط السياسية للمعارضة في الخارج ، وهو ما يفسر الحراك المبهم الذي تشهده الساحة السياسية للمعاضة .
هناك إستنفار عجيب في الخارج لإنقاذ ثوابت نظام الشعبية ففي الوقت الذي تواترت فيه تقارير المنظمات الإنسانية عن فظاعة جرائمه وتسائل الرأي العام العالمي عن أسباب معاناة الشباب الإرتري المتشرد وتلمست بعض البرلمانات الأوروبية عنجهية سياسة نظام الشعبية نجد بالمقابل أنظمة الإتحاد الأوروبي تحاول أسعاف وترقيع وترميم النظام من خلال دعم سخي قدم له 200 مليون دولار، لماذا لأنه نظام أوجد ليبقى وهو ما يذكرنا أنه كيف كانت وفود من السوق الاوروبيه المشتركه في الثمانينات كانت تزور معسكرات الشعبية وتدعمها بالصليب الأحمر الذي سخر تماما لهذا التنظيم بكافة إمكانياته وبغيره ، وكيف كان خبراء من أكبر الجامعات البرطانية وغيرها كانوا يأتون ليقيموا دورات تأهيلية لكوادر خاصة في تلك المعسكرات .
فبينما كان بعضنا يقف في الواجهة ويتغنى نشوانا بمصطلحات الديالكتيك الماركسي كان أولئك يرسمون خريطة إستراتيجية الكنيس والكنيسة ، وستبقى أوروبا وشقيقاتها دائما راعية لنظام صليبي متوارث في إرتريا ، يضمن لها الحضور المؤمن في البحر الأحمر ويكون حرسا لمصالحها ناهيك عن الأدوار السياسية الأخرى .
هذا الإرتهان الخارجي والوصاية الأجنبية مهما كانت أسبابها من أسباب موانع الثقة واللإتلاف الوطني لما تمليه من شروط وترسمه من خطط أجنبية لا شك من تقاطعها مع المصالح الوطنية بتعطيلها أو إلغائها على حساب تلك الأجنبية وهو الواقع المعاش .
كذلك نجد أمريكا ضمن إستنفار إنقاذ نظام الشعبية ويكفينا من ذلك ما نشر من تصريحات هيرمان كوهين من كبار مسؤولي أمريكا الاسبقين حيث صرح بتحذيرات وإنذارات مبكرة عن خطورة تداعيات المنطقة العربية والبحر الاحمر على إرتريا قائلا : ” أحسب أن الوقت قد حان للأحباش لإعادة السيطرة على غرب البحر الأحمر قبل فوات الأوان “.
وما كتب في بعض الصحف الإثيوبية عن ضرورة إحتلال إرتريا وماصاحبه من تحليلات وغير ذلك يؤكد عن التخوف من تداعيات منطقة الشرق الأوسط وتحول إرتريا الى بؤرة صراع إستراتيجي في ظل ظروف عدم الثقة على النظام المتهالك في أسمرا لحماية نفسه أو أداء واجبه الحراسي .
وبالعودة الى موضوعنا أزمة الثقة بين مكونات الأطر الإرترية نجد في المعارضة أيضا أن مشكلة إنعدام الثقة هي أم المشاكل ؛ فكم شكلنا من مجالس جامعة لكياناتنا السياسية وأنشأنا أنظمة إدارية شاملة ، وكم وقعنا من مواثيق ، وشكلنا من تجمعات وحدوية أو تنسيقية كل ذلك يتلاشى قبل جفاف مداده كجبل للجليد ويضمحل ، لا أرى لذلك سببا إلا إنعدام الثقة وموانعها ، أغلب تنظيمات المعارضة ما تجتمع عليه أكثر مما تختلف عليه لكن كل يغني ليلاه بعيدا عن الأخرين وينكمش في ذاته ويتعامل مع الآخرين وقوفا في الباب الخارجي .
إذن كيف نعالج مرض إنعدام الثقة بيننا ؟ .
لا أدعي أنني أقدم حلولا فما أنا إلا ناصح يتمنى أن يجد أذن صاغية أو واعية ، لكني أنبه الى إيلاء الأمر أهميته المستحقة لدرجة خطورته وتأثيره في كل أنشطة الإرتريين المشتركة ولذلك أقترح ما يلي :-
– أولا يجب أن يكون الأمر هدفا للجميع فلا يمكن أن يتبناه البعض دون البعض الأخر فينجح .
– كما يجب أن يجسده العمل مع القول فأي تنظيم عليه مراعاة ما لا يجب أن يتجاوز به الآخرين أو ما يمكن أن يتضرر منه الجميع مع أنه لا يلام فيما يحسبه لنفسه بالوجوه السليمة .
وهي مسألة ترجع الى التنظيم نفسه سلبا أو إيجابا حيث ” تأبى الرماح إذا إجتمعنا تكسرا ” فالمكاسب الآنية سرعان ما تزول ويصعب البناء بعد ذلك من جديد ، فهي من أسباب هدم الثقة .
– يجب ترسيخ الثوابت الوطنية المتفق عليها من الجميع وجعلها حدودا لا يمكن تجاوزه .
– يجب إيجاد آليات بناء الثقة مثل إيجاد أنشطة مشتركة للتنظيمات ” فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إإتلف وما تناكر منها إختلف ” كما في الأثر ، إضافة إلى إيجاد بحوث ودراسات متخصصة في معالجة الأمر يكون حصيلتها منهجا تعبويا في التقارب والتآلف .
– يجب بلورة الأيديولوجيا ونشر كل تنظيم أهدافه ومعتقداته السياسية وتصوراته لحلول مشاكل الوطن والإ تلاف الوطني أي يعرف بنفسه تعريفا كاملا وصحيحا .
فالأيديولوجيا المبهمة والإستراتيجيات المخبئة وراء أقنعة سياسية مرحلية هي من الأسباب الخطيرة لإنتزاع الثقة والعيش دائما على بساط كالماء متموج لا يستقر بنفسه ولا يعين غيره .
– يجب التفريق والفصل تماما بين ماهو إطار سياسي يحمل كل شروط التنظيم السياسي أو الحزب حتى وإن كان جهويا أو قوميا وبين الأطر الأخرى . فمنظمات المجتمع المدني أو أي منظمات مطلبيه ذات أنشطة وأهداف محدودة عليها أن تنفصل من المنظومة السياسية وتؤطر في كيان تنظيمي رديف والأمر لايتعلق هنا بالحجم أو نوعية البرنامج وانما بثبات البرنامج وشموليته ، طبعا دافعي في هذا الكلام إحساسي بوجود من لم يحدد بعد جهة أومجال نشاطه .
– يجب التسليم سلفا أن المجهود في بناء الثقة شاق ومضى وأن الطريق للوصول الى ذلك طويل متعرج وغير سالك الآن .
وهو ما يتطلب عقد العزم من ذوي الأهداف النبيلة للسير عليه والثبات فيه والله يحق الحق ويبطل الباطل .
عندما يقارن أحدنا بين واقعنا ومثبطاته وما يراه من هوة عظيمة بين ما فيه شعبنا وما كان يفترض أن يكون عليه يجب أن يتفاءل ويستبشر لأن إرادة شعبنا قهرت كل الجبابرة من قبل بنصر من الله وتوفيق { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } الآية .
صالح كرار 22/1/2016 saleh karrar @Gmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36344
( يي تُقْبَإتّا حونا صالح كرار ) ! عنْ أيِّ ثقة وتواصل تتحدّث هداك الله ، أعتقد مُشروعك هذا أبوصلاح ينطبق عليه المثل القائل ( لا يصلح العطّار ما أفسده الدهر ) ، بمعني لا يمكن أن تعود المياه إلي مجاريها هكذا بحسن نوايانا وتفاؤلنا وتنازلاتنا من أجل الحفاظ علي الوحدة الوطنية المزعومة والشق الآخر دائماً يكيد كيدا ولا يعنيه ما يتغني به الآخرين من الحفاظ علي الوحدة الوطنية وبناء الوطن ….الخ ، ليتك طرقتَ باباً آخر أنجع لعله يؤتي أُكُلَه أسرع من غيره .
ليت قومي يعلمون ما يراد بهم أن عدم بذل الجهود لردم الهوة بين الفرقاء والشركاء في أن واحد يعد من أكبر الهدايا التي تقدم لنظام الهقدف تطيل من عمره ومن معانات الشعب الإرتري وتقدم المسوغات الأخلاقية لأصحاب الأجندة الخفية والمصلحة في بقاء هذا النظام لأطول فترة ممكنة ولو على أشلاء الشباب الإرتري وأهات الشعب الإرتري نساء ورجالا وانا لا أكاد أفهم عدم الالتقاء بين أطياف المعارضة الا توجد مشتركات كبيرة متفق عليه تبنى عليها جهود التخلص من النظام وتوجل المصالح الخاصة بكل جماعة أن لم يمكن الوصول الى حلول ترضي الجميع لأن البقاء على الوضع الحالي سيكون الجميع فيه خاسراً وليس من العقل ولا الحكمة أن تكون المواقف مبنية على مبدأ الحصول على كل ما أريد والا فليذهب الوطن إلى الهاوية