حـكــايــات من بلادى : شمس الحريّة (شمسى ) ورفاقه الأبطال (3)
بقلم: عبدالفتّاح ودّ الخليفة
12-4-2013
عزيزى القارئ واصل الأب (محمود أحمد شمسى ) فى سرد تفاصيل الخروج قائلا :
وصل القائد إلى المستعمرة الفرنسية حينها (جيبوتى) ووجد رفاق (شمسى) أيضا الوسيلة التى توصله إلى المستعمرة الإنجليزيّة حينها( اليمن الجنوبى _عدن ) ولكن مشكلة أخرى كانت تقف عائقا فى الطّريق وهى: كيف يستطيع الشهيد صعود المركب ويعدّى من (شرطة خفر السّواحل ) الجبوتيين وهو لا يملك أوراق ثبوتيّة، فقلنا نجرّب حيلة وهى : أن آخذه معى ، ويبيت معى فى الباخرة لأنهم يعرفوننى كعامل فى الباخرة، ويبقى هناك حتّى لحظة التّحرّك والإبحار نحو (عدن) ونجحت الفكرة ولم يعترضنا أحد وبات (محمد سعيد) معى فى الباخرة وتحرّك المركب فى موعده من (جيبوتى) إلى (عدن) ووصلناها بأمان وسلام.. وهناك إستقبله الأخ المناضل الحرّ (حجّى دافلا) وأسكنه معه فى (حىّ البريقا) فى عدن ،بعيدا من أعين القنصليّة الإثيوبية ومخابراتها، ولكن يقول (الأب محمود شمسى ) “وحين عودتى إلى (جيبوتى) من عدن فاجأنى (محمّد سعيد شمسى) بأن أعطانى رسالة طلاق لزوجته التى تركها فى مدينة (قندع) وكان له منها طفلا واحدا.. ربّما كانت الرؤيا له واضحة ولربّما توقّع أنّ المسيرة الّتى بدأها قد تطول، وقد يطول أمد الكفاح، أو ربّما حدّثته نفسه ،بأنّ طريق العودة ليس بقريب ، ولذالك أراد لها أن تعيش حياتها ولا تعلّق مصيرها بمصيره ، لأنّه لم يكن ليدرى إلى أين سوف يسوقه القدر …..”
(محمّد سعيد شمسى )كان صادقا مع نفسه وربّه وشعبه تمنّى الشّهادة فنالها فى (شعب)..
وصدق حدث شمسى ، لم يعد إلى الدّار لا إلى قندع(ماى أدكموم) ولا مصوّع بل عاش ثلاثة عشرة شهرا،من عمر شبابه ، بعد الخروج الكبير، حيث خرج من مصوّع فى 19 ديسمبر 1963 إلى المجهول ليعود إلى إرتريا من البوابة الغربية، وعلى مشارف (سمهر) منشأه ومراتع صباه،هجم على قوات الشرطة المرابطة هناك فى (شعب ) وعلى 86 فرسخا من (مصوّع ) وعلى بعد أقلّ من قرية الشّيوخ (إمبيرمى ) …وكأنه أراد أن يقول لكلّ الأذناب والخونة فى شرطة (مصوّع) وكلّ وكر فيه خائن أو ظالم يا ويلكم من غضبى أنا هنا فى (شعب) أنا قادم…..ولكنّه عاش قليلا ومات شهيدا، بعد أن زلزل الأرض بخروجه، (عرش الأمحرا) المبنى على جماجم الفقراء والمظلوميين..
من(قندع) ومن رحم المعاناة خرج (شمسى) وخرج صالح سالم…..
وليس مهمّا اليوم بأىّ قدر ، هل للجبهة أم للحركة خرج (شمسى وقمحد) وبقية الأحرار من (قندع) من (حرقيقو ) ومن (مصوّع) ولكن الشيئ المؤكّد والذى لاجدال فيه خرجوا من رحم المعاناة ومن أجل نصرة شعبهم،الذى سلب من حقّه فى الحريّة والسّيادة، وإدارة شؤون حياته ودولته بنفسه، فمبروك للعم الشّرطى الثّائر (صالح سالم) الّذى قاد عمليّة الخروج الثانية، حتّى وإن لم تنجح، فقد تحقّق الهدف، وتحرّرت البلاد، وتحقّقت السّيادة، وباقى ملحقات التّحرير، وتثبيت قوائم السّيادة، سوف تأتى بأوانها، وليت ( شمسى) وليت (قمحد) كانوا بيننا، ليروا ثمرة خروجهم البطولى ، لأنّهم وغيرهم من الشّهداء عبّدوا الطّريق فكان التّحرير وكان إعلان الإستقلال المجيد.
كتب ناود (1) : “بقى من الثوّار المطاردين فى دنكاليا من قبل القوات الإثيوبية (محمد سعيد شمسى ومعه (صالح إبراهيم) فشعب (شمال دنكاليا الأبى قد حماهم وأعطاهم الدّليل للتخفى ودخول منطقة (تقراى ) فى إثيوبيا ” و” فى (جدة) فى المملكة العربية السعودية إلتزم المناضل شمسى فى (جبهة التحرير الإرترية) وهنا قام بدور عظيم حيث ساهم فى إيقاف الحملات على الحركة بحكم أنه كان عضوا فيها ،وأخيرا فى معركة عسكرية ناجحة بقيادته فى منطقة (شعب ) إستشهد (شمسى)..”
فى فترة تواجد(الشّهيد ) القصيرة فى مدينة (جدّة) فى المملكة العربية السعودية، إلتقى بزعماء الثورة الإرترية حينها وعلى رأسهم المناضل الشّهيد (عثمان صالح سبّى)وأرسل على جناح السّرعة إلى السودان ومنها إلى إرتريا عبر بوابتها الغربية ، ليواصل مسيرة نضاله قائدا لفصيلة من جيش التحرير الإرترى صانع المعجزات…
مصير باقى أعضاء حركة (الشّرطة) فى مصوّع!!!!
البطل الشّهيد (قمحد إدريس)
(إبن (إرتريا و (أكيتو) و(إبراهيم سلطان) خرج على الظّلم والبهتان، لأنّ بالدم وحده تأتى الأوطان…
يذكر أنّ أفراد شرطة الحراسة فى ليلة عمليّة إقتحام (مخازن الأسلحة) فى مصوّع قد أقفلا هاربين إلى مصوّع ، تاركين وراءهم القوّة فى حالة إسترخاء ،بعد عناء سّير اللّيل كلّه وحتّى منتصف النّهار التّالى وهو يوم 20 من ديسمبر عام 1963ورجلا الحراسة الخائبين هذين ،والذين عادا إى مصوع ، نقلا معلومات مهمة للإثيوبيين، ومن ضمنها إسم (سائق سيارة الأجرة التاكسى (عندى إدريس الدنكلى) وتم إعتقاله فى الحال، وأهم معلومة عرفتها إثيوبيا هى مسلك المجموعة المتمرّدة فى شرطة (مصوّع) .. وجاءت قوات من مناطق متفرّقة من إرتريا لمطاردة القوّة… وظلّت المطاردة لفترة ليست بقصيرة، وكانت هناك طائرة تقوم بمسح عام للمناطق وتبلّغ القوات الأرضية بالأخبار ، ولكن شعبنا الأبّى فى شمال دنكاليا والتى كانت القوة تطارد فى أراضيه، لم يكشف لقوات الحكومة ما رآى وما سمع عن القوّة بل العكس كان يؤوى القوّة ويمدّها بما تحتاج وأثناء الزّحف حصلت أول مواجهة مع القوات الإثيوبية فى (سَعيْتُو دقى) وفى تلك المعركة، أى بين قوّة إثيوبية كبيرة ، وقوة إرترية لا يتعدّى قوامها العشرون أو أكثر بقليل، ملكت إرادة وقوّة الإيمان بالمبدأ، حملت العلم الإرترى، وقلب أسد، فى تلك المواجهة النّادرة إستشهد القائد البطل (قمحد إدريس) وكان لإستشهاده أثرُ سيّئ فى نفوس المقاتلين ، لما عرف عنه من شجاعة نادرة، وفنّ فى القتال ، وبعد تلك المعركة إشتّدت ضراوة المطاردة، وكان ميزان القوة فى العدة والعتاد لصالح العدوّ…وأرضنا فى الساحل الشرقى وفى مناطق مسرح المطاردة ، فى دنكاليا الشمالية لا تساعد طبيعتها على التخفى والإختباء، ومن هنا وزعت القوة على مجموعات صغيرة ، وإنقطعت الإتصالات بينها، ووقع فى الأسر بعضا من الأحرار ،حملهم الإثيوبيون ودخلوا بهم مدينة مصوّع، وجاؤوا بالشهيد (قمحد إدريس الدنكلى) وجسده ممزّقا بالرّصاص، وكأنّهم لم يصدّقوا بأنّه قاد مات وفارق الحياة، من شدّة خوفهم منه، وقوّة بأسه مثله مثل رفيقه فى معركة أغردات فى العام 1966 (دنقير ود شارف) حيث إشتشهد فى هجوم ليلى نفّذته قوات من (جيش التحرير الإرترى) بقيادته، على معسكر الجيش، وفى الصباح لم يستطيعوا الإقتراب من الجسد الطاهر حتّى لا يكون فيه باقى روح، فيبيدهم، وبالعودة للشهيد (قمحد إدريس ) فقد علّق جسده الطاهر فى ساحة ضاحية مصوّع (حرقيقو) مسقط رأسه ومكان ميلاده، ليكون عبرة لمن يعتبر ، ولئلا يسلك دربه من تسوّل له نفسه بعد ذالك، فى التجرّء على الملك،وعلى جيش الملك، ولكن الأطفال من شاهد ومن سمع بقصة البطل (قمحد إدريس) لم يخاف ولم يرتعب، بل العكس فكلّ الصبايا فى (حرقيقو) أصبحو شظايا، فخرج لنا من حرقيقو ألف (قمحد) و(عثمان صالح سبّى) يذكر منهم دائما ( الشّهيد إبراهيم عافة، ورمضان أولياى،محمد على عمرو، رمضان محمد نور، صالح حروى، وأحمد طاهر بادورى ، ومحمد على أفعرورة ، وكثيرين غيرهم ، بعضهم ترك تأريخا حافلا بالكدّ والكفاح،وبعضهم لا زال يجود من الموجود….
هنا فى ساحة ضاحية مصوّع (حرقيقو) فى ديسمبر من عام 1963 علّق جسد طاهر ممزّق بالرّصاص كان للشهيد (قمحد إدريس) فأصبح أبناءه وأحفاده من بعده شظايا، وحمم مزّقت جسد إثيوبيا وملك الملوك.
وفى الحلقة القادمة نتابع قصّة أحرار إرتريا والخروج الكبير وحتّى حينها للقارئ والمتابع تحيّة…..
هوماش ومراج:
1-كتاب (حركة تحرير إرتريا الحقيقة والتّأريخ (صـ 211-222)
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39274
أحدث النعليقات