قتل الحصان وتكلفة التغيير
فتحي_عثمان
راج في الأيام الماضية ادعاء يقول بما أن ثمن التغيير في ارتريا باهظ، وبما أن المعارضة عجزت عن دفعه في الثلاثين عاما الماضية، فالأولى الآن الاعتماد على تغيير أقل تكلفة وهو “التغيير بيد النظام”.
ويأتي ادعاء “تكلفة التغيير” هذا في مسعى شامل لتبرير وتقديم فكرة أن التغيير إذا جاء على يد النظام فمرحبا به لأنه قليل التكلفة وينقل الفعل من يد المعارضة العاجزة إلى يد من “يهمهم التغيير” وأنه إضافة إلى ذلك سيجنب البلاد الويلات والشرور.
مقدمة هذا الطرح هو الدق المستمر على فكرة واحدة وهي أن “المعارضة فشلت” وتناولها من عدة زوايا وعدة أشخاص في نفس الوقت؛ وبعد المقدمة تأتي فكرة أن البديل هو ليس في تغيير الأدوات أو الأهداف؛ بل إطلاق رصاصة الرحمة على الحصان وفتح أبواب العودة للوطن.
تقسم الأدوار بين أصحاب هذا الطرح على مهمتين: الأولى هي التأكيد المستمر على فشل وعجز المعارضة (دون طرح بديل لضمان تسليط الضوء على فكرة الفشل). والثانية هي تقديم البديل القائم على فكرة “تكلفة التغيير” غير المحتملة. والمصب النهائي للمسارين واحد وهو: بما أننا عجزنا عن التغيير فلنتجاوزه إلى ما هو “مستطاع” بناء على انتهازية سياسية تعتمد على أسلوب “انتهاز” الفرصة المتاحة حتى لو جاءت من الشيطان.
وفي هذا السياق يظن بعض الأخوة أن تناول هذا الشأن “يصرف عن النظر العميق في قضايا المعارضة”، ولكن على العكس تماما؛ هذا التناول هو في صميم نقد وتقويم العمل المعارض وبيان علله واختلاله. لسبب أساسي وهو لو لم تفشل وتعجز المعارضة لما برزت أصوات تدعو إلى التصالح مع الطغيان بفكرة “نحن أبناء اليوم وعفا الله عما سلف”. لأن هذا الطرح الذي يحسب أنه “يصلح” هو أحد “ظواهر” فشل وعجز المعارضة.
في أكثر من مقال وحديث سابق تناولنا موضوع هدف المعارضة، وقلنا بأنه إذا كان هدف المعارضة هو (تغيير النظام) فإن هذا الهدف التكتيكي وليس الاستراتيجي هو سبب أزمة المعارضة. فمن ناحية التقلبات السياسية يمكن للتكتيكي أن يتحول إلى استراتيجي والعكس كذلك. في البيئة السياسية يمكن لفكرة “النظام الإصلاحي” أن تعيش وتتنفس.
أما إذا كانت فكرة المعارضة هي احداث تغيير مجتمعي جذري وبنيوي “يتضمن” فيما يتضمن تغيير النظام “كأحد” المطالب وليس “كل المطالب”؛ فقط هنا تتحول المعارضة إلى مقاومة.
لماذا هذا التحول مهم؟
لأنه ببساطة لا يسمح لأفكار مثل فكرة “تكلفة التغيير” بالظهور، ويستبدلها بمبدأ “مسئولية التغيير” والفرق بين المفهومين جوهري وحاسم.
التكلفة هي حساب “نفعي” بذهنية تجارية سياسية تقوم بحساب وتقدير ثمن شيء مقابل آخر (التخلي عن مبلغ ما مقابل سلعة أو خدمة ما).
على سبيل المثال، إن تكلفة الانفاق على أسرة ما ليست هي بالتأكيد نفسها تحمل “مسئولية” هذه الأسرة. ففي الحالة الأولى يمكن للأب المطلق المهمل والقاسي، ونتيجة عدة إكراهات اجتماعية وقانونية، تحمل “تكلفة” إعاشة الاسرة، ولكن ذلك لا يعنى أبدا “مسئوليته” عن تلك الاسرة. وهنا يكمن الفرق الحاسم.
الانتقال من فكرة “تغيير النظام” أو إصلاحه تتضمن بالضرورة “مسئولية” تفرض العمل على عدة مستويات، واحد منها فقط هو المستوى “السياسي” وليس هو بالضرورة، أيضا كل مستويات العمل.
وأزمة المعارضة التي تحصر نفسها في الهدف السياسي المتمثل في “تغيير النظام” تؤجل كل مهامها “ومسئولياتها” إلى مرحلة “ما بعد تغيير النظام” وهنا مكمن كل العلل والأمراض. وتجاوز هذه الحالة من النكوص هي التي تنقل المعارضة إلى حالة المقاومة والتي هي “مسئولية مجتمعية” قبل أن تكون “هدفا سياسيا”.
السؤال يتبلور: كيف يتم الانتصار في ظل غياب المقاومة؟
عدم المقاومة يعنى غياب الانتصار وغياب الانتصار يعنى الهزيمة التي تعبر عن نفسها بالأطروحات التي تتهرب من مسئولية التغيير بحجج “تكلفة التغيير الباهظة”.
ويسألونك: “لماذا تركت الحصان وحيدا”!
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46763
أحدث النعليقات