الواقع الإرتري وأزمة العمل الإستراتيجي الحلقة الثالثة
في هذه الحلقة أود التطرق إلى بعض القضايا الهامة التي ترتبط بعض الشي بمستقبل هذا الصراع إرتباطا وثيقا وفي مقدمتها قضية الأرض . بعد التحرير قامت الجبهة الشعبية بتشكيل ما يعرف بالحكومة الإرترية المؤقتة والتي كنا نأمل كما أطلقت على نفسها أن تكون مؤقتة وتعمل على تفعيل الدستور وضمان حرية الصحافة وتفتح المجال للتعددية السياسية ولكن جاءت الأمور وتطورت الأحداث وتبخر كل شي على عكس كل التوقعات المحلية والدولية. شرعت الحكومة المؤقتة في تنفيذ سياساستها الداخلية في جميع مجالات الحياة وفي إطار مشروع إعادة البناء وإعادة هيكلة المجتمع وفق الخطة المرسومة للنظام السياسي والمجتمعي الجديد الذي من منظورها يدخل في سياق إعادة هندسة المجتمع وإعادة تشكيله بما يخدم تعزيز أركان الدولة وبسط صلاحياتها وفكفكة التركيبة السكانية بشكلها القديم ضمن مشروع ارتريا الحديثة الذي يشمل إدخال إصلاحات شاملة تتعلق بحقية الملكية وتغيير المفاهيم المتأصلة في عقول الناس بما في ذلك تقليص آثار الولآءات القبلية والمناطقية التي بوجودها ستجد الدولة صعوبة في نقل هذا المجتمع من زمن التخلف والجهل إلى عهد الدولة الذي به من المفترض أن تشهد البلاد حالة من التقدم والإزدهار والنمو. هذه السياسة لم تجد ترحيبا لدى قطاع واسع من الشعب الإرتري وخصوصا من سكان المنخفضات لو صح هذا التعبير لشعورهم بالظلم من جراء هذه السياسة التي تمس عمق مصالحهم كونها تهدف من منظورهم إلى تغيير معالم حياتهم وذلك عبر دفع أعداد كبيرة من المرتفعات إلى الزحف إلى أراضي المسلمين. إلى أي مدى يمكن لنا إعتماد هذا الإستنتاج.؟
كما سبق وذكرت في الحلقة الماضية بأن هذا الإستنتاج وحسب علمي كلام شفوي متناقل يفتقر إلى دراسات إستقصائية غرضها التوثيق بشكل حرفي مدعوم بالأدلة والبراهين القاطعة ولكن وفي ظل الحالة الأمنية أتفهم صعوبة ذلك وبالتالي نترك ذلك جانبا إلى وقت آخر يكون البت فيه من مكان الحدث وليس خارجه وانا أقول ذلك لا أقر ولا أنفي ولكن لا أريد الأخذ بالإفتراضات التي يتم توظيفها في الصراع السياسي الدائر وبالتالي الإرتماء في أحضان الخطاب الديماغوجي. إن رغبتي الجامحة على هزيمة الجبهة الشعبية يجب أن لا تدفعني إلى شرعنة كل الوسائل والأساليب دون الإكتراث بالعواقب الخطيرة على مسيرة هذا الوطن وإستقراره وأمنه وتماسكه الداخلي الذي هو الضمان الوحيد أمام الأطماع الخارجية التي لم تعد بعد جزء من الماضي بل خوف مشروع يرتكز على حقائق موضوعية ماثلة أمامنا . إن القول بأن ما حدث كان جزء من المؤامرة ضد المسلمين يقود إلى حقيقة واحدة مفادها على المعنيين والمستهدفين من المسلمين حمل السلاح وطرد الآخر على أساس الهوية والدين والمنطقة وبالتالي دعوة إلى حرب أهلية وتكون فيها الغلبة للقوي. هذا الخطاب وبناءا على الكثير من المعطيات والحقائق يبدوا خطابا يتنافى مع واقع المعنيين ويقفز على جملة من المتغيرات والتحولات التي حدثت خلال الأربعة عقود الماضية وخصوصا في العقدين الأخيرين الأمر الذي يقلل من واقعية هذا الخيار .
نقاط الضعف في صفوف المعنيين
اولا
تضاؤل وجودهم في الداخل كما ونوعا
ثانيا
وجود بدائل أخرى وأوطان أخرى يتشابه فيها كل شي وهنا يكون الحديث عن أجيال إندثرت وأجيال أخرى تعيش إمتداد للأجيال التي سبقتها مع إختلاف في المفاهيم والرؤى وتفاوت كبير في قوة الإرتباط بالمنشأ
ثالثا
إتساع الفجوة بين القوي والضعيف على جميع الأصعدة وخصوصا في القطاعات الحيوية الهامة.
إن محاولة التصدي لأي مشروع عدواني أو إقصائي ممنهج يتم فيه إستنهاص المستهدفيين عبر التحريض الذي يفتقر إلى النظرة الموضوعية والقراءة الصحيحة لإشكاليات وتحديات الجبهة الداخلية التي لا تمتلك الإسترايجية المثلى لتحقيق أهداف واقعية تدخل في إطار تحقيق مكاسب مرحلية تتماشى مع واقعها المجتمعي وما بحوزت هذا المجتمع من عوامل القوة الضرورية المادية منها والمعنوية سوف يقودما حتما إلى نتائج عكسية ومن هذا الباب نصرخ مرارا وتكرارا على تجنب إهدار طاقات ومعنويات الشعب في صراعات غير محسوبة. .
هذه النقاط مجرد إيجاز لواقع جاء نتيجة لتراكمات تأريخية طويلة ويمكننا ذكر قائمة طويلة نعدد فيها مضاعفات سياسية التكتيكات وسياسة رزق اليوم باليوم التي أتبعت والتي لا تزال سارية المفعول.
إن فترة حكم الجبهة الشعبية فترة لا تخلوا بطبيعة الحال من الإخفاقات والتجاوزات والمظالم في الحقوق والأرواح والممتلكات ولكنها قياسا بدولة لا تتجاوز ثلاثة عقود من الزمن وقياسا بكثير من الدول في محيطنا الإقليمي تظل الأرقام أقل عددا ورغم تظل بطبيعة الحال مؤسفة ومؤلمة ولكن لا توجد على هذا الكون وعلى مر العصور تجربة إنسانية خالية من التجاوزات والمظالم. ما أقوله وأكتبه قد لا يجد رضى البعض ولكن أقول لهم لو جاء حزب من تلك الأحزاب التي تنضوون تحت لوائها على سدة الحكم في ارتريا هل كان العدل سيسود البلاد والعباد وكان للشعب الارتري ما يريد ويطمح؟؟؟
الآن وفي هذا المقال كلماتي موجهة إلى الحكماء والعقلاء من أبناء ارتريا الشرفاء لكي يعيدوا النظر في السياسة التي عملنا بها حتى اليوم وان لا يذهبوا على ذات الطريق الذي أفقدنا كل شي وسوف يفقدنا المزيد والمزيد. إن واقع شعبنا ومعاناته تفرض علينا النظر في البحث على مخارج أخرى وذلك في إطار تحالف وطني قوي بقوة إيمانه بوحدة شعبه ، تحالف من نوع آخر وعلى أساس تفكير آخر وفق إستراتيجية عمل يعكف عليها كل الوطنيين للخروج بما هو أفضل . شعبنا في إنتظار هذه العقول والكفاءات لتقوده نحو الممكن مع التمسك بمطالبه المشروعة وإنهاء مرحلة الإحتقان السياسي. هل لنا رؤية الممكن في وسط هذه العتمة ؟؟؟. تحياتي. عبدالرحمن
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38521
أحدث النعليقات