“جمهورية إريتريا الشمالية” — بين وهم التغيير وتكرار الإخفاقات
النخب
الحلقة 149:
تحليل: ابسلاب إرتريا

المقدمة
في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها المجتمع الإرتري، ظهر مؤخرًا بيان عبر منصة فيسبوك يعلن عن كيان جديد باسم “جمهورية إريتريا الشمالية”، مدعيًا الانبثاق من تنظيم يُسمى “الجبهة الديمقراطية للتحرير – جِدْلَه”. هذا البيان أثار حالة من الجدل بين المتابعين، لا سيما في ظل غياب معلومات دقيقة عن هوية القائمين عليه، أو رؤيتهم، أو موقعهم الجغرافي، أو حتى وجودهم القانوني، مكتفيًا بعنوان بريد إلكتروني مجاني (gidla.modayna@gmail.com).
هذا المقال يطرح تساؤلات منطقية حول طبيعة هذا الكيان، أهدافه، ودوافعه، في ظل مشهد سياسي أصبح يعاني من تخمة “الحكومات في المنفى” والتنظيمات التي لا يتجاوز عدد أعضائها أصابع اليد الواحدة.
أزمة التغيير: ما بين الحاجة والمغالطة
ما ينبغي إدراكه – بعقلانية ومسؤولية – أن قضية التغيير الوطني في إرتريا لا تكمن في كثرة التنظيمات أو إعلان أسماء رنانة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل في عمق الفكرة، وواقعية المشروع، وشرعية التمثيل. لقد أصبح الشعب الإرتري، وخاصة فئاته الشبابية، في حالة من السأم والإرهاق النفسي بسبب تكرار ذات السيناريوهات: رئيس جديد، ووزراء، وجنرالات… لا أحد يعرفهم، لا أين يقيمون، ولا من يمولهم، ولا كيف يخططون.
أصبحنا نسمع يوميًا عن مبادرات وكيانات لا يُعرف لها أصل أو برنامج، تُعلن وتختفي دون أثر، وكأنها صدى صوت في فراغ إعلامي وسياسي. والمؤلم أن أغلبها لا يملك مقومات مشروع وطني حقيقي، بل يعتمد على تكرار نماذج فشلت مسبقًا في استقطاب الناس أو تحقيق أي إنجاز يُذكر.
كان الأولى بجمهورية “إريتريا الشمالية”…
لو كان القائمون على هذا البيان يملكون فعلاً رؤية وطنية مختلفة، لكان الأجدر بهم أن يُقدموا مبادرة تنبع من فهم واقعي للمشهد الإرتري، تقوم على قراءة معمقة للتحديات الحالية، وتسعى لبناء توافق وطني، لا لإضافة مزيد من التشتت.
كان يمكن أن يكون هذا المشروع فرصة لتقديم خطاب جديد، يستهدف الشباب بلغة العقل والواقعية، ويقترح حلولًا عملية قابلة للتنفيذ، بعيدًا عن الشعارات الخاوية والتضليل الإعلامي. لكنّ اختيار نهج الغموض، وإعادة تدوير مفاهيم التحرير بأسلوب تقليدي، يضعف فرص القبول ويغلق أبواب الحوار قبل أن تُفتح.
حقائق ومعطيات
- لا يوجد كيان سياسي أو قانوني يُدعى “جمهورية إريتريا الشمالية”، لا في الخرائط الدولية ولا في أي وثيقة رسمية.
- الصفحة الناشرة للبيان على فيسبوك حديثة ولا تضم أي تفاعل يُذكر، ولا تتبع لأي مؤسسة موثوقة.
- استخدام بريد إلكتروني مجاني ومجهول، وتغييب العنوان الجغرافي أو بيانات الاتصال الحقيقية، يعكس ضعفًا تنظيميًا ومؤسسيًا جوهريًا.
- عدم وجود أي تغطية إعلامية أو تحليل صحفي مستقل حول المبادرة يؤكد هشاشتها.
الدوافع المحتملة
قد تكون هذه المحاولة واحدة من أدوات تشتيت الانتباه، أو اختبارًا لردود فعل المجتمع على مشروع افتراضي، وربما تكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتفكيك وحدة الصف الإرتري في الشتات، أو زعزعة ثقة المواطنين بمفهوم المعارضة السياسية ككل.
الخاتمة
التغيير لا يأتي بتعدد الشعارات ولا بكثرة الرايات، بل من مشروع وطني ناضج يتكئ على التحليل والتخطيط والمصداقية. المطلوب اليوم ليس حكومة جديدة على الورق، بل رؤية تجمع ولا تفرق، تنقذ ولا تُضلل، تبني ولا تهدم.
ولعل هذه المبادرة – على ضعفها – تشكّل تذكيرًا بضرورة غربلة المشهد السياسي الإرتري من المشاريع الهشة، والدفع نحو توحيد الجهود في مشروع حقيقي يتحدث بلغة العصر، ويعبّر عن طموحات الشباب وحقوق الشعب في الداخل والخارج.
المصادر
- ويكيبيديا – إريتريا:
https://ar.wikipedia.org/wiki/إريتريا - الصفحة الرسمية لـ “جمهورية إريتريا الشمالية” على فيسبوك:
https://www.facebook.com/61574251275893 - تقرير الجزيرة عن شبكات التضليل:
إلى اللقاء في الحلقة القادمة، …….
ابسلاب ارتريا
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47532