مع الزين في مقاربته النقدية لبعض مكونات أزمة الفكر السياسي الإرتري المزمنة.

بقدر كبير من الانشراح، والاستمتاع، أمضيت لحظات من الزمن، في قراءة مقاربة الأخ زين العابدين النقدية، لبعض مكونات أزمة الفكر السياسي الإرتري المزمنة، على حد وصفه. وبالرغم من أنها كانت طويلة، لم تكن مملة، بالنسبة لي، فكلما أنهيت منها مقطعا، شدني الذي يليه، حتى أتيت عليها كلها، ألتهمها سطرا بعد آخر، دون أن يغفو لي جفن، أو يتسرب إلي ملل، وأنا في رحلة نهاية الدوام، من العمل إلى الدار، لما اتسمت به من سلاسة في اللغة، وجزالة في الرأي، وجودة في التعبير، وجمال في الصياغة، وعمق في المعالجة، وجدية في التحليل، وموضوعية في نقد كثير من المظاهر السياسية السالبة، والوقائع التاريخية البارزة، ما مضى منها، وما هو ماثل في واقع الحال.

حقا إنها لوثيقة نقدية، جديرة بالتقدير، والاحترام، جآءت متضامنة، مع من سبقها، من قراءات نقدية مماثلة، ملتزمة النهج العقلاني، رجآء تبصير الحركة السياسية الإرترية، بمواطن خورها، ونقاط ضعفها، لعلها تتحفز إلى الإفادة منها.

من هذا الشعور والإحساس في التفاعل، مع هذه المقاربة النقدية، بدا لي أن أكتب بعض التعليقات، والتعقيبات، التي أحسب أنها تزيد من متانة هذه الوثيقة، وتقوي من معالجاتها، وتقويماتها، ولا تقلل من شأنها، وقدرها.

لقد استهل الأخ زين العابدين مقاربته بتلك الفرضية التي تقول: ” إن الفكر السياسي الإرتري يعاني من أزمة مزمنة…” ثم أخذ يقرر بناء على هذه الفرضية، عدة نتائج، منها قوله: “هناك غياب واضح للعمل السياسي المؤسس على القناعة الفكرية الواضحة، المحددة، يراها كل مراقب للعمل السياسي الإرتري…”

وفي هذا نوع من التعميم، لا يتناسب والدقة في تبين مكونات الساحة السياسة الإرترية وتمييز منظوماتها السياسية، فكرا، وطرحا، فالحركة الإسلامية الإرترية مثلا، حركة فكرية، تجديدية، تأسست على قناعات فكرية واضحة، ومحددة، تتعهد ذاتها بين الحين، والآخر بالتقويم والتجديد، مستهدية بمرجعيتها الفكرية، ينضوي تحتها خليط من الشباب الناشئ، ذكورا، وإناثا، وأصناف من الكفاءات، ذات التخصصات المختلفة، يراها كل مراقب للعمل السياسي الإرتري، ملامسا خطها الفكري، ورآها السياسية، بغض النظر عن اتفاقه، أو اختلافه معها، ولها رصيد من الإنتاج الفكري، في الإجابة على تحديات الساحة الإرترية، وتعقيداتها المختلفة، كذلك الحركة الفيدرالية تميزت بطرح عملي واضح، مؤسس على قناعة فكرية، موثقة في إنتاجها السياسي، لا تخطئه العين المجردة، ويلحظه كل مراقب للعمل السياسي الإرتري، من غير أن يعني هذا خلو الحركة الإسلامية الإرترية، أو الحركة الفيدرالية، من قصور، وعيوب، ووهن، يراه الناقد البصير، ويلفت إليه الأنظار، قصدا لإحراز مزيد من الارتقآء، ومزيد من التجويد والإتقان في الأدآء.

وفي حديثه عن الماضي، والماضوية، انتقد الأخ زين العابدين، أولئك الذين لا يودون الانفكاك عن الماضي، والإقبال عنه نحو المستقبل، جاعلين منه إرثا مقدسا، بكل ما حوى، تشمئز نفوسهم من نقد مسلماته، ويتوجسون خيفة من تقليب مكنوناته، بروح باحثة عن الحقيقة المجردة، من كل المؤثرات العاطفية، وإني لا أملك إلا أن أتفق معه كل الاتفاق في أن الانعطاف كلية إلى الماضي، والسكون إلى مخزونه، والنظر إليه بقدسية تجرم وتحرم نقد مسلماته، نوع من الفقر المدقع، في العطآء السياسي، من شأنه أن يحجب البصر والبصيرة معا عن تبين معالم الحاضر والمستقبل، كما اتفق معه في أن ثمة أناس يجترون الماضي إلى الحد الممجوج، ويطوفون بأركانه، دون أن تكون لهم إضافة جديدة، تلبي حاجة الحاضر، وتستجيب لمطالب المستقبل، نوعا وكما، ولكن ما أظن أن الأخ زين العابدين يعيب العودة إلى الماضي، اتعاظا، أو اعتبارا، ذلك أن المستقبل إذا كان هو مرمى العمل السياسي الجاد، فإن الماضي أيضا يظل هو منطلقه نحو آفاق الحاضر، والمستقبل، فما الزمن إلا سلسلة حلقات مترابطة، يأخذ دورته التاريخية، ليجعل من حاضر اليوم، ومستقبل الغد، ماضي البارحة، ويبقى التجديد والابداع هما الطاقة الدافعة نحو الأمام، لكل عمل راشد، دون الانسلاخ عن الماضي بكل قيمه الإيجابية، أو الاتعاظ بمظاهره السلبية، تجنبا للسقوط مرة أخرى في مواطن اخفاقاته، على هذا النحو بدا لي أن أفهم قول الأخ زين العابدين: ” وبدلا من استئناف واستنساخ الماضي واستجلابه لنعالج من خلاله المشكلات التي يطرحها الحاضر يجب الآن الإقرار باستقلال الحاضر عنه والانطلاق من حيث توقف الابطال…”.

ذلك أن الإقرار باستقلال الحاضر عن الماضي، والانطلاق من حيث توقف الابطال، لا يعفينا أبدا في نظري من الانعطاف نحو الماضي بوسطية واعتدال، واستصحابه بين الحين والآخر، فكم للأبطال من عثرات تكون لنا آية، وكم لهم من وقفات ناجحة، وثوابت راسخة، تكون لنا حافزا ومحرضا.

ولما شرع في الحديث عن الحرية والديمقراطية أكد الأخ زين العابدين على عدة حقائق في غاية الأهمية، من وجهة نظري، وإني على وفاق معه، في غالبها، أورد منها مايلي:ـ

أولا: إن أي تجمع سياسي لا يمارس الديمقراطية في ذاته عاجز “عن النضال من أجل الحرية والديمقراطية لغيره…”.

ثانيا: إن فكرة التحرر الوطني، محقت وسحقت شطرا كبيرا، من حرية الفرد، التي من الفترض أن تكون ” شرطا ومقدمة للتحرر الوطني نفسه…”.

ثالثا: بعض النخب السياسية والثقافية كانت من وراء ” ما نحصده اليوم من الظلم والاستبداد…” مهما كانت النوايا خالية من إرادة السوء، وتعمد إلحاق الضرر بحرية الفرد.

رابعا: إن العلاقة بين الديمقراطية والحرية علاقة جدلية غير قابلة للفصل والبتر.

خامسا: إن الديمقراطية بالرغم من غرابتها على شعوبنا خيار لابديل لنا منه، ومطلب لا مفر لنا عنه، تفضيلا على النزعة الدكتاتورية، ومقارنة بها.

سادسا: الحركة السياسية الإرترية أخفقت في ممارسة الديمقراطية، والانتقال بها من الإطار النظري التجريدي، إلى الإطار التطبيقي العملي، حيث جعلت من المركز غالبا، وعاليا، على حرية الفرد.

سابعا: إن الخلافات السياسية التي تشب داخل نسيج كل تنظيم سياسي، لتنتهي به إلى الانشطار، والتشرذم، ومن ثم التلاعن بالبيانات، لدليل على ” هشاشة التجربة السياسية الإرترية…”

إن هذه الخلاصة من المقاربة النقدية، في تقويم المسار الديمقراطي الإرتري، إن لم تكن هي عين الحقيقة، فإنها لا تبتعد عنها كثيرا، على الأقل من الجانب التنظيري، فمن لم يتعاطى الديمقراطية واقعا ممارسا، لايمكن أن يكون لها رسولا أمينا، يناضل من أجل إسعاد الآخرين بها، وإنما غاية صيحاته بها، لا تتجاوز حدود حنجرته، مما يصنفها في دائرة النفاق السياسي، وهل فاقد الشئ يعطيه؟!!.

وكم كان الزين موفقا عندما حمل بعض النخب الثقافية مسؤولية الانحدار الذي نتجرع مرارته اليوم بعلو الاستبداد، وتحكمه الشامل بتزمة، وتطرف، فهذا عين ما أشرت إليه في كتابي (الحركة الإسلامية الإرترية والعمل السياسي) حين قلت: ” وما يعانيه شعبنا اليوم من طغيان سياسي هو حصاد التميع الثقافي الذي عم الثورة…وإذا كان ثمة درس يستقى من هذه المعاناة فإنما هو خطورة الانفلات الثقافي، والسقوط في شباك وشراك الثقافات الغازية…”.

لا شك أن الحرية مطلب كل نضال حر وواع لمآربه، ومقاصده، ومن هنا أن العلاقة بين الديمقراطية والحرية علاقة جدلية، لا ريب فيها، كما أكد ذلك الأخ زين العابدين، وحقا أن الحركة السياسية الإرترية أزهقت روح الحرية، وأرهقتها، بتغليب المركزية، واعتبارها خيارا مفروضا في الإدارة الوطنية، قاهرة بهذا حرية الفرد، ومحجمة إياها إلى حد التقزيم، والتعويم، جاعلة من التربة هي الغاية، ومن الفرد هو الوسيلة، على نقيض المطلوب والمأمول، وهكذا كلما نادى الفرد بحقوقه سحق وغيب عن الوجود، متهما بتأليب المخاطر وتأجيجها على الوطن، واستقراره، وكلما قيل إن الفرد مسحوق، قالوا: إن الطرق مرصوفة، والأبنية الشاهقة قائمة، باختصار كما قال أحدهم: ( عدي تندق أللا) ( الوطن في عملية بنآء وتعمير) فلم كل هذا الضجيج حول حقوق الإنسان.

هكذا يترسخ نهج ديكتاتوري، يعزز من وجوده وتسلطه، باسم حماية الوطن وحراسته، من التآمر الداخلي، والخارجي، وهكذا يصبح ويمسي كل من اعترض عليه عميلا، ليس له من مأوى غير الاعتقال، أو مصير غير الاغتيال.

وإذا كانت هذه هي العلة فإن من ضروريات معالجتها، تجنب الهيمنة المركزية، وإعلاء شأن الحرية عليها، باعتبارها قيمة عليا وذلك بالدفع نحو اللامركزية المصانة بسلطان الدستور، والمحمية بقوته، حتى يكون للحرية معناها العادل، والشامل.

ومن جانب آخر عند تقويم انشطارات الحركة السياسية الإرترية، وتتبع علاقة هذا الانشطار بالتجسيد الديمقراطي، في ساحة كل تنظيم سياسي، ضعفا، وقوة، لابد من البحث عما إذا كان الوعي الديمقراطي ذاته أخذ حظه الكافي، من التمكن والتوغل، في ذهن الفرد الإرتري، باعتباره ثقافة تملأ وجدانه، وتضبط مساره، في إدارة الخلاف السياسي، قبل أن يكون شعارا ملفوظا، أو قولا مسطورا، في الوثائق السياسية، وما أظنه هو: أن الوعي بالشورى أو الديمقراطية في حسم قضايا الخلاف، ما زال ضامرا إلى حد ما، في وعي الإنسان الإرتري، ويحتاج إلى ضخ مزيد من الثقيف والتنوير بأهمية الشورى، أو الديمقراطية، وحمل الذات عليها، وبهذا أعتقد يرتفع معدل الاهتمام بها، ومستوى الحساسية، من التفريط فيها، وما لم تكن مراجعة نقدية لتراث مرحلة الكفاح الوطني، وتربية جادة على انتاج ثقافي يتأسس على الشورى، أوالديمقراطية، لا يمكن أن يكون للديمقراطية، أو الشورية وجود حقيقي، ومن ناحية أخرى يجب عدم اغفال النفسية الفوضوية التي تجنح نحو الفوضى عند تحسس مسببات المروق التنظيمي، وإذا ما حسمت ديمقراطيا تمردت، ونعتت الآخرين بالديكتاتورية، الأمر إذن أعقد من أن يعلل بغياب الديمقراطية، وإنما هو وليد عدة عوامل متداخلة، ومتشابكة، تنظيمية، وأخرى نفسية، كما أن الانشطار وإن بدا عملا غير صالح فإنه قد يكون ضروريا أحيانا وقد يأتي بخير إذا ما ضاق الرحم التنظيمي عن الولادة الطبيعية، تماما كالولادة القيصرية، التي تكون لحماية الأم والطفل معا، إذا ما عجز الرحم عن الدفع الطبيعي للجنين، إذن لا نحسب كل انشطار شرا لنا، بل قد يكون خيرا، فإما أن يلفظ جنينا فقد مقومات الحياة، وبات خطرا على حياة أمه، وأما أن يأتي بجنين حي متكامل الخلقة عجز رحم أمه عن دفعه دفعا طبيعيا، فيكون وجوده إضافة نوعية، وخطوة تقدمية في طريق الديمقراطية.

ولما أن جآء الزين إلى الهوية أكد على ضرورة طرح رؤية واضحة محذرا من أن إهمال ذلك تسويفا وتأجيلا سينجم عنه خلق وضع مأساوي ” إن عاجلا أم آجلا”.

ومعلوم أن هوية الكيان الإرتري ما زالت مثار جدل، ونقاش، لكن بالنظر إلى الواقع يراد لها أن تتجه نحو التجرنة، وقطعت في هذا الاتجاه شوطا لا بأس به، وصحيح أن سلطة الجبهة الشعبية ورثت تركة استعمارية صاغت الهوية الإرترية على نحو يتناسب ومقاصدها الاستعمارية، لكنها لم تتخذ خطوة إيجابية، ولم تتبن سياسة متوازنة في معالجة هذا الواقع الاستعماري، وإنما كما يقول الأخ زين “عمقت هذه الأزمة واستغلتها استغلالا بشعا…”  ومظاهر هذا التعميق والاستغلال البشع واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، إذ تتعمد الجبهة الشعبية بكل عناد، وإصرار، طمس سائر الهويات، ضاغطة الثقافة العربية أولا، بغية إبراز الهوية الإرترية من جانب الضلع التجرنياوي، وذلك بفرض واقع ثقافي، وسياسي، يعزز من نفوذ سلطة التجرنية، ولا معنى لتلك الرقصات التراثية، التي تؤدى على خشبة المسرح، فهي في حد ذاتها مسرحية، ليس لها من وجود خارج المسرح، مادام الحق السياسي في السلطة والثروة محتكرا بيد فئة بعينها، ومسلوب من قبلها.

وليس الموقف التشجيبي وحده هو المطلوب إزاء هذا السلب، والاحتكار، وإنما إتباعه بحل تعايشي، يحفظ لكل فئات المجتمع الإرتري حقوقها السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، في إطار التنوع داخل الوحدة.

إن فشل القوى السياسية الإرترية، في إدراك أن ” هوية الإنسان والمجتمع قائمة على التنوع داخل الوحدة…” إنما هو وليد العقلية غير المتوازنة في تحديد أي الطرفين هو الغاية والمقصد، من الطرف الآخر، مشروح التحرر الوطني، أم حق الفرد الانساني، بكل ما تعنيه لفظة (الانساني) من حقوق.

وفي ظل علو هذه العقلية غير المتوازنة وغلوها، ساد وعلا الخطاب العمومي، الذي ما زال سائدا حتى اللحظة، وهوخطاب تسويفي يعتمد تأجيل ما حقه التعجيل، ومنه تولَّد هذا الإخفاق الذي أشار إليه الأخ الزين في إدراك هذه الحقيقة، ولو أن الأخ زين العابدين أردف تشخيصه لهذا الإخفاق برؤية تطبيقية في تقاسم السلطة والثروة، مسترشدا بالخيارات المتداولة، أو مبتكرا، لكان أجدى وأولى، أما أنا من جانبي فأحسب أن الخيار الفيدرالي هو الخيار المناسب والمفضل في تدارك هذا الإخفاق ومعالجته.

وفي سياق تطرقه إلى تعقيدات الهوية قرر الأخ زين العابدين عدة حقائق جد مهمة، ليس لي من سبيل سوى شكره عليها، ومآزرته فيها، إعلاء لصوت الحق، وإكبارا لروح النقد الموضوعي، وتعظيما لدور المثقف الإيجابي، في قراءة الواقع قراءة علمية، لا أثر للغوغائية فيها، ولا للثرثرة الفارغة، وهذه الحقائق هي:ـ

أولا: إن الدين مكون من مكونات الهوية، وإنه واجه ” هجمة شرسة من كلا المعسكرين الرأسمالي، والشيوعي…”.

ثانيا: إن المجتمع الغربي بفكره الليبرالي، والشيوعي اتخذ من العلمانية دينا مقدسا مكان الدين السماوي، وبهذا أن العلمانية فلسفة غربية جآءت هروبا من “الإقطاع الكنسي…”.

ثالثا: نتيجة لتأثر الثورة الإرترية بالمد اليساري ” اعتمدت العلمانية دينا آخر يقصي كل ما عداه من التوجهات الفكرية الأخرى…”.

رابعا: بحكم أن المسيحية ” تمنح هامش فصل الدين عن الحياة العامة…” فإن المواجهة العلمانية كانت بالدرجة الأولى والأساسية مع الإسلام، والمسلمين.

خامسا: إن المعركة التي تخوضها الجبهة الشعبية بنهجها العلماني مع الاتجاه الإسلامي هي قبل أن تكون معركة مع المنظمات الإسلامية، هي “معركة مع المسلمين الإرتريين بكافة فئاتهم، وأقاليمهم، وليست مع المنظمات الإسلامية…”.

سادسا: إن كثيرا من معالجات الثورة للقضايا الشائكة ” كان مبنيا على أسس نظرية خاطئة غريبة على البنية الثقافية، والاجتماعية للمجتمع الإرتري، خاصة القطاع المسلم فيه…”.

لقد وفق الزين أيما توفيق في تقرير هذه الحقائق، وربما ضاقت بها نفوس نفر من الناس، ولكن مهما كان فإنها الحقيقة العلمية، وإنها الحقيقة التاريخية، ومن الضروري أن تكون منطلقا في تفحص العناوين، والشعارات الملوح بها، حماية للذات من الطمس، والمسخ، والحقوق من السلب والنهب.

إن مصطلح ( العلمانية) لم يأخذ عمقه التحليلي، ولا بعده الفكري، في المجتمع الإرتري، ومن هو المتضرر من تطبيقاته، أو المستفيد، ولهذا نجد كثيرا من المثقفين يبشرون بالعلمانية، دون بحث فيما وراء تطبيقاتها من أضرار على مجتمعهم، وآخرون يرددون هذا المصطلح، تقليدا وتأثرا بالخطاب التعويمي العاطفي، الذي لا يمانع من إهدار كل القيم، والمثل الثقافية، في سبيل فكرة الوطن المجردة، من غير أن يبحث عن قيمة الوطن، من دون قيم المواطن، ومثله النبيلة، وغالبا ما يكون مصدرهذا الخطاب التعويمي محترفي السياسة، وليس رجال الفكر.

في اجتماع ضم نخبة من أبنآء التجرنية، ذوي التزام سابق بالجبهة الشعبية، ونخبة من أبنآء المسلمين عقد في 2002 بهولندا بمبادرة من موقع عواتي دار نقاش حول هذا المصطلح وبعده الفكري، والتطبيقي، والأضرار الناجمة عنه على الطرف المسلم بالذات، استشهادا بالواقع الذي تعيشه إرتريا، في ظل الجبهة الشعبية، وكان الخيار المطروح من قبلنا في تصور دولة إرتريا هو مصطلح (الدولة المدنية) وليس الدولة العلمانية، ذلك أن الدولة المدنية هي تلك التي تتعامل مع الدين بنظرة إيجابية تفاعلية، وليس بنظرة عدوانية إقصائية، وإن لكل مصطلح مضمونه، وكفى بالمرء جهلا أن يلوك مصطلحا وهو أجهل بمضمونه، ومردوده، من حمار أهله، أجارني الله وإياكم.

وما دام الوطن عبارة عن مشاركة عادلة، بموجب عقد اجتماعي، لا يملي بنوده طرف على آخر، فلا بد أن يكون لكل طرف ثوابته التي لا تمس بضرر، بضمان هذا العقد الاجتماعي.

وبجانب التنادي إلى مؤتمر مصالحة وطنية ” جامع للإرتريين” الذي وجهه الأخ زين العابدين أنادي أنا من طرفي الكيانات السياسية الإرترية المتقاربة فكرا، والمتماثلة طرحا، أن ترتقي إلى مرقى أعلى وأسمى، بخلق كيان جديد، لا أقول إنه انصهار جانب في آخر، وإنما هو تلاقح وتلاحم، في نقطة انطلاقة متقدمة، وواضحة المعالم، والأهداف، لا بهدف الإقصآء واستبدال شيفونية بأختها، وإنما بغرض إضافة نوعية في ميدان العطآء السياسي، وتفاعلاته اليومية.

 

في الختام شكرا للأخ زين العابدين محمد علي عمر شيخ ومزيدا من العطآء والابداع في ساحة النقد السياسي، والتوجيه الفكري.

 

والله الموفق  

وكتبه/ الكتور جلال الدين محمد صالح

لندن

12/12/2005

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6203

نشرت بواسطة في ديسمبر 12 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010