أرتريا .. رحيل أحد ركيزة مدينة صنعفى المغفُور له بإذن الله الشيخ محمد صالح عبد الله
(1)
لاشك إن الحياة ليست محطةً أبدية لكل بني البشر فهى مسيرة لبدايتها نهاية ، لكن يكون الرحيل مُفجعاً والفقد كبيراً حينما يكون المفقُود أحد دُعامات المجتمع وركائزه التى يعتمد عليها مجتمعٍ ما فى نهضته ووعيه ! وفى مسيرته ومساره ! وحين يكون الفقيد عالم دين وصاحب مبدأ ، ورجلُ مُحبُ لوطنه تاركاً حياة الدعة ليُكابد شَظَفَ العَيْش وسط أهله ومُجتمعه يُعلمهم أمور دينهم ودُنياهم فى بلداٍ عُنوانه القمع والكبت والتضييق ، هنا يكون للتضحية طعمُ خاص وللعطاء وقعُ مُختلف! والموقف يعكس أصالة الإنتماء للأرض ولإنسانها .
(2)
وُلد شيخنا الفاضل بالعاصمة أسمرا عام 1952م وحين تفاقمت المشاكل السياسيه بها رحلت أسرته إلى قرية حمس بضواحى مدينة صنعفى فأعتنى به والده وعلمه القران وعُلومه وكان والده أيضاً حافظاً للقران ومُعلماً وكان يصطحب إبنه أينما رحل ، وأنتقل والده إلى مدينة أغردات بالمنطقة الغربية وتلقى هناك تعليمه النظامى الأول ثم هاجر إلى السودان ثم إلى المدينة المُنورة حاملاً راية التحصيل العلمى وقد وصل للمدينة المنورة عام 1973م وأنتظم فى سلك الدراسة 1974م حتى تخرج بتفوق من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية عام 1982م ، ثم ألتحق بمعهد إعداد الدُعاة بمكة المكرمة وتتلمذ على يد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وحصل على دبلوم فى التربية منها ، ثم عاد إلى أرض الوطن سنة 1984 م حاملاً معه مشاعل المعرفة والعلم لينثرها فى ربوع بلاده .
(3)
لم يكتفى الشيخ محمد صالح بالدعوة والإصلاح والتعليم بل كان مهموماً بإحداث التحول والنهضة فى المنطقة عبر بناء مراكز علمية وصروح دعوية تُخرج أجيالاً مُتسلحة بالعلم والمعرفة فكان هو صاحب فكرة بناء مسجد بمدينة صنعفى على نسقٍ حديث وبمواصفات تختلف عن جميع ما هو موجود بأرض الوطن وبذل الكثير من الجهد فى سبيل ذلك ، وقام بعدة جولات ومُشاورات بين أبناء المنطقة فى المهجر والداخل للتفاعل مع فكرة المشروع والإسهام فيه ليرى هذا المشروع النُور بتاريخ 15-5-2005م وقد كان للشيخ الفقيد ما أراد حيث تفاعل معه أبناء المنطقة خاصةً المُقيمين منهم بالمملكة العربية السعودية فأصبحت صنعفى بعد تشييد هذا الصرح مركز إشعاع فى المنطقة ! صاحبت هذه الفكرة تعليم الشباب بعضاً من الحِرف والمِهن لتعينهم فى حياتهم العملية فى شتى المجالات الحياتية وقد ضم المركز مسجداً كبيراً (مسجد أبو بكر الصديق) على نسقٍ حديث ومركزاً للتحفيظ ومعهداً.
(4)
إن التنقيب عن مآثر الرجل يحتاج إلى الكثير من المقالات فللرجل مواقف مشهودة فى وقوفه ضد الظلم فلم يكن من الذين يلوذُون بالصمت بل كان كثير المُدافعة عن حقوق أهله وعموم أبناء المنطقة فى إطار حقوق المواطنة المشروعة ، وقام النظام بإعتقاله عاماً كاملاً دون جريرة أو مُحاكمة وذلك فى أغسطس 2008م . ولكن كان الراحل قوى الشكيمة مُهاب الجانب ثابت الخُطى لاتكسره الظروف ولم ينحنى للعقبات والمحِن ولهذا فإنجازاته تتحدث عن نفسها ، وهذا جزءُ يسير من سيرته العطرة وحتماً سيكتب عنه طُلابه ورفاق دربه الكثير وقد كتب بعضهم ، ولقد فُجع الكثيرين فى الداخل والخارج بيوم رحيله بتاريخ 19-4-2016 بمدينة أسمرا بعد رحلةٍ مع المرض ، وهكذا فقدت مدينة صنعفى وضواحيها وعموم المنطقة والوطن مُرشداً وقائداً وأستاذاً اللهم تقبله قبولاً حسناً وأسكنه فسيح الجنان
وألهم أهله وذويه وطُلابه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه لراجعون…
محمد رمضان
كاتب أرترى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37094
( لـعَـمْـرُكَ ما الـرزّيـة فـقـدُ مال * ولا فـرسٌ تــمُـوتُ ولا بـعــيـرُ
ولـكّـنَّ الـرزيّـَـةَ فــقــدُ حـــــر * يـمُـوتُ بـمَـوتـه خَـلْـقٌ كـثـيـرُ)
شكرًا أستاذ محمد رمضان لأنك سلّطتَ الضوء علي سيرة حياة شيخ فاضل وأحد جنودنا المجهولين – وما أكثرهم – الذي كرّس حياته لخدمة مجتمعنا في أنبل الميادين وأخطره ألا وهو ميدان العلم ولا سيما العلم الشرعي ، وشكرا لك لأنك أمطْتَ اللثام عن مشوار عمر خيرة علمائنا ومجاهدينا لكي تكون مثالا يُحتزي به ومحفِّزا يُقتفي أثره من قبل النشئ الجديد ، لا غرابة في ذلك أن هذا الشبل الراحل إبن هؤلاء الأسود الذين سبقوه في ذات الميدان مثل : مفتي الديار الارترية الراحل الشيخ إبراهيم مختار عمر ، والشيخ قاضي علي عمر فِنْجا ، والمجاهد الكبير الشهيد الشيخ محمد آدم ….الخ طيّب الله ثراهم جميعا ، وأسأل الله أن يفك أسر دعاتنا الذين يقبعون ولا أقول زنازين بل في حُفَر عصابة ( سلفي ناصطنّت ) الحاقدة ، لكي يواصلوا مشوارهم الذي نذروا حياتهم من أجله ، واسأل الله أن يفتح علي أمتنا مَنْ يقيِّد لها أمر رُشْدها وأن يجنبها شرّ ضلالات شيوخ الجهال .