النظام الأرترى بين التمكين والتسكين؟
بقلم / عمر جابر عمر
عام جديد وسعيد مع الأمنيات والدعوات أن يفك الله أسر الشعب الأرترى ويعيده الى الحياة الطبيعية فى وطنه ليعيش فى سلام وأمان مثله مثل بقية شعوب الأرض.
مضى عقدان منذ التحرير والحال كما هو – هيمنة الفئة الواحدة وأحتكار السلطة والثروة وأقصاء بقية مكونات الشعب الأرترى؟
هذا النهج – نهج التمكين لم يبدأ بعد الأستقلال بل ظهر فى مرحلة التحرير مع أعلان بيان (نحنان علامانا) عندما أنفصلت تلك المجموعة عن جبهة التحرير.
ومن أجل تنفيذ وتحقيق ذلك النهج كان لابد من أتباع سياسات محددة وأستخدام وسائل ملائمة من بينها الخطاب الموجه الى الشعب داخليا والى العالم خارجيا. داخليا تميز ذلك الخطاب بأتهام جبهة التحرير أنها قامت بتصفية المسيحيين وكذلك بعض المجموعات القومية التى تم أقصائها من مكونات جبهة التحرير السياسية والتنظيمية؟
وبالفعل نجحت تلك المجموعة ليس فى أستقطاب المسيحيين فحسب بل وتلك المجموعات من المسلمين الذين شعروا بالظلم والتهميش من جبهة التحرير. خارجيا كان خطاب المجموعة موجها من جهة الى الكنائس العالمية التى قدمت لها دعما كبيرا خاصة فى مجال الأغاثة والأعلام ومن جهة أخرى كان موجها الى الدول الغربية (أمريكا وأوربا) وأقنعتها انها ستحافظ على مصالحها فى المنطقة وأنها ذات توجه (ديمقراطى) لذلك وضعت فى برنامجها المستقبلى بعد التحرير (التعددية السيا سية)؟
وحتى يكتمل نهج التمكين كان لابد من الخطوات التالية:
– أخرا ج جبهة التحرير من الساحة وأنهاء دورها السياسى والعسكرى حتى لو كان با لتحالف مع قوى غير أرترية (ويانى).
– أشراك قوميات أخرى فى جسم التنظيم – خاصة فى القيادات – ولكن بشكل صورى وأسمى للتغطية على هيمنة القومية الواحدة.. الغريب أ نه بالرغم من وجود عدد من المسلمين فى اللجنة المركزية للتنظيم الا أنه لا يوجد منهم من يمتلك صلاحية أتخاذ القرار ولا حتى بشكل أستشا رى.
– أقصاء اللغة العربية وأعتبار (التقرنية) اللغة الرسمية للتنظيم ومن ثم لأرتريا. القضية لم تكن قضية لغة فحسب بل كانت نشر وتعميق ثقافة قومية واحدة وألحاق البقية بها طوعا أو كرها.
تحقق لهم كل ذلك فى مرحلة التحرير وعندما توفرت معطيات أ قليمية ودولية أنهار النظام الأ ثيوبى وكان التحرير. أذكر أننى كتبت مقالا فى جريدة الشرق القطرية بعد دخول الجيش الشعبى الى أسمرا قلت فيه بالحرف : أذا لم تتخلى الجبهة الشعبية عن نهج التمكين وأقصا ء الآخر فان النتيجة هى أن أرتريا ستصبح جزيرة معزولة عن محيطها وسيكون الحكام الجدد مثل (روبنسون كروزو) فى جزيرته المعزولة لا يجدون من يغيثهم ولا يتواصل معهم؟
لم تكن نبوءة بل قراءة للتاريخ وأ ستخلاصا لدروسه والتحذير من تكرار الأخطاء. ورغم ذلك ذهبت الى أسمرا لأسبا ب شرحتها سابقا ولكن أ همها أن أرى على الأرض ما كان يكتب فى البرامج. ألتقيت مع قيادات الشعبية – كبيرهم وصغيرهم وما بين ذلك – ولكن ما كنت أسمعه منهم كان يتناقض ويتعارض مع ما كان يجرى على الأرض وما كنت أراه بنفسى.
قال لنا أسياس:
أننا سنكتب برنا مج المرحلة القادمة معا – أمامنا صفحة بيضاء سنضع فيها ما نتفق عليه مع كل أبنا ء الشعب الأرترى ! بعد أسبوع تم أعتقال كوادر جبهة التحرير واللجنة الثوربة كان يكذب على الله والوطن !؟ ثم جاء مؤتمرهم الثالث وكان أقصاء بعض قياداتهم التى ناضلت معهم لعقود وبطريقة مهينة – وتم ألغاء فقرة التعددية السياسية من البرنامج ! كان ذلك مؤشر التراجع وظهور الصراع الداخلى الى السطح.
وبالفعل حدث أنقلاب الجيش وبدأت التصفيات أدركت حينها بلا أدنى شك أن القوم لن يتغيروا ولن يغيروا ما بأنفسهم وغادرت البلاد وتركت رسالة لرئيس النظام سلمتها لمدير مكتبه (شارلى) قلت فيها ما ملخصه:
أ نه من غير الممكن أ قامة دولة لفئة واحدة على حساب الآخرين – لأن بناء الأمة هو شرط ضرورى لقيام الدولة الناجحة – وحتى لو قامت تلك الدولة الجزئية والفئوية فأنها لن تدوم وسيتركها حتى أولئك الذين قامت بأسمهم – مرة أخرى لم تكن نبوءة بل قراءة للتاريخ – وهذا مانشاهده اليوم؟
فى لقائه التلفزيونى الأ خير – وهو هوايته المفضلة – أ عترف رئيس النظام بفشل تجربته لبناء الدولة التى كان يحلم بها – فى كل المجالات التعليمية والأقتصادية والدبلوماسية ولكنه يحمل المسئولية دائما أما لدول الجوار خاصة أثيوبيا أو للمجتمع الدولى خاصة أمريكا ! هل يتراجع ويندم على مافات ؟ كلا ليس ذلك من طبعه – هل يقوم بمراجعة لبرنامجه ويبدأ صفحة جديدة ؟ كلا – ذلك ضد نهج التمكين الذى عشعش فى عقله وحدد له دائرة حركته وعلاقاته – ماذا يفعل؟
لجأ الى وسيلة جديدة تساعده من جهة كما يعتقد على كسب الوقت وتجاوز الأزمة الى حين تغير الظروف وظهور مستجدات جديدة أقليميا ودوليا ومن جهة أخرى ربما تساعد على (تحييد) بعض قوى المعارضة التى تلهث وراء السراب وتنتظر معجزة تتمثل فى تغير النظام من تلقاء نفسه. تلك الوسيلة الجديدة هى: التسكين! تتمثل وصفة التسكين فى المحاور التالية:
1- ثقا فيا:
قبل عام مضى عقد النظام ندوة كبرى وأ قام ورشة عمل لمناقشة أ همية وضرورة اللغة العربية فى أرتريا؟ تبا رى الخطباء وتنافس الباحثون فى أ ثبات أن اللغة العربية قديمة وعريقة وهى جزء من تراث وثقافة الشعب الأرترى ولم تأتى مع الأنجليز؟ وفى الأ جتماع الأخير لمجلس الوزراء قال رئيس النظام وأكد ضرورة أن يتعلم الأرتريون اللغة العربية خلال سنتين فقط؟ هناك سؤالان : لماذا الأهتمام باللغة العربية الآن؟ ولماذا لا يصدر رئيس النظام قرارا فوريا بأعتماد اللغة العربية لغة رسمية مثلها مثل اللغة التقرنية؟ السبب أن دولة صديقة للنظام نصحته بأتخاذ مبادرة لكسر الحصار الدبلوماسى حوله بعد أن فقد كل حلفائه فى ليبيا واليمن ومصر – تمهيدا للدخول فى مظلة الجامعة العربية أستباقا لأية أجراءات مستقبلية من جهات أ قليمية أو دولية ضد النظام.أما السبب الثانى هو أن تلك الدولة الصديقة لها مشاريع عمل كبرى خلال الأ عوام القادمة وهى بحاجة الى عمالة صديقة من دولة صديقة ولكن بشرط أ ن يتحدث هؤلاء العمال اللغة العربية؟ أما لماذا لا يصدر قرار من النظام بأ عتماد اللغة العربية لغة رسمية السبب هو أن الهدف ليس تغيير النهج (نهج التمكين) ولكن الهدف هو (التسكين)!
2- أ قتصاديا:
نهج النظام كا ن دائما (الجباية) وجمع المال بأية وسيلة ومن أى كان منذ بضعة أشهر عاد بعض اللاجئين الأرتريين الذين تم ترحيلهم من البلاد العربية الى أ رتريا كان المتوقع كما كان يحدث دائما أن يعتقل هؤلاء ويتم تعذيبهم وتغييبهم فى سجون التظام – لكن الذى حدث هو أن النظام أ طلق سرا حهم بل وأعطاهم بعض المبالغ المالية؟ أ كثر من ذلك كان النظام فى السابق يعتقل كل من يهرب له قريب ويدفع غرا مة مالية عقابا له – الآن أصبح التهريب (مشروعا) تدفع مبلغا محددا وترسل من تريد – وتدخل الحصيلة الى خزينة النظام بدلا عن جيوب الرشايدة؟ رئيس النظا م فى آخر تصريحاته لم يعترض على هجرة الأرتريين لكنه طلب منهم عدم نسيان أرض الأجداد والتراث (يعنى لازم ترسلوا بعض من دخلكم الى الأهل)؟
3- سيا سيا:
التسريبا ت الخجولة فى موقع مسكرم لما سمى بالد ستور الأرترى تحاول الأيحاء بأن النظام سيطبق الدستور وأنه على مشارف تحول جديد؟ أستفاق بعد عشرين عاما ونفض الغبار عن نسخة لم يوافق عليها الشعب ورغم ذلك يريد أن يقنع الناس بأن (الفرج) قا دم؟ مرة أخرى فأن تغيير النهج يبدأ بأطلاق سراح جميع المعتقلين وأقرار الحريات العامة والجلوس مع المعارضة على مائدة الحوار لرسم مستقبل الشعب الأرترى بشراكة حقيقية ومتساوية.
ذلك هو النظام الأرترى لن يتغير ولن يتبدل رغم كل الدروس والمعطيات والنصائح – أنه يحاول أعادة أنتاج سلعة ثبت رفض المستهلكين لها – المطلوب هو تغيير المنتج بكامله وتغيير القوى التى تنتجه. لن يخرج من هذا النظام جديد أو مفيد وكما يقول المثل الأرترى:
(أبو شوك حامل يولد) الى الذين يمنون النفس بحدوث المعجزة نقول أن ما تشاهدونه (حمل كاذب) وسراب لا يروى ظمأكم الى الحرية والأنعتاق.
كان الله فى عون الشعب الأرترى
آخر الكلام:
الشيخ حسن سلمان (أبو البراء) – الحمد لله على السلامة وأهلا بك فى موقعك فى صفوف المعارضة – والتهنئة موصولة الى الكاتب والصحفى جمال همد وأ عضاء قيادة حزب المؤتمر الأسلامى عسى أن يكون العام الجديد بشرى لتستعيد المعارضة الأرترية دورها وتسهم فى تغيير المعادلات الجائرة السائدة فى المنطقة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39721
أحدث النعليقات