رسالة إلى الجيش الشعبي
بقلم / متكل أبيت نالاي
أيام وتحل علينا ذكرى تحرير البلاد, ثم بعده موسمان يقتربان منا, في معناه ومتعته ينشغل الجميع, استعداد وتخطيطاً وتحضيراُ, خصوصاً, أولئك الناس الذين عانوا أكثر من غيرهم, ليجدوا اليوم سبباً للتفاؤل, رغم ما عودنا عليه الرئيس كل عام بغياب الجديد فيه. إلا إنني أنظر في هذه اليوم, بكل إجلال وتقدير لدماء الإرترية الكثرة الذي سالت فيه, ولجيشنا الشعبي الذي أزح جبالاً من الهموم من فوق رؤوسنا, وكسا إرتريا حلة من المهابة,لهذا لزماً عليه أن أقدم له أرفع باقات الشكر والعرفان, والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار ,كما أهنئ الشعب الإرتري أين ما كان وكيف ما هو عائش, وأقول له:أنت شعب رائع تستحق أن تحيى حيات كريمة, وبهذه المناسبة أقول لهم : كل عام وأنتــــــــــــــــــــــــــــم بخـــــــــــــــــــــــــــــــــير. ودامــــــــــــــــــت إرتريا حــــــــــــــــــــرة. أما بعـــــــــــد:
أيها الجيش العنيد
إنني أعرف أنت محترف في الحروب وإنني لم أرتاح وأنام إلا حينما سمعت بأن أخر فلول الاستعمار خرجت من بلادنا عبر عصب, بضبط كما دخلت إلينا,وأنا مسرور لأنها خرجت وهي مذعورة إلى جيبوتي واليمن, ومره أخرى أقول أنت محترف وإلا من أين جئت بتلك الدبابات والبواخر؟ كنت قد أحببت إرتريا من أجلك, شوقتني إلى البلاد لرؤيتك ,وكنت أظن أنت الوطن ومطمئن بوجودك فيه, بل كنت ومازلت أمل فيك الكثير, وكنت أظن اسم المناضل سوف يكون اسم سعيد في بلادي, ووجه من وجهات الوطن, له مكان في الحاضر ومستقبل نتشرف به جميعاً, وإنني كنت فخوراً, كوني أنتمي إلى رجال غير عادين, حتما لا يمكن أن يقبلوا مثل تصرف إسياس هذا أبداً.
كانت هذه براءتي الكاذبة لأوهامي الكثيرة وأحلامي الثورية المعلبة. واليوم أقف معها على الحد الفاصل بين العقل والأعقل وأتمنى أن أفهم سر إصراركم في خدمة أصحاب السلوك المشبوه الذي وجدوا في هزائمكم النفسية دليلاً على انتصارات أخرى ليست في تناول الشعب الإرتري. وهنا أتساءل ماذا أعطتكم تلك القيود الثورية ؟وماذا أعطتكم تلك الانحناءة العسكرية؟ لا شيء غير… الابتزاز. إنه يتسلى بكم في ملهاة الحرب وفي مأساة السلام.
ولأنني أملك منك نسخة مصغرة قررت أن أكتب إليك احدي نوباتي جنوني,14 عام تدفعني لأقول بعض أفكاري وانطباعاتي عنك, وأنا أعرف أنك لا تقرأ الإنترنيت, ولست وحدك في هذا الأمر, كما ترى كتاباتي أيضاً, إنني لا أضع عليها توقيعي, أليس بيني وبينك من شبه, ومع ذلك جنوني ترفض هذا المنطق للأشياء طبق الأصل من الوطن, فهناك دائماً من يكتب التاريخ وهناك من يوقعه. واليوم عزيزي المقاتل, التاريخ الإرتري جالس مثل ملائكة الشر والخير على جانبينا ليسجل انتصاراتنا الصغيرة المجهولة, أو سقوطنا المفاجئ نحو الأسفل.
تاريخنا لم يعد يكتب شيئا ًإلى أمام, إنه بدأ يمحو بطولاتك أنت ورفاق دربك الآخرون,فصار الفأر فيلاً وصار الفيل وطواطاً ولا يوجد من يعيد هذه الأسماء إلى أوكارها وهويتها غيرك,ولكن أنت نفسك توجد بين هذه الخرائب.وهل تعرف أن فلان الذي لعنه تاريخ الشعبية, لم يكن يستحق مثل هذا اللعنة, كما أن ودي فنقل الذي مجده التاريخ, لم يكن جديراً بمثل هذا التمجيد, أما عثمان صالح سبي الذي رسموا عليه ظلالاً سميكاً من الشك, لم يكن على مثل هذه السوء لينال منا هذه المعاملة, فقط كان الشهيد يجيد اللعبة المدوخة والخطيرة لهم, وكان يحتاج لمن يفهم طموحه, ولكن سادة الأمر والنهي رفضوا أن يستقبلوها ببشاشة, فسقط الرجل وسقطت إرتريا معه. لهذا الأسباب نحتاج إلى التغيير, لكي نمسح الكثير من الغبار من قبور الموتى ونحطم أصنام كثيرة مصنوعة من الورق. ونطرد هذه الخفافيش التي تغني وحدها وتستبيح مدائننا.
وأنت نفسك القائل: “النصر للجماهير” هل تذكر ذلك, حينما كنت تحمل راديوك المقدس؟… وعندما أتذكر كلامك هذا اليوم, أضحك وأشبه نفسي بأثيوبي جائع يسردون عليه قائمة من الأطباق الشهية التي لن يتذوقها ويسألونه بعدها كيف وجدتها.. هكذا يتحايلون على الذكراتك البلطجيين أهل الديمقراطية والعدالة ليرموا لك عدس تتلهى به, بينما تنصب الموائد للأخرين. وكما تعلم أن الديمقراطية والعدالة هي اسم من أسماء للأربعين لصاً صنعتها أنت من نوبة شوق للحرية وعشق مجنون للاستقلال, ثم أردت أن تجربها كما تجرب القنبلة الذرية في صحراء, وهز انفجارها المنطقة كلها,كنت أنت أولا ضحاياها, ثم خرج من بعدك كل هذه الحرائق والدمار وكل هذه العذاب .
حقاً لم نتوقع لا أنت ولا نحن سوف تكون بهذه القدرة من الدمار, إنها القدر الجاهز, الذي صنعه معك هذا الشعب الذي جنى على نفسه عبر جاهزيته, وتبرعاته السخية لتتجمع عليه لاحقا, هذه القصص وكل هذه الصدمات المتتالية.
اليوم أصبحت الأدوار معكوسة كما ترها أصبحت الدولة هي المتسولة والشعب الجمعية الخيرية, وأعضاء الحزب مقاولون, وأنتم المقاتلون مساعدون للبنائين , يسخرونكم لخدمتهم تحملون على ظهوركم أحجار طول اليوم لتصعدوا بها درجات السلالم العالية, وإذا أبصرتم شاحنة محملة بمستلزمات البناء, بهمة وإخلاص تجرون ورائها لتفريغها, ومن أجل إنهاء العمل في زمن محدد تستيقظون في الصباح الباكر, وتعملون بلا هوادة, ولم تتوقفوا إلا بعد المغيب.
كل هذا وإعلام الدولة يمشي أمامكم, ليأخذوا لكم صور تذكارية وليسألونكم: قائلين: ما أسماؤكم؟… فلان…. وماذا تعملون هنا؟… مساعد بناء, أو حارس ليلي وغيره. من المهن… والكاميرا طبعاً تدور حول الأشجار والحدائق وتصور الشوارع الواسعة, والمباني العالية, والجهة الأخرى للمدينة, لينظروا المشاهدون العمل العملاق الذي أنجزه (يكلوا,و وارساي ) في فترة وجيزة, ثم يلتقي مذيع التلفزيون بالقائد( ودي فلان)… الذي يصف سلعته التجارية بالتنمية أيضاً, ثم يحدثنا عن الخبرة التي استفادوها المقاتلين في مشروعه هذا, ثم بعدها يوصل حديثه ليحدد وليعرف لمن شيدت البيوت؟ … وبكل بجاحة يعدد لك المزايا الإنسانية والقومية التي يوفرها مشروعه هذا في المستقبل. هذه هي برامج ومشاهد التلفزيون الإرتري اليومية.
الحقيقة هي أن هذه المباني شيدت بأكتاف وابتزاز مجهود شباب الخدمة المجانية الذي تدر أعمالهم أموالاً للحزب الحاكم, ولكن يدهشنا التلفزيون حينما يصورها لنا على إنها التنمية المنشودة, والجميع يعرف البلاد عطشانا في حاجة للماء, وجيعانا في حاجة لصومعة غلال , وإذا رتبنا أولويتنا,نجد أن هذه الأشياء تأتي في المقدمة الأعمال, وبعين استثمارية قد تكون عائدها الاستثماري بطيء أو معدوم.ومن هذا المفهوم, تعرف الشعبية إنه لا تجلب لها المكاسب السريعة المطلوبة . لهذا نفضت يدها من الأشياء الذي تتصل بحيات الشعب.
أما منظر المقاتلون في تلفزيون ترهم يتابعون حديث المسؤول بعنين صامتتين, وفي قرار نفس كل واحد منهم رغبة ملحة أن يكسر طوق التردد وينفجر على الوقع المر. هؤلاء جيلاً لا يزال على أعتاب العشرين, يتأكل ويتمزق في مشاريع الشعبية, كلهم أمضوا عشره سنوات في الخدمة الوطنية,حتى ظهرت على بعضهم التجاعيد على جبينهم وزحفت عيونهم إلى شواطئها مبكراً, ومازالوا يتساءلون عن موعد العودة, يقولون : متى الخلاص من هذا الجو العين الذي يبتز سنوات عمرهم. ومع ذلك نجد في البرامج المتلفز للحكومة, تعرضهم بكثير من الإعجاب وتعرض معهم مقاطع من فقاقيع التي تسميها التنمية. فيها ترى صور للمقاتلين بكل استفزاز في مشهد مؤلم ومخيف يتأملهم أهلهم باء معان, وهم يأكلون إنجيرا , تدعمهم نساء يحترفن الزغاريد حتى يروهم أهلهم, هؤلاء الغائبين عنهم الذي لم يعد يحضروا إليهم منذ زمن بعيد,تراهم كيف يعاملونهم بإذلال من خلال عرض منظرهم في صور الوليمة التاريخية التي أعددها الأهالي لهم, والجميع يشاهد كيف أبنائهم استسلموا لها كأنهم لم يتذوقوا مثلها من سنين. ويا للعجب! كمقاتل تنتظر سنين طويلة متأمل, ثم لا يبقى لك سوى هذا الفتات.فعلاً شيء مخزي وعار يحسب على نظام الحاكم.
تمنيت لو ينقلوا صورتهم بمثل إستار أكاديمي ,أيضاً ليرى العالم كيف ينامون وماذا يتوسدون وماذا يشربون, فقط من أجل المقارنة بين أوطاننا وأوطان الأخرى , حتى يعرف الناس إنه يوجد في العالم من حولنا بلدان تصنف مذلة الأوطان نتيجة ظلمها وقسوتها على إنسانها,أوطان ليس لها أمومة, ولا تعرف معاني المعيشة الكريمة, ومع ذلك تملك عشاق مجانين من المغرورين العسكر الذي ارتموا تحت أقدام الرئيس.
أما جرحى حرب التحرير المعوقين وضعهم يذكرك بحكاية” الطائر”الأسمر المنبوذ الشهير. الذي وجد نفسه فجأة لا يشبه أشقاءه. فهجره الجميع ونسوه في زحمة الحياة. أظن المشاهدون يحسون تلك اللوعة التي تستبد بهؤلاء. أما مناضلون الثورة (جبهة التحرير) وكل متاريس هذا الوطن تحولوا تدريجياً إلى خونة, ثم تطوروا إلى إرهابيين, وأخيراً تحولت الثورة إلى عورة لا يمكن ذكر(الجبهة) في ظل الحكومة الإرترية. هكذا تكون علاقتنا بالضياع حميمة.
أزدت يقينا أنت الضحية, وإلا فكيف لي أن أفسر قرارك الذي ذهبت من أجله لتحارب في البحيرات العظمى؟ لا أريد أن أزعجك الكل يعرف إنهم يكذبون عليكم ليصلوا إلى غاياتهم, ثم يغدرون عند انتهاء هدفهم بالمغدور به, يكرهون الذي لا صلة له بهم, إنهم حكام مشروطين لقوى خارجية,حيث الأمل المزيف الذي من أجله تعيش حثالة المجتمع.
ولكن ما يؤسفني ويقلقني هو أنت أيها المقاتل, الذي لم تتفتح عيونك على مداها لترى الدكتاتور كما يجب. أنت تتعامل مع هذه الأوضاع بسكون تام وإجازة طويلة, ونوم عميق, والناس تتعذب وتصرخ, صرخات مدوية, وأنت نائم على فوهات البنادق, الناس يطالبونك أن تستجيب لنداءاتهم باسم الشهيد وباسم المجتمع الحاني عليك, وأنت صامت لا تبالي بما يدور حولك,هذا العالم الهادئ الذي تعيشه, أمضيت فيه حتى الآن 14 عاماً, ولا نعرف كم من الزمن تحتاج لتصحوا ؟ هل أنت عاجز عن وضع حد لهذا الذي يبكينا ويحولنا إلى ممتلكاته العامة, يعملنا مثل الحدائق العامة, , والمرافق العامة, بل ينظر فينا مجرد أشياء بشرية ينقلها النظام من مكان إلى أخر طبقاً لا احتياجاته الأمنية,كما يتقصوا وبشكل تفصيلي ما في جيوبنا وبيوتنا,هل فهمت نحن ليس لنا قيمة في بلادنا ولا تقدير. وهل هذا يعجبك أن يكون شعبك قوة عمل للتسخير والتطويع يتفننون عليهم الطامعين والأشرار وتتنفس فيهم أحقادهم الدفينة.؟ كيف ينطلي عليك هذا؟ وأنت البطل, بل عملاق القرن الأفريقي.
ومن أهم سمات المرحلة التي نعيشها نرى بدأت تتبلور فيها مظاهر غريبة لدى النخبة الحاكمة, منها الترف والبذخ للحياة التي صمموها لأنفسهم, فبدوا يضعون أولادهم وعائلاتهم في الخارج تحسباً من حصول اضطرابات في الداخل أو ثورة شعبية, وبالتالي فهم يخشون على أطفالهم الذين يعلمونهم في أحسن مدارس الأوروبية, والأمريكية, والكندية, تتحول لهم أموالاً من دم الشعب ,أموال لا تحرقها النيران, تنتقل دائماً إلى الخارج. وكذلك إذا مرض أحد من الصفوة يسافر للعلاج إلى الخارج وفي أحسن المستشفيات العالمية. ومن دون شك أن جزءاً كبير من المنح التي تأتي من الخارج تدخل في جيوبهم معتبرين ذلك عربون لضمان أن يبقوا البلاد خلال فترة حكمهم موالية لدولة المانحة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6425
أحدث النعليقات