مأساة سجناء نا في ارتريا
عثمان محمد نور
مركز دراسات القرن الأفريقي
بات في حكم المؤكد بأن النظام الإرتري أطلق سراح عدد (17) شخص بعد أن قضوا العديد من السنوات في السجون الإرترية دون أي محاكمات عادلة وعلنية، وأنه لأمر مفرح أن يتم اطلاق سراح ولو شخص واحد ناهيك عن (17) شخصا وأن ينعم الإنسان بالحرية ويتنسم الصعداء، اليوم دخل السرور قلوب العديد من الأفراد والأسر الإرترية. فقط لو اعتبرنا متوسط أفراد أسرة كل واحد من هؤلاء المعتقلين (5) أشخاص يصبح أن أكثر من (80) شخصا عمتهم البهجة والسرور، ويشاركهم فيها كل الشعب الإرتري الأبي.
لكن بالمقابل من المؤسف جدا أن يعتقل الإنسان عشوائيا أو يختطف ليلا، ويتم اخفاؤه لعقد أو ربما لعقود يقبع خلالها في السجون والمعتقلات دون أي محاكمات، ويطلق سراحه حسب هوى ومزاج القائمين على أمر النظام بعد أن يشترط عليه بأن يلزم الصمت التام، أو ربما يتم تقييد حرية حقه في الحركة والتنقل حتي بعد الإفراج عنه بأن لا يسافر إلى خارج البلد، واذا لم يلتزم فيهدد بأن يد الشعبية طويلة ـ مع أنها الآن غدت مشلولة ـ يمكن أن تطاله حيثما كان.
ومأساة السجناء في ارتريا عميقة وطويلة لأن النظام الإرتري بدأ الاعتقالات بنحو (130) شخص خلال الفترة الواقعة بين عامي 19991-1992م تحت تهمة التعامل مع النظام الأثيوبي، ثم تلتها اعتقالات واسعة في المنطقة الغربية من ارتريا تحت تهمة الانتماء أو التعاون مع حركة الجهاد الإسلامي الإرتري، حيث اعتقل في عام 1994م في ليلة واحدة نحو (90) شخصا من معلمي المعاهد الدينية والأئمة والخطباء ووجهاء المجتمع وأعيانه. ساءت الأوضاع أكثر بعد حدوث النزاع الإرتري – الإثيوبي الأخير (1998-2000م) وما تلاه من انشقاق داخل صفوف الحزب الحاكم الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة. حيث توسعت دائرة شكوك النظام وزاد بطشه بعد خروج ما عرف بالمجموعة الـ (15) الذين كانوا على أعلى مستويات الدولة والحزب في السلطات التشريعية والتنظيمية، و (80) شخصا ممن يعتقد النظام بأن لهم صلة بالمجموعة الإصلاحية من سياسيين وعسكرين وموظفين وتجار، هذا بجانب الاعتقالات في أوساط الصحفيين والذين تضامنوا مع المعتقلين السياسيين، والاعتقالات في أوساط الهاربين من جحيم الخدمة الإلزامية غير المتناهية وهم كثيرين جدا بعشرات المئات، والاعتقالات في أوساط الأقليات الدينية المسيحية، مثل (البنطي والجهوبا) ومجموعات اخري مستقلة من أتباع الكنيسة الإنجيلية خاصة خلال الأعوام من (2003-2007م) .
سجناء حركة الحرية الآن الذين يقبعون في سجون النظام منذ عام (2005م) وأخيرا سجناء حركة (21 يناير 2013م) والذي كان من أبرز المعتقلين فيها، العقيد عثمان صالح ، السيد عبد الله جابر المسؤول التنظيمي للحزب الحاكم، السيد مصطفي نور حسين حاكم الإقليم الجنوبي، السيد أحمد حاج علي وزير المعادن، وقد بلغ عدد المعتقلين في بداية المحاولة الانقلابية نحو (127) شخصا.
معاناة سجناء ارتريا لها العديد من الوجوه والمظاهر نذكر من أهميها ما يلي:
1/ أن سلطات القبض والتوقيف والتحري والمراقبة سلطات أصيلة لقوات الشرطة ووكلاء النيابات وتنظيم بموجب قانون الإجراءات الجنائية في كل دولة، بينما هذه السلطات في ارتريا تمارس من قبل سلطات الأمن في الغالب الأعم.
2/ السجن عقوبة سالبة للحرية، ومتعدية وتتنافي مع مبدأ تفريد العقوبة ولذلك كل القوانين تعمل للتقليل من آثارها.
3/ النظام الإرتري لم يكتف بعقوبة السجن وإنما يضاعف من معاناة السجين بإضافة عقوبات أخري إليها كالتعذيب في الحاويات الحديدية، والزنزانات الفردية، والسجون والمعتقلات تحت الأرض.
4/ لا توجد أي محاكمات عادلة وعلنية ومستقلة وانما تتم المحاكمات عن طريق المحاكم العسكرية الخاصة وذلك بعد سلسلة طويلة من الإجراءات في مرحلة التحري والتحقيق.
5/ السجناء في ارتريا علي كثرتهم خاصة سجناء الرأي والسياسيون من لحظة اعتقالهم هم في انقطاع تام عن العالم الخارجي فلا اتصال بينهم وبين أفراد أسرتهم، وليس لهم الحق في توكيل محامي ولا الحق في الضمان الشخصي أو المالي، وهذا أمر منافي ومناهض لكل مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومنافي لأبسط قواعد معاملة السجناء، وكل القوانين الموضوعية والإجرائية، وطنية كانت أو دولية.
6/ من خلال التقارير المتواترة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية تتردد بقوة أخبار وفاة بعض السجناء تحت التعذيب، أو الانتحار، كما تتردد بقوة تصفية بعض السجناء السياسيين وهذا يعد بمثابة مصدر قلق اضافي لأسر السجناء خاصة والمجتمع عامة والذي أخشاه أن ننتظر حتي يزول النظام ونفيق علي اطلالة .
7/ السجين تتعلق به حقوق شرعية فله زوجة وله والدين وأبناء فإذا توفي بأي سبب من الأسباب يجب أن يعلموا حتي لا تنتظروا زوجته معلقة لعقد أو عقدين في الوقت الذي هو انتقل إلى الدار الفانية.
اذا أطلقنا العنان للقلم يمكن أن نقول الكثير في هذا المجال ولكن نكتفي بما ذكرنا كمجرد إشارات لمآسي السجناء في ارتريا وأسرهم، وأختتم بكلة آمل أن تقرأ بعناية وتؤخذ بعزيمة وأن تكون برنامج عمل لكل منظمات المجتمع المدنية والجاليات الإرترية والمنظمات الحقوقية والمراكز والمواقع الإعلامية والقوي السياسية المختلفة (أن قضية السجناء في ارتريا من أعدل القضايا فهل من محامين ناجحين ) هذا مع التأكيد على تقديرنا لجميع الجهود التي بذلت من قبل من كافة الجهات في هذا المجال.
للتواصل: hornafrica2003@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38344
أحدث النعليقات