من مذكرات فرجت

 بقلم  / متكل أبيت نالاي  

 

 

كل الأخبار القادمة من إريتريا سيئة، لا توفر فرصة لهواتف المحمولة والثابتة، وكذلك للأجهزة الفاكس والصحف الحرة، المساحة الأزمة التي تمكنها من نقل بصدق تلك القصص التي لم تروى بعد،  خصوصاً إذا عرفنا كل هذه الأجهزة محاصرة في بلادنا.

 إجمالاً أن الأمور قد ساءت مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل الاستقلال. والشعب الإريتري هو احدي الشعوب التي تعرض للكذب من قبل حكامه الذي قدموا له وعودا كاذبة بالرفاهية فلم يفعلوا سوى قيادة شعبهم من سيء إلى أسوأ.  وفي هذا الخصوص يعلق المعلم فرجيت بقوله:

الفقر سياطاً يلسع جسم الإنسان وكرامته،  ولا يوجد من يعرفه أكثر مني، أكل وشرب معي سنين، سحقني،  ومازال مستمراً في خنقي ومع ذلك قطعنا رحلة عمر مريرة أنا وهو، رأينا الأبيض والأسود معاً،  وحتى وان كانت قاسية نسبياً أشعر بامتنان شديد تجاه ذلك الزمن التي كانت بلادنا فيه مليئة بالطليان، والعرب، والهنود. وأنا دوماً أشعر بالحنين إلى تلك الفترة.

 والمهنة التي احترفتها لها قواعد وبرنامج وتوزيع جغرافي ومنطق لبق ومظهر بسيط ودعاء مسموعة في القلب. وفي الماضي كانت لنا جلسات حلوة تدور بيني وبين الشباب من أحاديث شائقة نسمعهم فضولنا ورغبتنا عبر النكتة الخفيفة في سياسة الإمبراطورية، ونتوقع منهم الخير في كل مكان.

وفي تلك الأيام كنا ننتشر حول المساجد الكبيرة ونستعد لمواسم رمضان والحج والعيد ننتظر فيه عطايا المسلمين المتيسرين، وللأسف اليوم أصبحت ذكرى للماضي الجميل.

تغير فينا كل شيء أصبحنا نمشي وراء السراب، بح صوتنا ونشف ريقنا، اليوم لا يوجد من يفهم دعاؤنا، الكل يسمعنا كلاماً قاسياً يقطع القلب ” كالسكاكين” كل الناس أصبحت تدردش مع الحيطان، لا يشغلهم إلا أكلهم ومشربهم على الدوام. انتهى زمن العطف والشفقة بسبب مرارة الحياة الذي اكتوى بها شعبنا.

 وفي يوم من أيام العدالة والديمقراطية الأكثر تأججاً وتبجحاً،التقيت بفلان من بيت الحكم في بلادنا، أشفق علي، فيما يبدو فدعاني إلى المطعم للغداء  معه، ثم  بعد الغداء قال لي: يا فرجيت تعرف نحن أغلى ما نمتلك هو شعبنا”  وأنا كنت في انتظارك وأبحث عليك منذ فترة، فأنا عندي لك مشروع في مجال غير مطروق في العالم كله، ثم عرض علي أن أتسول لصالح التنظيم مقابل دخل قدره   5%  من الدخل اليومي، وقلت له لماذا أنا بذات، فأجاب أولاً  لابد وأن تعرف أن الانسان لا يعاشر إلا من كانوا مثله  واعلم يا صديقي، أنت القائد ونحن المقود. ثم قال:

 ” عزيزي فرجيت لا تتساءل كثيراً، فقد درسنا أعمالك وليوم أنت مؤهلاً أكثر من أي وقت مضى للقيام بخدمة وطنية فاضلة. وأنت أهلاً في تحمل  هذه المسؤولية، خصوصاً  بعد أن حققت أعلى درجات الشهرة بحكاياتك الشعبية الساخرة وسط الجماهير، كما نعرف لك إلمام بالأعراف السائدة في المجتمع و زبائن ثابتة، ونحمد الله حتى هذه اليوم لم تفقد النظر رغم ظروف الاستعمار في البلاد، مما يبشر بمستقبل أفضل لك، ولنا، لذا هذه العناصر الإيجابية فيك تجعلنا نطمع فيك  ونخطط معاً تخطيط سليم لوضع  الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولدينا فرص عديدة ، يا فرجيت، فقط نريد منك أن تصمم الأولويات حتى يساهم الجميع في زيادة دخلنا، وتساءل فرجيت ما هي مشكلتكم ؟ فأجابه المسؤول بقوله:  بباسطة نريد الحصول على أموال بأي شكل كان ، من السائحين، من المؤمنين،أو من المتعاطفين لا يهمنا من هو وكيف أتى، لعلمك يا فرجيت، نحن ندعو الجميع أن يشاركوا ويشكلوا المستقبل الحقيقي لبناء الوطن. وكما يقال المثل” بقدر أهل العزم تأتي ” العزائم ” وبصراحة يا معلم فرجيت أنا لا أخفي عنك الحقيقة،  أصبحنا نواجه” ديوناً معدومة” في موازنتنا من جراء صرفنا الكثير على فئة من الناس يتغذون على أكتافنا، لهذا نريد منك حلاُ فورياً لهم،

 وكما تعرف لا الأعمى يهتدي إلى الطريق، ولا الكسيح يستطيع السير، فيا ليتك تقوم وتدرب لنا كيف يركب الكسيح كتفي الأعمى وكيف يركب الأعمى كتف الكسيح وفي هذا يضاف لك بدل التنقل والعمل الشاق وقدرها واحد في المائة. يا له من مطالب ثقيلة! شيء محزن حقاً، واقع بائس ومرعب، ولكن مادام الأمر هكذا لا أستطيع أن أرفض لأنني أعلم هؤلاء الجنود لهم سطوة ونفوذ في البلاد. ولا مفر لي من هذا القدر. كما أومن كلنا خلقنا بشكل متشابه ولكن في زمن مختلف في خواتم أعماله.  

وبعد العمل لمدة أسبوع بهذه الشروط القاسية، فوجئت وبدون انذر بأن أجرتي هبطت من  5% إلى  2% وفي تلك الليلة لم أنام بل نظمت هذا الشعر لزبائني وأمري على الله.

 يا صاحب العدالة والديمقراطية كل لحمي ولا تعتذر

وأنا فرجيت الذي مهما تسيء يغتفر

 لماذا أنقصت من أجرتي في ذا الزمان العسر

هل خفت أن أغتني أم خفت أن تفتقر

من كان في أسفل الهوة… لا ينحدر

 عشنا وشفنا!

أن كل إنسان يسعى إلى المال ، يقال المال والبنون زينة الحياة الدنيا. وهناك من يسعي إليه بالحلال وبالكد والاجتهاد وهناك من يسعى إليه بأي وسيلة بالحرام بالفساد، بالرشوة بالاختلاس وبألف وسيلة ووسيلة. وفي اكتشاف ثوري ظهر لنا، أن بلادنا تستقطب متسولون من دولة مجاورة تزاحم كثير من أطفالنا الخارجين من خط المدارس ومتسولون معنا في شوارع أسمرا لإنقاذ أهلهم من الجوع.

وبعض الناس يرى في المال وسيلة من أجل غاية نبيلة إلا أن البعض الأخر يعتبره بحد ذاته الغاية والمرتجى وحيث  أن الغاية تبرر الوسيلة في كل شيء ولذا تراه يحلل ويحرم ويكره ويباح من أجله كل شيء وقد ترى وتسمع كيف يتقاتل الناس بالطبع فاءن الصراع من أجل الحصول على المال. وهؤلاء هم الذي نستخدم فيهم مفرد قليلن الحياه. والانتهازيين، والجشعين واستغلاليين وغيره…الخ

بالطبع فاءنا الصراع على المال موجود منذ الأزل ولكن قليلاً ما تتحكم فيه المثل العليا وسمو النفس بل أن المال يعتبر محكا  وميزانا للناس  فسحره الزيف يكشف ذوي النفوس المريضة من ذوي النفوس العالية العظيمة.

وذات يوم زار صحفي إيطالي البلاد وطلب حديثاً صحفياً مع رئيس الحزب، فأعطاه موعداً، ولكنه اضطر لسفر فجأة إلى استراليا للمشاركة في مهرجان التسول، فكلف سكرتيره أن يستقبل الصحفي، ولكن الصحفي لم يجد السكرتير، وعند البحث عنه وسط الشباب فوجئ الصحفي بمن يرشده إلى فرجيت على إنه من الرعيل الأول ويتقن اللغة الإيطالية بطلاقة وأوصاه الشاب فرجيت أن يرتدي ملابس لائقة لكي يظنه الصحفي أهلاً لهذه المقابلة. ووصل الصحفي وكان فرجيت أمام الجامع الكبير حينها، ثم طرح عليه الأسئلة، وبدأ الحوار بينهما بالتالي.

 متى تستيقظ في الصباح؟

عندا الخامسة،

ماذا تفعل عند نهوضك من النوم؟

أغسل وجهي واصلي ثم أذهب إلى مواقف الباصات في عداقة حموس أودع المسافرون إلى تسني وكرن  وبارنتو ومصوع حتى ظهراً. وكثيراً ما أتشاجر مع صاحب القهوة الذي يبطئ في فطوري دائماً.

 قصدك تذهب إلى المطار؟ لا طبعاً، المطار هو خاص بتسول الدولة.

بماذا تفكر؟

كيف يرجع لنا الاستعمار الإيطالي، بصراحة أنكم تأخرتم عن إريتريا، وعن أحبة لكم أوفياء في هذه الأرض. شعبنا معجبا بكم ومشتاق لرؤيتكم، والله يحاسب من كان سبب في افتراقنا هكذا.

أين تقضي يومك؟

في سابق كنت في كمبوشتاتو إلى خلف المسجد الكبير ولكن هذه الأرض أعتبر مواقف لسيارات والوقوف فيها يكلف 2 نقفة  وأصبحت أرض مكلفة تهرب منها سيارات قوات حفظ السلام والمغتربين ما بالك فرجيت. لهذا أعيش في الأحياء الشعبية في بيوت خرابه وأصغي إلى حديث الجيران وأنا في بيتي. أربعة عشر عاماً هكذا أعيش  ولا تعني لي أربعة عشر عاماً غير شتاء قارساً، وأحلام مؤجلة.

وصدر الحديث في الصحف الإيطالية باسم الرعيل الأول الذي يطالب بعودة الوصايا الإيطالية على إريتريا. فجن جنون الرئيس.

 واجري تصويباً بعد يومين. جاء فيه: “ما ورد في الحديث على لسان فرجيت والصحفي الإيطالي لم يكن إلا أكذوبة أول شهر إبريل.


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6357

نشرت بواسطة في مايو 2 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010