(3) المجلس الوطني – السَّحب إلى القاراج
بالفعل، اقتربت الساعة واشتق الأمر، وإن شئتم البحث عن طريقكم سيروا باتجاه الحل الأمثل والوجهة الأرقى والأفضل وهي الوصول إلى المؤتمر. فلا حل إلا بالعمل المستمر، فبالقول والثرثرة والجدل الذي تعج به أوساطنا لن يستقيم الأمر ويستقر.
نعلم جميعا أنّ الحقائق على أرض الواقع تقول بأنّ الوطن دخل في دوامة استعمار أخرى، وأنّ علينا أن نعي ونتعلم من أخطائنا ولا بد أن نستذكر ما آل إليه حال أمم قبلنا ألهيت عن مركز شؤونها المصيرية وتاهت وتلاشت إلى الابد بعد التهائها بسفاسف الأمور وتفرعات بسائط الفروع ولدينا أمثلة حية حيث تتواتر إلينا باستمرار أنباء الأقوام من حولنا بما يكفي من الدروس والعبر.
الحل إذن في أن نشد من أزر بعضنا بعضاً ونرفع من سقف الإحساس بالمسؤولية بيننا ونترفع عن سفاسف الأمور ونضع نصب أعيننا مصير شعبنا قبل أن تأتينا الأيام العُسُر. ولا يخفى علينا بأنّنا نعايش بوادر هذه الأيام بمصادرة الوطن بعد السعي الحثيث لتكفير الإرتري بإرتريته كما أسلفنا في حديث سابق منتصف 2016 تحت عنوان (نكسة 24 مايو).
الأيام العسر ستأتي إذا لم نلغي توافه المسائل وصراعات الداخل وازدجار الأهل بالباطل. ستأتي حتماً وسنحتاج إلى عدة تأشيرات دخول لإرتريا. وقد تكون أقلها أن يطلب منك أن تكفر بربك وموروثك وبذاتك وبأهلك وذويك وكلّ ما قامت عليه حياتك فتدخل إلى ما كان وطنك مطأطئ الرأس، مضعضع الكيان، هذا إن سُمح لك بالدخول من أصله. فالنتيجة التي يتم العمل عليها هي أن يتم تجريدك من كلّ شيء فيصبح أغلى ما تملك الذكريات في الوطن الذي كنت تملك، فلا أرض ولا عرض. وسيكون ضمن هذه الذكريات ربما أغنية “أغلى ما أملك يا وطني!!”
تلكم المقدمة المطولة لا تهدف إلّا إلى أهمية التركيز على الهدف ووضوحه وتجديد مراحله بحسب المتاح من المعطيات، وهذا ينطبق تماماً على ما نعانيه في الساحة الإرترية المعارضة أفراداً وجماعات. وبالرغم من أنّ لدينا ما حدث مع جبهة التحرير الإرترية “المعاصرة” خلال الأسابيع الماضية مثالاً حيّاً لهذه الحالة، إلّا أنّني أرى أن نمسك بالكيان الأكبر (المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي) الذي يحمل علل كلّ التنظيمات والمنظمات والأفراد في إطار واحد مما يجعل منه مستشفى يعج بالمرضى من كلّ الأنواع ولكنه ما زال مكان جامعاً. وعليه وجب التعامل معه بجدية بالغة حتى نتمكن من معالجة جميع من فيه بالعمل على ضمان الصحة العامة في المكان، ودحر الامراض المتوطنة فيه وإعلان الثقافة الصحية بكلّ جوانبه. فكيف ذلك؟
نصف الحل دائما يتمثل في التعريف الصحيح للمشكلة، فما هي مشكلة المجلس الوطني التي جعلت منه بيتاً كبيراً يرضى به الجميع ولا يسكنه ولا يهتم به الجميع في تناقض صارخ لطبيعة الأشياء.
البيت المهجور هذا قد تم تأسيسه من لبنات نظرية واقعية جيدة ولكن تم تشييده على أرضية من الشك والريبة وعدم الإطمئنان للشريك، ولم يكن ليصبح هذا أمراً ذي أهمية لو كانت لنا ثقافة الشراكة الاحترافية بعيداً عن التقليدية التي دائما ما يكون أساسها العلاقات الشخصية التي تبنى بكلّ سهولة وتتلاشى لدى مواجهتها الوقع.
إن أردنا التغيّر إلى الأفضل وكانت لنا رغبة الحفاظ على بيتنا الذي هجرناه لا بد أن نتوقف أمام إسرافنا المزمن في الجهد والوقت في البديهيات والبدائيات التي لا تحتاج إلى ما نبذله حيالها من مشاحنات ومنازعات وما لا نجرؤ على القول من متاهات السياسة الإرترية العجيبة.
المفقود في العلاقات بين أوساطنا السياسية هو الإيمان الفعلي بأنّ المشروع المشترك أولوية ثم أنّ هذا الإيمان وحده لا يكفي، فالمطلوب هو العمل بإخلاص ضمن إطار المشروع المشترك، كلٌّ يصب في ذات الإناء قدر استطاعته. وهنا المحك الأكبر الذي فشلنا باستمرار في تجاوزه، مما يؤكّد أهمية الإلمام بأنّ المشروع الوطني ليس ملكاً لأي أحد، بل هو أرضية مشتركة يتنافس الجميع في ابتداع وسائل تحقيقه (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) في مفهوم إيجابي يطمح كل واحد أن يضع فيه بصمته بجوار بصمة أخيه ورفيق دربه.
هذه النقطة بالتحديد تم تناولها في الجزء الأول (المجلس الوطني – التبطيل بالتطبيل) ضمن تفنيدنا لأمر أنّ الملجلس ليس كياناً سياسيا، بل هو مشروع ظرفي تتشارك فيه كلّ الكيانات السياسية لهدف موحّد وهو إيجاد أرضية حضارية تمكن الجميع من النشاط السياسي والإجتماعي والتجاري والإنساني بكل حرية في وطن يسوده العدل والحرية وسيادة القانون.
أمّا النقطة التي سبقتها فقد تم تناولها في الجزء الثاني القائل بمرجعية الوثائق، ونحن إذ نؤكد هنا أنّ البناء النّظري للمجلس الوطني كان موفقاً وقد كانت الظروف مواتية للقفز فوق الشكوك والريبة حينها لإنجاز هذا العمل العظيم. ولكن بحار الشّك والإحساس بعدم القدرة على تجاوز القاعات دمّر فكرة تنشيط المجلس بإعادته إلى حرب القاعات التي كان للتّقراي اليد الطولى فيها كما أسلفنا في الحديث السّابق.
بناءاً على ما ذكر آنفاً نرى أنّنا نحتاج إلى وقفة هادئة ومسؤولة ثم اتخاذ خطوة فعلية وجريئة بالعودة إلى الوراء حتى تتسع لنا آفاق الرؤية ونستطيع أن نُعرّف الأزمة استنادا إلى التغييرات التي حصلت في الواقع السياسي الإقليمي بالإضافة إلى الإقرار بتغيّر ديموغرافيا السياسة الإرترية ومن ثم تجاوز المفاهيم العتيقة وإبدالها بالمفاهيم الحديثة التي حملها الشباب أصحاب الألم الحقيقي.
وعليه نرى أنّ المجلس لابد أنّ يقوم بتغيير أو على أقل تقدير تحديث ذاته كاملاً بالدخول إلى القاراج طوعاً ثم الخروج منه بعدما يمر على كلّ الآراء وتضفى إليه العصرية والواقعية وليس غسيل وجه ودهانات والسلام.
ولنكون أكثر واقعية نقترح أن تكون مجريات العمل داخل القاراج كالتالي:-
لقاء الأجيال
المؤتمر القادم يكون ناجحاً إذا حمل أجندة تشتمل حواراً جادّا بين الأجيال وتعبر بنا إلى المواجهة الحقيقية بين المفاهيم والقراءات التي فرقتها عشرات السنين من انعدام الحوار. وقد نتج عنها ديمومة الصدارة لبعض الوجوه الجامدة غير المتفاعلة التي أصبحت قياداتاً مزمنة، الأمر الذي يعني بالضرورة تراكم المفاهيم العتيقة والأحمال الثقيلة من الماضي السحيق الذي يأكل كلّ الأخضر واليابس من الطاقات ومن ثم يعرقل المسير نحو المستقبل.
لا تبتئس عزيزي القارئ، فهذا هو الواقع الذي عليك مجابهته إن أردت حلّاً، فلا شك تكون قد حضرت ألف اجتماع واجتماع ولم تخرج منها إلّا باجترار الماضي السياسي واخفاقاته وحروبه ضد طواحين الهواء. وتعلم وخبرت أيضاً أنّه إذا كان هناك نصيب مقدّر من هذه الاجتماعات لحكم الطاغية في أسمرا فلن يكون بأكثر من نصوص الرّدح المتعارف عليها التي لم تختلف إلّا في شكل حروف كتابتها وحجمها وذلك منذ أن وجدنا أنفسنا على حالنا هذا – معارضة هشة تزداد هشاشة ونظام قمعي يزداد قمعاً – بالرغم من أنّ المطلوب خطط أساسية وخطط بديلة، وجداول زمنية وحراك داخلي وخارجي يكون للأفراد فيه دور كبير كما للجماعات.
تحديث تعريف المجلس
البحث عن الحل للخروج من حلقات الجمود المفرغة يبدأ من التعريف الجيد للمشكلة آخذاً في الإعتبار كل المعطيات وواضعا كل الإمكانيات. ولهذا يجب البحث عن بعض الإضافات والتعديلات في ميثاق المجلس الوطني الذي مازلت أنظر إليه بأنّه أحسن ما توصلنا إليه إلى الآن بالرغم من أنّ باستطاعتنا اختصاره إلى أقلّ من النصف تماشيا مع عصر السرعة والتعامل المباشر مع الاشياء دون الإسهاب والمطّ والجمل الموضوعة لتحقيق المجاملات والتوازنات. وربما ساعدنا هذ على مجابهة معطلات التشارك وأوصلنا للإقرار بهذا الميثاق نواة للعمل الجماعي بعد تأكيد ضمه للفكر الشبابي وخضوعه لمعطيات الواقع السياسي الداخلي والإقليمي والدولي.
تغيير خارطة الطريق كليّاً
أمر آخر يمكن الحديث عنه بإسهاب وهو تغيير خارطة الطريق كليّاً لأنها بنيت على واقع مختلف تماماً ويمكن إختصارها تماشيا مع عناصر السرعة الملطلوبة وتغير عناصر وأدوات الفعل المحتملة فيها بشكل كامل بحيث يكون بمقدورنا تضمين مقدمتها الموسعة في الوثائق التثقيفية على سبيل المثال. وعليه أرى أن نعود إلى المربع الأول ونعيد بناء خارطة طريق جديدة وإضافة فكر العناصر الشبابية وأدواتهم، ثم إفراد مساحة أكبر للمؤثرات الداخلية والتواصل مع الداخل مع ما يتطلبه ذلك من تضحيات جسام، بالضبط كما يفعل أهلنا في الداخل عبر مراحل محاولات التغيير الجادة التي قاموا بها والتي نمر بذكرى إحداها هذه الأيام والمتمثلة في عملية فورتو البطولية.
الجدول الزمني
محور آخر يمكن التركيز فيه هو إغفالنا لأهمية التمسك بجدول زمني لمشاريعنا حتى لو لم نملك الأدوات التنفيذية لتحقيق ذلك. وبناءاً عليه يلزمنا السعي للإلتزام والتمسك بجدول زمني لمشاريعنا وهو الأمر الذي سيحمل لنا في طياته عنصر السرعة والإستفادة القصوى من المتاح لنا من الفرص في فترة زمنية محدّدة ومن ثم سيساعد ذلك على تنامي ثقافة المحاسبة الذاتية والجمعية، كما أنّه سيفيدنا في الإلمام بحقيقة أنّ الركون في زاوية الجدل البيزنطي إنتظاراً لما سيحدث لم يكن يوماً هو الهدف الإستراتيجي، بل هو العمل الجاد والفعلي. ثم أنّ الإرتباط بالجداول الزمنية سيخلق لدى القيادات الإحساس بالمسؤولية أمام الأجندة التي لا بد أن يتم تنفيذها في إطارها الزمني وإلّا سيكون هناك من هو أكفأ منهم وأقدر للقيام بهذه المهمة، وهو الأمر الذي سيحقق لنا عدم أبدية وسكنى العناصر القيادية في المناصب التي أدت دائماً إلى تجميد وتحديد الكيانات على أساس أنّها متفرعة من الأفراد وليس الأفراد في خدمة فكر الكيانات الذي بالضرورة في خدمة الوطن.
المشاركات من خارج الكيانات السياسية
هذا المحور قد يكون سببا لبعض المناقشات العميقة التي سيكون مؤداها بالضرورة الوصول إلى نتائج أفضل، وهو محور تصدير وإعطاء الأولوية لمشاركات المجتمع المدني الذي يعتبر الرافد الاساسي لأي عمل سياسي قائم أو محتمل قيامه. ليس هذا فحسب بل ضم الأفراد الناشطين واستيعاب المحاولات الشبابية للتجمع والتحرك الجدي باعتبارها أساس أدوات فاعلة للتحرك الحقيقي الداخلي منه والخارجي. هذا كلّه سيجلب فكراً إضافيا نشطاً للمجلس وسيزيد من التفاعلات داخله وسيضمن تسارعها وحتى حدتها، مما سيساعد على التمرّس على الحركة وكذلك القدرة على مواجهة الإختراقات، حيث سيقوم النظام بدسّ عناصره المتواجدة في كل الأحوال. وفي ذات الاثناء سيكون ضمن القوى الفاعلة العناصر الشبابية التي صارعت عناصر النظام في الفضاءات الرحبة وخبرت أساليب التخفي والإختراق لعناصر النظام في تلك الفضاءات، ومن ثم سيتم رفع مستوى العمل إلى درجة أعلى من التحدي والمواجهة والسرعة والفاعلية بخلق التزاوج بين خبرات السياسيين المنضوين في أطر تنظيمية ونشاط المجموعات الشبابية الباحثة عن أطر تحس فيها بوجودها وتلمس فيها دورها وتأثيره.
التمـــــــــــــــــاس
نقطة أخيرة تهم المجلس أكثر من غيره باعتباره الجراب الحاوي لكل الكيانات ومن ثم يسهل أن يربي كلّ كيان داخله عدد ماشاء من (الدجاج). المقصود هنا ليس فتح أبواب مركز اتخاذ قرارك لكل من هب ودب ولكن من الحكمة أن لا تهرب بكيانك حتى السقوط خارج الخارطة في محاولة لعدم التماس مع من تعتبرهم عناصر النظام ويحاولون اختراقك، هذا بالرغم من أنّك أنت الذي عليك مهمة اختراق الآخر والإقتراب من مفاصله كأولوية أولى وليس العكس.
المطلوب هو الإقبال على التفاعل والتعامل الجاد حتى لو كان مع عناصر مؤكدة لمخابرات النظام وقد أتت لتعمل داخلك ضمن أجنداته، مع العلم بأنّ هذا أمر واقع في كلّ مناشطنا لا ننكره جميعا. ولذلك فلا مناص من الإقتراب من منطقة الخطر هذه والتعامل مع من يحاول اختراقك، ولا تنس أيضاً أنّك لست مضطرّاً لسحبه إلى داخل مراكز اتخاذ قراراتك المصيرية!!
وهنا وقبل الختام نود أن نرفع إلى الأذهان سؤالاً بدائياً وهو ما مصدر معلوماتك وما هو سبيلك لاختراق النظام ومن هو الذي عليك العمل على إقناعه وتجنيده لتحقيق أهدافك من خلاله؟ والإجابة تتمثل في أنّ عليك أن لا تخاف من خوض غمار المجازفة (لأنه واقعيا وصدقاً ليس لديك ما تخاف عليه) ولذلك نجد أنّه من الأهمية بمكان أن تستضيف من يحاول اخترقك أيضاً وتعمل في سبيل كسبه كسباً للقضية وتحقيقاً لأمل الحرية لك وله، وقد تكتسب من هذا خبرات أكبر ضمن إطار سعيك للإقتراب من مفاصل النظام وتفكيكها.
نلتقي قريباً مع
(4) المجلس الوطني – المؤتمر الناجح والتشكيل المأمول ب.ب
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=43820
أحدث النعليقات