مفاتيح الحراك الوطني بين مطرقة الإنفصال وسندان تقرير المصير(2)
ظلت الخطوة التأريخية التي إتخذها حامد إدريس عواتي (دون إستشارة أحد او توكيله من قبل شريحة بعينها ، المنعطف الأساس للتحول الذي حدث نحو الإستقلال الوطني ، كما ستظل الخطوة التأريخية التي إتخذها ملتقى القوميات الإرترية (دون إستشارة أحد أو توكيل من شريحة بعينها )المنعطف الأساس للتحول الذي سيحدث نحو الإستقلال القومي من سياسة الإستعمار التنظيمي الهاضم لحقوق شرائح إجتماعية بعينها .
ذلك أن المهام التاريخية ليست بحاجة الى إذن من أحد حتى تتحقق ، بل هي بحاجة الى عزيمة وإرادة فولازية مؤمنة بالخط الوطني الذي شقت طريقها عبره ،وأن الإرادة الإستعمارية التي وفدت من خارج البلاد وتطاولت على الكرامة الإرترية وتغولت على حقوقها الوطنية ،كانت الشرارة التي أشعلت الثورة ، وفجرت في دماء الشرفاء من أبناء شعبنا الأبي ، روح المواجهة والتضحية والفداء ، ودفعت افراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين (بقيادة عواتي )، الى توكيل أنفسهم بانفسهم للقيام بمهام تاريخية عجز غيرهم عن التصدي لها ذلك الحين ، بينما إكتفى القاعدون بتهويلها أو التقليل من شأنها ووصفها بالخارجة عن المعقول ….
هي ذات الإرادة الإستعمارية المتخفية اليوم وراء ثياب وطنية والممسكة بزمام السلطة القمعية (داخل البلاد وخارجها)عبر آليات تنظيمية تقليدية … فكانت الشرارة التي أشعلت الثورة القومية ، وشحذت همم عضوية ملتقى القوميا ت الإرترية ،كخطوة إستباقية لمرحلة إنتفاضة حقيقية يقودها الثوار من أجل إستعادة الحقوق الوطنية المغتصبة داخل أقبية الأنظمة التقليدية ، وكانت الخطوة التاريخية التي إقتضتها المظالم الفادحة في حق الشعب الإرترية من خلال مكوناته القومية ،ومن ثم لا تحتاج القوى الثورية المنفذة لمهام المرحلة اليوم كما الأمس الى إذن أو توكيل من أحد ، ذلك أن النتائج المبهرة التي ستتحقق في العمق الإرتري زاحفة باتجاه العاصمة أسمرا ، هي وحدها التي ستمنح هذا الحراك الثوري شرعيته المعتبرة ،وحينها سنرى حقيقة الأصوات النشاز التي كانت تعترض سبيله ، كيف ستتحول 180درجة .
ومع ذلك نؤكد لجميع هؤلاء أن هدف هذا الملتقى ليس المتاجرة بقضية الشعب الإرتري أو تأجيل حلها كما حدث طوال العقدين الماضيين ، بل لحسم مسببات الأزمة الداخلية التي يعاني منها البناء التنظيمي للحراك النضالي من الجزور ،باعتبار أن ذلك هو المدخل الرئيس للمعالجة العملية الصحيحة لهذا الإنحراف العام المتفشي في البناء الوطني ، والذي تعاني من إفرازاته جماهيرنا الغفيرة المستخدمة داخل هذا البناء كآلة صماء لا يسمح لها غير العمل على حصد الثمار لأصحاب النفوذ ورأس المال ، بينما تتقلب هي في وحل الفاقة والعوز والمعاناة التي فاق إنتشار آثاراها حد التصور ،هذا بالتحديد مضمون خطوتنا التأريخية التي لن تُدرك بوضوح ، حتى يستكمل البناء أغراضه وتنطلق وحداته العسكرية لتنفيذ الوعد وتخليص الشعب ، من ربقة النظام القمعي الناشئ كثمرة طبيعية لبناء تنظيمي تقليدي غير معبر عن مطالب الإرادة الوطنية .
نقول هذا لأننا لا نخشى عكس حقيقة الصورة (ذات الوجهين ، وجه معاناة الشعب الإرتري ووجه المتمتعين من خلالها)،وتمريرها على عدسة المجهر الوطني ، ولا نستحي أن نسأل المهاجر وكل من يصطف خلفه ،قائلين أما كان من الأجدر بكم أن تسبقوني في كشف ا لثام عنها وتحذير الحادبين على مصلحة الوطن منها ،عوضاً عن قيامكم بمهام إخفائها والتستر على روادها ومدمني تعاطيها مستخدمين مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع ،على العموم يكفيك ياأخي الحبيب أن تعلم ومعك من يقف الى صفك ،أن نخبة معتبرة من شباب الساهو (بحضور كل مكونات هذه القومية)الى جانب قوميات إرترية أخرى يؤمنون بضرورة تفكيك البناء التنظيمي القديم لأنه تقليدي غير محدد الملامح ، ومن ثم إقامة بناء تنظيمي آخر على أنقاضه،بناء يستمد تماسكه بصورة تلقائية من قوة إرتباط مكوناته وشفافية إنتمائها به ،بناء قاعدته الجماهير وقياداته الشباب،وفلسفته إرترية وإرادته مستقلة ،آلياته تعمل على إعطاء كل مكون إرتري يعتز بقوميته ،حقوقه الوطنية الكاملة (داخل أوعية التنظير والتشريع والتقرير والتنفيذ)التابعة لبناءه التنظيمي و الموحد لبناءه الوطني ، وذلك هو التغيير الذي نريده لإدراكنا تمام الإدراك أن النخبة التقليدية للقيادة التنظيمية ،قابضة على مداخل هذه الأوعية الوطنية ،ورافضة مبدأ إخلاء موقعها للدماء الإرترية الجديدة ، دماء الشباب الممتلئ علماً وثقافةً وتجربة عملية مكافئة لمتطلبات زمانها ولحدود إمكاناتها،والقادرة من ثم على تفعيل عجلة المواجهة(الإعلامية والثقافية والسياسية والعسكرية)ضد الوعاء الأجوف للبناء التنظيمي (الحاكم داخل إرتريا وخارجها)….
هذا ماأرساه ملتقى القوميات الإرترية ؛فما الذي سيرسيه ملتقى الحوار الوطني لتغيير الديمقراطي ، سوى تجديد لطلاء هذا البناء التقليدي ، الذي تعشعش بداخله هذه القيادات منذ خمسة عقود ، الأمر الذي جعلها تنظر إليه وكأنه ملكية خاصة ،أو كأنه جزء لا يتجزء من إنجازها التاريخي الذي سرق إسياس أفورقي الأضواء منه ،ومن ثم أصبح ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي هو الإنجاز البديل الذي سيعيد لها كل ماسقط من حلمها الممتد منذ ذلك التأريخ القديم، فهاهي تردد عبارات جديدة عوضاً عن عبارات التباكي السابقة ، عبارة سمعناها داخل الورشة العامة لملتقى الحوار قائلة أن التحالف هو الكل في الكل ، هو الذي يفكر وهو الذي يقرر وهوالذي ينفذ ، فكيف بالله عليكم بعد كل هذا الإقصاء ، نسمي الملتقى القادم بملتقى الحوار ، وهو الأحرى به أن يسمى ملتقى تجديد الطلاء لمقاعد السلطة التقليدية ،التي عجزت من قبل عن إدارة مهام الثورة الإرترية ، وفشلت تماماً في إيصال الجماهير الى مربع الإستقلال الآمن ،فكيف نمنحها بعد كل ذلك مقود القيادة لمرحلة تأريخية جديدة وقد إنقضت فرصتها بإنقضاء تلك المرحلة القديمة التي لم تنجز مهامها ،وتحول الواقع بعد الإستقلال الى وجهة جديدة تراكمت فيهاجراح اليوم الى جراح الأمس وماعاد الوقت يسمح لتجديد سلطة البناء القديم ليصحح مساره المنحرف، نعم الوقت اليوم لأبناء هذا الجيل الذي كان من حقه أن يتمتع بثمار الأمس فإذا به يقاسي مثل أبويه بل وأكثر ، نتيجة أن مقود الثورة لم يسلم من قبل الى أيدي الشريحة الشبابية المتدفقة حماس وإيمان بقضية الأباء والأجداد ،وبقضية التحول الديمقراطي التي تعني التحول عن الطريق القديم وليس تجديد الطلاء لهم لكي يخدعوا الناظرين كما فعلوا ذلك عند إستلامهم مقود السلطة من يد البسطاء الذين فجروا الثورة وماتوا شهداء قبل تحقيق الأهداف الثورية، فهل نسلم هؤلاء الراية مجدداً، وقد لُدغنا من قبل عندما دخلنا هذا الجحر .
ثم كيف نخطئ الظن بوعي الأجيال الإرترية التي نهضت اليوم لتقرير مصير الكيان القومي الإ رتري المعبر بصدق عن كيان المجتمع الإرتري الذي يعتز بهذا البناء لكونه أكثر تماسكاً ووضوحاً وشفافية ، ولكون من يقوده لا يظن أنه العلى قدراً ومكانةً أو الأكثر معرفةً ودرايةً منهم، ذلك أنهم شباب واعي بحقيقة أن إنجاح هذه الخطوة التاريخية لا يحتاج الى الى سلطة تنظيمية يفتخرون بإرسائها أو يتعالون من خلالها على غيرهم من أبناء جلدتهم ، ولأن السلطة في حسهم مقبض زناد ومدفع رشاش يحملونه بقوة ويسجلون من خلال ضرباتهم مواقفهم الرافضة لآليات القمع والتهميش والتهجير، وطمس الهوية الإرترية الأصيلة ، التي بدونها لا نكون إرتريين ولا نستحق التواجد داخل إرتريا ،ومن هنا نقول مؤكدين ان صيحة عضوية ملتقى القوميات الإرترية ليست صيحة ضعفاء أو جهلاء بتأريخهم او بالممارسات التي يريد أبو الحارث المهاجر وصحبه (أعادهم الله الى أرضهم)أن يصفوها بالوطنية ، بينما نراه قد إنتزع من الأصالة رونق نقاءها وقوة حجتها وولاءها لإنتماءها ، ورغم ذلك سنعزر المهاجر لأنه ظن أشعة الشمس يمكن حجبها باليد ، ذلك انه بعيد عن الصورة ومتأثراً بغمام أجواءه الناعسة وافكاره المشوشة ، سنعزره فقط لأنه إرتري ينتمي الى وطن نعتز به ونحترم مكوناته إحتراماً ستشهد الأ يام القادمات حقيقته وسيسطر التاريخ الإرتري ذكرى أحداثه …………… يتبع الجزء الثالث…
بقلم : ابو نضال
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3890
أحدث النعليقات