كنت سجينا في دهلك … اعترافات المرحلين من مالطا

 بقلم : ايلسا جيروم

 ترجمة فرجت

من المحرر:

 

          هذا الموضوع نشر  في موقع عواتى كوم باللغة الانجليزية مترجما من نسخته الاصلية المكتوبة باللغة التجرنية. بدورنا نترجمه الى الى اللغة العربية حتى يستفيد من قراءته قطاع كبير من الارتريين. كاتبت الموضوع هي من الناشطات في مجال حقوق الانسان وكان لها دورا كبيرا في مساعدة الارتريين الذين احتجزتهم السلطات المالطية بغية ارجاعهم الى ارتريا لعدم استيفائهم شروط اللجوء حسب زعم السلطات هناك، وتمكنت الأخت “ايلسا” بمجهودها الفردي وجهود ناشطين آخرين من ابقاء بعض الأخوة الذين كان من المفترض ترحيلهم، هذا الترحيل الذي تم محالفة لكل القوانيين والمواثيق الدولية ووثيقة الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين.

الترجمة:

 

بتأريخ 29 من شهر سبتمبر  سنة 2002م وفي تمام الساعة التاسعة صباحا هبطت طائرة مالطية على مطار اسمر، وعلى متنها 55 لاجئا ارتريا مرحلين من مالطا، اثناء الهبوط لاحظنا ان المطار محاطا بجنود مدججين بالسلاح، كما لاحظنا عند دخول الصالة ان المطار خالي تماما من الموظفين والمسافرين سوى حفنة من رجال الجوازات، وافراد الأمن المرتدين لملابس مدنية. عند اقلاع الطائرة التي اتينا بها أمرنا رجال الأمن ان ” امشو” مشيرين الى الصالة الأمامية، حيث تم فك القيود من ايادينا وحصر اسمائنا وعناوينا، وعند خروجنا من صالة المطار كان بصا عسكريا في انتظارنا، صعدنا الى البص ونحن في حراسةالعسكر المدجيين بالسلاح، وهم يطلبون منا مرارا بأن لا نتحدث الى بعضنا البعض وأن نحني رؤسنا  وننظر الى الأرض وهم يتوعدوننا “سوف ترون ما سيحدث لكم”. وشق بنا البص  وسط العاصمة اسمرا، مدينة دفعنا الكثير من الدماء والعرق من أجلها نشقها الآن وونحن مطأطؤ الرؤوس وايادينا في الأصفاد، مثل أسرى الحرب ونحن في طريقنا الى محطتنا الأخيرة.

 

عدي أبيتو:

 

توقف بنا البص في “عدي أبيتو” ثم قام العسكر بتفتيشنا وأخذو كل ممتلكاتنا الشخصية وطلب منا خلع الأحذية، فقط تركو الملابس التي نرتديها بعد مصادرة كل شئ. ثم أدخلونا الى مخزن ذي سقف حديدي صدئ، وأرضه  خالية من كل شئ سوى جالون حديدي عند طرف البوابة موضوع  للتبول. ثم رجع الينا العسكر وصرفوا لنا رغيفين لكل فرد ومعلبات من التي تستخدم لتغذية الجيش، و25 لترا من الماء، قبل ذهابهم سألناهم عن شء حاد لفتح هذه المعلبات كان ردهم بأن نتصرف. هذا ربما يبدو غريبا للذين ولدو في السودان أو ليبيا أو الذين قضوا فترة طويلة في منافي اللجوء ولكن نحن المتمردين على النظام ورافضيه كنا نعلم تماما انها حيلة الشيطان الذي نعرف. فهذه المعلبات يمكن فتحها عن طريق احتكاكها المستمر بالبلاط أو الحجر، شرحنا هذه الطريقة للبقية. على أى حال فمعظمنا لم يأكل شيئا. الأيام الأولى مرت ونحن نحاول أن نطعم أنفسنا بأى صورة كانت حتى نتجنب خطر الجوع القاتل. ولكن ما خفى كان أعظم أى التحقيق معا ومحاولة اننتزاع الأعترافات منا فأخذونا فردا فردا ، الى التحقيق ونحن مقيدين،  وعند الوصول الى لغرفة يبدأ التحقيق بسيل من الاسئلة التي يمكن تلخيصها في التالي:

1.     كيف خرجت من ارتريا؟

2.     من ساعدك على الخروج؟

3.     من أعطاك تصريح التحرك (الشباب من 16 – 44 يحتاجون لتصريح للتحرك)؟

4.     هل عائلتك على علم بالأمر؟وهل قامو بمساعدك؟

5.     في مالطا بمن التقيتك من مجموعات المعارضة؟

6.     من كان ينظمكم هناك؟….الخ

بالاضافة الى اسئلة أخرى . ومن لم يعطهم الأجابة التي كانو في انتظارها تسمع صراخه في غرف  التعذيب.

     في نفس الوقت نتيجة للترحيل المستمر من مالطا انضم الينا الشيوخ والاطفال والنساء الحوامل ، ونساء حد يثي الولادة مع أطفالهن الرضع ليصل عددنا الى 230 شخصا. كنا نفترش الأرض والبرد القارص يفعل بنا الأفاعيل، كل منا كان يضع رأسه على كتف الآخر للنوم، لأنهم لم يصرفو لنا أى أغطية أو ملاءات الا بعد مرور ثلاثة عشر يوما، حيث صرفو ملاءة لكل شخص. لم نستحم لشهر كامل مما أدى الى انبعاث الروائح الكريهة من أجسادنا، بينما انتشرت البراغيث والقمل في الملابس التي نرتديها، وأول شيئ كنا نفعله في الصباح كان خلع الملابس وتصيد القمل والبراغيث منها، حتى ان البعض كان يعلق تعليقا طريفا وهو ” أن قمل فلان أو علان لا يمكن قتلها ان لم تمت من الشيخوخة” حتى مثل هذه القفشات لم تقلل  من حالة اليأس التي وصلت بالبعض ، حيث وضع 27 من النزلاء خطة للهرب : كل يوم نخرج تحت الحراسة المشددة حفاة الى فضاء  يبعد 100 مترا من العنبر بغرض قضاء الحاجة. وكانت خطة الهرب تتكون من مهاجمة الحراس بالحجارة بصورة فجائية لتمكن من الهرب؟ ولما كان التنظير والتطبيق شيئان مختلفان لم تنجح الخطة فقد تم  اطلاق النار على أخونا ” روبل ” وأصيب بطلق ناري في حوضه، بينما تم أسر الـ 26 شخصا الباقون وتم ارجاعهم الينا تحت الحراسة المشددة، وبقى “روبل” المسكين يستصرخهم عندما رأى انهم يتركونه ” ماذا عني..ساعدوني.. ألست أخيكم؟ “والرد الذي تلقاه كان ” موت..موت” ، وفعلاتركوه ينزف حتى الموت . مات. كان في مكانه حتى صباح اليوم التالي!! أما البقية فقد حبسوا حبسا انفرادياوعندما لم تعد لديهم أى طاقة لتحمل التعذيب كانوا يصرخون. أن واضع الخطة هو ” أرمياس زقاى” فكانوا يخرجون من الحبس الانفرادي ويعودون الينا. أما أرمياس فبقى في الحبس الانفرادي لفترة   ويديه ورجليه مقيدين بالسلاسل الثقيلة حتى يوم نقلنا الى دهلك.

 

الطريق الى مصوع:

 

بعد شهر آخر قامو بفصل الشيوخ والنساء  عنا، وسمعنا فيما  بعد انهم اطلقو سراحهم. في  يوم 15 من ديسمبر عام 2002م في تمام الساعة الرابعة صباحا وبعد شهرين و15 يوما قضيناهم في ” عذي أبيتو” تم وضعنا في شاحنات النقل الكبيرة المعروفة بالـ ”  N-3″  اربعون جنديا لكل شاحنة ، وكالعادة امرنا بالانحناء لدرجة ان الأصداغ كانت تلامس الركب، وكان من الصعب التنفس أو التحرك من شدة الازدحام، ولم نكن نعلم وجهتننا حتى لحظة وصولنا الى حى ” أربعا ربوع” في الجزء الشرقي من المدينة حيث خمن البعض ان وجهتنا هي ” عصب” أو ” طيعو” أو ” جيلالو”.

نتيجة للازدحام والجوع وسوء الطريق والاختناق اصيب الكثيرين بالغثيان، ولما كان الوقوف أو الاقتراب من طرف الشاحنة ممنوعا لم يكن بد من استفراغ البعض على الشخص الجالس أمامه. انتهت بنا الرحلة بعد ثلاثة ساعات في مصوع، رحلة تمنى الكثيرين  أن تنزلق عجلات شاحنتها نحو الهاوية.

 

الطريق الى دهلك:

 

في مصوع تم نقلنا مباشرة ونحن نحمل المرضى منا والمغمى عليهم الى زوارق بحرية عسكرية كانت بانتظارنا . عند بدء الرحلة كانت هنالك محاولتين للانتحار؟! أولا حاول ” ارمياس ودي جيرمن ” الهرب برمى نفسه في البحر ولكن الحراس كانو له بالمرصاد ولم تنجح المحاولة. ثم حاول “والتا هيلى” الانتحار بربط يديه ورجليه ، ثم رمى بنفسه في البحر ولم تنجح المحاولة وتم انتشاله بالماء ولكن وجهه كان مغطى بالدماء ، لا بد وانه ضرب رأسه في شيئ.

بعد ساعتين من الرحلة رست الزوارق في جزيرة ” دهلك” وعند نزولنا الى الشاطئ تم اجلاسنا على الرمل، وجاء المسؤول نافشا ريشه ونادى بكل استهزاء ” خــــــــونة ” ثم أردف ” هل ارتريا أنجبت هذه القــمـــامــــة ” بعض الحراس تقدم الى المسؤول وهمس في اذنه : أن أحدهم حاول الانتحار.. فصاح هائجا ” لماذا لم تتركوه.. لماذا لم تتركوه يموت!”

بعد دخولنا الى العنابر نادى الحراس على  ” أرمياس ودي جيرمن ” وتم ربطه ربطة الهيليكوبتر”  أى ربط أرجله ويديه بعد جمعهم في نقطة واحدة خلف الظهر. كانت الحرارة لا تطاق أكثر من 33 درجة مئوية، رغم اننا في ديسمبر! عنابر السجن هنا ايضا كانت عبارة مخازن غلال بنيت في عهد الدرق. كل مخزن به شباكين مقفولين على الدوام مما أدى الى رداءة الهواء، كان بكل عنبر حوالى  115 شخصا كل شخص نصيبه مساحة 60 سنتميترا، فرغم دعاء الاباء الذي يقول ” ربنا يوسع قبرك” ولكن ليس من متسع هنا!

 

طاقة فيل:

 

ما رأينا من عذاب كان أسوأ من أن تتحمله الفيلة على حسب التعبير الدارج، لا تكفي كل المساحات البيضاء من كتابة ما عانينا. لم يكن هنالك دواءا كافيا ولم يكن مسموحا من زيارة دورة المياه سوى مرتين في اليوم. هذه غير سوء المعاملة المستمرة. عدم معرفة ما سيؤول عليه مصيرها كان هوله أعظم على النفوس، فيومنا يبدأ في تمام الساعة السادسة صباحا نستيقظ _ نذهب  الى الخلاء _ منتصف النهار نتناول الفطور وهي الوجبة الأولى والثانية في حوالى الساعة الرابعة مساء وهي العشاء ثم نذهب للخلاء  – انتهى تقفل الأبواب علينا!

أكلنا نفس الطعام مرات ومرات دون أن يتغير فيه شئ، أما حصة الماء فهي 25 لترا يشاركك فيها شخص آخر ، تصرف مرة كل شهر لغسل الملابس والحمام. أما مياه الشرب فهي أما مليئة بالحشرات أو بها طعم الصدأ ن الأواني التي تحفظ بها- أما محاولات النظر الى الخارج عبر شبابيك العنبر فهي غالبا  تجلب عقابا عسكريا.

لايسمح بالصلاة أو الدعاء أو قراءة القرءان والانجيل. مخالفتك لمثل هذه الأوامر غالبا ما تنتهي بربطة ” الهيليكوبتر” فهي أصبحت  شيئا عاديا تصرف للاشقياء كل يوم!

أحد الحراس أخبرنا يوما ان سجناء جدد من مجموعة ال 15 قادمون الى هنا وقال أنهم أخبروهم قائلين ” أن هؤلاء الخونة أرادوا بيع  البلاد الى لأجنبي..لا تحاولوا التحدث معهم ووسيلة اتصالكم الوحيدة معهم هي العصى؟”

كان في دهلك حال وصولنا 130 سجينا وبعد وصولنا  أضيف اليها عددا جديدا من السجناء، يتكون جلهم من الذين حاولوا الهرب عبر الحدود والموانئ، بالاضافة الى مواطني ” عدي سهيل ” الذين رفضوا توزيع أراضيهم للغرباء، بعض من الشيوخ وحوالى 12 امرأة كانوا هنالك لاسباب مختلفة. فيمكن القول أن المجموع يصل الى حوالى 900 سجينا.

بالرغم من ان دهلك جزيرة محاطة بالماء من كل جانب ، كانت هنالك محاولات للهرب خاصة من هؤلاء الذين يئسو من الحياة مثالا: حاول كل من ” ارمياس ودي جيرمن ”  و ” قيتؤوم ” الهرب ولكن قبض عليهم بعد اسبوع وتم اعادتهم وهم يترنحون من الضرب المبرح. وتم ربطهم ” الهيليكوبتر” لمدة 23 يوما ولكن ” أرمياس” حاول مرة ثانية قبض عليه بعد يومين وكان نصيبه ” الهيليكوبتر” لمدة 55 يوما؟

كان معنا في العنبر مرضى نسمع أنينهم وصراخهم طوال الليل، هالك أثنين اصيبا بلوثة عقلية وهم ” فؤاد” و ” مرهاوي”.

 بعد ثمانية أشهر وأسبوعين من هذه المعاملة تم فصل المدنيين الى سجون خارج الجزيرة أما الذين تبقوا هنالك فهم في حالة يرثى لها ويعانون من الأمراض الخطيرة والتي يتضاعف أثرها نتيجة الاهمال الطبي، فهنالك الشاب ” موسي ” الملقب بـ ” أمجي ” نتيجة هذا الاهمال الطبي مات في سجن دهلك في أغسطس عام 2003م. كما كنا نسمع عن حالات مماثلة.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6196

نشرت بواسطة في يوليو 4 2005 في صفحة المنبر الحر, كلمة التحرير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010