محمد على حفيد لبوة كريمة.
بقلم / محمد ادم اللولا
ياأيتها النفس المطئنة , ارجعى الى ربك راضية مرضية , فادخلى فى عبادى , وادخلى جنتى.
صدق الله العظيم.
البارحة رُزِئنا بوفاة بن عمنا المناضل الكبير محمد على إدريس صالح – اللولا – فى اسمرا عن عمر ناهز الثمانون عاما. نسال الله له الرحمة والمغفرة، وان يجعل الله نضاله الطويل، وتضحياته الجسيمة من اجل حرية شعبه، ووطنه فى ميزان حسناته. وان يلهمنا نحن أهله ومحبيه ورفاق دربه الكرام الصبر وحسن العزاء. ويطرح البركة فى ذريته الكريمة الأستاذ عادل وإخوته.
وهب محمد على كل عمره؛ شبابه وكهولته وأفناه راضيا حتى مماته فى عمر الشيخوخة، خدمة للقضية الوطنية. إذ إلتحق بالكفاح المسلح، فى عام 1968وهو فى ريعان شبابه. وظل مقاوما مقاتلا جسورا الى أخر أيام حياته. كان صاحب مبدأ ثورى لن يحيد عنه؛ فلم يهادن أبدا فى مواقفه الوطنية، ولم يتودد لأحد من أجل مكسب مالى أو جاه إجتماعى. بل ظل جنديا مجهولا يعمل بصمت، وتفان لا حدود له حتى وفاه الأجل.
محمد على سليل عائلة عرفت بالمقاومة والعناد للغزاة. وهى تمجد على الدوام سير مناضليها العطرة . وتغرس قيم الجهاد فى روح وعقول ناشئيها؛ وهو قد تشبع فى مهده بمثل قيم النضال العليا من عائلته. فجده الكبير سليمان اللولا حمل السلاح فى وجه عصابات إقطاعى تجراى. وشكل حاضنة ثورية للمقاومة الشعبية فى عرينه جبال ” عقمبسا ” و ” عقمدا ” وقمة جبل ” قدم ” العاليه؛ فآوى المقاوم المعروف ” بهتا حقوص” عندما تمرد على ممثل ” هطى يوهنس ” وصفاه جسديا.
ولما غزا الطليان إرتريا قاومهم جده بالسلاح. فزجوا بجدته الكبيرة ” بخيتة دلكنة ” فى سجن بمصوع مع أطفالها الخمسة؛ لمساومة زوجها ليلقى سلاحه. ويعرف ان جدته كانت إمرأة شجاعة لم تش بزوجها الثائر، وهى تُعد من أوائل النساء الإرتريات اللائى زج بهن فى السجون الإيطالية؛ كرهائن لتطويع المقاومة الشعبية بإخماد جذوتها. ويذكر انها اضربت عن الطعام، وإمتنعت عن النوم؛ وهذه سابقة تأريخية تَنُم عن الوعى والذكاء، وذلك إذا لم يستجيبوا لمطالبها المشروعة وهى:
- توفير الطعام البلدى لأبنائها والمتمثلة فى مخبوزة تنور ساخنة ومن عجينة الذرة مع حليب بقرة طازج؛ إذ انهم عَفُوا طعام الطليان فى السجن.
- ان يحضروا لها ” جدالة ” تمشط لها شعرها الطويل وتجدله. ويجلبوا لها فرشها ووسادتها ” مترأسيت “.
وظلت صامدة على إضرابها المفتوح حتى إستجابت سلطات السجن على مطالبها البسيطة!
كان محمد على يتمتع بروح مرحة. يمازح الناس بخفة الدم ويطلق النكات الساخرة. وكان يمتاز بتفكير عقلى متقدم على أقرانه؛ يؤمن بالمساواة بين الناس. ويُعرَفُ عنه انه كان شديد الايمان بالزواج على أساس الحب والرضا بين الزوجين كان متمردا على العادات والتقاليد المحطة لقيمة المرأة. ولم يكن يؤمن بالمطلق ببعض المعتقدات الشائعة فى مجتمع القرية؛ كتحول الإنسان الى ” الجنى ” أو إلى كائن شرير يأكل البشرأو يتلبس روحهم. وكان يتمتع بذاكرة مُتَقدة يحفظ الكثير من النوادر القيمة. ويَعرف الكثير من الأنساب والروابط العائلية. كانت تربطنى به علاقة متميزة؛ إذ كان يعاملنى معاملة الصديق رغم فارق السن بيننا. كان يحدثنى دائما عن عائلتنا؛ وعن تأريخ شهداء أجيالها الأماجد. كان فخورا بتضحياتهم جميعا؛ وبالأخص عميه المناضلين اللذين تقدما صفوص الحركة الوطنية مبكرا؛ ودفعا ثمنا باهظا من حريتهما بشجاعة وصبر؛ وهما عمه الحاج عثمان اللولا الفقيه المتميز، والمناضل العنيد الذى قضى قدرا من الزمان فى السجون الإثيوبية؛ دفاعا عن حرية شعبه ووطنه. وكان إفتخاره عظيما بجسارة عمه صالح محمد اللولا الذى نذر روحه وأقدم مع ثلة من رفاقه الكرام الى مقامرة تأريخية عظيمة كادت أن تحدث تغييرا جذريا فى المنطقة؛ وذلك بتحرير إرتريا من الإستعمار الإثيوبى وقلب نظام الحكم الكهنوتى فى أديس أبابا. ولسوء حظ شعوبنا المنكوبة كُشف أمر هؤلاء قبل تحقيق هدفهم الوطنى العظيم. وقُبض علي عدد كبيرمن أعضاء حركة تحرير إرتريا بإشباه تورطهم فى المحاولة الجريئة. وجرى تعذيبهم فى اقبية السجون. وثبتت تهمة قلب نظام الحكم الكهنوتى وفصل إرتريا على ثمانية عشر مناضلا تحت التعذيب. ثم تم نقلهم الى سجن ” عالم بقا ” الشهيرتمهيدا لإعدامهم. وكان العم صالح محمد سليمان اللولا واحدا من هؤلاء الكرام البررة.
كان محمد على شبلا من تلكم الأسود الكريمة؛ أجداده وأعمامه وجدته اللبوة الكريمة. عاش حياته فى ميدان القتال ردحا من الزمان ثائرا يفدى وطنه بالروح والدم. وظل يمشى وسط حقوق الغام شائكة. يقفز من خندق الى خندق. ويمخر عباب البحار بلاغطاء حاملا السلاح والمؤن تتقاذفه أمواج المهالك وتتربص به عيون الأعداء الخطرة مع رفاقه ابطال” اليم ” على حد تعبير المناضل بادورى فى كتابه: رحلة فى الذاكرة.
نجا محمد على من الإستشهاد رغم كل مخاطر الهلاك التى أحاطت به؛ فدخل أسمرا فاتحا على رأس مفارز القوات البحرية وظل فى موقعه حتى وافاه الأجل المحتوم فى الثامن وعشرين من ديسمبر2023 ففاضت روحه الطاهرة الى بارئها؛ فواروه أهله ورفاق دربه تراب وطنه الذى احبه وإفتداه.
اللهم أرحمه برحمتك الواسعه وتقبله شهيدا وأحشره مع زمر الأنبياء والصالحين.
اللهم آمين.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47070
أحدث النعليقات