أين الطابور الخامس؟
بقلم: بشرى بركت
هذا المقال ذي علاقة بالمقال السابق : ماذا نحن فاعلون؟
لا يجدي نفعاً ولايفيد أبداً أن نعمل شيئاً إلّا إذا كان تحت رؤية واضحة وعمل منظّم، ولا يمكن ان نصل لهذا الا بتفادي اخطاء الماضي كلية ونحرص على بناء شبكات عمل جدي كل يسير في طريقه، ثمً نلتئم وتلتقي لاحقا في كيان يتكامل فيه الكل.
كيف؟
أولا عزيزي القارئ، ضع في اعتبارك جميع المعطيات والأحوال التي إتفقنا عليها والقناعات الضرورية التي سنتحرك من منطلقاتها
ثم لنفكّر فيما لم نجرب ولنستفد من معطياتنا التي لا نرى.
في حديثي إليكم اليوم سادتي أريد أن أعمل على بعض الإمكانيات التي لدينا ومحاولة إستفزازها وإستنفارها وربما دغدغتها وإستفاقتها، إلا أن المقترحات التي ستكون أمامكم ليسـت إلا نقطة في بحر من المقترحات والرأي الذي قد أطرح ربما يتم دحضه عبر آراء ابلغ وأقوى وأكثر فاعلية وواقعية ومن ثم لابد أن أبدأ بكلمات ضرورية، أولها أنني لن أتمسك بالرأي الذي سأطرح وسأستمسك بالوصول إلى كل الآراء لنعمل سويّاً على الرأي الجامع الذي سيكون لنا برنامج عمل فكري على الاقلّ.
نحن قوم لنا من الإمكانيات التي نجهل أو نتغاضى عنها والتي يجب أن تكون داخل أجندات عملنا الرئيسية. ساحاول رصدها الواحدة تلو الأخرى اسبوعا بعد آخر. نولي بعدها جميعا جُلّ إهتمامنا للإستفادة منها في بناء أجندات عمل لنا نصل من خلالها إلى أهدافنا الأسمى في أستعادة أرضنا وحرياتنا وثقافاتنا ووحدتنا لنعيش معزّزين مكرّمين آمنين في أوطاننا، ولسوف يكون ذلك أمرً واقعا إن أحسنّا الإستفادة من إمكانياتنا وأحسنّا التخطيط لها ثم ّأحسنّا وأخلصنا في تنفيذ المخطّطات.
ففي طريق بحثنا عن الطابور الخامس أو الطريق الثالث، سمّه ما شئت.
نبدأ أولى حلقاتنا بالحاضنة الشعبية التي خرجت من قلب الأزمة والهجرة واللجوء وما تلاهما من مهانة وإذلال. فشعبنا الذي لجأ قهراً وإستوطن إضطراراً نظراً لإنعدام بصيص من النور يأتيه من الشرق المحتل في إرتريا، له من الإنتماء ما لا نتخيّل. ربّما إنفطر قلبه من فرط إساءتنا لإدارة قضيته فقرّر أن يؤجل المسار المصيري حتى حين، ليصفوا له الجو يوماً ثمّ يتحرك ويمتلك زمام المبادرة.
هكذا أراه، فالنّضال وساحاته التي ملئت كدراً وطيناً، لم يجد فيها هؤولاء الكرماء أبناء الأكرمين ما يشفي غليلهم ويقنعهم بأن ما في الساحة يحمل رسالتهم التي توالت من الرابطة مروراً بالحركة وإنتهاءً بالجبهة (الفكرة والتضحيات وليس التخطيط والممارسة).
أمّا اليوم وقد اتضحت الصورة ولم يعد في الساحة ما يخدعه ويبني عليه بعضاً من آماله أو حتّى تخوفاته، وأن من بالساحة ليس إلا عنصر الكوماندوس الذي أحرق أمّه وأباه في بيوتهم ورقص على جثث أعمامه وأخواله حين قتلهم جميعاً في مصلياتهم قبل أعوام قليلة قد مضت، فمازالت رائحة الحرائق تزكم الأنوف، والدّماء الزكية تلك لم تجف بعد، وعليه أعزائي، هذا المواطن اليوم ربّما يكون هو الأقرب لتسلّم زمام المبادرة ووضع رؤيته في القلب من أجندة الوطن المسلوب.
أمعنوا النظر معي في الضّرر البالغ الذي نعانيه جميعاً ويعانيه مواطنونا في السودان داخل معسكرات اللجوء وخارجها، وجهوا ناظريكم إلى هذا الحال سادتي، لا شكّ أنّه ضررٌ بالغ الأثر متشعّب التبعات، إلّا أنه ربّما كان ذاك الضرر النافع إذ رأينا الصورة مؤخراً والتي اتضحت أمامنا حالياً حين إختلفت عناصر الإجرام والاستئصال التي اشتركت في قتلنا وإخراجنا من ديارنا. ومن ثمّ لزم قراءة أجندتنا المستقبلية بناءاً على هذه المعطيات. وسنجد حتماً إستناداً على هنا، زوايا رؤى مشتركة مع أهلنا وذوينا الذين هم أهل السودان الشرقي اليوم والذين هُجّروا من بيوتهم تحقيقا للتغيير الديموغرافي الذي سعى إليه الحاكم في إرتريا وإستفاد منه الآخر الذي في السودان في محاولاته العنصرية في خلق توازن عددي مع من يسميهم ب(غير العرب، أقولها تهذيباً). إذن، كلاهما لايهتمّ إلا بالإستراتيجية العنصرية خاصّته.
هذه الحالة أحبّتي، أدت إلى شيء من التمدّد الجغرافي والتطوّر الثّقافي الذي لا نرفض، وعليه كل أهلنا بمفاهيمهم وأولوياتهم وجغرافيتهم الجديدة سيقودون العمل التحرّري والمطالبة بأرض آبائهم وأجدادهم ليستعيدوا وميضاً ممّا سُرق منهم من نور الأمل في العيش بكرامة في أرضهم مواطنين أصحاب القرار الأول والأخير في مصائر بلدهم حاملين معهم تراثهم العتيق وثقافتهم المجدّدة يأتون إلى وطنهم أعزّة في وجه كلّ الكائدين يفرضون الديمقراطية والحرية والأمان وإستعادة الحقوق والممتلكات المسلوبة. يبنون وطناً مع من أراد الإشتراك معهم فيه بناءً على هذه المعطيات. فالوطن يسع الكلّ إن أراد الكلّ العيش في وئام وسلام في ظل الحكم الرشيد في دولة القانون.
الإنتماء الجزئي للسودان من شبابنا المعايشين للواقع هناك ليس إلا عمل راقي يسمُوا فوق الإنتماء الإعتيادي الذي نعرف، إذ أنّه تطوّر طبيعي لصون الحقوق الأساسية للمجتمع حتى يقضي الله لهم بما يشاء من قضائه العدل.
لا شك أنّ هذا يشكّل تغييراً كبيراً في أسلوب حياتهم وأولوياتهم ولكنه غير بعيد البتّة عن جوهر أهداف المواطن الإرتري حيثما وجد بما فيه الكبساوي المعترف بالمواطنة والمساوات وإعادة الحقوق إلى أصحابها وهذا ربما قرّبنا من برنامج مستقبلي حديث وشامل لأمتنا ورؤية جديدة نبني خُططنا على أساسها.
السودان الذي نعرف قد يتغيّر في أي لحظة كما عوّدنا وقد يسير مع أي تغيير في إتجاه إستبعادهم إن لم يكن إبعادهم كما كان يحصل على مدار فترات تواجدنا فيه، ويعلم أهلونا داخله ذلك، وعليه فما نرى ليس إلّا إنتماء جلبته الظروف المستعصية لا أكثر، وأنهم عائدون حتماً بكلّ ما اكتسبوا ممّا حتّمته عليهم تلك الظروف.
شيء آخر يعرفه أهلنا ممن إستوطنوا السودان إضطراراً هو تمكّن النّظام في أسمرا بالتعاون مع مثيله في الخرطوم من حرية الحركة والنشاط الخاص بأجهزته القمعية داخل السودان في المعسكرات أو في ربوع السودان قاطبةً. الذي وصل لاحقاً في تمكّنه من كلّ أدوات المخابرات وأجهزة الأمن السودانية باكملها (ولها ريعُ بيشا بالطبع!!!) وهذا أمر يقلق المواطن الإرتري الذي يعيش هناك نتيجة للظروف التي نعلم.
وبناءً على كل هذه المعطيات وتلكم الظروف أحبتي، نتيقّن بأن لنا ظهراً قويّاً نستند إليه يوم أن نفكر في عمل جدّي يساعدنا في إنتزاع حقوقنا. وقد تكون بداية هذا العمل صعبة حيث ستمرّ بالمتاريس المتمثّلة في الأجهزة التي يسيطر عليها نظامنا الغاشم بحكم الرشوة إلّا أن كل هذا لن يصمد طويلاً أمام إرادة أمّة تسير خلف إبراهيم سلطان السياسي المحنّك وحامد عواتي العسكري الجسور والفدائي الذي هزّ أركان نظام هيلي سلاسي في وقت وجيز مما إضطرّه للإستنجاد بالكيان الصهيوني كونه خبيراً في الأعمال الفدائية!!!!
التوحّد مع أهلنا في الجانب الغربي للبلاد وصولاً إلى تلاحم شامل، سيحملنا إلى التمكّن من تعديل الكفة التي مالت باتجاه من بنى مشاريعه على إستئصالنا.
وللتذكير لا يفوتني أن أشير إلى حقيقة تاريخية في هذه المنطقة الموبوءة بمرض إسمه الجشع القادم مما وراء نهر مرب والمتمثّل في غارات الأحباش الدئمة على هذه المنطقة ممّا حتّم الحركة الديموغرافي المنطقي في إطارها الجغرافي، وعليه فما نشاهده اليوم تطوّر طبيعي استمراراً لما كان يحدث في السابق ممّا يُحتّم علينا أن نعيد النظر إلى الجانب الآخر لحدودنا. فإن كان هذ الجانب من الحديث قد أسهب في شأن ترتيب بيتنا الداخلي بناءً على واقع معاش بيننا، فإنّ هناك وجهةً أخرى يمكننا التعامل معها في بناء جيرة ايجابية مع العدو الألدّ والتاريخي لبلادنا، إذا تعاملنا مع ما يفيدنا من معطياته الحالية والتي تعبّر عن رواسب تاريخية موغلة في القدم. فنحن في مكان ما إيجابي في أولويات ذاك العدوّ الألدّ، إذا استثنينا أصحاب العداء التاريخي والعدوان المنظم عليناعبر التاريخ.
وهذا سيكون شأن حديثنا في في الأسبوع القادم إذا كتب الله لنا ذلك.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38199
مقال جميل جدا اخرجنا من سياق الكتابات في المواقع الإلكترونية التي تعيش على نقد الواقع دون التفكير على الحلول.
شكرا بشرى على التفكير بالصوت العالي… ترى هل من قارئ؟!
أهلنا اللاجئين القدامى في السودان انتظروا لحظة الاستقلال بفارغ الصبر ولكن تنكرت الحكومة لحقوقهم في العودة إلى مناطقهم ومعاملة أجهزة الدولة السودانية لهم اضطرتهم كثيرا منهم إلى التسودن بالذات الأجيال التي ولدت هناك، ومما شجع التجنيس هو التقاء المصالح بين البشير واسياس، مشكلة التجنس في السودان أنه لا يتيح الاعتراف بالأصل فكل من يتجنس تجنس على أساس أنه سوداني أصلا وينكر أنه إرتري أساساً حتى لا تأتيه المتاعب من الجيران و أجهزة الأمن.
لكن على كل الارتريين المتسودنين أن لا ينسوا أصلهم ومناطقهم وأنهم ارتريون أولا وأخيراً وعليهم أن يربوا أولادهم على ذلك منذ الصغر ويعلموهم لغة الآباء والأجداد وتاريخ البلد والأفضل أن يتوجه بهم في زيارات متكررة إلى إرتريا متى ما أمكن ويريهم مناطق الأهل ويعرفهم معالم البلاد حتى يظل الانتماء راسخاً .. لأنه للأسف أصبحنا نسمع أن بعض من كبروا على أنهم سودانيين “يعملوا فيها” سودانيين أكثر من أهل السودان نفسه فتراه إذا عمل بالشرطة السودانية أو الجيش يتسلط على اللاجئين الارتريين ويتجاوز ويخطئ.
كل الأوطان تمر بفترات حالكة ثم يأتي الفجر إن شاء الله وارتريا ليست استثناء .. لذا فالتنصل منها او انكار ارتريتنا لن يفيدنا في شئ ودونكم أهل الصومال الشقيق رغم كل مصائبهم وعدم وجود دولة أساساً لا ينكرون صوماليتهم أبداً ولا يسكتون على ظلم يلحق بهم في دول اللجوء.