الخروج من السياق الوطني يفقد التوازن والاتساق
المستقبل الواعد لإرتريا هو أمنية كل ارتري وان المصير المشترك محتم على كل الارتريين وهو يقين راسخ لدى الجميع والتاريخ الذي يفخر به كل ارتري هو ارث الجميع .
كل ارتري يحلم بمستقبل مشرق وباهر لوطنه وللوطن مكان خاص في قلبه وهو شيء فطري وطبيعي لدى كل إنسان له وطن مطبوع عليه تاريخ أبائه وأجداده ويختزن فيه تراثه، وبالذات الارتري الذي رهن حياته كلها لهذا الوطن الذي جاءت ولادة استقلاله وترسيخ سيادته بعد جهد ونضالات مريرة .
الارتريين جميعا مروا بظروف معيشية حالكة داخل الوطن وفي المهجر نتاج لرفضهم المستعمرين بشتى صورهم وكانت المجابهة صريحة وواضحة وبالتالي كلفهم ذلك تضحيات ومعاناة ولجوء عن الوطن والتوافد نحو معسكرات التدريب لحمل السلاح وقتال الأعداء .
ويتضح من السياق بان في كل المراحل التي مرت بها بلادنا كل الارتريين عاشوا حلوها ومرها ، فالحياة في أي صورة كانت تطال الجميع لن يفلت منها احد ، وفي هذا دلالة واضحة بان الحياة التي نصنعها مجتمعين أو منفردين نلمس تداعياتها في أنفسنا جميعا حتى وان تفاوتت التأثيرات على المراحل الزمنية.
وخلال تلك الحقب التي مرت على ارتريا نجد أن المستعمرين لم يأتوا لبلادنا حبا فينا وإنما رغبة في إشباع نهم توسعهم والطمع في ثرواتنا وتسخير مواردنا البشرية والمادية لتحقيق الرفاهية لمواطنيهم ، وكان حينها التوسع في المستعمرات دليل على قوة الدول المستعمرة ونفوذها ومع وجود المستعمرين لم يكن ابن الوطن راضيا أبدا لأنه كان محروما من خيرات وطنه وفوق ذلك حرمانه من الإحساس بكينونته وذاتيته وكرامته فهم جميعا جعلوه مسلوب الإرادة .
شعبنا الارتري وبالرغم من الابتلاءات والمحن التي تعرض لها إلا انه مضى على مسار واحد لم يتغير ولم يتبدل وظل متمسكا بوحدته كشعب وتمسك بأرضه بحدودها لا تتجزأ ولا تنقسم ، فلم يقبل بالانضمام إلى إثيوبيا أو السودان نظرا للارتباطات والامتدادات العرقية والثقافية ولم يستجيب لكل عوامل الفرقة والنزاعات التي حاولت أن تجعل من الدين ذريعة للافتتان والاقتتال فحكماء ارتريا وعقلاءها كانوا دوما حاضرين ويعالجون كل تلك المشاكل بطرق عقلانية .
إن ما جعل شعبنا يرفض كل عوامل التقسيم والتجزئة ليس إلا وشيجة الانتماء إلى ارض الوطن التي فيها ومعها ذابت كل الفوارق وشكلوا شعبا واحدا يعتز بتراثه ويعتز بانتمائه ولذا السبب ثورته المسلحة انطلقت واستمرت لان كل الارتريين يتمتعون بروح الانتماء لهذا الكيان وبالتالي تنامي لديهم الاستعداد لبذل كل التضحيات رخيصة من اجله .
فكل الشواهد خلال تلك الحقب الزمنية أكدت شيئا واحد وهو أن هذا الشعب رغبته موحدة وهو الاستقلال وفهمه للاستقلال أتى من خلال معاناته مع المستعمرين وبالتالي الجميع يريد أن يعيش حرا في وطنه يريد أن يكون سيدا في وطنه يريد أن يتمتع بخيرات وطنه كل الشعب يريد أن لا يرى أجنبيا يحكمه أو وطنيا يتسلط عليه فالشعب حر يرفض الإذلال بطبعه ولديه الاعتزاز بالذات ويقدس كرامته فلا يرض بالإذلال والامتهان .
ومن خلال التتبع للسياق التاريخي يتأكد لدينا بان عقلاء ارتريا وحكماءها استطاعوا حل كل إشكالاتهم بحكمة وبتجرد ومن رغبة أكيدة بإيجاد الحل وثقتهم في أنفسهم بأنهم قادرين على ابتداع الحلول والسبب
وراء ذلك يعود بأنهم كانوا لسان حال الوضع القائم يتأثرون به ويعيشون المعاناة ولا يريدون للمعاناة أن تصل إلى بؤسها ولا للمشاكل أن تتعقد وكان لديهم الحرص على سلامة شعبهم ووطنهم ولم يكونوا على أية حال في حاجة أن يبحثوا عن حلول مستوردة ، وبحق ارتريا كانت في فتراتها ما قبل الثورة وأثناءها تتمتع بوجود رجال ونساء قلبهم على الوطن ونبضاتهم هي نبضات الشعب بكل تعبيراتها حزنا وفرحا في الرخاء والشدة .
في حقب الثورة نجد أن المسار الوطني كان حاضرا فهدف التحرير هدفا لم يكن موضع نقاش ونيل الاستقلال أصبح مطلب الجميع وان تحقيق ذلك يتم بسواعد الجميع كان موضع إجماع وتحولت الإرادة الوطنية الجمعية إلى عمل يترجم على الأرض من خلال الصفوف التي تراصت في لحمة وطنية مع وجود المجموعات الارترية بمختلف انتماءاتها الدينية والأثنية واللغوية والمناطقية لكن هذه الاختلافات لم تكن لها حضور وتأثير سلبي بحيث تحدث شرخا في الجسم الوطني ، هذا لا يعني نفي وجود إشكالات صاحبت مسار الثورة والكفاح المسلح ولكن في معظمها تعود أسبابها إلى طموحات وتطلعات شخصية أو جهوية في تبني لأفكار أيدلوجية محاولة أن تكون ملهما للثورة وتوجهها ، وفي كل حين يشتد فيها الخلاف كان البحث في الوحدة قائما ومطلبا ملحا لنجاح الثورة وتحقيق أهدافها .
بعد التحرير وفي باكورة أيامه تم الخروج عن المسار الوطني بدلا من تأسيس دولة على غرار التصويت للاستقلال بتضافر كل الارتريين وجهودهم والتعبير عن ذواتهم من خلال نظام يعبر عن حقبة ما بعد التحرير سارت الأمور على غرار ما كان من التشظي الذي صاحب تجربة الثورة بالميدان ، فبدلا من الشروع إلى دعوة كل الارتريين لبناء وطنهم والمشاركة في تأسيسه لوطن يبقى للأبد لكل الأجيال يسع الارتريين جميعا ، وليجتمعوا بعد الشتات ويأتلفوا بعد الفرقة والشقاق يجمعهم وطن واحد ودستور يجمعون عليه وقيادة تأتي برغبة الجماهير تسعى لتحقيق أهداف الجماهير تستجيب لمطالبها وتكون محل مساءلة أمامها .
بدلا من كل ذلك سعت قيادة تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا إلى تأسيس ارتريا تبعا لهواها ويلبي تطلعات قيادتها وانفردت بالسلطة وصار ما آلت إليه البلاد اليوم من انهيار وانحدار ولم تكن وفق تطلعات أبنائها وأمانيهم وأحلامهم ، ويجدر بالذكر بأنه كانت هناك دعوات تطالب بتمكين الدستور وقيام المؤسسات وتصدرت لها قيادات لها وزن في تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا أطلق عليها G15 ولكن تم إسكاتها وزجها في المعتقلات.
وفي مرحلة مقاومة النظام سعيا إلى تصحيح المسار والعودة للشراكة الوطنية في بناء الوطن وتأسيسه على أسس متينة تسمح لبقاء الوحدة الوطنية محافظة على الاستقلال والسيادة وتكون دعامة لنمو واستقرار وسلام مستدام ، قامت العديد من التنظيمات والأحزاب منها من هو امتداد لمرحلة الكفاح المسلح ومنها من تأسس على مظالم وأوضاع ناتجة بعد الاستقلال ومنها من انشق عن النظام لم يرضى بما آلت إليه التطورات فيما بعد استلام الجبهة الشعبية للسلطة وانفرادها به .
كل هذه التنظيمات ظلت ولفترات طويلة تقترب وتبتعد عن المساق الذي درج عليه أبناء ارتريا في نضالهم من اجل استقلالهم وحريتهم بالرغم من هذه المحاولات إلا إن انشغالها بقضايا ليست جوهرية لم يتح لها أن تكون صوتا يسمع حقيقة عن معاناة شعب ومستقبل مجهول مما أدى إلى اللجوء والنزوح والتشرد لمئات الآلاف من الارتريين ، وفي الفترة الأخيرة وخاصة بعد أن اشتعلت جذوة الثورة الشعبية في إثيوبيا وأدت إلى انزواء الوياني عن المركز ثم ما أعقب ذلك من اتفاق السلام في 2018م واحتد النزاع بين المركز وإقليم تجراي ونتج عنه اندلاع حرب ، وهنا ظهرت مشكلة لدى الارتريين لم تكن من قبل حتى وان بدت ضعيفة في أربعينيات القرن الماضي ألا وهو الانتماء إلى خارج الحدود الارترية اتكاء على العرق والثقافة والدين مما يعد خروجا مكشوفا وممجوجا عن المساق الوطني الذي حقق به الشعب الارتري الاستقلال وعليه يتم الاعتماد في تجاوز الأزمة الحاصلة في ارتريا وانتصار قوى التغيير .
الآن نحن في مشكلة عويصة وأزمة تضرب في عصب الثقة التي أصلا كانت مترهلة أو متآكلة فالعودة وبالسرعة الممكنة مطلوبة قبل فوات الأوان إن وحدة الوطن والشعب والتاريخ المشترك والمصير الواحد هو المساق الذي عليه تتم كل النضالات متسقة ومنسجمة مع المساق الوطني من اجل التغيير والحفاظ وديمومة ارتريا مستقلة وشعبها يتمتع بسيادته على أرضه ، فارتريا التي ناضل أبناءها وحققوا استقلالها عبروا به عن وحدتهم ومقدرتهم على أن يعيشوا معا في هذا الكيان العزيز وهم الأقدر ألان على حمايته وتشكيل الحياة التي تروق لهم وتوريثه للأجيال مهما طال الزمن ولا يحتاجون إلى الارتماء في أحضان الغرباء متعجلين في التغيير أو خوفا على المصير ، فالغرباء مهما تلونت ألسنتهم وحاولوا استمالة بعضنا إلا أنهم في نهاية المطاف لهم مطامع ومطالب ستتبدى متى ما ضعفنا وفرطنا في وحدتنا .
حزب النهضة الارتري للعدالة – مكتب الإعلام والاتصال 17/11/202
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46000
أحدث النعليقات