منظمات المجتمع المدنى الارترية هل خالية من شوائب السياسة ؟!
بقلم/أحمد نقاش
ahmednagash@yahoo.com
إن وجود مؤساسة مجتمع مدنى ومنظمات حقوق الانسان ومنظات قانونية ومهنية مستقلة هى احد اركان الدولة الحديثة ودولة قانون، التى يرنو الكل للوصول اليها فى هذا العصر لتأمين الحقوق والامن والسلام والتقدم ،بإعتبار ان الدولة الحديثة هى البديل لكل اشكال الدول القديمة التى عرفها التاريخ السياسي للبشرية جمعاء( من الاسرة الى العشيرة والى دولة القبيلة ثم الى دولة الملك وغيرها الى ان وصلت المجتمعات الى الدولة الحديثة دولة المواطنة اساسها قوة القانون والعدل الاجتماعى…) ومثل هذه المنظمات المدنية هى من الثوابت الاساسية،حيث انها تساهم فى تشكيل وبناء دولة القانون والمؤسسات ،وتوجه المجتمع السياسي فى مسارات ايجابية تهدف الى العدل والمساواة.وكثير من الدول فى المحيط الاقليمى لاريتريا فشلت فى خلق الدولة الوطنية الحقيقية على ارض الواقع منذ اكثر من نصف قرن،لان تلك الدول لم تستطيع من الناحية العملية الخروج من شرنقة القبيلة او العائلة والمفهوم الابوي للدولة على المجتمع،ام مفهوم الدولة الوطنية القائمة على المواطنة لم تكن الا حبيست الاوراق والدساتر التى تعدل كل مرة على مقاس الزعيم او الرئيس،هكذا انهارات كثير من الدول وتفككت لانها فقدت بريقها فى عين المواطن العادى،واخرى فى طريقها الى التفكك على سبيل المثال لا الحصر:وفى لبنان فضل المواطن الطائفة على الدولة،لان الدولة فشلت فى كسب ثقة كل الموطنين والتى لا تتم الا بالعدل والمساواة،وفى الصومال اختار المواطن القبيلة لان الدولة لم ترتقى الى دولة كل المواطنين،وفى الجزائر حرب اهلية مستمرة لان الدولة لم تحترم خيار الشعب،وباكستان تنزلق رويدا رويدا الى التفكك لان الدولة اصبحت تتعامل مع شعبها وفق المفهوم الخارجى وثقافة الخارج ومصالحه فى منظر اشبه ما يكون الدولة ضد هوية الامة،واليمن يترنح ما بين الحراك الجنوبى والتمرد الحوتى، لان الدولة لم تستطيع ان تحتوى الكل فى حراكها السياسي ولا فى العدل الاقتصادى والقائمة تطول،واما عن الوطن الجريح فحدث ولا حرج…واريتريا الدولة التى ناضل الكل من اجل اقامتها تنحدر يوم بعد يوم الى الهاوية قد تكون اقرب الى الهاوية الصومالية بدليل قيام تنظيمات قومية تطالب بحق تقرير المصير،فضلا عن الثورات التى بدأت تظهر هنا وهناك،وكل هذا لان الدولة قامت على اساس قومى اقصائى ثم انحصرت الى دولة لاقليم واحد اختزلت حقوق كل أقاليم البلاد.هكذا هى اذن كل دولنا التى لم يكن لها من مفهوم الدولة الا اسمها وعضويتها فى الجمعية العامة للامم المتحدة والاعلام التى ترفرف فى الفراغ من مضمون الدولة ومفهومها.
اذا كانت هذه هى حال دول المنطقة واريتريا على وجه الخصوص كيف تكون حال منظمات المجتمع المدنى فيها؟
من المعلوم فى كثير من دول المحيط لا توجد منظمات المجتمع المدنى بمفهومها الاستقلالى والقانونى لانها تعانى لكثير من المضيقات والبعض الاخر ما هو الا وجه اخر للانظمة الحاكمة فى المحيط الاقليمى والدولى.
وجذير بالذكر هناك تجارب مريرة خاضتها مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، منها ما حققت جملة من اهدافها بحكم طبيعة المحيط التي عاشته والقوانين الاجتماعية والسياسية التي كانت سليمة ومتزنة كالمنظمات الاقتصادية، والثقافية والصحية وحقوق الانسان والصليب الاحمر خير نموذج لذلك.. واخرى قد انحرفت عن غاياتها واصبحت ميدانا للصراعات الداخلية والسياسية.
هذا ما حصل وما حدث للمنظمات المدنية في البلدان المتطورة ـــ دول الشمال، فكيف حال المنظمات المدنية في البلدان الجنوب حاليا ؟ ان حال هذه الكيانات المدنية ـــ المهنية والنقابية بالغ الصعوبة والتعقيد، كون ان هذه المنظمات تمر بمرحلة انتقالية، تتشابك فيها الابعاد الدولية والمحلية،والوضع الاريترى اعقد من كل هذا وذاك.
اريتريا دول ظهرت الى الوجود من الناحية العملية منذ اقل من العقدين من الزمان،وكان فى امكانها ان تبدء من حيث انتها الاخرون،الا ان من سوء الطالع ان يكون اول حاكم لهذه الدولة رجل قمة فى الانانية والديكتاتورية ويحمل ثقافة لا تؤمن بالحوار بل لا يرى للاخرين الا ما يرى وفى مثل هذا المناخ التسلط والتجبر واقصاء الاخر كان من الصعب ان يكون وضع يسمح بقيام منظمات المجتمع المدنى،وبتالى يمكن القول ان اول ميلاد للمنظمات المجتمع المدنى الاريترية كان فى ارض المهجر هنا وهناك.
وكثير من ابناء اريتريا فى الداخل والخارج لا يعلم الكثير عن هذه المنظات المدنية التى ترفع لواءه،وتتحدث بإسمه، وكما لم يتعرف على دساترها واللاوائح التى تنظم عمل هذه المنظمات،وهى كثيرة مثلها مثل التنظيمات الاريترية،الا ان ما يهم الشعب الاريتري ليس الكثرة والقلة بقدرما يهمه صدقها ومقاصدها،هنا يأتى مشروعية السؤال .. هل هذه المنظمات المدنية الاريترية خالية من شوائب السياسة وميولاتها وامراضها المختلفة…؟ وتزداد اهمية مشروعية التساءل عقب مؤتمر بروكسل الاخير الذى عقد ما بين 9 – 10 من نوفمبر2009 فى حاضرة بلجيكا وما اثاره من رودود افعال مختلفة فى الوسط السياسي الاريترى.
وما اتضح لنا فى الايام المنصرمة من خلال الجدل ما بين الذين نظموا واشتركوا من منظمات المجتمع المدنى الاريترية والذين لم ينظموا ولم يحضروا من منظمات المجتمع المدنى الاريترية الاخرى،كذلك ما بين الذين لبوا الدعوة وحضروا من التنظيمات الاريترية والذين لم تقدم لهم الدعوة ولم يحضروا المؤتمر من التنظيمات الاريترية الاخرى. من هنا يمكن القول :
– ان منظمات المجتمع المدنى الاريترية ليست على وفاق ولا لها رؤية واحدة فى ما يحدث وما تريده ان يحدث، وهذا بنتيجة يقود الى ان الخلاف لا يمكن ان يكون فى القضايا الانسانية والمهنية والخدمية التى من المفترض ان تكون موضع الاتفاق اكثر من الاختلاف.
– ان الخلاف ناشئ عن التوجهات الفكرية والميول السياسية،بدليل تقديم الدعوة لبعض التنظيمات الاريترية دون الاخرى.تحت مبررات لا ترتقى لاقناع العقل السياسي.
– ان بعض هذه المنظمات تتقصد العمل السياسي تحت غطاء منظمات المجتمع المدنى وبتالى للديها شائبة من الشوائب السياسية،وقد تكون مولود غير شرعى لبعض التنظيمات الاريترية القائمة فى ساحة الحكم او المعارضة.وقد تتصيد بعض المسميات لذر الرماد فى عيون الغالبية المظلومة ولوقت معلوم.كما كان دور الامين العام السابق للجبهة الشعبية (رمضان محمد نور).
والعمل السياسيى ليس حكر لاحد من حق اى اريترى ان يمارس السياسة،ولكن من حق الشعب ان يتعرف على حقائق الامور وبتالى من الاداب المرعية ان نسمى الاشياء بمسمياتها ليكون الشعب على بينة من امره.
كذلك هناك منظمات مجتمع مدنى صادقة فى عملها ومن حق هذه المنظمات ان لا يسمى بإسمها الا من هو على شاكلتها ومنهجها حتى لا تقع هى الاخرى فى دائرة الاتهم السياسي وشوائبه وبتالى يختلط الحابل بنابل وتكون الرؤية رمادية ما بين سياسي وما هو مدنى ومهنى والفرز بينهما غاية فى الاهمية.
صحيح أن هناك خيط رفيع ما بين عمل منظمات المجتمع المدنى والتنظيمات السياسية فى كثير من الاحيان الا ان ما يميز عمل مجتمع مدنى ناجح وصادق هو الحياد وعدم الانحيازفى النظرية والتطبيق. وكما لا نتوقع الكمال لهذه المنظمات وهى تتخط مراحلها الاولى ولكن نتمنى ان تكون بدايتها مؤسسة على شئ متين حتى تكون سند الشعب الذى مازال يتحسس شعاع النور فى ظلام حالك لا ان تدخله فى ظلام اخر،وما اكثر الظلومات فى هذا الزمان.
ومن يريد ان يمارس السياسة عليه ان يمتلك الشجاعة الكافية ويمارس السياسة بإسمها ومسمياتها لان الساحة الاريترية تستطيع ان تستوعب اى طرح سياسيى او تكوين حزبى،لان كثرت الاحزاب لا تضر ولا تفسيد للود قضية اذا ما التزم الجميع بالنهج الديمقراطى الصحيح من الحيث المنهج والعمل.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41148
أحدث النعليقات