تسليم أهالي
يقال هذا التعبير الدارج حين الغيبوبة الجماعية، فيتورط الجميع ويتحولون إلى مرشدين ومتوطئين، جهلاً أو تجاهلاً، في تسليم أحد ما إلى السلطات التي ستذهب به إلى مصيره المحتوم. وعليه يتمّ الإشارة به لتعميم الجريمة على الجميع. ثمّ معاناً في امتهان المجتمع نجد هذا التعبير يحمل قدراً من الكوميديا السوداء حين يتداعى الأهالي في أمر لا يعلمون ماهيته ولكنهم يصرون على تنفيذه، فهم في حالة تبعية مطلقة، لا أحد يتوقف فيها لبرهة ليتساءل ما الذي يحدث.
حالنا اليوم نحن #الإرتريين لا يقلّ بأي شكل من الأشكال عن مضمون المقولة أعلاه، حيث نجد الجميع وقد أعطى ظهره لواقع الوطن الذي يتم تسليمه إلى مصيره المحتوم (فيما يشبه التواطؤ)، فنرى هرولة الجميع نحو العبث الكلامي واختار الكل متاهات النزاعات العدمية – فهذا هو المقاوم الفلاني يعوي في أدغال الماضي السحيق يتقاتل وأخاه في جيفة لا يعرف مصدرها ولا يريد أن يعرف، فهو في حالة غيبوبة هوى الصراع، ومن ثم نجده مستمسكاً بمبادئ عصور ما قبل الحضارة الإنسانية. وذاك هو الناشط العلاني يلهث وراء سراب وفقاعات تُقذف له تارة من قبل #وياني_تقراي، وتارة أخرى تأتيه من قبل نظام #الهقدف في #أسمرا فيلتقطها وكأنه كان بانتظار المهمة التي ستوكل إليه، حال ذاك (….) الذي ينتظر صاحبه ليلقي له بالكرة فيبذل كلّ المتاح له من الجهد في الجري خلفها ليلتقطها ويعيدها إلى صاحبه وهو في حالة من الابتهاج والنشوة، ويتراقص طلباً لشوط آخر من هذا التكرار البشع.
ليس هذا تجنياً على أيّ منّا أيها الأحبة، فهو ترميز دقيق للواقع العبثي الذي نعيشه جميعاً.
كيف؟
بما أنّ الوطن، الأرض، لن يتم ترحيله من مكانه وأنّ الحدود الطبيعية ليست خطوطا على رمل ليتم طمسها، فإنّ التآمر دائماً يكون في ترحيل الشعب وتغيير ديموغرافيا الوطن. وفي هذا الصدد ربما يجدر بنا أن نذكر ثلاثة محاور تجري فيها عملية تنفيذ هذا المخطط الهادف لتفريغ إرتريا من كل مضامينها، والذي نتعاون نحن في تنفيذه بما يسمى (تسليم أهالي). وتمثل المحاور الثلاثة التالية كلّ البنية الديمغرافية الإرترية التي يتم رجّها بقوة في الوقت الحاضر فيما بدا أنه مرحلة الحسم النهائي لتفكيك هذا الوطن وتشريد الشعب الإرتري.
المحور الأول:- المرتفعات،
كل الطرق المفتوحة والتي يحتمل أن تفتح لشعبنا في المرتفعات تؤدي إلى تقراي. ويتصدر هذ التوجه مساعي الوياني للتقرب من متحدثي التقرنية من الإرتريين بشتى السبل. أولها صناعة عدم الإطمئنان لباقي المكونات الإرترية وتصدير أنهم عدوّ للجميع ومن ثم مصيرهم يكون آمن مع التقراي فقط وهم أكثر ارتباطاً بهم. وضمن هذا المسعى تم تجنيد العديد من الأبواق الإرترية التي تسلقت تارة بالصوت العالي والكلام النظري وتارة أخرى بتمجيد مراحل في التاريخ الإرتري (بما نحب ونهوى) فاحترمناها. وقد قامت هذه الفئة المحترفة والمدربة جيداً (حسب رأيي) بذلك سعيا وراء الشعبية والشهرة. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، تسفابرهان ردئي وتيدروس زرؤو، وآخر أيضا لا أذكر اسمه ولكنه يتحدث اللهجة السودانية بطلاقة.
الجانب الآخر الذي سعى التقراي لاصطياد شعبنا، متحدث التقرنية، من خلاله هو الحرب العقائدية الشعواء التي تخوضها النّخب في التقراي، وتتصدرها فروع الأقازيان التي انتشرت بين أهلنا في المرتفعات كانتشار النار في الهشيم، ووصلت بهم إلى حدّ سحب البساط من الكثيرين من المعتدلين، ثم تم استدراج الوطنيين الواحد تلو الآخر وكان آخرهم الرجل الذي ظل محترماً في طرحه (أرقاي حقوس).
هذه الكراهية المنبثقة من أسس عقائدية ستؤدي بالضرورة إلى الإرتياب من المستقبل والخوف من الديمقراطية التي قد تأتي بأي أحد من المكونات الأخرى والتي تم ترسيمها لهم باعتبارها العدو الذي يجب أن يحذروه. وهنا لا يفوتنا أن نذكر أن إساياس قد وضع اللبنات الأساسية لهذا الوضع المزري وعدم الطمأنينة التي انتشرت بعمله على تكريس التغيير الديموغرافي بتهجير لباقي مكونات الشعب الإرتري وتمكين التقرنيا من أراضي المهجرين وممتلكاتهم.
وعليه نرى الخرىالأخرى ومن ثم هي بأم أعيننا تفكيك انتماء أهلنا التقرنيا للوطن في نسق متفق عليه ويتم تنفيذه من قبل النظام العنصري في أسمرا بقيادة إساياس أفورقي (المجلوب أصله من تقراي) وشبيهه نظام التقراي في مقلي (بقيادة ملس ثم دبرطيون)، وقد ظلّ كلا الكيانين في ذات الصفحة منذ الأزل. لم تتبدل قيمهم ومبادئهم المتمثلة في كراهية الشعب الإرتري والرغبة في استئصال انتمائه لوطنه (وعينهم في مشروع يوهانس-ألولا)، وذلك منذ أن بدؤوا في التغلغل داخل الثورة الإرترية التي مكنتهم (بكل دروشة) من كل مقدراتها أملاً في أن يكونوا مواطنين صالحين مكملين للوطن الإرتري بعد جروح التاريخ القريب حين علا في المرتفعات صوت الإنضمام إلى أثيوبيا بقيادة ديميطريوس (المجلوب من تقراي).
حقق دعاة تدمير فكرة الوطن الإرتري في هذا المحور نجاحات ساحقة يمكن لكلّ منّا التحقق منها (بإجراء واحد فقط) وهو العودة سنتين في تناولنا في وسائل التواصل الإجتماعي لهموم الشعب الإرتري ومقارنة ذلك بالذي يحدث اليوم (لا أشك في أنك ستصطدم بواقع غريب عليك لأنّك ستكتشف أنه قد تم توجيه كلّ شيء إلى مسالك المهالك).
المحور الثاني:- المنخفضات الغربية،
هنا أيضاً لا عبين أساسيين (محلي وأجنبي)، هما النظام في أسمرا باعتباره أصل المشكلة والنظام السوداني باعتباره مستفيداً منها في تطابق مثير للدهشة لما تناولنا أعلاه.
تَقَلّب السياسة السودانية وعدم ثباتها عبر العصور تسبب في اختلاف وتيرة إيذاء شعبنا بين مرحلة وأخرى، فتارة كان يتم تسليم المناضلين والحقوقيين والناشطين للنظام، وتسهيل السبل للنظام لتصفيتهم داخل الأراضي السودانية تارة أخرى، كما لا يفوتنا هنا أحداث ميدانية قامت الأنظمة السودانية بمتابعتها وتسليمها لإساياس الذي التقطها في أقرب زاوية، وفي ذلك أمثلة كثيرة لدينا جميعاً. وبما لايختلف عن هذا الواقع التاريخي، يعاني شعبنا اليوم من عملاء النظام العاملين ضمن إطار المنظومة الأمنية السودانية، وربما بعض الإدارات الأهلية.
الهجمة المنظمة التي تستهدف البني عامر والحباب وباقي المكونات الأصيلة في شرق السودان والتي لها امتدادات داخل إرتريا، لا ينظر إليها بمنآى عن هذا الحال. فبالرغم من أن المستهدفين هم سودانيون وأصحاب الإرث السوداني التليد في هذه المنطقة، إلا أنهم مستهدفون بجريرة أن لهم امتدادات في الجانب الآخر من الحدود. وهذا دائما يقلق الأنظمة الشمولية التي لا تعترف بانسيابية العلاقة بين الشعوب التي تربطها أرحام لا تقبل بقطعها.
أصحاب الأرض هنا في كلا جانبي الحدود ضحايا للتآمر المنظم والتوسع الجغرافي الممنهج. فهذا توسّع تقراوي قادم من #إثيوبيا وله أرتالاً من التصرفات الدموية عبر التاريخ، وذاك توسع المستقدمين من أقصى جنوب غربي السودان، يزرعون لأنفسهم عداءً لا يعرفون مساراته. ونتيجة لذلك أي عمل منظم قد يقوم به أصحاب هذه الأرض يقلق الأنظمة في الجانبيناعتقادا منهم هذا الشعب لن يقبل بتسليم أراضيه وأوطانه، ولن يقبل بترحيل أهله من غرب إرتريا. وقد يقومون بهبة ترفع سقف مطالبهم، أو على الأقل يقومون بدعم أهلهم في الجانب الآخر بالمتاح لديهم من الإمكانيات لتمكينهم من وسائل المطالبة بحقوقهم داخل وطنهم. ثم أن هناك المنسيون (أكثر من 50 سنة) في معسكرات اللجوء وضرورة عودتهم إلى مواطنهم، وهو الأمر الذي قد يقلب الطرابيزة على إساياس الذي أسكن ديارهم المجلوبين.
وعليه لا نشك في أن إساياس وزمرته ومن يواليهم ويوالسهم في #السودان لن يهدأ لهم بال إن عاش هذا المجتمع بأمان تفاديا لهبّة تطالب بضبط الموازين القسط.
المحور الثالث:- المنخفضات الشرقية،
هنا أيضاً يظهر عصا إساياس السحرية وفتى الغرب المدلّل #أبي_أحمد بجوار صاحبه وشريكه في إعادة الترتيب المحتمل لمنطقة (في تكرار للأحداث على الحدود الإرترية الذي لم يتعلم منه الـ…. بعد). ولنبدأ بما ظهر قبل أن نحاول الإيغال في الخفي الأعظم من الأجندة، حين قد أعلنها #أبي مدوية في أول لقاء بينهما في في #قاعة_الألفية بـ #أديس_أبابا فقال “بموجب هذا السلام سنقتسم عصب”، ثم لا ذلك إطلاق العنان للتصريحات والنشاطات الاثيوبية التي تنتهك السيادة الوطنية الإرترية، بما في ذلك إعادة تأسيس القوات البحرية الإثيوبية.
الإهمال دائماً ما يهدف إلى الإيذاء، ثم العداء، ثم الكفر، وصولاً للإكراه حتى المغادرة، وهو ذات ما ظلّ يفعله إساياس في كل ربوع #إرتريا. وعليه لا يختلف الوضع الحالي وتسارعه في دنكاليا كثيرا عن عموم الجرائم التي يقوم بها النظام، ولكن شدة سعيه وطلبه لإنجاز المهمة استفادة من تفشي #كوفيد19 هو ما أدى لبروزها بهذه البشاعة ليكمل تجويع شعب #دنكاليا وتهجيره وتحقيق كفره بالوطن الإرتري بأقصى سرعة ممكنة، ودفعة نحو الأذرع المفتوحة والمرحبة هناك في أديس أبابا، والبيت الأكثر أماناً بجوار الأشقاء الذين يتمتعون بقدر أكبر من الحرية والحركة والنشاط والتواصل.
لا يساورني أدنى شك في أن #أحفاد_هكيتوا أبو الإستقلال الإرتري، هم إرتريون حتى النخاع فأكثر، ولكنهم يُدفعون دفعا للإقتراب من #مشروع_إساياس_أبي الهادف لتسليم الإقليم إلى إثيوبيا (وربما يكون المقابل تصفية وتركيع التقراي وتسليمهم بما أمكن من إقليمهم إلى أساياس ليقيم دولته العنصرية، ويرفع راية جده يوهانس).
هنا يجد الإرتريون أنفسهم ملزمون بالوقوف ذات وقفة الزعيم هكيتو الشامخة والإستماتة لرفع الظلم عن أهلهم في دنكاليا والتصدي لمخططات تفكيك وطنهم الذي لن يكون وطناً إن نقص قطرة من مياه البحر الأحمر من رأس دميرا حتى رأس قيصر (كما غناها الرمز الوطني يماني).
الآن ولاوقت آخر ، لنصرف النظر عن توافه الأمور ولتلق أصحاب إلأى مزابل الإهمال ولنقف يداً واحدة لرفع الظلم عن أهلنا الذي طال كل أركان وطننا. لا عيب في أن نتوقف لبرهة ثم ننظر حولنا فنتلمس الطريق من جديد بحثاً عن بداية جديدة ولا أجدّ ولا أقدم من الوقوف وقفة كبيرنا هكيتوا فنتمسك بالوطن بالتمسك بالمواطن. فهذه فرصة سانحة لمراجعة الذات والتحرك في انطلاقة جديدة تربطنا أكثر بأهلنا في الداخل حين نمد الجسور بيننا وبينهم في ضربة قاصمة لمشروع التفكيك وإعادة التركيب الذي يتشارك إساياس وأبي على تنفيذه.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=44404
أحدث النعليقات