الجنبغال اسم جديد لعصابات إجرامية قديمة … ملحق : نماذج من البطولات النادرة التي قام بها بعض الآباء في مواجهة العصابات القديمة

 بقلم : أحمد أسناى 

aasenai@hotmail.com  

 

كنت قد تناولت موضوع الجنبغال بإيجاز شديد وأشرت إلى بعض الأحداث والجرائم التي ارتكبت من أسلاف الجنبغال الحاليين كما وعدت القارئ الكريم بذكر بعض البطولات النادرة من بعض الآباء الأولين قديماً وحديثاً وكيف أنهم أعطوا الجنبغال دروساً في البطولات والتضحيات التي أذهلتهم بل وجعلتهم يتضاءلون أمام أولئك العمالقة رغم تسليحهم مقابل عزيمة الرجال العُزّل وهذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر هم:-

1) العم سعيد علاج – رحمه الله – هذا الرجل المليء بالحيوية والنشاط والهمة والإقدام كان معروفاً في أوساط المجتمع الكرني (نسبة إلى مدينة كرن) بل كان ذو علاقات واسعة مع معظم تجار المواشي التقليديين والذين كان يطلق عليهم (سبابا) على مستوى المديريات الغربية التي تم تهميشها الآن من قبل نظام هقدف بعد أن كانت حاضرة في كل الملاحم الوطنية القديمة والحديثة كان العم سعيد علاج معروفاً بصلابته وشجاعته ففي إحدى الرحلات وفي طريق العودة من مدينة اسمرا إلى كرن وبعد بيع المواشي تعرض القطار الذي كان يقل معظم تجار المواشي من أهل المنخفضات العائدين بعد أن باعوا ما لديهم من مواشي أحضروها معهم من المنخفضات الارترية في سوق أسمرا ومن ضمنهم العم سعي تعرض القطار إلى عملية نهب من قبل عصابة – الشفتا -التي وضع أفرادها كومة من الحجارة على خط السكة حديد مما اضطر سائق القطار الذي كان يقل هذه الكوكبة من التجار إلى التوقف وكان ذلك ما بين محطة عيلا برعد وحليب منتل فتحرك العم سعيد – رحمه الله – في الركاب وخاصة تجار المواشي يستنهض فيهم الهمم والشهامة والمروءة ويحثهم على التصدي لأفراد العصابة قائلا: (بأن هؤلاء الشفتا لا يملكون بنادق صالحة إلا طلقة واحدة وهي في بندقية الحارس الذي غالبا ما يكون في مكان عالي يراقب القادمين من الأماكن البعيدة….. وهذه الطلقة ستقتل من حان أجله ونحن نسيطر على باقي أفراد العصابة ونحفظ أموالنا من النهب فرد عليه الكل بأنك رجل علاج مثل اسمك والعلاج تعني صعب المراس) فكان بالفعل علاج اسم على مسمى وقد نزل من القطار وهو ممسكاً بعصاه وحينما طلب منه أحد أفراد العصابة أن يخرج ما معه من المال ابتعد عنه وهو في حالة استعداد للتصرف السريع مع العصابة فتركوه ونهبوا كل أموال الركاب إلا ما كان بحوزة العم سعيد فنادى الحارس من على رأس الجبل أصحابه أن يستعجلوا فقالوا له بأن هذا الرجل – العم سعيد – يرفض إعطاء ما لديه من المال فرد عليهم أن يتركوه، وكان ذلك وسلم المال الذي كان معه ووصل إلى مدينته سالماً بفضل الله ثم بفضل ثباته وشجاعته نستخلص من هذه العملية بان العصابة لم توقف القطار عن طريق الصدفة بل كانت على علم بأن هذا أقطار يقل تجار المواشي القادمين من أسمرا فما أشبه الليلة بالبارحة تشابهت الأساليب والفاعلين في كلا الحالتين كما علمنا عن تلك العيون التابعة لجنبغال في المدن السودانية.

2)  العم محمد علي رباط (الشاب الغيوّر)[1] – رحمه الله – صاحب الهمة والنشاط والشجاعة والإقدام ذلك الرجل الذي كانت له مواقف مشهودة في مدينة – كرن – وخارجها تعرض أيضاً لعملية مشابهة لما حدث للعم سعيد علاج فبينما هو راكب إحدى حافلات شركة (ستايو سانا سيابو) وهي أعرق شركة مواصلات عرفتها إرتريا منذ القدم أوقفت عصابة ممن كانوا يعملون ضمن مليشيات النظام العميلة التي ورد ذكرها في مقالة سابقة ، فطلب أفرادها – العصابة – من ركاب الحافلة النزول وتسليم كل ما لديهم من أموال وأشياء ثمينة كالمجوهرات والساعات وغيرها فترجل العم رباط – رحمه الله – من الحافلة وقابله أحد أفراد العصابة وقال له هات فتساءل العم رباط من أنتم؟ هل أنتم شفتا؟ فردوا عليه بنعم فأعطاهم ما كان معه من المال فطلبوا منه تسليم ساعته – ساعة المعصم – فرد عليهم رداً أذهل الشفتا وقائدهم حين قال لهم : بأن الساعة هي – شلمات سبآي – أي جزء من المرء وكمالياته ولا تسلم هكذا لكل من يطلبها وصاحبها على قيد الحياة إلا بعد قتل صاحبها! فبلغ الخبر رئيس العصابة الذي ذُهل وأُعجب في الوقت نفسه بشجاعة الرجل فقال له: أنت رجل – جقنا- وتعني شجاع ولكن ليس كل أفراد العصابات يقدرون الرجال وأنا اليوم سأترك لك ساعتك لشجاعتك وتركه وشأنه وعاد إلى مدينته وفي معصمه ساعته.

3)  العم إيلوس نافع ألمداي – رجل من رجالات كرن الأبطال والمعروف بشجاعته التي لم تتزحزح حتى بعد أن تقدم في السن هذا الرجل ذهب إلى مناطق التقراي للعمل في اللبان مع مجموعة من بني وطنه وكان فيهم احد أشقائه وبينما هم في المعسكر الذي أقاموه لجمع اللبان جاءتهم عصابة من الجنبغال وكان من عادات العم إيلوس الجلوس منفرداً وكان قليل الكلام كثير العمل وبينما هو في لحظة تأمل جاءه احد أفراد العصابة باعتباره كبير القوم كما يبدو من جلوسه منفرداً ومشهده المهيب فقال له: سلام فرد السلام، قال: في بلدكم لو جاءكم ضيفاً ماذا تصنعون له؟ قال: نعطيه فراشاً (منطف بالتقرينية أو نطاف بالتقري بتشديد الطأ) ليجلس عليه قال: أين الفراش؟ فقال لأصحابه: أعطوهم فراشاً. فأعطوهم فراشاً قال: ثم ماذا بعد الفراش؟ قال: نسقيه الماء. قال: أين الماء؟ فتلفت على أصحابه وطلب منهم إعطاء الماء للضيوف فقدموا لهم سجلين من الماء. قال: وبعد الماء؟ قال: نقدم لهم طعاماً. قال: فأين الطعام هنا استفز العم إيلوس وعلم بأن هذا اللص إنما يستخف به وبمن معه فرد عليه قائلاً: وهل أمك هنا لتطلب طعاماً وخطف منه البندقية وانبطح في حالة استعداد لإطلاق النار (قيام راقد) وطلب من فرد العصابة بوضع الرصاص الذي يحمل أرضاً والتقهقر إلى حيث زملاءه وقائدهم وبالفعل تقهقر الرجل وبعد هنيهة جاء قائد العصابة إلى العم إيلوس ليعرض عليه الانضمام إليه فرد عليه رداً ربما لم يكن قد سمعه من أحد حيث قال: له متسائلاً ولمَ انضم إليكم؟ فرد عليه: لأنك رجل – أنبسا – وتعني غضنفر شجاع ولا يجوز أن تعمل في أعمال وديعة كجمع اللبان مثلك يجب أن يعيش بذراعه أي أن ينهب ويسلب وليس أن يجلس مكتوف اليدين وهو بهذه الشجاعة. فقال العم إيلوس: إن مروءتي ورجولتي وشجاعتي التي تتحدث عنها تمنعني أن أطعم نفسي وأهلي من الحرام ولو كنت أرغب في ذلك لكفاني ما في منطقتي من أموال وأملاك ومواشي فهي أكثر مما عندكم ولكن كما قلت لك نحن قوم لا نرضى باللقمة الحرام، فقال زعيم العصابة: طيب أعطني هذه البندقية؟ قال: هذه سلبتها بيدي ولن أعطيك إياها ومن أراد أن يأخذها بالقوة فليفعل، وعاد القائد أدراجه ثم غادر المكان هو وعصابته وبعد قليل أرسل أحد أفراد العصابة إلى المعسكر لينصح الجماعة بتهريب العمل إيلوس ليلاً لن الذي سُلبت منه بندقيته ينوي أن يأتي ليلاً والناس نيام لاستعادة بندقيته وبالفعل غادر العم إيلوس المكان وقطع نهر مرب ليلاً وعاد إلى منطقته سالماً غانماً.

4)  رجل من أبنا التقرينية لا يحضرني اسمه كان في طريقه إلى شلالو في القاش للاستفادة من موسم الزراعة روى القصة في جريدة ” الوحدة ” الإثيوبية التي كانت تصدر باللغة العربية والتقرينية حيث قال: ” بينما كنت في طريقي إلى شلالو وبحوزتي 60 دولاراً إثيوبياً وحينما وصلنا إلى هلاقا – التي ورد ذكرها في المقالة السابقة – أوقف الشفتا الحافلة وطلبوا من الركاب الترجل وبدءوا بتفتيش الناس ثم اخذوا المبلغ الذي كنت أملك والذي كنت قد وضعت فيه كل أحلامي المستقبلية فأصبح الدم يغلي في عروقي من هول الصدمة فما كان مني إلا أن ضربت أحدهم بالعصا التي كانت معي وانتزعت منه بندقيته وطلبت من الركاب أسره وبينما الركاب منهمكين في أسره أطلقتُ من البندقية التي أخذتها منه طلقة واحدة بغرض إخافة بقية أفراد العصابة فظن الركاب بأن مطلق النار هو من الشفتا فخافوا على أرواحهم وتركوا ذلك الرجل الذي تمكن من الهرب ) ا.هـ وقد كوفئ من قبل الحكومة الاستعمارية بمبلغ يفوق ما نهب منه.

5)  العم محمد آدم عبي شيبرم – أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية آمين – من سكان مدينة أغوردات رجل شجاع عُرف بجرأته وصدعه بالحق وخاصة مع مسئولي حكومة العدو الإثيوبي آنذاك وهو رجل معروف لدى أبناء أغوردات هذا الرجل أيضاً أصيب بجروح وهو يصارع مع أحد أفراد العصابة التي اعترضت طريق الحافلة التي كان يستقلها ما بين مدينتي أغوردات وبارنتو حيث رفض تسليم ساعته فما كان من الشفتا إلا أن حاولوا أخذها منه عنوة فتصارع هو وأحد أفراد العصابة وسقطا أرضاً فانطلقت طلقة أصابته بجراح طفيفة في يده. وتمكن الشفتا من الهرب.

6)  العم الأستاذ عبد النور عمر – رحمه الله – أيضاً تعرض لحادث مماثل وكان من الحيوية والنشاط ما يفوق التصور فحينما نزل من الحافلة أخذ برأسي اللصين وضرب بعضهم ببعض فكان سبباً في هروب باقي المجموعة.

7)  العم الشيخ حسب الله حُمّدّين – رحمه الله – ومحاولته الشجاعة هذه القصة قد لا يعرفها الكثير وقد كنت أحد شهود العيان فيها وحدثت في العام 1973م كنا في طريقنا إلى حقات – حقاز – لجلب عروسين شقيقتين لكل من الأخ عثمان والعم آدم قلاتي – رحم الله الأخير وأمد الله في عمر الأول– فركبنا حافلة واحدة من شركة ستاي الأنفة الذكر فطلب منا محصل الأجور – الفوتورينو – دفع التذاكر ذهاباً وإياباً حتى نضمن العودة في نفس الحافلة وتكون في انتظارنا حتى تجهيز العروسين وإتمام مراسم الزوج المعروفة للجميع، وبالفعل دفعنا التذاكر فقام – الفوتورينو – بتسليم المال المتحصل منا – الركاب – لأحد موظفي الشركة عند منفذ الخروج – البلوكو – فتعجبنا من فعلته ولكن لأنه كان على علم بأخبار العصابة التي كانت تكمن في فردقي وخاف أن ينهب منه أجور الركاب وكان ضمن الزواج العم حسب الله حمدين وقد كان السائق يمشي على مهل في طنقول لحس وهي عقبة مليئة بالمنحنيات الحادة والخطيرة وقد ضاق الكثيرون منا ذرعاً حيث كانت الشاحنات الكبيرة أسرع من الحافلة ولكن السائق إنما كان يمشي بطيئاً حرصاً منه على عدم تعرضنا لقطع الطريق والنهب والسلب وحينما خرجنا من الطريق الخطرة وجدنا طابوراً من الشاحنات والحافلات والسيارات الصغيرة على قلتها متوقفة في الاتجاهين فتوقف السائق وقال هذا الذي كنت أخشاه فقام الشيخ حسب الله حمدين – رحمه الله – بشحذ الهمم وتشجيع الشباب قائلاً: (أنا أقودكم ولنهجم على هؤلاء الشفتا وأنا أعلم بأنهم من المليشيات العميلة وهم من منطقة ……. يللى يا شباب الكل بما معه من سلاح …) وكما هو معلوم الأسلحة التي كانت بحوزتنا هي عدد من السيوف والعصي وتحركنا نحو الطابور يتقدمنا الرجل بهمة ونشاط وفجأة رأينا بأن الشفتا يلوذون بالفرار إلى ناحية المنطقة التي أشار إليها العم حسب الله وجنبنا أنفسنا بفضل الله ثم بفكرة الرجل ووصلنا إلى مبتغانا سالمين وعدنا إلى مدينتنا الغالية كرن غانمين.

أخي القارئ الكريم لقد قام بعض المواطنين أيضاً بمواقف مشابهة لما أوردت لا يتسع المجال لذكرها بل تمكن بعض مواطني بركة الأبطال بالقضاء على بعض اللصوص من أفراد هذه العصابات التي ظهرت في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

أما فيما يتعلق بشكاوي المواطنين فأورد هذه القصة الطريفة من أحد الآباء من أهل بركة المعروفين بأسئلتهم المحرجة وطرح المعضلات التي لا يفك رموزها إلا من عايش هؤلاء الناس الطيبين الذين يحسبهم الأغبياء جهلاء فبعد المؤامرة الدنيئة وخلو الساحة لتنظيم الجبهة الشعبية طلب مسئول المنطقة من الشعب الاجتماع لشرح برنامج التنظيم والتعرف على أوضاع المواطنين ومطالبهم (بزعمهم)، فقام هذا الرجل الطاعن في السن وسأل المسئول قائلا: [ تنظيم انتل شعبية جبهة تحرير مسل عسر قوتا من ميدان إرتريا أفقركم وأتوبيا من بر ديب مُدُن حاصركم إللي كولو سني تو بس صنعت حتي ئي تأممرت إقلنا هتا هي شعبية مسل كلو قووتا/ها كم شفتاي إقل تطبط إقدرت ؟؟! وتعني باختصار شديد كيف نصدق بان الجبهة الشعبية التي أخلت الميدان من الجبهة والتي حاصرت العدو في المدن بعد أن طردته من الريف وهي بهذه القوة لم تتمكن من القبض على عدد قليل من الشفتا أيعقل هذا؟؟] لم يجب المسئول لعلمه التام بما يرمي إليه هذا الرجل.

أخيراً أرجو من الجميع أن يدلوا كل بشهادته على جرائم الجنبغال القديمة والحديثة حتى يعلم الجيل الناشئ الحقيقة.

والله من وراء القصد

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6158

نشرت بواسطة في أغسطس 12 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010