عبد القادر ميكال: وداع الأخ الكبير وصاحب القلب الواسع
نقلا عن موقع الاخ عبد الرزاق سعد الله على الفيسبوك
حين يغيب عن هذه الدنيا رجل بحجم عبد القادر ميكال، لا نودع انساناً فقط، بل نودع قلبًا نابضًا بالحب، وروحًا حملت في أعماقها كل معاني النبل والكرم. فقد كان عبد القادر أكثر من مجرد صديق، كان أخًا كبيرًا، أبًا للكل، وجسرًا من الرحمة يوصل بين القلوب، وبانيًا لجدران المحبة بين الناس.
رجلٌ يجمع ولا يُفرق
عرفته أول مرة في القاهرة، مدينة الألف مئذنة، حيث كان بيته بيتًا لكل من تقطعت بهم السبل أو باعدت بينهم المسافات وأهلهم. كل رمضان، كان عبد القادر وزوجته الكريمة يستقبلوننا بوجوه مشرقة كالشمس، يفرحون بمن حضر، ويتفقدون أحوال الجميع، فلا أحد كان يغادر داره إلا وقد شعر بأنه بين أهله وناسه. كان مجلسه مدرسة في الأخلاق والكرم، وكأن لسان حاله يقول كما قال جبران خليل جبران: “الكرم ليس أن تعطيني ما أنا بحاجة إليه أكثر منك، بل أن تعطيني ما تحتاج إليه أكثر مني.”
ع
كان عبد القادر يربي أبناءه على هذه المعاني النبيلة، يعلمهم أن الكرم ليس بالمال فقط، بل بالوقت والروح والكلمة الطيبة. وكان دائمًا يقول لنا: “هذا هو خلُقنا، وهذا هو عملنا.”
علم
صاحب مبدأ لا يتزعزع
لم يكن عبد القادر من الذين ينحنون للرياح أو يبيعون مبادئهم. كان جبهة حقيقية لا تعرف التردد ولا التذبذب، عاش نضاله بكل صدق، وكأنما كان يردد في حياته كلمات الشاعر محمود درويش:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة: صراخ النضال الأول، صوت أمي، وإرث لا يُفرّط فيه.”
قصائده كانت تشهد على ذلك، قصائد تفيض حبًا للوطن وقضايا الأمة. لم تكن مجرد كلمات تُلقى، بل صرخة وعي ونور يهدي كل من استمع إليها. في أمسياته الأدبية التي جمعت نخبة من المثقفين، كان عبد القادر روح المكان وعقله، سواء في داره أو في دار الصحفي الكبير محمود أبو بكر.
ما زالت ذاكرة تلك الأمسيات محفورة في القلب، حيث كان الفن والأدب يتمازجان بالنضال، وكان عبد القادر يفتح بيته ووقته للمبدعين، يشجعهم ويدعمهم، ويُشعل فيهم جذوة الإبداع.
عطاء بلا حدود
عبد القادر ميكال لم يكن مجرد شاعر أو مضيف كريم، بل كان مدرسة في العطاء. تجد حضوره في كل مكان، في ساحات الإبداع، في منابر النضال، في الفنون الهادفة التي تحمل رسالة أمل وتغيير. كان يقول دائمًا: “الإبداع الحقيقي هو الذي يترك أثرًا للأجيال القادمة.”
وحين يقال إنه إريتري الأصل سوداني الطبع، فإن هذا القول ليس مجرد وصف، بل شهادة حق. فقد جمع في شخصه أصالة الإريتري وكرم السوداني، وتسامح الإنسان الذي يرى في الجميع أهله وإخوته.
رثاء من قلب حزين
اليوم، نودع عبد القادر، لكننا لا نودع ذكراه. وكما قال الله تعالى:
“إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ” [يس: 12].
فآثار عبد القادر باقية، في كل قصيدة كتبها، في كل قلب ساعده، وفي كل لحظة جمع فيها الناس على الخير والمحبة.
وكما قال النبي ﷺ: “إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” [صحيح مسلم]. فإن عبد القادر جمع الثلاثة معًا، صدقته كانت عطاؤه الدائم، وعلمه كان في كلماته التي علمت الكثيرين، وأولاده هم الامتداد الذي يحمل رسالته.
دعاء صادق من أخ لأخيه
اللهم، إني أشهدك أن عبد القادر كان عبدًا صالحًا، محبًا للخير، جامعًا للناس على طاعتك.
اللهم اغفر له وارحمه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
اللهم اجعل كتابه في عليين، واغفر زلاته، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد.
اللهم اجعل من ذريته من يكمل دربه في الخير، وألهم أهله الصبر والسلوان.
اللهم اجمعنا به في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ختامًا: الموت لا يغيب الكبار
قال المتنبي:
“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ.”
عبد القادر كان من أولئك الذين غامروا في شرف الكلمة والعمل الصادق. واليوم، إذ نودعه، نقول كما قال الشاعر:
“لا يُطفئ الموتُ نورَ العظماء، بل يزيدهم ألقًا في ذاكرة الأجيال.”
وداعًا يا عبد القادر، الأخ والصديق، والشاعر والمربي. وداعًا أيها النبيل الذي سيظل حيًا في قلوبنا مهما غابت ملامحه عن أعيننا.
عبد الرزاق سعدالله
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47384