جدواى استراتيجية حرب العصابات لاسقاط نظام اسياس

محمد نور احمد

 عضو سكرتارية الحزب الديمقراطي الارترى 

 

 حرب العصابات أو حرب الفوار كما فى بعض التسميات ، اسلوب قديم استخدم لآغراض مختلفه ، أما كوسيلة لتحقيق هدف سياسى هو أخر ماتطور اليه ، ويعود الفضل فى ذلك الى الزعيم الصيني (( ماوز دونغ )) فى مواجهة الاحتلال الياباني قبل  وأثناء الحرب العالمية الثانية ، ثم فى الحرب الاهلية بين الحزب الشيوعي والحزب الوطني بقيادة الجنرال (( شيانغ كاى شيك )) الذى كان مسنودا من قبل الولايات المتحدة الامريكية . وانتهت الاول بهزيمة اليابان والثانية بأنتصار الحزب الشيوعي وهروب ( شيانغ ) الى جزيرة (( تايوان )) ليؤسس دولته عليها .

 وضع ( ماو زرونغ )) قواعد لحرب العصابات ، تبدأ بتكتيك الفر والكر أو أضرب وأهرب فى مواجهة قوة تفوقك عددا وعدة ، وقد شبه الخصم لقوته بالفيل والعصابات بالنحل الذى يلسع الفيل ولا يسع الاخير الا للدوران حول نفسه بحثا عن عدو لايستطيع الامساك به حتى يقع على الارض اعياء وتفارقه الروح .

 استراتيجية حرب العصابات أو حرب التحرير كما اصطلح عليها لاحقا حسبما وضعها (( ماو زدونغ )) تقوم على ثلاث مراحل :- المرحلة الاولى تقوم على الضرب والهروب وما يتنزع عليها . المرحلة الثانية تقوم على الدفاع الاستراتيجي عند التمكن من تحرير بعض المناطق واقامة القواعد عليها . اما المرحلة الثالثة والاخيرة وتقوم على الهجوم الاستراتيجي على تحصينات العدو حتى الحاق الهزيمة النهائية به .

 أن كل حركات التحرير التى نشأت بعض الحرب العالمية الثانية ، اعتمدت على استراتيجية حرب العصابات بشكل أو بأخر حسب ظروفها لكن أكثرها أبداعا كانت الثورتان الصينية والفيتنامية لانهما الحقتا الهزيمة بأكبر قوة اقتصادية وعسكرية ظهرت بعد تلك الحرب الكونية ، وهي الولايات المتحدة الامريكية . الا أن حرب العصابات تتطلب شرطا اساسيا هو وجود قاعدة جماهيرية عريضة ولا سيما فى الريف تغذيها وتشد من ازرها ماديا ومعنويا . فالجماهير هى  مصدر الرجال والمال والمعلومات والملاذ  وحافظا لمستودعاتها ومأوا لجرحاها . ولان هذا الاسلوب يحتاج لتحقيق أهدافه فترة زمنية طويلة فأن توفير السند الشعبي الذى ذكرناه ، امر حاسم ، فى تحقيق الهدف المرسوم ، مهما طالت فترة النضال من أجل تحقيقه .

 اذا اسقطنا هذا المفهوم على تجربة الثورة الارترية فأنها الى حد كبير تتطابق معه . بالتأكيد هناك عوامل أخرى الى جانب السند الشعبي لنجاح حرب العصابات فضلا عن أن السند الشعبي فى حد ذاته مشروط بوجود قضية واضحة امام هذه الجماهير تستحق التضحية . بين العوامل الاخرى المهمة وجود دعم  ايا كان حجمه ونوعه من المجتمع الدولى يشكل ضغطا على الخصم ودفعا معنويا لقوة التغيير . فقد تحقق للثورة الارترية دعما جماهيريا قويا فى مواجهة الجيش الاتيوبي الاقوي من حيث العدد والعتاد ودعم امبراطوريتين له فى مرحلتين متتاليتين هما الولايات المتحدة الامريكية فى عهد الامبراطور هيلى سلاسى والاتحاد السوفيتي فى عهد منقستو هيلي ماريام فى مقابل دعم عسكري محدود من سوريا والعراق ومن مصر والجزائر  مرة واحدة ودعم مالى ،  محدود أيضا  من السعودية ودول الخليج .

 لقد اعتمدت الثورة الارترية اعتمادا كبيرا على الجماهير الارترية لان القضية كانت واضحة امام تلك الجماهير لهذا  قدمت ما تستطيع  . فكلما سقط شهيد قدمت له البديل وكلما ازداد جيش العدو كثافة تطوع الالاف من الشباب فى صفوف الثورة ، هكذا حتى تحقق النصر المؤزر . هذه قصة الثورة بأيجاز خلال الثلاثين عاما التى استغرقتها  وفى نهايتها تحقق الاستقلال وعلق العلم الوطنى وتبوأت ارتريا مكانتها بين الآمم كما يقول نشيدها الوطنى , ولكن هل كان ذلك كل ما يطمح فيه الشعب الارترى و بذل فى سبيله الغالى والنفيس ؟ بشكل قاطع لا  لآن الاستقلال المجرد لم يكن فى حد ذاته غاية ، وانما وسيلة لاقامة كيان يحترم حقوق الانسان الارترى ويصون كرامته فى ظل تعددية سياسية وحكم القانون الذى يفتح الطريق واسعا امام الاستقرار فالتنمية  فى مختلف مناحى الحياة أن شئ من هذا لم يحدث بل تم استبدال دكتاتور أجنبى باخر أسوأ منه من جلدتنا فعشية التحرير صرح كما هو معروف الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ، بأنه سوف لن يسمح فى ارتريا المستقلة بوفوض التنظيمات  ومن ارادة أن يشارك فى اعادة بناء البلد فليدخلها كفرد بعد أن تكون التنظيمات التى كانت تناضل من اجل الاستقلال قد حلت  نفسها وهناك من استجاب وهناك من رفض وقد وقفت التنظيمات التى رفضت حل نفسها العمل المسلح ضد الشعبية مؤقتا لاتاحت الفرصة للحكومة الاترية المؤقته لملآ الفراغ السياسي واستتاب الآمن وضبط النظام ومراجعة قرارها التعسفي فيما يختص بالتنظيمات السياسية . لكنها لم تنتظر طويلا اذ استأنفت نشاطها المسلح بأسلوب حرب العصابات ضد الجيش الشعبى التابع للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والتى شكلت الحكومة الارترية المؤقتة . ولما لم يكن ذلك مجديا من الناحية العسكرية وغير مقبول جماهيريا لانه امتداد للحرب الاهلية التى عارضها الشعب لان الخسارة فيها فى جانب واحد ، هو الجانب الارترى أوقفت معظم الفصائل نشاطها العسكري بأستثناء حركة الجهاد الاسلامي التى تكونت عام 1988م وبدأت نشاطها العسكري فى 1989م والذي كان موجها فى الاصل ضد الجيش الشعبي وبعد انقسام الحركة اعاد النظر فى العمل العسكري الجناح الذي كان يقوده الشيخ عرفا والذى عرف فيما بعد بحركة الخلاص ثم الحزب الاسلامي للتنمية والعدالة بعد مؤتمره  الاخير بينما يواصل الجناح الذى يقوده أبو سهيل ويحتفظ باسم الحركة داخليا بينما يتعامل خارجيا باسم المؤتمر الشعبي ، وقد ترتبت على هذا النشاط العسكري خسائر فى صفوف المدنيين سواء بأنفجار الغام فى حافلات أو سيارات مدنية او نصب كمائن لسيارات تتحرك ليليا على افتراض أنها سيارات عسكرية ليتضح بعد وقوع الواقعه ان ركابها  مدنيون كما تمت من جانب الحكومة  تصفيات لكل من يشتبه فى تعاطفه مع حركة الجهاد الاسلامي ، ولم تقصرحركة الجهاد فى القيام بالمثل تحت تهمة التجسس لصالح الحكومة ،  وممارسات كهذه كانت موجودة حتى فى عهد الثورة ولكن مع اختلاف العدو فهو أحنبي محتل فى الاول ، وطنى أغتصب السلطة فى الثانية . ثمة ملاحظتين تبدوان من خلال تجربة حركة الجهاد الاسلامى فى الكفاح المسلح ضد نظام اسياس بأتباع اسلوب الكفاح المسلح هما :- أنه رغم مضى ستة عشر عام على بد حركة الجهاد الاسلامى للكفاح المسلح لم تحقق أي انتشار جماهيري فى وسط الشعب الارتري فى الداخل بينما فى نفس الفترة تمكنت الثورة الارترية رغم انقساماتها الى تحرير مدن والوصول الى مشارف اسمرا لانها استطاعت خلال هذه الفترة من مجموعة حرب عصابات الى ثورة شعبية واسعه واذا قبلنا حجة من يقول بأن الشعب هنالك موحد ضد عدو واحد بين لا تتوفر هذه الميزة بالنسب للحركة لكننا نرد ونقول كان يمكن ذلك أن يحقق فى أوساط المسلمين من الشعب الارترى على الاقل اذا كانت القضية التى حملها مقاتلوا حركة الجهاد الاسلامى واضحة بدرجة تستحق معها التضحية .

 الملاحظة الثانية هى أن النشاط العسكرى لحركة الجهاد الاسلامى محصور فى الريف الارتري ، ويمارس ضد عناصر الخدمة الوطنية أو بالاحرى ، الخدمة العسكرية الالزامية ، الذين لاحول لهم ولا قوة . ان قتل أعداد محدودة أقصها سبعة ، مرة كل سنة أو حتى ستة أشهر لايؤثر على قبضة النظام على رقاب الشعب لان العمليات تتم فى اقصاها الريف وما تقوم به هو أضافة مزيد من الثكالا والمكلومين من الامهات والاباء ، فى حين يعيش المسؤولين الكبار عسكريين وسياسين فى أمن وأمان حتى فى المدن النائية ،  يزاولون هواياتهم فى اضطهاد الشعب وتجويعه وتطويق حركته وكتم أنفاسه بلاخوف ولا وجل على حياتهم . ولعل ذلك يطرح سؤالا وجبها وهو هل أن  أسلوب حرب العصابات بالكيفية التى تمارسها  حركة الجهاد الاسلامي اسلوب فعال ؟  فى مواجهة الانظمة الدكتاتورية ؟ واذا كان مثل هذا الاسلوب قد نجح فى كل كوبا ونكراغوا لتوفر ظروف محلية ودولية مؤاتية ، هل يمكن أن نعممه على حالات أخرى مثل حالة النظام فى بلدنا ؟ من وجهة النظر المتواضعة لكاتب هذه الاسطر أن اسلوب حرب العصابات لمواجهة الدكتاتورية فى ارتريا اسلوب عقيم ، لان ارتريا اليوم ليست ارتريا الامس عند ما كان الشعب بأسره فى مواجهة جيش الاحتلال الذى أحرق قراهم وارتكب ضده مجازر جماعية بأتباع سياسة الارض الحروقة لعزل الثوار عن الشعب بجمع ما تبقي من سكان القري فى قري استراتيجية يسيطر عليها الجيش الاثيوبي بهذا يكون  قد جفف الماء عن السمك ليلقى الاخير  مصيره  المحتوم عطشا وجوعا وهى سياسة لم تنجح رغم بشاعتها وان كشفت طبيعة النظام الاستعماري لنا روح المقاومة لدى الشعب ، اننا لا نظن أن حطومة اسياس مهما بلغت من وقاحة ترتكب مثل هذه الحماقة ، وقد يجادلنى القارئ بأنها فعلا ارتكبت مثل هذه الجريمة البشعة مؤخرا فى ( عدي أبيتوا ) وأرد عليه بان المقارنة غير واردة بين ما حدث فى عدى ابيتو وما حدث فى عد ابرهيم وعونا وسفديرا ووازنتت وامبيرمي وشعب وحرقيقو وغيرها من القرى مما لا يسع المجال لذكرها،  وانما تقوم حكومة اسياس بتضليل المواطن العادي من خلال اجهزتها الاعلامية المسيطرة وكادراتها السياسية المدربة ، وتزين له بانها تحمية من غزو ( الوياني ) وعملائها الارتريين وتتربص بكل من فطن الى اضاليلها فترمى به فى غياهب السجون وتنسب اليه أى تهممة بل هى ليست مجبرة حتى على نسب تهمة فليس هناك من يحاسبها . لهذا فأن حكومة طبيعتها هذه يجب مواجهتها بأسلوب محتلف وبأدوات مقاومة متحدة  تنذر نفسها لازاله هذا الكابوس الذى حول الشعب الارترى الى أشباح وصارت الارض الارترية طاردة لابنائها ولا سيما الشباب منهم لتفيض بهم دول الجوار وتتغذى من احسادهم ذئاب الصحراء الكبرى وأقراش البحر الابيض المتوسط وتضيق بهم سجون ليبيا ومالطا .


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6350

نشرت بواسطة في مارس 10 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010