الموبقات التسع (9)

الوحدة الوطنية …. الفريضة الغائبة
بقلم / عمر جابر عمر

فى الانظمة الدكتاتورية .. سواء كان الدكتاتور فرد أو حزب دكتاتورى فان مفهوم الوحدة الوطنية ياخذ معنى محددا : الاصطفاف وراء القائد (( الملهم )) وترديد الشعارات التى تمجده .
والقائد الدكتاتور بدوره يثير فى نفوس أتباعه الشعور بالتفوق على ألاخرين ويبرز الصفات التى تميزهم عن بقية البشر !
هتلر كان يرفع شعار تفوق الجنس الارى وتميز الآلمان عن بقية البشر .
هيلاسلاسى فى أحدى المرات استقبل لجنة من طلاب جامعة (( اديس ابابا )) يحملون شكوى عن تدهور مستوى الخدمات والتعليم فى الجامعة استمع اليهم وهم يتحدثون عن جامعات غانا والسنغال وأوغندا وكيف هى متقدمة … وفى النهاية قال لهم هيلاسلاسى : (( يؤسفنى ان أسمع مقارنتنا بهؤلاء العبيد !؟ قالها دون رتوش أو دبلوماسية !
أسياس رفع شعار (( حادى هزبى .. حادى لبى . ما يعنى احتواء الاخرين فى ثقافة القومية المهيمنة . فى مرحلة الثورة كان الشعار : جيش واحد – تنظيم واحد – ولتحقيق ذلك قام بتصفيات وتحالفات مع ويانى تقراى .
فى مرحلة الدولة الوحدة الوطنية تتحقق من خلال الدستور ودولة القانون والعدالة والمساواة – فى غياب كل ذلك لا يمكن تحقيق وحدة وطنية – بل ما هو موجود اقصاء وتهميش .
ان الوحدة الوطنية تتطلب المشاركة – المكونات الاجتماعية – التنوع الثقافى والتعدد الدينى .
ان العلاقة بين أصحاب الآديان المختلفة من أوجه الوحدة الوطنية ولكنها أحد العناصر وليست العنصر الوحيد …. ذلك ان تأثير هذا العامل يبرز ويتجسد من خلال تحقيق المشاركة وتفعيل علاقة الآفراد والجماعات فى الوطن بمبدأ المواطنة من حيث درجة التماسك الاجتماعى بين أصحاب الآرض واسلوب حياتهم وغاياتهم .
ان تاريخ الشعب الارترى يسجل بأن الوحدة الوطنية شاركت فى صياغتها عوامل تاريخية وعناصر من الجغرافيا السياسية لاسبيل لفرد أو جماعة مهما بلغ وزنه أو وزنها فى السلطة أو المجتمع ان يعيد ترتيبها أو تشكيلها .
* المقاومة الوطنية ضد الغزاة
* الحركة الوطنية منذ فترة تقرير المصير
* وأخيرا الثورة الارترية والاستفتاء على الاستقلال .
ثم يبقى الحد الاقصى – التماسك الاجتماعى والانتماء الموحد والذى يتحقق من خلال المشاركة وبناء دولة بكل الارتريين ولكل الارتريين .
هناك ظاهرة سلبية أفروتها التجربة الدكتاتورية فى ارتريا وتتعلق بالوحدة الوطنية – تلك هى ظاهرة النخبة المسيحية من أبناء المرتفعات الارترية وموقفها من النظام :
1 / هناك مؤيدون بلاحدود – لتحقيق منافع شخصية ( وظائف – استثمارات – امتيازات ) .
بل ان بعض هؤلاء كانوا مع (( الدرق )) – منهم أسياس ميرها حيون ( كان أحد أكبر خمسة مسئولين فى حزب العمال الاثيوبي – والان مسئول كبير فى وزارة التربية و ابن حرقوت أباى ودكتور (( أمارى )) رئيس لجنة الاستفتاء على الاستقلا !
2 / محايدون – بلا قرار – يتابعون ويراقبون ويمكن الانتقال الى مواقع اخرى اذا تغير النظام
3 / معارضون – بسبب غياب المشاركة فى صنع القرار ( مجموعة الخمسة عشر )) وأتباعهم خاصة أبناء الآقاليم المهمشة . ولكن هؤلاء لايعارضون هيمنة ثقافة التقرينية ولا احتكار الوظائف لآبناء المرتفعات من المسيحيين ولا توزيع الاراضى فى المنخفضات على المستوطنيين من أبناء المرتفعات .
كانت النخبة فى بادئ الامر تعتقد ان الدولة هى دولتهم وعليهم حمايتها والدفاع عنها ولم يكترثوا لصرخات المسلمين وشكاواهم .
ولكن عندما وصلوا الى نقطة الخيار الديمقراطى اكتشفوا الوجه القبيح للنظام – بدأ الصراع والاعتقالات والتصفيات – وهكذا بدا النظام بعد ان حقق اغتراب الارتريين فى داخل وطنهم وشق صفوفهم نراه وقد بدا الهبوط الى الرابطة الآخيرة – الى العشيرة – يحاول تفتيت أبناء العشيرة وأغراء هذه وتهديد تلك وهى لعبته الآخيرة بعد ان اصبح هو نفسه اسير الاوضاع التى خلقها . هل نستشهد بالمنظمات السياسية المعارضة وهى كثيرة – ورغم ان وجودهم يدل على الخلل الذى أصاب الوحدة الوطنية الا ان المبرر قد يردده انصار النظام بان تلك التنظيمات هى (( عميلة )) لاثيوبيا وهم اول من يعرفون ان ذلك غير صحيح ولكنها المكابرة وعدم الاقرار بالواقع .
* حسنا ماذا تقول فى (( الكوناما )) الذين تمت مصادرة أراضيهم واعتقال الناشطين منهم وأعدام الناطقين باسمهم ؟ اليس ذلك من مكونات الوحدة الوطنية ؟؟
* ماذا تقولون فى قومية (( الجبرتى )) التى يتم تهميشها وعدم الاعتراف بقوميتها … اليس ذلك جزء من مكونات الوحدة الوطنية ؟؟
* بل ماذا تقولون عن الذى يجرى فى (( أكلى قزاى )) من قتال مسلح بين الشعب وقوات الحكومة .. أليس ذلك من مكونات الوحدة الوطنية ؟؟
* وماذا عن القوميات الغائبة والمغيبة عن مراكز السلطة والقرار … بدأ بمجلس الوزراء والقيادات العليا للجيش والامن وانتهاء بالوزارات والسفارات ؟؟ أليس ذلك من مكونات الوحدة الوطنية ؟؟
لو تواصل سيل الهجرة العكسية من ارتريا الى الخارج بهذه المعدلات التى تجرى اليوم – ستصل البلاد الى مرحلة فراغ بشرى خاصة فى عنصر الشباب وعندها سيجد النظام وأتباعه أنفسهم فى ( جزيرة ) معزولة مثل (( روينسون كروزو )) ووقتها سنفتقد ليس الوحدة الوطنية فحسب بل الوطن والمواطن !؟
الوحد الوطنية بمعنى توحيد الشعب قسرا لايمكن ان تدوم ولا تساعد على بناء الامة – التعايش الرضائى هو الذى يطلق ملكات الابداع لدى المواطنين والشعور بالانتماء المشترك هو الذى يحقق الاستقرار الاجتماعى والامن الجماعى . التجارب البشرية حولنا أثبتت عدم جدوى التوحيد القسرى وفشل تزوير الارادة المواطنين … العراق – أفغانستان – الاتحاد السوفيتى السابق … ولماذا نذهب بعيدا وفى جوارنا السودان واثيوبيا والصومال .
كما ان فرحة النصر والاستقلال جمعت الارتريين عام 1993 فانهم اليوم يلتقون يندبون حظهم ويتحسرون على الذى ضاع وعلى حال البلاد والعباد ويبتهلون الى الله ان يرفع عنهم البلاء ويزيل الكابوس .
وحينما يسمعون فى الاخبار ان عشرات من اللاجئين الارتريين غرقوا فى البحار أو أكلتهم الذئاب وهم يحاولون الهروب – لا يسألون عن هويتهم وهل هم مسلمون أو مسيحيون – لقد عم البلاء وشمل الجميع – الصغير والكبير .. الرجال والنساء – وفى هذا فان الجبهة الشعبية قد (( وحدت )) بالفعل الشعب الارترى … ويالها من وحدة وطنية !؟
وحدة المعتقلين فى السجون
وحدة الفقراء فى الجوع
وحدة المرضى فى المحنة والبلاء
لقد تم الاستيلاء على كرامة الشعب وسيادته ومصدر فخاره – اصبح الوطن لجزء من الكل – ولفئة اغتصبت السلطة بغير وجه حق وسياتى يوم الحساب وهو ليس ببعيد

كان الله فى عون الشعب الارترى

الحلقة القادمة – الاخيرة
– الخلاصة –

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40547

نشرت بواسطة في نوفمبر 4 2009 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010