لا تهتف بالتخوين .. الفراغ مشغول!
بقلم الأستاذ ؛ محمود إيلوس.
هذه مقولة ستنطبق علينا .. نحن الغائبين .. لا تهتف بتخوين برقيد نحمدو وأنت تهجر بيتك ليسكنه الجن . لم تتشكل مقاومة سياسية حقيقية تعارض نظام أسياس أفورقي .. حتى الآن.. ومثل ذلك لم يتولد تنظيم سياسي إرتري طرح رؤية وتصورا شاملا لإرتريا كلها ، لم يتشكل بديل سياسي متكامل يطرح رؤية كلية بديلة لفكرة نظام الحكم الفاشل.كلما طرح هو اجتزاء لقضايا عامة بشكل متفرق ؛ كل تنظيم يطرح قضايا آنية تتوافق مع الشعارات والهتافات المرحلية . بناء سياسي هش سرعان ما يتشقق في بداية الطريق.
من كان بالأمس ينقاد لاوامر وياني تغراي التي حكمت إثيوبيا لعقدين متتاليين في نهاية القرن المنصرم ؛ هاهو اليوم يتولى إشاعة تخوين المجموعات الغاضبة ضد النظام الإرتري ؛ ويتولى مشروع التخوين نيابة عن أسياس أفورقي . إن عملية البيع والشراء الرخيص في الوطنية والانتماء الوطني سبق مشهود به لنظام أسياس افورقي لاغتيال اي مبادرة محتملة ؛ النظام الذي يقتل الرجال في السجون ويقتل المبادرات بإشاعة التخوين والعمالة الأجنبية ؛ ويسخر في سبيل ذلك جلادين ومنتظرين مرحليين.
رضينا أم أبينا برقيد نحمدو يملئون الفراغ ويصنعون الحدث ثم يجتذبون الإعلام العالمي لينقل نشاطهم على أرض الواقع ؛ بل وليتساءل عن النبأ العظيم الذي قادهم وكسر قيودهم وفجر أوضاعهم.
الأحداث التي شهدتها إسرائيل خلال اليومين السابقين من مواجهات عنيفة بالعصي والحجارة ضربا مباشرا في شوارع تل أبيب بين المجموعات الشبابية من برقيد نحمدو وأنصار النظام المتهالك في إرتريا ؛ كشفت تماما أن العنف لم يكن منشأ برقيد نحمدو فحسب وانما عنف مشترك بين الطرفين ، ومتى كان أنصار أسياس أفورقي يحملون قوامة السلام ، بل هم أشد قسوة وأشد ظلما .
لقد اعتقلت الشرطة الإسرائيلية العشرات من الطرفين اثناء المواجهات .. قد تثبت تلك التحقيقات الأصول الوطنية التي ينتمي إليها كل فرد منهم .
لقد نشر السيد تسفاطيون (عميد الأقعازيان) فيديو يتحدى فيه برقيد نحمدو أن تكون لهم قائمة وظهورا في إسرائيل ؛ بعد ان حسمهم أبناء حماسين في تلك البلاد في فترات سابقة.. حسب ما يقول.. فجاء الرد عاجلا وعنيفا وصادما.
كذلك فعل (المخوفاتية) أصحاب الهتاف والوعظ السياسي المغلف من وعيد قادم من بين يدي برقيد نيحمدو ، وهم يعيشون وهما آمنا يأتي من بين يدي نظام أسياس أفورقي .
هذه الأحداث التي قادتها برقيد نحمدو على مستوى العالم ضد مهرجانات الهقدف وصلت الى مسامع العالم على المستويين الاعلامي والحكومي الدولي، وهذا سيؤدي الى صعوبة إقامة هذه المهرجانات خلال السنوات القادمة ؛ لأن الرسالة وصلت الى الأجهزة الأمنية الدولية الأوربية وربما كندا والويات المتحدة ، فضلا عن اسرائيل.. لأن هذه المهرجانات ستكون مقرونة بهذه الأحداث والتكاليف الباهظة في تأمينها.
إيقاف احتفالات الهقدف مقابل السلام.. سيكون هو الانتصار الأول لهذه المجموعة .
وأنا أدرك طعم الإنتصار بالمماثلة. كذاك الانتصار الذي شعر به الطلاب الإرتريون في احدى المهرجانات الدولية لجامعة إفريقيا العالمية في السودان . فقد اعتادت الجامعة حينا بعد آخر على إقامة مهرجان ومعرض تعريفي دولي تشارك فيه كافة الدولة الإفريقية ودول أخرى خارج القارة ممثلة بطلاب في الجامعة. يسمح لكل دولة بعرض لوحات تعريفية مضغوطة في مساحة صغيرة.
ونحن .. الطلاب الإرتريين .. حوالي 200 طالب وطالبة.. رغم أننا لانعد دولة مستقلة؛ اقنعنا الإدارة بضرورة تمثيل إرتريا في ذلك المهرجان ؛ فكانت لوحاتنا تحمل صورة مكبرة لجندي يسقط طائرة حربية.
قبيل افتتاح المهرجان بواسطة رأس الدولة السودانية واصطفاف جميع السفراء ؛ تسلل أحدنا الى قاعة المعرض فاكتشف بغياب المعرض الإرتري فغضب الطلاب الإرتريون رغم هدوئهم المعهود ، هاجوا وكادوا أن يحدثوا شغبا ضد الإدارة المنظمة .. لا أحد منهم فكر في مصيره المستقبلي .. فقط رفض تغييب إرتريا.. هنا اسرع أحد القيادات الإدارية للمهرجان بالاجتماع بالطلاب الإرتريين واخبرهم بأن مدير الجامعة دخل الى القاعة قبيل دخول السفراء وأمر بإزالة المعرض الإرتري والمعرض الإثيوبي معا؛ منعا من الشكوى الإثيوبية المعهودة على حضرة سفير إثيوبيا في المعرض ؛ على أن يتم اعادة المعرضين بعد الافتتاح ومغادرة السفراء والرسميين.شعرنا بسعادة عميقة.. العدالة.. والمماثلة .. شعرنا بانتصار كبير.. غيابنا مقابل الغياب الإثيوبي .. وقضينا اسبوعا حافلا ونحن نشرح قضيتنا في قاعة المعرض لأعداد كبيرة من الناس .. وتلك الصورة ظلت مصدر إلهام لجذب الناس إلى معرضنا.
اذا تمكن المشاغبون من برقيد نحامدو من تعريض مهرجانات التسول السنوية الى العرقلة والمنع فقد انتصروا في جولتهم الاولى.. إذ السياسة او المعارضة .. ليست ثابتة انتصارا او انكسارا.
المطلوب من قيادات الكيانات السياسية الإرترية التي كانت تدعي معارضة النظام أن يعتذروا للمجتمع الإرتري عن الغش والمخادعة السياسية ، عن الوهم الذي دفعوا به الى الساحة الإرترية ؛ عن وعدهم الكاذب .. الذي دفع بالأبرياء الى التضحية بالنفس والمال ؛ من لدن بقية جبهة التحرير الإرترية ومرورا بمتفرقات حركة الجهاد التي خدعت المسلمين بقدوم الدولة الإسلامية في إرتريا وعرضت الشباب لتهمة الانتماء والتبرير بالزج بهم الى السجون الأبدية لنظام الحكم الإرتري الظالم. بل وان يعتذروا عن تخاذلهم الحالي الى درجة يشكل حقبة محايدة لصالح دعم النظام الحاكم .
من حق الشباب الإرتري ، أن يتخوف من برقبد نحمدو ؛ حتى لا تتكرر على يديه تجربة الانهيار الذي قادته الجبهة والجهاد ؛ وعودة الظلم التغريني الإرتري عشية استقلال إرتريا على وتر تغراي الكبرى .. تلك العشية التي حملت مشروع تغرنة إرتريا وتمشيط الفكر الثقافي المحتمل بالاغتيال والسجن والتهجير.
هذا الجيل الذي قرأ تاريخ الثورة بشكل مرتبك وعاش تجربة دولة مرهبة وطاردة ومعارضة متفتتة غارقة في فتنة القيل والقال.
من حق هذا الجيل أن يتخوف من برقيد نحامدو وهي تتفجر عقب هزيمة وياني تغراي ابان الحرب الإثيوبية الإثيوبية وفي ظل تطاول عناصر تغرواية على مقام الوطن الأبي .. إرتريا.
على هذا الجيل الإرتري المتعلم أن يغير منهج التفكير ويقرر المصير وفق آليات تقييمية صحيحة .
عد الى الميدان واشغل الفراغ .. فكر افضل مما يفكرون واحضر اكثر مما يحضرون .. فإن كانوا يموتون من أجل إرتريا ويعارضون النظام الظالم فمرحبا ، وان كانوا يقاتلون من أجل تغراي فسيذهبون فورا الى المذبلة كما ذهب الاستعمار الإثيوبي كله.
الغياب وهتافات التخوين المنازلي هو أخطر سلاح لقتل القضية الوطنية.
الهتَّافون بالتخوين هم خدام متطوعون لنصرة نظام أسياس افورقي الظالم.
مقال محمود ايلوس
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46887
احسنت وصدقت يا استاذنا الفاضل. النقد والتباكي من الهامش لن يجدي.