إلى متى هذا الصمت أيها الآباء والإخوة والكتاب؟؟؟
بقلم : أحمد أسناى
قبل الدخول في هذه المقالة يسرني ويطيب لي أن أتقدم إلى الشعب الارتري الأبي الصبور في الداخل والخارج بأسمى آيات التهاني القلبية بيوم الاستقلال المجيد وأحي كل أسرة فقدت عائلها أو فلذات أكبادها في سبيل الوصول إلى هذا اليوم الأغر ، وأحي كل مناضلي الثورة الارترية بلا استثناء الذين ارتوت بدمائهم أرض ارتريا الطيبة كما أحي كل الآباء والإخوان ممن بقي على قيد الحياة من الرعيل الأول للثورة الارترية متمنياً للجميع موفور الصحة والعافية كما لا يسعني أن أفوت دون أن أحي هذه المواقع التي أصبحت ملاذا لكل بني وطني في الشتات وقد أبلت طوال الـ 14 عاماً من عمر الاستقلال بلاءاً حسناً في نقل المعلومات ونشر التاريخ وتبصير جيل الاستقلال بالمعلومات القيمة عن تاريخ الأجيال السابقة وكلي أمل أن يحتفل شعبنا الكريم وكل قواه الوطنية بالعيد القادم وقد وصل شعبنا إلى هدفه الأخير ألا وهو وجود دولة العدل والمساواة دولة القانون والحرية وكل عام وكل شعب إرتريا بألف خير. فإلى المقالة:-
لقد استضافت الفضائية الارترية قبل حوالي شهر من تاريخه أو أكثر وعلى حلقتين رجلاً طاعن في السن حيث يبلغ من العمر أكثر من مائة وعشرون عاماً حسب ما صرح بنفسه.
ولقد ظننتُ كغيري من بني وطني من المهتمين بمعرفة تاريخ أسلافهم بأن الرجل سيكون شاهداً على العصر وخاصة أنه قد عاصر أحداث هامة للغاية منها: حسب ما ذكر ترسيم الحدود بين الأحباش والطليان وقد بدأ الحوار معه عن فترة ترسيم الحدود وما حدث له شخصياً من حاكم المقاطعة – التقراوي – حينما تم الترسيم وأصبح الرجل خارج إطار الإدارة المحلية لذلك الحاكم – التقراوي – وقد ذكر مطالبات الحاكم – التقراوي – له بدفع الضريبة التي كان يدفعها قبل الترسيم وحينما رفض أرسل إليه من يتعقبه وقتله ونهب ماشيته وذكر كيف نجح في إيقاف أكثر من ثمانين رجلاً كانوا في مطاردته حين قتل منهم واحداً وأصاب آخر ببندقيته فتوقفوا عن تعقبه وعاد إلى دياره سالماً.
كل هذا جميل ولا غبار عليه، لأن الراوي هو شاهد على ذلك العصر وقبل ذلك كله هو رجل كبير في السن بل لقد بلغ من الكبر عتيا، وقد جرت العادة في بلادي قبل أن يفقد الناس عاداتهم الحميدة، احترام كبار السن من الجنسين بصرف النظر عن معتقداتهم وأصولهم ، فقد ترعرعنا ضمن جيل لا يفرق بين كبار السن بسبب انتمآتهم الدينية أو القبلية أو الجهوية فالعُرف السائد كان أن يقال للكبير (يبَّا) وللكبيرة (يمَّا) و(أبّوي) و (أدّي) فلم نسمع حتى كلمة يا عم (حو أبويه) أو (حاو أبّوي) كما هو الحال الآن. فحينما ندعو أحد كبار السن كنا وبدون أي حساسية نقول (أبويّه فلان) أو ( أبّوي إكّلي) وأنا أسوق هذه التوطئة لأنني سأتناول اللقاءين اللذين أجريا مع هذا العم أو الجد الذي خاب فيه أملنا وخاصة حين وصل الحوار عن تأسيس الثورة الارترية وأعني بها جبهة التحرير الارترية صانعة الكفاح الارتري المسلح ومسطرة التاريخ الارتري المعاصر شاء من شاء وأبى من أبى على قول الزعيم الفلسطيني الراحل أبو عمَّار.
وحينما نتعرض للجبهة بالنقد البناء وتناولها على سبيل النقد الذاتي أو بهدف وضع النقاط على الحروف في تبيين بعض الأخطاء التي وقعت في الميدان وسرد الحقائق التاريخية لابد أن يعلم كل منا بأن الفضل في وصول الشعب الارتري إلى غايته السامية ألا وهي الاستقلال الوطني يرجع بعد فضل الله سبحانه وتعالى إلى جهود ونضالات جبهة التحرير الارترية (ج.ت.أ) وهذه حقيقة لا يجهلها إلا جاهل معلوم الجهل أو جاهل بتاريخ الشعب الارتري المعاصر ولا ينكرها أو يتجاهلها إلا جاحد ناكر للحقيقة وهو كمن يحاول أن يغطي الشمس بالغربال.
ولا شك بأن للجبهة أخطأ إلا أنها في ما يتعلق بحقوق الشعب الارتري والوطن الذي أصبحت تهدده الأخطار لا ترقى إلى أخطأ الجبهة الشعبية وقد كان شعار (ج.ت.ا) إبان الكفاح المسلح لا بديل للاستقلال التام لإرتريا وحتى لا أسهب في الحديث عن أخطأ الجبهة الشعبية التي تحدثت عنها وغيري كثيراً أعود إلى لب الموضوع الذي أنا بصدد تناوله وهو حديث هذا العم الكبير في السن الذي قال: (بأن القائد حامد إدريس عواتي كان بطلاً وشجاعاً ، وأضاف بأن حامد عواتي كان يقول بأننا سننالها أي سننعم باستقلالنا) ا.هـ أقول هذا كلام لا جدال فيه ولا خلاف عليه فبطولة القائد الشهيد حامد إدريس عواتي لا يختلف فيها اثنان وتأكيدات عواتي على أن إرتريا ستنال استقلالها أيضاً دليل على إيمان الرجل بأن جبهة التحرير الارترية التي أسسها مع رفاقه من الرعيل الأول من الداخل والخارج قد ساهمت بجزء كبير من التضحيات في سبيل استقلال إرتريا الذي تحقق ليس فقط بنضالات الجبهة الشعبية وحدها كما يروج الآن بل بمساهمة الجميع كل حسب إمكاناته.
إذاً ما الغريب في حديث هذا العم؟ الغريب هو قوله: (… وبعد عواتي نهبوا مني ثمانين رأساً من البقر … فقاطعه المذيع بسؤال مباشر.. من هم الذين نهبوا ماشيتك؟ فرد قائلاً وبدون تردد: الجبهة،) فوجد المذيع ضالته والتي أجزم بأنها مسرحية مدبّرة ضمن مسلسل من مسرحيات تزييف الحقائق وطمس معالم التاريخ ومتفق عليها مسبقاً حيث قال المذيع: (يعني الجبهة هم الذين نهبوا ماشيتك بعد وفاة عواتي ….الخ قال: نعم الجبهة) انتهى كلامه.
أقول ها هو الهدف من إجراء ذلك الحوار يتضح وضوح الشمس في رابعة النهار وانكشف المستور وبدا للعيان إذاً الهدف لم ولن يكون في المستقبل شهادة كبار السن من الآباء أو الأجداد بل هو أمر منظم لتشويه مكتسبات الشعب الارتري وطمس منجزاته التي سبقت انشقاق الجبهة الشعبية أو بالأحرى مجموعة (نحنان علامانان) والتي كان ومازال عرابها وأبوها الروحي رغم وصوله لرئاسة الدولة الارترية المستقلة الوليدة إسياس أفورقي عن طريق تشويه الجبهة بواسطة أناس يؤتى بهم بانتقائية شديدة إلا أنها لا تخفى على كل ذي بصيرة أما العميان فقد رفع الله عنهم الحرج قال تعالى:((لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ …)،(الفتح: 17 )) وقد استخدم أفورقي في الماضي كلمة (عامة) نسبة إلى القيادة العامة التي انبثقت عن مؤتمر أدو بحا العسكري اتخذ الكلمة شعاراً له لتشويه الجبهة ورميها بكل نقيصة بل اتهامها بامتهان القتل حيث كان يشاع في أوساط الشعبية (عاما حراديت ، قتاليت) وتعني أن عامة (القاتلة) ولكن نسى أفورقي أو تناسى متعمداً بأنه كان عضو في القيادة العامة التي كان ينعتها بهذه النعوت وكون (عامة) قاتلة دعونا نستدعي من التاريخ بداية انشقاق مجموعة أفورقي فما حدث في تلك الفترة يدحض فرية القتل حيث أن التاريخ ما زال يحفظ بأن أول من بدأ التصفيات الجسدية بشكلها العلني هي مجموعة نحنان علامانان وأعني بالتصفية العلنية تصفية هذه المجموعة للفدائيين الخمسة بعد استغفالهم واستبعادهم عن أسلحتهم.
إذاً المستهدف من تشويه سمعة الجبهة ليست الجبهة في حد ذاتها ، ولكن المستهدف هو كل من انتمى إلى هذا التنظيم العملاق الذي حوى غالبية الشعب الارتري بمختلف فئاته ، وأعني بالجبهة كل هذه الفصائل والأحزاب التي انضوت الآن تحت مظلة (تحدي) باستثناء عدد قليل ممن كان خارج إطار الجبهة. وكون وجود تلك الأحزاب خارج إطار الجبهة لا يعني بأنها خالية تماماً ممن كانوا ضمن نسيج الجبهة وأعني بها (جبها عبّاي 1961م- 1981م).
فلا أدري لماذا هذا الصمت؟ وهل يعقل أن نصبح مثل الشجرة التي يتم تقطيعها فرعاً فرعا دون أن يحرك الفرع السليم ساكناً وينتظر دوره إن جاز هذا التوصيف؟
وبهذه المناسبة أوجه النداء الثالث إلى من بقي على قيد الحياة من آبائي وإخواني من الرعيل الأول وأطلب منهم:
(1) الرد على كل افترى ومن يفتري على تاريخ الثورة الارترية ومنجزاتها ومكتسباتها وتجييرها لحساب الآخرين ممن كانوا في صفوف الجانب المعدي للشعب الارتري.
(2) الكتابة أو الإدلاء بشهاداتهم على العصر.
والنداء الثاني موجه إلى قيادات المعارضة الارترية الذين يتعرضون لحملة التشويه المتعمدة أن:
1-يُوجِدوا مركزاً خاصاً أو يتعاملوا مع المراكز القائمة لتوثيق مشاهدات من بقي على قيد الحياة من الرعيل الأول الآن وقبل فوات الأوان. لأن الدوام لله وحده سبحانه وتعالى.
2-رصد ومتابعة ما يُنشرُ في وسائل إعلام النظام المختلفة المرئية والمسموعة والمتنقلة عن طريق الإشاعات والرد عليها بالحقائق التي تزهقها لأن هذه المعلومات المغلوطة أصبح يتربى عليها أبناؤنا وبناتنا من جيل الاستقلال ، فحتى لا يتربى على معلومات لا تمت إلى واقعه بصلة أرجو حمايته بنشر ما يدحض تلك التخرصات وتطعيمه بالحقائق الدامغة لكي يكون محصناً ضد تزييف تاريخ آبائه وأجداده.
أما النداء الثالث والأخير في هذه العجالة أوجهه إلى كل الأقلام الحرة والمراكز القائمة وأقول:
1-تابعوا إعلام النظام من أجل التعرف على ما يُنشر عبره من مواضيع ومناقشتها وتحليلها وتفنيدها.
2-اكتبوا عن معاناة الشعب وخاصة عمن يعيشون في معسكرات اللاجئين التي أصبحت خالية من أبسط أسباب الحياة فها هي نداءات الاستغاثة تنطلق من معسكرات اللاجئين المختلفة لتعكس معاناة اللاجئين، وكون أننا بعيدين عن ذلك الواقع الذي عاشه أكثرنا وعايشناه يجعلنا نتكاسل عن الكتابة عنهم والتعريف بمآسيهم لدى المنظمات الدولية فهذا لعمري هو الهروب إلى الأمام، فطالما أن الله قد آتاك علماً وهيأ لك العيش الكريم وسخر لك القدرة على الكتابة فأنت في هذه الحالة لست معذوراً بل أنك مسئولا أما التاريخ في الدنيا وأما الله جل وعلا في الآخرة.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد. وإلى أن نلتقي مع مقالة جديدة تحت عنوان (لماذا لا نكتب كما يكتبون) إن شاء الله.
والله من وراء القصد
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6160
أحدث النعليقات