قادة تيغراي من حفرة لدحديرة
فتحي عثمان
أطلقت طنجرة الضغط السياسي في تيغراي صافرتها بسبب الخلافات المتنامية بين جناحي قيتاشو ردا رئيس حكومة الإقليم والمدعوم من أديس ابابا والمناوئين له بقيادة رئيس التنظيم ولد مكئيل دبرصين والرافضين لبعض بنود اتفاق بريتوريا للسلام.
يرفع من منسوب الضغط الإجراءات المضادة ضد الخصوم والتخوين المتبادل وما يتعرض له قيتاشو ردا من مقاومة عنيدة.
نشأت الخلافات حول بعض اتفاق السلام مع الحكومة المركزية خاصة بنود تحويل التنظيم التاريخي إلى حزب سياسي منزوع الأسنان والمخالب وتزيد عوامل أخرى من اتساع هوة الخلافات وتصاعدها.
أن طبيعة الممارسة السياسية في إقليم تيغراي ومنذ السبعينات وحتى اليوم تعكس الانشقاقات الجهوية بين نخب عدوة وأكسوم وباقي محافظات الإقليم وارتبطت هذه الانقسامات بتأييد شعبي أصبحت مرجعيات فاصلة في الخلافات السياسية وهي مرجعيات اعتمد عليها ملس زيناوي والقادة التاريخيين للتنظيم، وهي اليوم تعود للمشهد بقوة.
الأزمة الراهنة لها جذور في طريقة الحرب ذاتها وتمثل ذلك في انعدام استراتيجية كلية للصراع خاصة عند اندفاع قوات دفاع تيغراي نحو العاصمة اديس ابابا، حينها أشرنا في مقال، إلى غياب الأهداف الاسترايتجية من العملية العسكرية الخطيرة وطرحنا أسئلة: هل كانت المبادرة الهجومية تهدف إلى استعادة الحكم في اثيوبيا في ظل كراهية متنامية لكل ما يمت إلى تيغراي بصلة؟ أو أن الجبهة كانت تريد تنصيب حكومة من الدمى تتأمر بأمر مقلي بينما تعرف عمليا استحالة تحقق القبول الدولي لهذه الخطوة؟
تصاعدت أزمة غياب الاستراتيجية من تلك اللحظات وخرجت عن السيطرة في ظل الصراع الراهن، خاصة بعد توقيع اتفاق سلام بريتوريا، فحسب دبرصين والموالين له فإن الموقعين على الاتفاق قبلوا بتغييرات هيكلية في التنظيم ورؤاه ودوره وهو أمر يتجاوز صلاحيات الموقعين.
من المرجح أن تتفاقم الخلافات لتحدث انشقاقات تكتونية طولاً وعرضاً.
بالمقابل وعلى الجبهة الارترية فإن خلاف من هذا النوع يمثل مكسباً مهما- وإن جاء كذلك لصالح أبي احمد؛ فبينما ترغب اديس ابابا في انتصار التيار الموالي لها في مقلي، تتمنى حكومة اسمرا أن يعصف الخلاف بالجانبين معاً. ولهذا الرغبة الدفينة ما يبررها خاصة في ممارسات تيغراي السابقة، خاصة عند تذكر التلميح الذي أشار فيه السفير برهاني جبركرستوس إلى ان حكومة تيغراي كانت تتمسك ببادمي كورقة ضغط ضد ارتريا في خرق واضح لاتفاق الجزائر وفي تعنت واضح إزاء رغبة الشعب الارتري.
إذن ليس من المستغرب أن تؤدي خلافات ما بعد الحرب إلى خلافات بين قادة جبهة تيغراي، بل المستغرب حقاً اتجاه بعض مثقفي تيغراي وبعض الارتريين كذلك إلى وضع العربة أمام الحصان، مرة أخرى، بطرح الأسئلة الخاطئة، من قبيل لماذا لا يتحد الارتريون والتقارو؟
وإجابة السؤال، كما تطوعنا بها من قبل، هي أن الشعب الارتري يحتاج أولاً إلى “امتلاك زمام أمره” ليبت في القضايا المصيرية التي تعنيه حاضرا ومستقبلا، وما لم تتوفر له الإرادة السياسية الكاملة والحاسمة فإن البت في القضايا المصيرية يعد ترفاً لا يخاطب القضايا الجوهرية للأمة.
أما بخصوص “مساعدة” الارتريين لتولي زمام أمرهم فهذا ما لا يسمح به الواقع (بعيداً عن الحسابات السياسية العاجلة وقصيرة النظر)؛ فأي شراكة في التغيير في ارتريا ستكون عالية التكلفة اليوم وغداً. خاصت إذا كانت هذه المساعدة تعني “إراقة الدم” إلى جانب الارتريين في صنع مستقبلهم؛ وبما أن الدماء لا تدفع مجاناً، فإن الثمن الذي سيطالب به الدافع سيكون فوق طاقة أي حزب أو تنظيم أو مجموعة ارترية وسترهن المطالب المستحقة مستقبل البلاد للأباعد.
في وهدة الدحديرة الحالية سيكون الأوجب قياس قطر الدائرة تأملاً في الخروج بدلاً من الأسئلة المترفة. ما ستسفر عنه مقبلات الأيام سيكون مهماً للمنطقة مما يستوجب تذكر دروس الماضي القريب، ويبدو أن لعنة البوربون الذين لا ينسون شيئاً ولا يتعلمون شيئاً لا تستثني احداً من سياسي القرن الافريقي المكلوم.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47198
أحدث النعليقات