اسلمة انتفاضة اسمرا !
بقلم : محمد صالح
16-11-2017
كشف سكرتير الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة الامين محمد سعيد ، ضمن كلمته أمام اللقاء الجماهيري الذي عقده في سفارة إرتريا بالرياض بمناسبة فعّاليات مهرجان إرتريا السنوي الذي تنظمه السفارة في شهر أكتوبر من كل عام، رفض النظام في اسمرا وجود مدرسة ذات صبغة دينية أكانت إسلامية أو مسيحية ، أو الأشارة لرمز ديني في المرافق العامة ، واعلن الأمين نجاح الحكومة في السيطرة على المظاهرات التي شهدتها اسمرا في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي في دقائق ، والتي أحدثها طلبة صغار في السن حسب قوله.
حديث ” الأمين ” يتناقم مع بعض النشطاء الارتريين في وسائل التواصل الاجتماعيه ” تويتر ” و ” فيسبوك ” الذين يرون ضرورة عدم ربط الاحداث في اسمرا على انها انتفاضه ، من اجل الحفاظ على الثوابت الدينية ، بل دفاعاً عن الحرية والحقوق الإنسانية ، لضمان تكاتف مسيحي ارتريا مع المحتجين وعدم بقائهم على الحياد ، مستندين في مخاوفهم لتوجه المنظمات الدولية و سائل الاعلام الأجنبية من الإسلاموفوبيا مؤخراً .
لكن هل مسملوا ارتريا مكون هامشي في المشهد السكاني في ارتريا او هبطوا فجأة من الفضاء دون سابق انذار، ام هم فصيل سياسي حتى ينظر للأحداث من منظور أيدلوجي ؟ ، ان المسلمين في ارتريا يشكلون مايزيد عن” 55 % ” من السكان روبما اكثر ، و يتواجدون في بقعة جغرافيا اكبر في ارتريا و ذات مناطق استراتيجية ، فتهميش الدين في ارتريا في الوقت الراهن سيعزز النعرات القبلية اولاً ومن ثم المناطقيه والتي نجح النظام في خلقها خلال سنوات حكمه من خلال ترسيخ مفهوم القومية.
تصريح سكرتير الحزب الحاكم يؤكد توجه النظام في اسمرا لأضفاء الصبغه الدينية للأحداث وربطها بالحركات الجهادية الإرهابية ، ماهو الا لتخويف مسيحي ارتريا من التظاهرات وخطر جودهم في المشهد السياسي ، الذين يسيطرون عليهم منذ سنوات ، و لتتغاضى الدول العظمى والمنظمات العالميه عن قمعه للمتظاهرين العزل بإطلاق الرصاصي الحي و اعتقال المئات وتعذيب السجناء بالإشارة الى ماحدث انه شغب اسلامي ، وهو أشار اليه سفير النظام في اليابان عبر حسابه في تويتر تعليقاً على مظاهرة اسمرا : بالقول موسى محمد نور رجل دين ينشر الكراهية ولا يجب ان يرى الشمس مرى أخرى .
عدم الاعتراف بدوافع الحراك في اسمرا مؤخراً ووضعه في الاطار الصحيح ، سيفقده الدوافع اللازمة للمضي قدماً في تحقيق اهدافه ، وتصنفيه على انه من اجل الحريات و حقوق الانسان ، والعدالة الاجتماعية ، سيدفع الكثيرين للتراجع خوفاً من تكرار ما آلت إليه الأوضاع في سوريا و ليبيا .
الوحدة الوطنية هي مطلب الجميع وهي ضمانة أي استقرار وطني ، لكن ليس على قاعدة تنازل طرف على حساب الآخر او تغاضي الأكثرية عن تفوقها العددي وان كان نسبي من اجل إرضاء الطرف الآخر ، نظام اسمرا الذي يدعى علمانيته وقوفه على الحياد من جميع الاديان في ارتريا ستجد على ارض الواقع عكس ما يدعي ، من خلال انتشار الكنائس في جميع مناطق ارتريا ، حتى التي لا تشهد وجوداً مكثفاً للمسيحين بأعداد كبيرة او لم يكن لها تواجد قبل وصول النظام للسلطة في الشوارع الرئيسية وبالقرب من الخدمات العامه ، بينما يقنن انتشار المساجد ووضع القيود والاشتراطات على بنائها ، وإن حدث فالشوارع الخلفية هي موقعها فقط ! بينما يمعن في اغلاق المداس والمراكز الاسلاميه واعتقال العشرات بل وربما المئات من معلمي المعاهد الدينية منذ توليه السلطة 1991.
التقليل من الاحداث التي شهدتها اسمرا والاشارة الى انها إسلامية فقط او صغيرة ، هو دليل قلق النظام من كسر حاجز الصمت في ارتريا لعقدين متتاليين ، فهو حتى الان لم يستوعب خروج المتظاهرين رفضاً لإملاءات حكومية تُدعوا القائمين على مدرسة الضياء الإسلامية على علمنة مناهجها ومنع تدريس المواد الاسلامية ، وهو ذهب اليه وزير الإعلام الإرتري يمان جبريمسكل، في صحفته على “تويتر” بالقول “تظاهرة صغيرة نظمتها مدرسة في أسمرة” وتم “تفريقها من دون وقوع ضحايا”.
توقيت مظاهرة اسمرا يأتي بعد ان تبني النظام في اسمرا موقفي الرياض و ابو ظبي في خلافهما الأخير مع الدوحة على ضوء مطالبة الدولتين للدوحة بالكف عن تمويل ودعم الإرهاب وتجفيف منابعه، فهل تأتي تحركات النظام الأخيرة في هذا الجانب ، خصوصاً بعدما كشف السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة في مقابلة مع قناة (PBS)، أن الإمارات ومعها دول عربية آخرى تريد وجود حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة في الشرق الأوسط بعد عشر سنوات ، فهل نحن ذاهبون مع هذه الدول الى العلمانية وماهي معالم هذه العلمانية التي لا نعرف حدودها او معالمها في ارتريا ، لا في مجال حقوق الفرد او حرية التعبير او الاختيار او محاسبة الفساد ، هل تتوقف علمانية النظام في اسمرا على الدين فقط ! ؟
و هل ستتغاضى الرياض و ابو ظبي عن تجاوزات حليفها في اسمرا لضمان ولائه والاستفادة القصوى من أراضيه في حربها ، اتجاه الأكثرية المسلمة وفرض سياسة الواقع عليهم ، ام سيضطر النظام لتقديم بعض التنازلات و إصلاحات هامشية ، ترضي حلفائه و تطفئ شرارة ما حدث في اسمرا ولو لحين ، ام سيكون الشعب وحده في مواجهة بطش النظام ، كما فعلوا لتحرير ارضهم من المحتل دون الاستعانه بأي قوى خارجية .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42488
أحدث النعليقات