اضمحلال حق القوميات في زمن التغرنية
بقلم / متكل أبيت نالاي
أن تاريخنا الإرتري يرجع إلى الموروث والثقافة التي كانت تتفاعل منذ قديم الزمان في المجتمع الإرتري, وهو في معظمه مكتشفات وانبعاثات كان يتطلع بها الإرتريون الأوائل لبناء قاعدة ثقافية متينة تسبق روحنا الوطنية وتطورنا بطابعنا الإرتري التي تميزنا ونستمد منها جذورنا الثقافية الأصيلة, هذا الماضي الذي غاب عن الأنظار نتيجة ظروف الاستعمار, لابد أن يعود لنا بأي درجة من دقة لتعود إرتريا كما كانت في عهودها التاريخية الجميلة. وقبل ذلك علينا تخليص ثقافاتنا من سيطرة التغرنية ليعود الاحترام الضروري للذات وتعاد التواريخ الخاص بها إلى منزلة المجد الوطني.هذه الرسالة نطرحها للجماهير الصامتة التي عاصرت نداء الأيام الأولى,التي صنفت فيه الشعبية المجتمع الإرتري. وأقنعونا عليه بفكرة حقوق القوميات ثم فعلوا بنا عكس وعودهم وهم اليوم سعداء غير آسفين على توجهات الأمس ,وعلى ما اتفق عليه فيما مضى بيننا حينما كانت كلمة العدالة ترمز لإحدى أطراف النجمة الصفراء,ومن هنا يطوف بخاطري تقيم عطاء هذه المرحلة التي رفعنا فيها شعارات براقة ورايات تخفق عالياًً في سماء الوهم.
كثيرا ما نشاهد اليوم بأن النظرة للقوميات الإرترية تتباين, وبعض المتداول من التراث الخاص بالقوميات الأخرى , نراه تقدمه قومية التغرنية بكل رداءتها وبالغة كسيحة مضللة العوام من شعبنا, وهذا الدور الذي تنجزه التغرنية وجدت قناعة عند بعد الناس, على إنه التراث الصحيح نظراً لأنهم من جيل الثورة, وللأسف هذه هي المواهب الذي تفتحت عيونهم فيها, وكونهم من جيل لا يميز بين تراث الأصلي والباهت,يصعب عليهم معرفة ملفاتها الشائكة وفك طلاسمها.
ومع ذلك أقول حقائق الأمور لا يعرفها إلا أجيال العملاقة الذي أخرجوا هذا التراث. ويبدو أن ثقافتهم قد توقفت منذ زمن بعيد, ولا يمكن لها أن تتطور كما كانوا يريدوا لها أن تكون.
وحتى وإن برعت التغرنية في لعب دور للآخرين ,تظل غائبة عنها تفاصيل هذا التراث وأسراره العميقة, ومرجعياته, وخزائن قوانينه, وشيمه, وخصوصياته, وحتى مخارج لغته.
وهكذا ظلت التغرنية تهدينا أشياء مالا تدونها ثقافتنا لتضيع حقائق وتدخل أشياء جديدة تظل علقة في ذهننا لزمن بسيط, ثم تتحول إلى حقائق ثابتة يصعب إخراجها من التراث التي دفنت به .
وحضور التغرنية ملاحظ في كل شيء, فهي تلعب في الرياضة وتزور في الثقافة وترمم في الفنون لصالح كل القوميات, دفنت أشعارهم ومكانهم ولغتهم, فجمدت دور الرشايدة, وسبغت الكوناما بالأساليب الغربية, واقتبست أشياء للعفر وزرعت فنون غريبة يسمونها فنون القومية رقم عشرة, لدهشتهم بهالاتها الكثيرة وتقليدها الواضح لشعوب المجاورة لإرتريا.
لماذا كل هذه الإهانة ولازدراء جهراُ من فنون الآخرين؟ وهل كان عليهم أن يضحوا بتراثهم لكي يحيى تراث التغرنية وتسود وحدها في البلاد.
لقد تجنت التغرنية على حقوق القوميات الأخرى تجنياً واضحاً, فعلى الرغم من كثر التراث الإرتري إلا أن هذه الفئة المتزمتة أغلقت عليهم المنافذ في وجودهم ,بل أحكمت المنافذ جيداً حتى لا يتسنى لأي من هذه القوميات في الدخول من البوابة الوطنية الإرترية.
لقد خضعت مساءلة القوميات لممارسات خاطئة وبليدة, من قبل قومية التغرنية التي لا تريد أن توزع الحصص بالتساوي. وقد أثارت هذه الظاهرة اهتمام الناس فهناك فمثلاً من يقول : نحن الإرتريون نتمنى رؤية تراث الرشايدة, والعفر, والكوناما, والحدارب من أصحابها, ولا نعرف ما يحول دون ذلك ,أين يكمن القصور؟ ولماذا نستغل مكانتهم ونصادر حقوقهم ونكذب على تراثهم.؟
ثقفتنا أصبحت ملفقة ولا تمت للإنسان الإرتري بصلة. ويا للمصادفة يستيقظ معي عضو الجبهة الشعبية الذي كان يتابع هذه الثقافة أحياناً من باب التسلية والترفية والسخرية للأشياء الذي لا تقيم وزناً للمجتمع الإرتري كيف تم النزول بها إلى مستوى اللامعقول من الاستخفاف بعقولنا.؟ وحينما قلت له: هذه أشياء هزيلة ومخجلة ومزيفة لتراثنا الإرتري. وافقني هذا العضو بأن هذا الذي نراه ليس عالمنا الثقافي الحقيقي الذي نأمل أن يكون خلاق ذات أبعاد توجيهية نحو مستقبل أفضل. ولكن ما يحصل هو نتيجة محرك ضخم ينتج أشياء داخل المجتمع لم يا لفها شعبنا ولا تستطيع كسب احترام الآخرين لنا.
ورغم هذا الكلام الملاحظ فيها,تبدو لنا التغرنية محمية مكانتها باء جماع من قطاع كبير من الناس تحركهم الموسيقى, وأحدثت فيهم تغيير في استبدال تراثهم وثقافتهم ولسانهم, خفضت مشاركتهم في كل شيء ومنها في الأغاني ورقص نرى انعكاساته واضحة لا تتوافق مع النداء الذي نكرره حول التزامنا بمبدأ إرساء المساومة بين القوميات الإرترية. وما نراه من ممارسات لا تتوفر فيه قدر معقول من المشاركة الصحيحة في الخارطة الإرترية.بل نرى كل شيء
يتم برضاها وبالصيغة التي تراها وبما يعود لتغرنية بالخير, هكذا ترفع معنوياتهم وتحبط معنوياتهم الأخريين.
فالاستخدام المفرط لتغرنية له نتائج عكسية قد يدمر الثقافة الإرترية ويغيب الحقائق الثقافية وقد رصدت تأثيرها عند جيل الحديث, حتى شعرنا بتكرارنا لمساءلة القوميات بأنها مساءلة لا تعني شيء لنا, وليس لها وجود في الواقع الإرتري. إننا نستهلك وننزف بأشكال مختلفة تولد الإحباط والمذلة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6359
أحدث النعليقات