شاهد على سيمنـار المثقفين
محمد صالح مجاوراى
قرأت كغيرى من المتابعين للشأن السياسى الارترى بعض الكتابات التى تناولت بالنقد والتحليل سيمنار المثقفين الارتريين الذى عقد فى أديس أبابا فى سبتمبر الماضى. ومع احترامى وتقديرى لكل الاخوة الذين تناولوا بالنقـد هذا الحدث -وهذا من حقهم فأى حدث لابد من أن يقيم سلبا وايجابا – الا أنى رأيت بعض السلبيات فى طريقة تناول البعض فرأيت ضرورة الادلاء ببعض الملاحظات على ماكتب خاصة أننى كنت شاهد عيان ومشارك فى فعاليات جلسات السيمنار من بدايته الى نهايته . ويمكن اجمال هذه الملاحظات فيمايلى :-
1. ساءنى أن ينظر البعض لكل خطوة من خطوات الحدث من منظار المؤامـرة والكيد وعدم اعطاء فرصة للمبررات أو الأعذار التى يمكن أن تكون حقيقية أو افتراض القصور الذى يشوب كل عمل بشرى. فبدءا من توقيت السيمنار الى طريقة اختيار الاعضاء ومرورا بالاجندة الى المناقشات وحتى نهاية البيان الختامى لم يسلم من هذه النظرة. وهذا لايعنى أن السيمنار لم تشبه شائبة بل شابه قصور فى بعض الامور وجميل أن يشار الى القصور الذى صاحب الاعداد وفعاليات السيمنار حتى يتم تفادى ذلك فى مؤتمراتنا القادمـة. ولكن يجب أن يكون تقييمنا أكثر واقعية ويستند الى حقائق ومعطيات أكثر منها الى ظنون ومؤامرات. هذه النظرة التشاؤمية القائمة على منطق أن كل خطوة يقوم بها الطرف الاخر انما هى مؤامرة أو كيد هى نظرة مدمرة لصاحبها قبل كل شىء لاتجعله يخطو خطوة الى الأمام فضلا عن أن تساعد فى بناء الثقة المفقودة أصلا بين مكونات المجتمع الارترى فى الوقت الحاضر.
2. وضع توقعات كبيرة على نتائج الاجتماع وتحميل المجتمعين مسئولية تحقيقها دون الاخذ بالاعتبار طبيعة المجتمعين وطبيعة وديناميكية الاجتماع لاول مرة . أعنى أن المجتمعين أناس يرى بعضهم بعضا لأول مرة ولايعرفون خلفيات بعضهم بعضا، مختلفون ثقافيا ولغويا ودينيا ومناطقيا ، قدموا من بقاع متفرقة من أرض المهجر ، مهتمون بالسياسة ولكنهم لايمتهنونها. لايمكن لاجتماع كهذا حسم قضايا خلافية كالتى تم تناولها ولكنه يفتح بابا للنقاش المباشر بين شريحة مهمة من أبناء الشعب الارترى. وهذا لايقلل من أهمية الاجتماع فأهميته تكمن فى أنه الأول من نوعه فى التاريخ الارترى – الحديث منه على الاقل- أن يجتمع مثقفون من جميع مكونات الشعب الارترى بكل طوائفه وأعراقه فى مكان واحد ليتناولوا أكثر قضايا المجتمع حساسية وبكل صراحة فى مدة زمنية قصيرة. كما أن أهمية اللقاء تكمن فى أنه أعطى دفعـة قويـة للمظالم السياسية التى رفعتها القوى السياسية والمطالبات بضرورة تغيير النظام فى ارتريـا. فاللقاء أوضح أن المطالبات بالتغيير ليست فقط من نسج التنظيمات السياسية الارترية وانما هى رغبة مختلف مكونات الشعب الارترى ونخبه ومثقفيه.
والحقيقة أن مايصدر عن مثل هذه اللقاءات والمناقشات هى أكثر صدقا وأقرب الى عكس واقع الشعب الارترى بمختلف مكوناته من تمثيل التنظيمات السياسية المعارضة . فهؤلاء أتوا ممثلين لأشخاصهم فقط ولم يكونو ممثلين لجهة سياسية معينة يتقاضون راتبا منها ويتحتم عليهم السير وفق سياساتها المرسومة ولم يكن عليهم الاحتياط والحذر فى كل كلمة تخرج من أفواههم ولم يشعروا بعبء اعتماد لغة سياسية ودبلوماسية مجاملة الا ماكان من مقتضيات أدب الحوار. كما أن الحاضرين لم يكونوا فى وضع يسمح للحكومة الاثيوبية بالتأثير عليهم ولذا كان أول بنـد طالبوا باضافته الى الاجندة للمناقشـة هو تقييم سياسة الحكومة الاثيوبية تجاه المعارضة الارترية والحكومة الارترية. لذلك كانت المناقشات صادقة وعبرت بصدق عما يدور فى الشجون. فالذين حضروا اجمالا انما مثلوا أشخاصهم والخلفية الاجتماعية والمناطقية والدينية التى جاءوا منها وعكسوا شجونها ومخاوفها وتطلعاتها. وهنا تكمن قوة نتائج ورمزية هذا الاجتماع.
أكثر النقاط حساسية ومناقشة:
– يمكن تشخيص مصدر المشكلات فى ارتريا بأنه ناجم عن عدم ادارة التنوع العرقى والدينى واللغوى فيها بشكل سليم. فطمس الهوية واللغة الذى مارسه النظام فى ارتريا وفرض ثقافة قومية معينة وسلب الاراضى من أصحابها فى بركة والقاش والساحل وغيرها من المناطق وجلب سكان المرتفعات اليها وتهميش مناطق دون أخرى من خطة التنمية ومحاربة الدين الاسلامى من خلال محاربة المعاهد الاسلامية واعتقال كثير من المشايخ والمعلمين واستحواذ قومية معينة على وظائف الخدمة المدنية والمنح الدراسية بنسبة تقدر بأكثر من 97% كل ذلك ماهو الا أعراض للمشكلات التى نجمت عن فشل النظام الحالى فى ارتريا فى ادارة التنوع العرقى والدينى فيها بشكل صحيح وعادة مايؤدى هذا النوع من الانظمة فى نهاية الأمر الى تصادم مكونات المجتمع وبالتالى حصول حرب أهلية أوتطهير عرقى لاسمح الله.
وقد أدت الممارسات والسياسات المذكورة للنظام الارترى الحالى واستخدامه لقومية التجرنية وثقافتها للهيمنة على القوميات الاخرى الى احتقان واضح بين مكونات الشعب الارترى وطوائفه ينذر بعواقب وخيمة فى حال سقوط هذا النظام أو زواله كما حدث فى الصومال والعراق ان لم يتم تدارك الامر. وقد تجلى هذا الاحتقان حتى فى سيمنار المثقفين الارتريين رغم أن الجميع محسوب على خط المعارضة. فهناك من رأى أن النظام الارترى لم يحابى قومية معينة وانما وقع الظلم على الجميع وهناك من رأى أنه من الاجحاف ونكران الحقائق أن يقال أن جميع القوميات اضطهدت بشكل متساوى. صحيح أن الظلم وقع على الجميع ولكن على درجات وأزمان متفاوتة. فهناك من كان ظلمه فى حرمانه من المشاركة السياسية فقط بعد عام 2001 وهناك من بدأت معاناته حتى قبل استقلال ارتريا حيث طمست هويته وسلبت أرضه لاحقا وفرضت عليه هيمنة وثقافة قومية أخرى فضلا عن حرمانه من المشاركة السياسية. وليس من العدل والمنطق أن نساوى بينهم. وقد كان الرأى الاخير هو الغالب ولم يستطيع البعض نكران ذلك وخاصة بعد أن تحدث بعض الحضور من منتسبى الجيش الشعبى سابقا عن مشاهداتهم الشخصية. وحتى الذين عارضو هذا الرأى لم يجدوا حجة مقنعة الا ماكان من قبيل تخوفهم من أن يستخدم النظام هذا التوصيف لتأليب قومية التجرنية على قوى المعارضة. كما أن الطرف الاثيوبـى لم ينكر حقيقة هذا الرأى بل أكد عليها فى تحليله للنظام والقاعدة التى يستند اليها مشبها الوضع فى ارتريا بالوضع فى اثيوبيا عندما كانت قومية الأمهــرا هى المسيطرة على مقاليد الحكم. ومع التأكيد على هذه النقطة الا أنه كان أيضا توافق آخر على أن هذا الامر لايعنى بحال من الاحوال تحميل قومية التجرنية مسئولية الجرائم التى يقوم به النظام.
هذه النقطة كانت من أكثر النقاط حساسية فى اللقاء وأخذت مايقارب من ثلاثة أيام من النقاش والمصارحة. وأعتقد أن هذا الأمر كان ضروريا جدا للتقدم فى أي حديث يتناول مستقبل حكم ارتريا. وتمنيت لو أن مثل هذا اللقـاء جرى فى أكثر من مستوى شعبى حتى نبدأ حوارا وطنيا نشخص فيه ماجرى حتى نطوى تلك الصفحة من تاريخنا لنبدأ مرحلة جديدة قائمة على العدالة. فالمصارحة لابد أن تسبق المصالحة. والجرح مالم ينبش وينظف لايمكن أن توضع عليه الضمادة الطبية.
وحب الهيمنة والسيطرة من قبل مكون اجتماعى واحد لبلد ما واقصاء الآخر ثقافيا واقتصاديا ودينيا هى بلوى عظيمة ابتليت بها دول القارة الافريقية مماأدى الى أن تعيش معظم الشعوب فى افريقيا تاريخها الحديث فى حروب دائمة وصراعات لاتنتهـى حتى أنهكت ، بعكس دول الغرب وبعض الشعوب الاسيوية التى استطاعت أن تدير تنوعها العرقى والدينى والثقافى بشكل سليم لتتفرغ لبنـاء أجيالها ولتكون ضمن مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا.
من الركائز الاساسية لبناء مجتمع ارترى ينعم بالعيش بسلام ووئام بين مكوناته – أن يتمكن المجتمع من جعل التنوع العرقى والدينى واللغوى لارتريا مكسبا ومغنما لامغرما ونعمة لانقمة. وحتى يتحقق ذلك لابد أن تقتنع المكونات الأساسية للمجتمع وتقبل بمبدأ مهم يسمى اليوم ب”تعدد الهوية” للأمة الواحدة فمثلا: بدلا من الاصرار على الهوية الافريقية فقط لارتريا وانكار جذورها العربية فيمكن جميعنا أن نتفق أن ارتريا أفريقية وعربية فى نفس الوقت فاتحين أمام الشعب الارترى آفاقا أوسع وأرحب فى القارة الافريقية بالاضافة الى آفاق وامكانيات الأمة العربية من المحيط الى الخليج. وبدل من اظهار ارتريا بالمظهر المسيحى فقط ومحاولة تغطية جانبها الاسلامى الغالب فيمكن الاعتراف بانتماء شعب ارتريا الى الأمتين الاسلامية والمسيحية وبالتالى فتح الافاق والفرص أمام الشعب الارترى الاقتصادية والتعليمية والمنتديات والتجمعات الدولية التى تمثلها هاتين الامتين وبدلا من الاصرار على حجب وطمس اللغة العربية التى يريدها أغلبية السكان وفتح السجون لتحقيق ذلك يمكن جعل اللغتان الرسميتان فى ارتريا العربية والتجرنيـة حتى يستفيـد خريجوا المدارس والجامعات الارتريـة ورجال الاعمال من المحيط العربى والاسلامى الواسع الذى يتجاوز الخمسون دولة بدلا من حصرهم فى اقليم تجراى التجرنيا الذى هو العمق الجغرافى الوحيد للغة التجرنية.
والى لقاء آخر مع تكملة للموضوع فى حلقة أخرى ان سمح الوقت.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39711
أحدث النعليقات