هل يصمد السلام و ما المطلوب من القوى السياسية وطنياً؟؟؟
أبو مهاب – القاهرة
08/07/2018م
في تقديري أن استمرار حالة العداء بشكل دائم بين أي بلدين أمر يدحضه الواقع ، لأن التأريخ يحدثنا بأن الحرب الباردة انتهت و أن جدار برلين هدم و أن كوريا و أمريكا جلستا في حوار تفاوضي أدى إلي توقيع مذكرة و الكثير من الوقائع تشير إلي ذلك .
لذا فأن السلام بين حكومتي البلدين إرتريا و اثيوبيا أمر غير مستغرب و لا أمر مستبعد ، في ظل السياسات الجديدة لرئيس الوزراء الإثيوبي الذي سعى جاهداً إلي صناعة أحداث دراماتيكية تعزز من مصداقية توجهاته علي الصعيد الداخلي و الإقليمي علي الأقل داخليا لمن كانوا خارج الائتلاف الحاكم في أديس ابابا و علي الصعيد الإقليمي فقد قام بعدد من الزيارات الماكوكية التي تشير بوضوح إلي أن الرجل يحمل مشروع أو قد عهد إليه بتنفيذ مشروع محدد في المنطقة .
السلام بين البلدين في قراءاتي ليس نتاج رغبة ذاتية بين البلدين تستصحب مصالح الشعوب بين البلدين ، بل هو أمر فرض علي البلدين نتيجة ترتيبات يجب أن تتم في المنطقة في ظل صراع محموم تشهده المنطقة و أزمات سياسية و حرب اقتصادية و حرب بالوكالة تديرها بعض الدول عبر توظيف أموالها ، و قد تم أخراج سيناريو السلام المزعوم بطريقة تجعل الأمر و كأنما هو انتصار للطرفين و حتى اللحظة المعطيات علي الارض تشير و بوضوح إلي الامر كله تم في إطارة المناورة بالتصريحات بين قادة البلدين فأثيوبيا مازالت تحتل الأرض الإرترية و تتمركز فيها قواتها و في امتداد أقليم لديه تحفظات واضحة في كل ما يدور من تدبير و تجهيز للمسرح لمشاهد لا تعدو إلي أن تكون غير مقنعة.
الوضع بالنسبة لأثيوبيا أكثر تعقيداً من إرتريا و ربما يتطور الأمر إلي خلاف عميق و جذري بين القوى السياسية المشاركة في الائتلاف ، و إرتريا نتيجة حكم الفرد الدكتاتور المتسلط القابض علي كل مفاصل الدولة و كونه الأمر الناهي فلا توجد لديه إي إشكالات و سيمضى في السيناريو كما رسم له طالما هناك مكاسب مالية و إن كانت قليلة مقارنة بما حصلت عليه أثيوبيا من عرابي السلام المزعوم …
الفرق بين البلدين في توظيف المال المدفوع للسلام سيغدو مختلف في البلدين اثيوبيا ربما توظفه في تنمية الأقاليم المناوئة و ربما مثل هكذا توظيف يقلل من فرص الخروج عن رؤية دائرة القرار السياسي في أديس بينما في إرتريا الأمر مختلف فلا تنمية و لا خلافها بل سيتم توظيف هذا المال في مزيد من تدعيم ادوات القمع .
و لأنه سلام اقتضته ظروف الصراع في المنطقة فهو سلام سوف لن يصمد طويلاً حالما تنتفى المبررات التي استدعته ، و المنطقة تشهد تغيرات دراماتيكية ربما تحدث تغيير في شكل التحالفات فليس بالضرورة أن يكون حلفاء الأمس ذات حلفاء اليوم و لا يمكن أن يكون خصوم الأمس ذات خصوم اليوم سيما في الإقليم فعين ترنو إلي إحداث تغيير في الصومال و أخرى في السودان فربما تتحول حكومات دول حوض البحر الأحمر إلي حكومات لا تخرج عن المنظور الذي يؤمن السلام لإسرائيل و يقلل كلفة حمايتها علي الولايات المتحدة الأمريكية و الحرب هي حرب سيطرة علي اهم ممر ملاحي في ظل محاولات تجري علي قدم و ساق علي حسم معركة الحديدة.
و في تقديري أن مواجهة النظام يجب أن تكون إرتيرية خالصة في ظل ضيق الفرص لإيجاد تحالفات إقليمية تسهم في دعمنا في معركة إسقاط النظام كما أن التاريخ يشير بوضوح إلي أن شأن كل طاغية هو السقوط و الوقائع التاريخية تشير إلي ذلك بجلاء لأعتى الدكتاتوريات ( شاه إيران شاوشيسكو ) و خلافهم من طغاة أنقضت عليهم شعوبهم لتضعهم في مزابل التأريخ و في تقدري أن الحالة الإرترية لا يمكن تصورها خارج نطاق التاريخ الإنساني و دورة الحياة السياسية في الكون و أتصور أن النظام و من واقع معرفتنا به و ما عرف عنه من صلف و غرور و تصرفات عنجهية لم تكسبه إلا العزلة فأن ثمة اسباب حملته مكرها علي قبول السلام و تعديل خطابه السياسي إزاء الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الأسباب أن النظام يعاني من ازمة اقتصادية خانقة و من هزال في كل مفاصل دولته التي يتحكم فيها راس النظام و طالما شكل فيها العمود الفقري في كل مؤسساتها فأن سقوطه أو هلاكه يشكل النقطة المفصلية في سقوط الدولة و انهيارها.
في المقابل هناك ثمة إشكالات تعاني منها المعارضة تتمثل في انعدام السند الجماهيري لها فأن النسبة الغالبة التي تتواجد في السودان رفض النظام عودتهم و هذا شكل صدمة كبيرة لهم و المنظمات الأممية تخلت عنهم و شرعت في العمل علي خيار إدماجهم في المجتمع السوداني و قد كان في ظل عدم وجود أي تأثير للقوى السياسية في مقاومة هذا الفعل مما جعل اللاجئين ينصرفون إلي ترتيب أوضاعهم وفق الواقع الجديد الذي رتب له بعناية و هذا جعل هذه التنظيمات معزولة من أي سند جماهيري خلا قلة قليلة و هي الأخرى لا يمكنها أن تساهم نتيجة لحالة الشظف الكفاف التي تعيشها .
كما أن من أقدارنا أننا نقع في اقليم كل انظمة الحكم فيه شمولية و بالتالي فأن الموقف من قضيتنا لا يأتي في سياقات مبدئية و لكن وفق مصالح الأنظمة و وفق علاقتها مع النظام و خلال الفترة من بعد الاستقلال و حتى اللحظة كان الدعم المقدم للمعارضة لا يسمن و لا يعني من جوع و كان اليد تمتد لها بهذا الدعم و عين الداعم ترنو للنظام .
ثم أن ممارسات النظام التي عملت علي تجريف الوحدة الوطنية و ضرب النسيج الوطني قد أدت إلي بروز تيارات و كيانات سياسية تعمل تحت عناوين أقل من الوطن و هذه الكيانات زاحمت القوى الكبيرة ذات المشاريع التي بحجم الوطن علي مستوى الجماهير و علي مستوى المظلات ، مما اربك العملية السياسية علي مستوى هذه المظلات أو مظلة المجلس الوطني بشكل أدق و التي كان عليها الرهان و التعويل و في ظل هذه العلل التي ساهمت بشكل سالب علي اداء المعارضة فأن الأمر يتطلب أن تتدارك القوى السياسية الفاعلة و التي تمتلك كل مقومات الاستمرار في ظل التداعيات المحتملة لهذا التطور في العلاقة بين الحكومتين من خلا تنسيق المواقف و أن تتحلى بأعلى درجات المسؤولية إزاء هذا الشعب المغلوب علي أمر و خلق وسائل بديلة لمقاومة هذا الطغيان من خلال إحداث اختراق في جدار العزلة بين الداخل و الخارج عبر حوار سياسي رزين يتسم بالمبدئية و القيم الوطنية تمهيداً لفتح قنوات مع القوى الفاعلة التي يمكن التعويل عليها في إحداث تغيير من الداخل فأن هذا السلام له تداعيات في تمايز الصفوف علي خلفية قبول النظام و تنازله عن كل الذي كان يتبجح به و كيف أن وفده هرع إلي اديس ابابا بشكل يشير إلي البحث عن طوق نجاة .
المطلوب من القوى السياسية تأجيل كل المسائل التي تتباين فيها الروى و العمل في ما متوافق حوله من ثوابت بناء دولة المواطنة المبنية علي التعددية السياسية و سيادة القانون و فصل السلطات و عدم مركزية السلطة و بناء الوحدة الوطنية علي اساس الشراكة الحقيقة للجميع في بناء هذه الدولة و أن يمنح الجميع شرف النهوض بهذا الوطن .
المطوب من القوى السياسية في ظل توافقها علي التغيير الجذري أن تتقدم بخطاب سياسي داخلي يحقق الإلتفاف حولها و يعمق صلتها بالداخل و أن تقدم خطاب إقليمي يعبر عن أن القادم أفضل مما هو ماثل و أن تتحرك بشكل يحدث فتح دبلوماسي في دول الغرب عبر احزابه و هيئاته و مؤسساته و صولاً إلي دعم إقليمي و سند دولي و في المقام الأول استعادة ثقة جماهيرها المنتشر في العالم فيها .
حتماً في ظل طغيان الخطاب الوطني و الإلتفاف حوله ستذهب كل المشاريع الصغيرة أدارج الرياح طالما سنجد لها حلاً في مشروعنا الوطني الكلي الذي يحقق العدالة و يؤسس لشراكات حقيقة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=43301
أحدث النعليقات