قــطوف أرتــريـة الحلقة (12)
بقلم : أحمد نقاش
شعرت معاوية بين امريكا والنظام الاريترى
الى متى؟!(2)
عندما اراد امرطور اثيوبيا جص نبض الشعب الاريتري عام 1958 بمحاولة انزال العلم الوطنى للدولة الاريتريا عمت البلاد مظاهرات كبرى ارعبت الحكومة الاثيوبية واصدقاء امبرطور فى الداخل والخارج،مما اضطرت السلطات الاثيوبية اعادت العلم الاريترى الى سماء البلاد ليرفرف ولو لبعد حين من الزمن،وتلك كانت اشارة واضحة من الاستعمار الاثيوبي الى الشعب الاريتري بان استرداد الحقوق عبر الوسائل السلمية غير ممكنة مع اثيوبية،مما جعل كل الحادبون على الوطن والمظلمون اكثر من الوجود الاثيوبي فى اريتريا يفكرون فى تأسيس قوة ردع لان الظالم لا يردعه الا سيف على يد المظلومين،ولم يطول الانتظار،وتم تأسيس حركة التحرير الاريترية التى بدأت بخطة محكمة فى تثقيف وتجنيد الشعب الاريترى من اجل استرداد حقوقه المشروعة فى الاستقلال والسيادة على ارضه وكما قامت مجموعة من رجال البوليس الاريترى فى مصوع بمحاولة تفجر الثورة بقيادة قرجمات “على شوم سليمان”وكانت الخطة ان يتجمع الرجال بأسلحتهم فى جبال اساورتا الشرقية التى كانت تعتبر بمثابة عرين لشهيد( قرجمات على شوم)الا ان الخطة لم توفق نتيجة وجود جاسوس فى وسط هؤلاء الرجال الميامين،مما اضطر الجميع الانصراف الكيفى حتى وقت اخر،بما ان روح الثورة كانت فى جميع بقاع البلاد،وروح التمرد فى كافة ابناء الوطن قام القائد الشهيد “حامدعواتى”ورفاقه القلائل بإعلان الكفاح المسلحة من مرتفعات جبال ادال الشامخة فى اول من سبتمبر 1961 وبدأ كل المناضلون ينضمون الى قائد عواتى افواج .وكانت معركة تقوروبا التاريخية اول معركة هزت عرش امبرطور هيل سلاسي فى اديس ابابا.
هكذا بدأت قوة الثورة الاريترية تنمو وتقوى وتتخطى العقبات واحدة تلو الاخرى،سقوط النظام الاقطاعى الملكى فى اثيوبيا ساهم بشكل كبير فى ازحات الرؤية الضبابية من بعض القوة الوطنية مما ساعد كل ذلك فى وحدة الرؤية الوطنية فى اريترية واعطى ذلك اندفاع فى عجلة الثورة الى الامام،والدعم العربى الوحيد فى العالم كان له اثر ايجابى وقوى فى استمرار الثورة وتقدمها.الا ان الموقف الامريكى لم يتغير ايجابيا تجاه الثورة وحق تقرير المصير للشعب الاريترى،بل اتجهة السياسة الامريكية فى محاولة احتواء الثورة من خلال احدى فصائل الثورة الاريترية،وتم تفضيل الجبهة الشعبية على غيرها من فصائل الثورة،وهذا الاختيار لم يكن عشوائيا،بل كان ينطلق من محددات ومعطيات دينية وثقافية._كما فصلنا ذلك فى الحلقة (1)_
*اولا: ان الحليف المناسب وفق الرؤية لامريكية على مستوى المجتمع فى اريتريا كان المجتمع المسيحى،وعلى المستوى القوميات كانت (قومية تجرينية)التى يمكن ان تكون عامل مساعد فيما بعد فى تقريب روح المحبة والاخوة مع الحليف الاكبر فى القرن الافريقى.
ثانيا:ان الرجل المناسب الذى تم اختياره كان (السيد افورقى) بإعتباره من نفس المجتمع والقومية التى تم اختيارها،وكما ان لرجل علاقات قديمة ووثيقة مع احد اهم الاجهزة الامريكية منذ ان كان فى اسمرا اى قبل التحاقه بصفوف جبهة التحرير الاريترية،فضلا عن ان الرجل كان يتمتع بالقدرة الفائقة فى ادارة العمل السياسي والوصول الى اهدافه بمختلف الوسائل وكأن الرجل كان يستشير فى افعاله (السيد ميكافيلى) فى قبره اكثر من كتبه،واستشارة اهل القبور هى التى جعلت من الرجل ان يجعل معظم رفقاء النضال من سكان القبور والسجون،اذن الاختيار كان لمميزات فردية التى توفرت فى شخص (افورقى)وبالفعل كان رجل الحزب وان لم يستطيع ان يكون رجل الدولة يمثل كافة الشعب.
بعد هذا التحديد والاختيار بدأت الاستراتيجية الامريكية تنشط فى عدة محاور منها:
* دعم وتقوية فصيل الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا بقيادة (السيد افورقى)
*تطوير العلاقات بين الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا،والجبهة الشعبية لتحرير تجراى الاثيوبية.
*مساعدت الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا الانفراد بالساحة الاريترية والذى تمثل فى تصفية جبهة التحرير الاريترية،واخراجها من ساحة النضال الاريترى حتى تستطيع الجبهة الشعبية تحقيق سياستها الانفرادية احادية الثقافة والسيطرة والتى تتلاق فى كثير من ملامحها مع الاجندة الخارجية.
وبالفعل تم تصفية جيش التحرير الاريتري فى بداية الثمانينيات القرن الماضى وفق خطة محكمة محليا واقليمياوأخرى دولية،بدايتا عبر التنسيق الكامل بين الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا والجبهة الشعبية لتحرير تجراى الاثيوبية اللذين اعلنتا الحرب المباشرة على جبهة التحرير الاريترية وبمساعدة الطابور الخامس الذى تم اعداده منذ وقت مبكر لذات الغرض والذى خلق فوضة عارمة فى ادارة جيش التحرير الاريتري الذى وجد نفسه على الحدود السودانية والكثير منهم لم يصدقوا انهم على ارض غير ارض الوطن التى ارتبط حبهم بها كثير عبر معانات السنين”فلما رأوها قالوا إنا لضالون،بل نحن محرومون،قال اوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون”سورة القلم(26-28)_ اى تستوضحون الامر منذ زمن_ وبدأ الهرج والمرج بين القادة والجنود”فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون،قالواياويلنا إنا كنا طاغين”سورةالقلم(30-31)وعندما بدأت كتائب جيش التحرير والكثير من القادة المخلصون ترتيب البيت الكبير للحيلولت دون انهياره الكامل والعودة به سريعا الى ارض الوطن لكن الخطة المحكمة واسعت النطاق عبر الوسيط الدولى لم تمهلهم كثيرا، وداهمتهم جيوش نظام النمير فى السودان الذى كان وقتها الحليف الامريكى فى المنطقة وكان الخيار ام تسليم الاسلحة للجيش النمير،وام الحرب مع الجيش السودانى مما يعتبر ذلك خلق عداء لا مبرر له مع الشعب السودانى الشقيق والذى قد لا يدرك ملابسات الاشكالية على وجه الدقة،وكان الخيار المر بقاء الاخوة السودانية الاريترية وسلم جيش التحرير اسلحتة ودموعهم تفيض من الحزن بل البكاء والبعض الاخر اختار الانتحار رغم حرمته فى ناموس الرب،ولكن الوقع كان جلل والحادث كان مؤلم..ليقضي الله امرا كان مفعولا.. بذلك تحولت كتائب جيش التحرير الاريترى الى معسكرات اللاجئين ومنهم من انتشر فى المدن السودانية الكبرى عدا القلائل الذين استطاعوا العودة الى ارض الوطن. وحتى تكتمل الحلاقات ولكى لا يفكر احد بالعودة الى ساحة النضال تم على وجه السرعة فتح باب الهجرة الى الولايات المتحدة الامريكية ليس بمحض صدفة لان فى عالم اليوم لا يوجد مجال لصدفة،وسارع الناس للهجرة الى الارض الموعودة فى مقابل ارض الميلاد والاباء والاجداد،وبذلك اسدل الستار على الجيش الاسطورى اسمه جيش التحرير الاريتري،ليصبح الشعب بكامله يتيم الاب والام،والجيش الشعبي رغم البطولات التى حققها امام الاستعمار الاثيوبي تحول الى اداة فى ايدى مجموعة من القادة الذين خرجوا به عن مهامه الاساسية الدفاع عن البلاد والعباد الى حراس للوطن تم تحويله الى اقطاعية كبرى يفعل بها الرجل ومن معه ما يشاؤون دون دستور ولا قانون،بذلك اصبحت اريتريا تحت قبضت رجل واحد رجل امريكا الجديد فى الدولة التى وافق الغرب على استقلالها على مدد اشبه ما يكون استجابة لامر واقع اكثر منه ايمان بحق هذا الشعب فى السيادة على ارضه.
والجدير بالذكر ترتيبات مشابها حدثت فى اثيوبيا لايصال الجبهة الشعبية لتحرير تجراى الى السلطة فى اديس ابابا دون الفصائل الاخر فى اثيوبيا التى كانت تناضل لاسترداد حقوقها المشروعة من نظام الدرق الحاكم فى اديس ابابا،والترتيب كان على النحو التالى:
* دعم وتقوية الجبهة الشعبية لتحرير تجراى
*تغير مفهوم الجبهة الشعبية لتحرير تجراى من الهدف القومى المحدود والاكتفاء بإقليم تجراى فقط الى مفهوم الدولة الاثيوبيا والسيطرت عليها_وفق القانون والدستور_عكس ما هو عليه الامر فى اريتريا.
*اخراج الرئيس الاثيوبى (منغستو هيلى ماريام) بشكل سلمى وتأمين حق اللجؤ السياسي له فى زمباوى.
*ان يتجاوب خليفة (منغستو)فى اديس ابابا مع التغير المرتقب وفق الخطة المرسومة له،وبالفعل قد ادى دوره بشكل مطلوب واذ تصد لثوار ارموا الاثيوبية بقوة للحيلول دون دخولهم الى عاصمة البلاد حتى لا يصبحوا سلطة الامر الواقع عكس رغبات المخططين،وبالمقابل سمح بدخول قوات الجبهة الشعبية لتحرير تجراى وبذلك كانوا سلطة الامر الواقع فى اثيوبيا ووجدوا اعتراف العالم مما اصبحت لهم اليد العليا فى ترتيب البيت الداخلى للدولة الاثيوبية الجديدة،وكان حال ثوار ارموا اشبه ما يكون كحال جبهة التحرير الاريترية وان اختلفت الطرق والوسائل لنتيجة واحدة.
هكذا اصبحت الجبهة الشعبية لتحرير تجراى السلطة الفعلية فى اثيوبية بإسم القانون والدستور. والجبهة الشعبية لتحرير اريتريا السلطة الفعلية فى اريتريا دون قانون ولا دستور.والحلف بينهما كان قويا، وشهر العسل كان طويلا،لكن ما تم بناءه على باطل فهو باطل،والبناء الذى يقوم على ظلم الاخرين مسيره الانهيار ولو بعد حين من الزمن،وسرعان ما تحول اصدقاء الامس الى اعداء اليوم حتى عجز الاباء الكبار الذين اوصلوهم الى السلطة فى ترميم التصدع الغير متوقع الذى حدث دون سابق انذار،ونسيى الجميع ان التاريخ مسرح كبير وكل البشر فيه مجرد ممثلين تعلموا بالسليقة احترافهم .. وقد يخططون الا ان التاريخ له مساراته الخاص وهدفه المحدد لما كان وما سيكون.. ولله فى خلقه شؤون..
وجملة القول ان عدم الاستقرار الذى نراه فى القرن الافريقي فى العصر الحديث والمعاصر مرتبط ارتباط مباشر بالصراع الدولى من اجل السيطرة على البحر الاحمر ومضائقه الاستراتيجية (الباب المندب وقناة السويس المصرية) على سبيل المثال لا الحصر ضم اريتريا الى اثيوبية عام 1952 وكذلك تقسيم الصومال كان بسبب نتائج الحرب العالمية الثانية وما تمخض عنها من بروزالحرب الباردة بين الحلفاء المنتصرون على دول المحور.
وكذلك التغير الذى حدث ما بين عامى (1989-1991) فى القرن الافريقي لم يكن محض صدفة او ارادة محلية فحسب الا انه كان وفق ارادة محلية واخرى دولية. الارادة المحلية تمثلة فى حدوث عدة تغيرات فى كل من السودان والصومال واثيوبيا وكذلك فى اريتريا:وفى السودان حدث انقلاب عسكرى عام 1989 ووصل الاسلاميون الى رأس السلطة فى الخرطوم،وفى الصومال سقط نظام سياد برى فى يناير1991 واختفاء الدولة الصومالية من الوجود،وفى نفس العام سقوط نظام منقستو فى اديس ابابا وخروج قومية امهرة التى حكمة اثيوبيةلاكثر من قرن من معادلة السلطة فى اثيوبيا وعودة قومية تجراى الى حكم اثيوبية بعد ان فقدته عام 1889 عقب اقتيال الملك (يوهنس) فى المعركة التاريخية التى حدثة بينه وبين جيوش المهدي السودانية_ ومن عجائب التاريخ ان يصل احفاد المهدى من الناحية الفكرية الى رأس السلطة فى الخرطوم عام 1989 متزامن مع وصول احفاد يوهنس الى رأس السلطة فى اديس ابابا عام 1991_،واستقلال اريتريا ودخول الجيش الشعبيى الى عاصمة البلاد اسمرا، وكل هذه التغيرات حدثة خلال السنتين فقط،وحدوث هذه الاشياء متتابعة يدل بشكل قوى ان صراع القرن الافريقى مترابط بشكل قوى ومتداخل اكثر مما يتصوره المتابع العادى ولهذا الترابط اسباب ثقافية وحضارية ضاربة فى عمق التاريخ ادركها من علمها،وجهلها من يبعد التاريخ عن الصراع السياسي فى القرن الافريقي.
دوليا انتهاء الحرب الباردة وإنهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي،وكذلك وقف الحروب العربية الاسرائلية.كل هذه الاشياء هى التى جعلت من الممكن ميلاد الدولة الاريترية الجديدة على الساحل الغربى للبحر الاحمر،الدولة التى كان من المفترد ان ترى النور عام 1952 التى وقف دون تحقيقها الادارة الامريكية انا ذاك وانتهاء نتائج الحرب العالمية الثانية، اختفاء الحرب الباردة، هى التى احدثت تغير فى الموقف الامريكى تجاه استقلال اريتريا فضلا عن الواقع الجديد الذى اوجده النضال الاريتري والبطولات الاسطورية التى سجلها الشعب الاريتري امام العالم كله.
نواصل فى الحلقة القادمة…
Nagash06@maktoob.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40998
أحدث النعليقات