قــطوف أرتــريـة (7)
الحلقة(7)
بقلم : أحمد نقاش
Nagash06@maktoob.com
النخب السياسية الارترية
كيف تفكر وكيف تعمل ؟!(3)
تحدثت فى الحلقة السابقة عن النخب السياسية الارترية من ابناء المسلمين بشقيها العلمانى والاسلامى،تكملتا لما سبق سوف أتحدث اليوم عن النخب السياسية الارترية من ابناء المسيحين (التجرينية) بشقيها القومى والعلمانى،ان ما يميز هذه النخب السياسية عن النخب المسلمة ان لها ثوابت لا تتنازل عنه ولا تختلف حوله وهى الثقافة واللغة والسيادة،وهذه الثوابت تمثل لديهم اهم من الوطن ذاته وحدقات اعيونهم لا ترى الوطن الا من خلال هذه الثوابت، على سبيل المثال لا الحصر عندما طلب امبرطور اثيوبيا من قادة حزب اندنت ان يجعلوا اللغة الامهرية هى اللغة الرسمية فى ارترية بدل عن لغتهم التجرينية والعلم الاثيوبى ان يكون هو علم الدولة الارترية رفضوا الاولى ونادوا بثانية فى البرلمان الارترى، لان اللغة تعتبر من احد الثوابت والركائز الاساسية لدى هذه النخب مهما اختلفت فى المشارب والاهداف والمصالح.وما يجعل هذه الثوابت موضع اتفاق هو ان قبائل التجرينية المختلفة ليس لديها غير هذه اللغة الوحيدة والتى بدورها خلقت ثقافة واحدة وان ظهر الاختلاف فى بعض التقاليد والقوانين العرفية من اقليم الى اخر،وجدير بذكر ان الكنيسة الارتودوكسية تلعب دائما دورا تاريخيا فى توحيد الرؤية وتحديد المسار عند الضرورة لذلك.
الا ان ضعف النظام الملكى فى اثيوبياوسقوطه فى بداية السبعنيات،وبالمقابل تزايد قوة الثورة الارترية فى ظل رؤية ضبابية جعل النخب المسيحية تعيد حساباتهابشكل دقيق وفضلوا بحث مصالهم مع اشقائهم فى وطن واحد وقرور الانخراط بقوة الى صفوف الثورة والتى وجدوا فيها كل الترحاب والقبول من إخوانهم الذين سبقهم فى النضال الوطنى، لكن عندما لحظوا ضعف وبساطة النخب السياسية التى استقبلتهم فى الثورة وخاصة القومين منهم قرروا ان تكون السيادة لهم دون اخوانهم وكان على راس هؤلاء اسياس افورقى الذى اختزل السيادة كلها فى يده وتنكر حتى لاصحابه الميامين الذين كانوا له العون والقوة الا ان اسياس افورقى وان تنكر لاصحابه من النخب السياسية المسيحية خاصة القومين منهم فى السلطة لم ينكث عن عهده فى مسالة اللغة والثقافةوالسيادة ولهذا السبب بعنيه نشاهد بعض القادة من قوى المعارضة الارترية والذين كانوا مع افورقى الى امس القريب يرفوضون كل الرفض المساس بؤسسات هقدف مهما كانت مظالم هذه المؤسسات للشعب الارترى،فقط يريدون تغير رأس النظام فى شخصه،اما المؤسسة يعتبرونها جزءا من انجازاتهم التاريخية التى لا يمكن التفريط فيها،الا ان بعض النخب العلمانية من ابناء التجرينية نفسها يختلفون معهم فى هذه النظرة،بل يرون ان المشكلة فى النظام والمؤسسات التى انشأها،مع ذلك يترددون فى توجه نقد واضح الى تلك النخب القومية المتشديدة منهم لحسبات بعيدة المدى فضلا عن الحساسية الاقليمية التى يجتهدون التحكم فيها وإخفائها عن الاخرين.
والنخب السياسية التجرينية بشقيها العلمانى والقومى اذن لم تكن احسن حال من النخب السياسية الاسلامية بشقيها العلمانى والاسلامى، فى القدرة والاهتمام ببناء دولة المواطنة بمفهومها الحديث الا ان النخب التجرنية دوما تحاول ان تحقق المصالح العليا لمجتمعها فى السيادة والثقافة، لعل هذا ما يجعلهم دوما قريبين من مجتمعاتهم فى الهوية والمشاعر بدليل ان الكل كان من انصار الدولة الوليدة من عام 1991الى 1998 بين المؤيد والصامت،الا ان سيطرت رأس النظام على كل شئ ومصادرت السلطة حتى من النخب السياسية القومية المتشديدة واختزال كل السلطات فى شخص افورقى جعل كل الاطراف تعيد حساباتها من جديد وخاصة عند ما بدأ النظام يهدد المشروع القومى والحلم التاريخى الذى كان يراود الكثيرين منهم،هكذا انقلب السحر على الساحر، وبدأ الوطن برمته يسير فى اتجاه مجهول،الا ان اختزال كل هذا المجهود القومى فى شخص رجل واحد بدوره لدليل واضح على ضعف النخب السياسية التجرنية وخاصة القومين منهم فى ادراك افاق العمل السياسي ومخاطره مما اوقعهم كل ذلك فريسة سهلة لغرائز رجل دكتاتور ما كان ليكون كابوس على صدر هذا الشعب المسكين لو لا مساعدتهم له ووقوفهم معه تحت مشاعر قومية التى اهلكت الجميع _ وكان حال هؤلاء كمن قيل فى شأنه “من حفر حفرة لاخيه وقع فيه” والاهم ان يأخذ الجميع عبرة مما حدث حتى نجنب الوطن كوارث لاحقة.
وفى ظل الضعف الشامل الذى اصاب النخب المسليمة بصفة عامة اصبح الصراع الفعلى على السلطة فى ارتريا اليوم بين النخب التجرنية ذاتها التى عادت الى المشاعر الاقليمية لكسب اتباع لها فى الصراع الذى يزداد بين هذه النخب التجرينية وخاصة كلما خرج المسلمون عن صراع السطلة بشكله الحقيقي.وتوازن القوى السياسية بين تجرينية وباق القوميات الارتريةالاخرى اذن هو لصالح الجميع،والسلام الوطنى لا يتحقق الا فى ظل العدل والمساواة فى الحقوق والواجبات.
هكذا اذن يمكن القول ان الوطن الارترى يفتقد الى النخب السياسية الواعية فى ادراكها والقوية فى ارادتها،والسياسة الارترية لم تفرز لنا قيادات تتمتع بالعقلية المتطورة التى تتعامل مع الفعل السياسي بالمعطيات العصرية،والازمات السياسة التى يعانى منها الوطن هى الوجه الاخر لضعف النخب السياسية الارترية بشكل خاص وفى ظل هذا الواقع المؤلم لايمكن للبلاد ان تخرج مما هى عليه الان،والازمة السياسية التى توجد فى ارتريا منذ استقلالها يرجع الى ازمة النخب السياسية فى الدولة والمعارضة معا،وما حدث فى مؤتمر التحالف الاخير ليس ببعيد عن ازمة النخب السياسية هذا المرض العضال الذى اصاب السياسة الارتريا منذ ميلادها الى اليوم.
وجملة القول ان النخب السياسية فى ارتريا فى الاساس تفتقد الى قاعدة نظرية وخلفية اكاديمية معتبرة،بل هى نتاج واقع العمل الميدانى فى ساحة الكفاح والنضال،بل يمكن القول ان الكفاح والنضال لقد اخذ افضلهم ليترك لنا اضعفهم فى الادراك والاخلاص وهؤلاء اذن يفكرون فى العمل السياسي بغير هدى ولا كتاب ولا سراج منير،ويعملون بالتخبط والعشوائية والتى غالبا ما تؤدى الى نتائج كاريثية، وما يزيد الطينة بلة ان الاكاديمى والمثقف الارتري اصبح يتمتع بالانانية والجبن،الانانية تتمثل فى حب النفس والبعد عن القضية والجبن يتمثل فى الهروب من واقع الوطن وترك مصير الشعب فى ايدى هذه النخب الفاشلة فى الحكومة والمعارضة،ان الشعب الارترى خرج من الجامعات الاف من ابنائه فى مرحلة الكفاح المسلحة بفضل الدول العربية التى كانت المتعاطف الوحيد مع قضية هذا الشعب،لقد تفرغوا معظم هؤلاء الخريجون فى المعمورة لتأمين مصالحهم الخاصة دون اعطاء جزء من اوقاتهم لهموم الشعب الذى ملكهم وسائل تأمين تلك المصالح الخاصة وهذا الابتعاد من ابناء الوطن الذين اتوا العلم درجات هو السبب الاساسى فى استمرار هذه النخب السياسية الفاشلة من المسيحين والمسلمين على حد سواء فى تمثيل الشعب الارتري غصبا عن ارادته ورغباته الحر.
من هنا يجب على كل مثقف ارترى غيور على شعبه ووطنه ان يعطى جزء قليل من وقته للهم العام الارترى الذى اصبح فى حاجة ماسة الى تلك الاوقات القليلة من ابنائه المتعلمين والمثقفين فى احداث تغير ايجابى فى مسار السياسة الوطنية. الاكاديمى والمثقف الارتري عليه ان لا يقلل من قدراته فى تصحيح المسار المعوج الذى تسير فيه النخب السياسية الارترية التى اصابها الجمود والشلل التام عن تقديم اى ايجابية تذكر فى حل اشكالية المجتمع بأسره،بل اصبح الابداع فى الاختلاف والانشقاق ومحاولت تبرير كل ذلك بأنه فى مصلحة مسار النضال –عذر اقبح من الذنب- فضلا عن عجز هذه القيادة فى التفكير السليم الذى يتطلبه العمل السياسي اليوم فى الوطن الجريح.وهل من مجيب؟!
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40637
أحدث النعليقات