المؤتمر الوطني السابع لجبهة التحرير الإرترية

بقلم : أبو همد حريراي

ABHOMDHRIRY@YAHOO.COM

  إنّ معايير قياس نجاح أي تجربة نضالية طويلة يكون بما لديها من إمكانات وآليات متعددة تمكنها لمواصلة المسيرة مهما كانت عقبات السير فالحق صورته واحدة عند كلّ الناس وهو العدل بمقاييسه المتباينة ودون الإطلاق فالعدل المطلق هو العدل الإلهي ومنه تجتزئ العدالة فيسعى الإنسان المنصف إلي تحقيقها بين الجميع وهذا كان أول مفاهيمنا في الوطن الذي قلنا فيه أنه قالب جامع لشتات متباين دينا متداخل عرقا متفاهم وضعا مؤتلف حبا ومتكامل بتكافله الاجتماعي فبقينا على المسير بذلك ولعل من أبرز سمات تجربة جبهة التحرير الإرترية على البقاء :  

منذ انطلاقتها الأولى كانت لديها القدرة التي توصلها إلى قلب المواطن الإرتري وعقله بجهدها الدؤوب وبسعيها لمعالجة همومه وقضاياه بمنهجية مؤسسة على المصداقية في العمل والتضحية في سبيل المنهج المرسوم للوطن الجامع لشتات فئات المجتمع الإرتري بمختلف مشاربها الفكرية ومختلف ثقافاتها ودياناتها ومورثاتها الحضارية ونحسب أننا في تجربتنا الطويلة التي امتدت إلى قرابة نصف قرن من الزمان كنا حريصين كلّ الحرص بكلّ ما لدينا من مقدرة على وحدة الوطن ترابا وشعبا وثقافة وفكرا وسموا وسماحة وعدلاً مع الغير أو الآخر الذي كنا نرى فيه شريكا في الوطن وكنا نحرص كلّ الحرص على ثقافات المجتمع وعاداته وتقاليده في إطار الممكن حرصاً شديداً ، وقد كنا نوفق حيناً ، ونقصر حيناً .. وهذه من سنن الحياة ،فإن قصرنا أو أخفقنا فيما مضى من تاريخنا الحافل بذكريات المناضلين الشرفاء وأبطال التجربة من أبناء شعبنا الإرتري البطل الذي لم يكل يوما عن الفداء والعطاء بسخاء دما ومالاً فلشعبنا الأبي كل التحية والإجلال فلشعبنا الأبي كل التقدير والود ولأروح شهدائنا الذين سقطوا في ساحة النضال ومعارك الفداء كل الإجلال ونحن على دربهم نكرس كل إمكاناتنا ليسعد الإنسان الإرتري في ترابه وتصان كرامته وعرضه وماله .وهذا ما عاهدنا عليه أنفسنا منذ أن قلنا إن الوطن شراكه لمظلة اجتماعية سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية نؤمن بالتعدد الفكري ونؤمن بسماحة الأديان وتعددها وإن كانت إسلامية ومسيحية ونؤمن بثقافة الوطن التي تعد إرث الحاضر وبوصلة المستقبل في إطار الشرعية القانونية التي تحميها مظلة القانون والعرف الاجتماعي في ظل الحرية والسلام والأمن والأمان.

واليوم بعد كل السنين الطوال نستقبل مؤتمرنا السابع لجبهة التحرير الإرترية في ظل ظرف قاسية ومريرة على شعبنا في الداخل والخارج وفي ظل ظروف دولية وإقليمية قاسية على الإنسان الإرتري الذي ما أن خرج من ربقة الاستعمار ولى بوجهة تارة أخرى لحروب دموية راح ضحيتها أبنائنا الشرفاء دون أن تكون لهم فيها ناقة ولا جمل لأنها حرب طائشة ما كان لها أن تقع بعد الاستقلال لولا طيش الحزب المتفرد بالسلطة في البلاد.

 

ونحن نستقبل بكل جموعنا وقوانا الوطنية مناسبة ليست ككل المناسبات ونستقل أيام ليست ككل الأيام – مناسبة عقد المؤتمر الوطني السابع لجبهة التحرير الإرترية – ولكنها مناسبة ستكون فيها وقفات مع الذات وستكون فيها وقفات مع الواقع المعاش لشعبنا الأبي الذي كرس حياته كلها في سبيل الوطن وستكون لنا وقفات مع المستقبل الذي تنتظره أجيالنا الناشئة في هذا الوطن الذي مرّ عليه ما يربوا على أربعة عشر عاما من الاستقلال ولم يرى فيه الإنسان الإرتري حُلم الماضي ولم يذق فيه طعم الحرية في ظل نظام استبدادي فردي تحكم على كل مقدرات الوطن وجعل المواطن آلة يستخدمها متى شاء وكيف شاء .

       

وأمام هذه التحديات الجسام فإنّ المؤتمر الوطني الذي تعدّ لـه جبهة التحرير الإرترية ليس مؤتمراً عاديا إنما هو مؤتمر يشكل نقطة تحول في مسار الوطن ويشكل بداية تحول في مسار الدولة الإرترية الفتية التي نريد لها الاستقرار والاستقلال بمعناه الحقيقي وهذا يحتاج إلى الكادر الواعي بقواقعه الناضج في فكره الفاهم لرسالة جبهة التحرير بكل ما تعنيه من معاني الإنسان الإرتري الحر والأرض الإرترية الحرة فالحرية لا تكون مبتذلة كما لا تكون مفصلة على ثوب مرقع يلبسه أحدنا ونفصله لكل المواطنين .

ونحن على ثقة بقادتنا الشرفاء من أبناء الوطن الذين صمدوا أمام التيّار العشوائي الذي كاد يجرف بالوطن لولا الوعي القيادي الذي تطلعت به قيادة جبهة التحرير الإرترية في مفهوم الحرية والوطن والمواطنة والشراكة في الحق الذي لا نختلف فيه ونؤكد لشعبنا الصامد بكل قواه الجماهيرية على أن نجاح مؤتمر الوطني من مسئولياتهم ومسئوليتنا ونؤكد لهم أن تجربتهم النضالية الطويلة بكل ما فيها من معاني النضال لن تذهب فيها دماء الشهداء سدا.

 

وقد عاشت كثير من المجتمعات المجاورة لنا بعد الاستقلال تحت حكم الزمر العسكرية أو تحت إمرة بعض الأحزاب ذات الأيديولوجيات المشبوهة ممن هم ثمرة مرة لمرحلة الاستعمار البغيض فحكموا دولهم بالحديد والنار وكانوا نماذج رديئة لوأد الفكر النزيه ولوأد المواطن والوطن ولكن هبة عليهم رياح الشعوب فذابوا كما تذوب الشموع وهذا هو في الواقع القريب نموذج حكم ((الدرق)) الذي حكم إثيوبيا بالحديد والنار وصرخ من على المنابر على الجموع اختفى من الكون هو وجيشه كأن لم يكن وقد كنا نحن أحد أدوات زواله وتفتيته وتأريخنا حافل بالمعارك الجسام أمام جيوشه التي فاقتنا عدد وعتادا ولكنّنا كنا أكثر جلدا وإيمانا بقضيتنا العادلة فدفعنا في سبيل ذلك الأرواح والمال حتى كسرنا شوكته .

 

فالتجربة مليئة بالعبر والدروس والتجربة علمت شعبنا الأبي الصمود ورفض الذل والإهانة لأنّه شعب حر بطبيعته يحب الخير دون أن يؤمر به ويكره الظلم ولا يعرف البغض لكل الشعوب التي عايشها وتعايش معها ولا تعرف عنه شوكة عبر تاريخه الطويل سوى التعايش السلمي مع كل جيرانه إلاّ من اعتدى عليه.

 

ونحن نقول :إنّ الشعب الإرتري عبر المسيرة النضالية الطويلة لجبهة التحرير الإرترية أخذت تجربة في تطور ونمو حقيقي رغم كل الصعاب التي اعترتها وهانحن اليوم أمامنا المستقبل الواعد الذي تنتظره الأجيال الصاعدة وهذا يحتاج من الجميع آليات عملية وعلمية لبناء الإنسان وبناء الوطن على أسس سليمة ومتينة

ولهذا أقول إن المستقبل يحتاج منا جميعا إلى خطاب جديد في العمل السياسي خطاب توجيهي عملي فاعل يحمل هموم وقضايا الشعب على أسس متينة وقواعد سليمة نتحاور في القواسم المشتركة ونتسامح في وجهات النظر المختلفة وهذا ما ورثناه من تجربة جبهة التحرير الرائدة وهذا ما سنبني عليه في المستقبل ولكن وفق ركائز أساسية منها :

أولاً: التوجيه التصحيحي والدفاعي تصحيحي نحو الأفضل والأمثل ودفاعي عن الثوابت الوطنية التي جعلناها أسسا للتوافق من ثقافية واجتماعية وسياسية ودينية….الخ.

 

ثانياً : التوجيه التصحيحي لا يتم إلا عبر قنوات الحوار والحوار الجاد مع كل فئات المجتمع بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية وقبول الآخر كما هو لاكما نريد نحن أو يريدنا هو أن نكون وهذه هي القواسم المشتركة في التصحيح والحوار الجاد .

ثالثاً : التوجه الصحيح لبناء الوطن الديمقراطي الحر السليم والمعافى من كل الآفات وهذا لا يتم إلاّ عبر الشريحة المتعلمة والنخب المثقفة فالمثقفين هم الشريحة التي تصنع الأفكار المستقبلية للوطن .

رابعا : محاورة الإعلاميين الذين يمثلون مصادر التأثير المباشر في الرأي العام وهنا لابدّ أن أحي كل أبنائي وإخواني العاملين في العمل الإعلامي عبر المواقع الإلكترونية والذين بذلوا تضحيات تستحق التقدير وتستحق الوقوف والتكريم فلهم جل ثنائنا وقد أخلصوا في تفانيهم لشعبهم ووطنهم ونقلوا صورة الواقع الإرتري ونبشوا فيه الكثير من القضايا التي تهمّ الإنسان الإرتري ولا أبالغ إن قلت إنّهم مثلوا وجه الوطن بكلّ ماضيه والمواطن بكلّ حاضره والمستقبل بكلّ إشراقا ته المرتقبة.

خامسا : وهذه النقطة أراها من الأهمية بمكان ونحن مقبلون على مؤتمرنا الوطني نوصي بها كافة القواعد والكوادر وهي الوعي بالعمل التأطري والترشيدي وهذا المعطى يتطلب من أصحاب الكفاءات وضع إستراتيجية تتضمن أولويات تأخذ في كل اعتباراتها التحولات الإقليمية والدولية التي يمربها وضعنا الإرتري وهذا يتطلب بدوره إلي خطاب موضوعي ينظر إلى المستقبل برؤية ثاقبة وبروح وطنية شفافة متسامية تخلص للبناء الحقيقي للوطن ولبناء الإنسان الإرتري الذي كابد العناء خلال المسيرة الطويلة .

هذه إشارات طفيفة أرت أن أو ردها في هذا الموضوع علّها تفيد الكادر الواعي الذي يحمل هموم وطنه ولكني أرجع فأقول إنّ التجربة الإرترية بقيادة جبهة التحرير الإرترية رائدة الكفاح المسلح لن تحصيها أقلمنا وإن استوعبتها عقولنا ولن نستطيع أن نفيها حقها حتى تكون إرتريا ديمقراطية دستورية وقانونية .


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6088

نشرت بواسطة في يوليو 3 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010