مستقبل إرتريا بين قصور النظام وأخطاء المعارضة
بقلم :- صالح عثمان علي خير
لابد من التأكيد أولا أن استقلال إرتريا لم يكن هبة من أحد سواء كان ذلك إقليميا أو دوليا بدأ من إثيوبيا وانتهاء بأمريكا ، وإنما كان ثمرة لمعاناة ونضالات شعبنا علي مدي أكثر من ثلاثين عاما ، بمعني أن قبول إثيوبيا باستقلال إرتريا لم يكن منحة أو هبة وإنما كان للخروج من مأزق تاريخي ساهم في زعزعة استقرار إثيوبيا ومخاطر تفككها إلى دويلات عرقية لها أحلامها ومعاناتها مع الدولة المركزية التي مارست القمع والقهر علي القوميات الإثيوبية التي وجدت متنفسا في مقاومة الشعب الإرتري للأنظمة الإثيوبية المتعاقبة علي حكم إثيوبيا حتى انهيار الدولة الإثيوبية وبروز دور قومية التجراي عبر التحالف مع قوي الثورة الإرترية ونجاحهما في تفكيك مكونات الدولة الإثيوبية ، ومع تمكن التجراي من الإمساك بزمام الأمور في إثيوبيا أدركوا بأنه لابد من إخراج العامل الإرتري الذي يعتبر المهدد الأساسي لاستقرار النظام الحاكم في إثيوبيا ، لذلك كان لابد من الخروج من المستنقع الإرتري بأقل الخسائر من خلال منحها الاستقلال وصياغة علاقة تبادلية في ظل المصالح المشتركة مع الدولة الإرترية وكان ذلك عبر صياغة مشتركة بين الحليفين بحضور وتأثير أمريكي قوي يسعي إلى تشكيل محور إقليمي عبر الأنظمة التي ظهرت في شرق إفريقيا “” إثيوبيا- إرتريا-أوغندا- تشاد …الخ “” ليكون وسيلة لصياغة إفريقيا بشكل جديد يسهم في خلق دور أمريكي فاعل في إفريقيا .
كان لابد من هذه المقدمة كمدخل للموضوع الذي أود تناوله وهو هموم ما بعد الاستقلال ودوامة الصراع التي واجهت الدولة الوليدة التي ابتليت بقيادة أحسنت إدارة الصراع في مرحلة الولادة المتعسرة للاستقلال في ظل الاستعداد الإقليمي والدولي لقبول استقلال الدولة الإرترية نتيجة لتبعثر أوراق الدولة الإثيوبية وتفكك عناصر القوة فيها بحكم تأكل النظام الشمولي وسقوط آليات الصراع الدولي التي كان يحكمها في السابق وجود قطبين متناقضين أتاحه مساحة حركة للشعوب في البحث عن مصائرها في ظل التجاذب الدولي بين القطبين ، ولكن تفكك القطب الشرقي أدي إلى بروز القطب الأمريكي الأوحد الساعي إلى صياغة جديدة للعالم في إطار تحالفات جديدة وآليات مختلفة للصراعات الإقليمية والدولية محكومة بمصلحة القطب الأوحد أولا وأخيرا مع وجود هامش مرن للدول الأخرى يضيق ويتسع حسب إمكانيات الأنظمة وحنكة قيادتها في التعامل مع القطب الأمريكي الأوحد من جهة وإدارة سياساتها وأزماتها الداخلية والإقليمية بشكل يحفظ لها عناصر القوة الداخلية ووسائل الضغط الإقليمية لتضمن استمرار تواجدها المؤثر في الساحة الدولية في إطار من تبادل المصالح المشتركة التي تتيح قدرا من التوازن في إدارة الصراع الدولي المحكوم بالمصالح في ظل النظام الدولي الجديد الذي أفرز صيغة من التحالفات القلقة والمتغيرة بتغير من يحكم البيت الأبيض في ظل المؤثرات الداخلية الأمريكية وبروز قوي الضغط علي سياسات واستراتيجيات مراكز القرار في الإدارة الأمريكية .
*ولكن أين القيادة الإرترية من كل هذا ؟ سبق أن قلت بأن قيادة الجبهة الشعبية الإرترية قد أحسنت إدارة الصراع في مرحلة الولادة المتعسرة لاستقلال إرتريا وبالتالي قطفت ثمار جهدها وأدائها الجيد في تلك المرحلة المهمة من تاريخ إرتريا ولكن للدولة مهامها وأدائها الذي يختلف بالضرورة عن أداء ومهام العمل الثوري في إطار حركة تحرر وطني تسعي إلى هدف مركزي يجمع عليه الكل ويتنازل في سبيله الكل عن مكتسبات أو مصالح طارئة وهذا ما غاب عن الأخوة في قيادة الجبهة الشعبية ولم تعيه قوي المعارضة الأخرى التي كانت تتشكل من أطياف سياسية وقومية وقبلية واجتماعية مختلفة لها أطماعها وتطلعاتها فمنهم من سعي إلى كسب ود الجبهة الشعبية طمعا في مواقع وعزلا للآخرين حسب فهمه ومنهم من اختار المعارضة كتوجه لمقارعة الدولة الإرترية من منطلقات وتحالفات خاطئة لم تميز بين ما هو مقبول وطنيا في إطار فصائل اختلفت وتصارعت في مرحلة الثورة وبين كيان دولة أسهمت في تحقيقه كل هذه الفصائل والقوي الإرترية مجتمعة وبالتالي فإن حمايته تعتبر مهمة وطنية سامية والتفريط فيها يعتبر خيانة وطنية لا تغتفر ، فالمسؤولية في إطار الدولة لا تتجزأ وهي حق مكفول لكل مواطن مواليا كان أم معارضا وله عليها حقوق والتزامات بعكس مرحلة الثورة التي تكون المسؤولية فيها قاصرة علي الموالين فقط وللآخرين حق غير ملزم ، لذلك لابد من التأكيد علي النقاط التالية :ـ
1. الحقيقة الأساسية التي ينبغي أن يدركها كل من يحكم إرتريا وهي أن للشعب الإرتري مكونات اجتماعية وقبلية ودينية وعرقية لها حقوق ومصالح وآمال وطموحات ينبغي عدم إهدارها في لحظة ضعف منها أو قوة طارئة لدي فئة أو قومية أو طائفة إرترية لأن في ذلك تأجيل للصراع ومحركاته وتجاوز لمنطق التاريخ الذي يؤكد أن التعايش وعدم إهدار حقوق الآخرين هو الضمانة الأساسية لاستمرار التعايش المشترك بين فئات ومكونات المجتمع الإرتري ، لأن ذلك هو سنة الحياة الطبيعية بين البشر الذين يعيشون في رقعة واحدة ومن دون ذلك تكون مهددات التفجير قائمة وجاهزة للانفجار في أي لحظة ، ومن لا يدرك ذلك فهو يسبح ضد التيار وبعكس الوتيرة التي تحكم مسيرة الشعوب في هذا العصر الذي تفككت فيه دكتاتوريات كثيرة وتبعثرت مكونات دول كثيرة كانت تحكمها أنظمة وقيادات قاصرة كانت تعتقد بأن القوة والقمع يمكن أن يصنعا استقرار واستمرار لهذه الأنظمة ، ولكن خابت ظنونها وسقطت في مستنقع حروب أهلية وصراعات قومية وعرقية وطائفية أدخلتها في دوامة الحروب المستمرة وكانت النتيجة تفكك الدولة وانهيار مكوناتها وتحولها إلى كانتونات طائفية أو عرقية منسية في غياهب الظلمات
2. لقد ابتلينا بقيادات ظرفية قاصرة الأداء انتهازية الولاء عدمية الانتماء بعثرت جهود وأهدرت نضالات واستنزفت موارد وإمكانيات في معارك وصراعات هامشية عطلت مسيرة العمل الوطني من خلال سلسة من عمليات تصفية حسابات قبلية أو عرقية أو طائفية أو حتى ذاتية اتسمت بكثير من الغباء وانعدام الرؤية الصائبة والمدركة أن إلغاء الآخر في ظل مسيرة العمل الوطني شيء مستحيل كما ثبت ذلك من تجارب الشعوب الأخرى ، ونتج عن ذلك انشطارات متكررة في التنظيمات الإرترية بحيث أصبحت الساحة الإرترية مفرخة تنظيمات وقيادات تعددت ولآتها وانتمآتها وتشكلت وفق مصادر الدعم التي أصبحت هي الهدف والمحدد للتوجهات التنظيمية والسياسية لهذه الفصائل وبدأت مرحلة من تصفية القيادات والكوادر الوطنية الشريفة والغريب أن هذه التصفيات لم تكن بأيدي إثيوبية ولكنها كانت بأيدي وأدوات إرترية بهدف إخلاء الساحة للقوي الهامشية والانتهازية التي نسيت هدف التحرير وانشغلت بلعبة الكراسي والبحث عن مصادر الدعم لكي تشبع رغباتها ونزواتها في ظل أن الولاء للداعم مقدم علي الولاء للوطن ، وظهرت ولآت عقائدية قاصرة تاهت في خيارات ابعد من أن تكون وطنية أو حتي في تطوير الصراع وأدواته تمهيدا للنهوض بالهم الوطني من كبوته وانتشاله من دوامة الصراعات الهامشية التي أدخلته فيها القوي والفصائل المتصارعة في ظل لعبة الكراسي وموائد الدعم الخارجي ، في ظل هذا الجو تفرغت الجبهة الشعبية للعمل الوطني ومقارعة العدو الإثيوبي بوسائل وأدوات متطورة وفي ساحات مختلفة تهيأت لها فيها الظروف وقد حققت فيها نجاحات ملحوظة استحقت بها احترام وتقدير المواطن الإرتري بالرغم من اختلاف قناعاته معها وتناقضها أحيانا ، واكتسبت بذلك ثقة أوساط خارجية مختلفة فتحت أمامها أبوابا كثيرة مهدت السبيل نحو ولادة الدولة الإرترية ، ولكن قيادة الجبهة الشعبية لم تحسن الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة التي تختلف بالضرورة أدواتها وشروطها وحتى مفاهيمها عن مرحلة الثورة حيث تصرفوا من منطلق انهم تنظيم ينبغي أن يؤسس الأرضية لحكم منفرد في طار قناعات وتوجهات أحادية الجانب دون أن تدرك أن للآخرين حق وان هذا الانتصار لم يأتي من فراغ ولم تصنعه فئة إرترية دون أخري وان قطفت ثماره هي في ظل مرحلة غيبوبة عاشها الآخرين ولكن هذه الغيبوبة لا تسقط حقهم في وطن ضحوا في سبيله رفعته بالكثير لأن هذه الغيبوبة فرضتها قيادات عاجزة وقاصرة عن فهم ضرورات الصراع وحدوده وهي غيبوبة مؤقتة بدأت تتلاشى حتى من أطراف في إطار الجبهة الشعبية نفسها الذين أدركوا أن مأساة الساحة الإرترية ومحنتها كانت في القيادات ولم تكن في القواعد وظهر ذلك جليا من خلال التعاطف المسؤول الذي مارسته هذه القواعد باختلاف إنتمائتها التنظيمية في ظل الحرب الإثيوبية التي استهدفت الكيان الإرتري الواحد حيث كانت المساندة بمختلف أشكالها حماية للدولة ولوحدة الكيان الإرتري بغض النظر عن من يحكم الدولة لأنها هي الباقية أما الأنظمة فهي إلى زوال طال الزمن أم قصر .
*ما أراه من جوانب قصور في إدارة الأخوة في قيادة الجبهة الشعبية للدولة الإرترية يمكن أن يتمثل في الآتي :ـ
أ- ينبغي أن يدركوا أن إدارة الدولة تختلف عن إدارة تنظيم في ظل مرحلة تحرر وطني والتي لها وعليها قيود ومحددات ومهددات والتزامات تختلف عن ما علي الدولة من التزامات ومسؤوليات تتطلب مزيد من الشفافية والوضوح في علاقاتها الداخلية والخارجية وكان عليهم أن يتحرروا من ولائهم التنظيمي في إدارة الدولة لأن إشراك الآخر في الرؤية والثوابت المشتركة هو حق وضرورة وليس تفضلا أو منة تمن بها الدولة علي مواطنيها .
ب- لابد من التأكيد أن الثوابت الوطنية التي اجمع عليها الشعب الإرتري بمختلف فئاته وطوائفه في مسيرته الوطنية والتي كفلت له العيش المشترك حتى قبل تفجر العمل المسلح وبروز هذه الفصائل بمختلف أطيافها وولائتها السياسية والتنظيمية هي الضمانة الأساسية لاستمرار العيش المشترك والآمن للشعب الإرتري بمختلف مكوناته الطائفية والقبلية والعرقية والتي تتمثل في ثنائية اللغة والثقافة الوطنية وهي المظلة التي اجمع عليها الشعب الإرتري كخيار وطني في ظل مسيرته الوطنية عبر مراحل نضاله المختلفة لأن من يتجاوز ذلك فهو يزرع بزور لفتنة طائفية كانت أم عرقية لأن سكوت الآخر سوف لن يكون لأبد الدهر وتلك سنة الحياة ، وربما يكون سكوت الآخر نتيجة لحالة ضعف أو مخافة تفكك الدولة الإرترية الوليدة أو حتى عدم قناعته بقوي المعارضة التائه والملهية بلعبة الكراسي وانتظار القادم المجهول في ظل تحالفات هشة وغير مسؤولة في أغلب الأحيان دون أن تعي أن قوتها وتماسكها ووضوح رؤيتها هي رصيد للعمل الوطني حتي للقوي المتحفزة والقلقة داخل الجبهة الشعبية والتي تري مخاطر توجهات قيادتها علي مستقبل ووحدة الكيان الإرتري الواحد .
ت- أهمية الموقع الجغرافي لإرتريا يحتم عليها أن تكون عنصر توافق إقليمي وعامل توازن دولي في ظل سياسية مرنة ومدركة لحجمها وإمكانياتها ، لأن مصادر الدولة ومواردها يمكن أن تكتسب من موقعها أو من موارد الطبيعة التي من الله بها عليها أو من حسن إدارتها لسياساتها الداخلية والإقليمية ، فالموقع الجغرافي المهم يمكن أن يكون مصدرا مهما من مصادر الدخل للدولة التي تعي أهمية موقعها وضرورة أن تكون معبرا أمنا لحركة التجارة الدولية ، أما الموارد الطبيعية فتعتبر من أهم المصادر للدولة التي تحسن إدارة هذه الموارد إنتاجا وتسويقا واستثمارا في تشكيل بنية اقتصادية متوازنة في مختلف مجالات التنمية ، أما حسن إدارتها لسياساتها الداخلية والإقليمية والدولية فأيضا يمكن أن تكون مصدرا مهما من مصادر الدخل للدولة لأن حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تعيشها يمكن أن تكون مصدر جذب لرأس المال الباحث عن الأمان المنتج في حركة الاقتصاد العالمي . فالأخوة في قيادة الجبهة الشعبية لم يحسنوا استغلال واستثمار هذه الموارد بشكل جيد لينعكس ذلك في مسيرة التنمية في ظل دولة وليدة هي بأشد الحاجة لكل هذه الموارد لتؤسس لبنية تحتية متماسكة تسهم في تأسيس كيان اقتصادي متميز خاصة وأن الإنسان الإرتري هو عنصر إنتاج وعطاء غير محدود ، وأثبت ذلك في ظل معاناة مرحلة التحرر الوطني حيث كان عنصر عمل وإنتاج في كل مكان حل فيه لاجئا كان أم مقيما ولم يتسول بمعاناته وهذا ما أكسبه حب واحترام وتقدير الشعوب والمجتمعات التي عاش بينها في مختلف بقاع العالم .
ث- إن الأخوة في قيادة الجبهة الشعبية لم يدكوا أو يتفهموا مكونات المعارضة أو حتى من بقي من الإرتريين في الخارج دون أن يكون لهم علاقة بهذه المعارضة أو حتى من كان لهم رأي في هذه المعارضة ، حيث أنني كنت قد تناولت في اكثر من مقال قبل الاستفتاء وبعده {{ نشر في كل من جريدة السياسة الكويتية والمدينة السعودية آنذاك }} مخاطر هذا التجاهل لفئات إرترية قبلية واجتماعية وسياسية مختلفة بعيدا عن تلك القيادات التي أثبتت فشلها وانتهازية مسلكها في تصارعها في ساحات أبعد من أن تكون وطنية وكان المطلوب من الأخوة في قيادة الجبهة الشعبية توفير المناخ الآمن الذي يكفل الحقوق لكل فئات الشعب الإرتري بمختلف مكوناته الاجتماعية والسياسية دون افتئات أو استثار من فئة أو طائفة ، صحيح أن هناك فئات وعناصر قد تسابقت في العودة ليس من منطلق وطني ولكن من منطلقات ضيقة اعتقدت أنها يمكن تملأ فراغ الآخر وتحقق مكاسب وتتصدر مواقع قيادية تستثمرها بشكل انتهازي في تصفية حسابات ضيقة قبلية كانت أم عرقية ولكن ما يقدر للأخوة في قيادة الجبهة الشعبية أنهم أدركوا خطورة هذه العناصر وانتهازيتها الضارة والبعيدة كل البعد عن أي حس وطني مدرك لأهمية الأخر واستحالة إلغائه .
ج- الأخوة في قيادة الجبهة الشعبية قد تجاهلوا أن إرتريا هي إفريقية التربة عربية الانتماء إنسانية التطلع والمصير من منطلق حسابات خاطئة لم تدرك بأن هذه الانتماءات هي مهمة لنا نحن وليس للعالم الآخر عربيا كان أم إفريقيا أو حتى إنسانيا لأن التوافق الداخلي في فهم واستيعاب هذه الانتماءات التي لا تتناقض بقدر ما تتكامل في دعم وتقوية هذا الكيان الوليد الذي يعتبر توافقه الداخلي والإقليمي ومن ثم الدولي ضمانة لاستقراره واستمراره المؤثر في الساحة الدولية .
*أما أخطاء المعارضة فأعتقد بأنها تتمثل في الأتي :ـ
أ- أن بعض قوي المعارضة الإرترية وتحديدا قياداتها تعاني من عقدة أن الأخ ” اسياس افورقي” ورفاقه في قيادة الجبهة الشعبية ” قد نجحوا حيث فشلوا هم في إدارة صراعاتهم الداخلية ناهيك عن الصراع الأساسي مع العدو الإثيوبي وتلك عقدة يصعب حلها في ظل قيادات ذاتية المنشأ انتهازية المسلك بعيدة كل البعد عن التضحية وإيثار الآخر في سبيل مصلحة الوطن التي يجب تعلوا علي كل الهامات ، لأنهم لو تذكروا بأنهم قد حملوا أرواحهم علي أكفهم في مراحل النضال الأولي ودماء رفاقهم الذكية التي سالت في أودية وشعاب إرتريا المختلفة لتجردوا من كل المصالح والمطامح ولتصرفوا بمسؤولية أكثر وبتجرد أكبر وصولا إلى صياغة رؤية مشتركة في إطار تنظيم واحد وموحد يعي مسؤولياته ويحدد خياراته الوطنية ويخرج قواعده من مرحلة التيه الوطني التي أدخلها فيها بعيدا عن دائرة التحالفات المشبوهة أمنية كانت أم سياسية مع محيطنا الإقليمي ، عند ذلك فقط ستجد مبررا وسندا قويا في صراعها مع النظام الحاكم في إرتريا وربما تجد آذانا صاغية حتى في داخل النظام نفسه .
ب- أن قيادات المعارضة الإرترية قد أخطأت خطأ كبير وارتكبت محظورا وطنيا عندما اتجهت إلى التحالف مع النظام الإثيوبي لإسقاط النظام الوطني في إرتريا خاصة عندما انتظروا الخلاص علي يد إثيوبيا في مرحلة الحرب التي تفجرت بين إرتريا وإثيوبيا والتي كانت تستهدف الكيان الإرتري الواحد ، ولم يدركوا أن هذه الحرب هي بداية لكسر الكيان الإرتري وإضعاف أرادته الوطنية وصولا إلى فرض نظام موالي عبر مجاميع حصان طروادة التي جهزتها إثيوبيا في إطار هذه الفصائل التي أخذت منها ما تريد ولم تساندها في ما تريد من مطالب لا تتناسب مع رؤية إثيوبيا في خلق كيان إرتري ضعيف في بنيته وحتى في تطلعاته وعلاقات الدولية .
ت- ينبغي علي الاخوة في قيادة المعارضة الإرترية أن يقروا ثوابت محددة في صراعهم مع الجبهة الشعبية وهي أن الجبهة الشعبية هي فصيل وطني قيادة وقواعد وأنهم قد قدموا في سبيل استقلال إرتريا الكثير من التضحيات في ملحمة وطنية شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء ، صحيح أن هناك خلاف كبيرا مع قيادة الجبهة الشعبية في رؤيتها وخياراتها الوطنية وحتى في تحالفاتها الدولية والإقليمية ، ولكن ينبغي أن نفرق بين هذا الخلاف الذي هو خلاف مشروع وبين التحالف مع عدو يستهدف الكيان الإرتري بأسره بمعني أن المعارضة ينبغي عليها أن تحدد أدواتها الوطنية في إسقاط النظام الحاكم ضمن خيارات وطنية مسؤولة يمكن أن تجد الدعم والمساندة حتى في إطار أطراف في الجبهة الشعبية تضررت من الخيارات الخاطئة لقيادتها ولم تجد في المعارضة الضعيفة والمشتتة في ولائها وخياراتها الوطنية سندا يمكن أن تعتمد عليه في صراعها مع هذه القيادة .
*الخلاصة أن مستقبل إرتريا مهدد بين قيادة دولة لا تعترف بالأخر ومعارضة تري في إسقاط النظام وبأي وسيلة هدفا وغاية دون أن تهيئ نفسها لمخاطر هذا السقوط ونتائجه علي مسيرة الوطن الإرتري ، ولنا في أنظمة كثيرة سقطت أو أسقطت بوسائل داخلية أو خارجية وما خلفته من خراب ودمار وحروب أهلية أمثلة حية ينبغي أن نستفيد منها ونعي مخاطرها ، لذلك علي الاخوة في قيادة الجبهة الشعبية أن يدركوا أن ليست كل المعارضة شر ينبغي أن يحارب وربما توجد بينها تيارات وتوجهات تشكلت في أطر وتحالفات غير وطنية ولكن المؤكد أن بينها قوي وطنية شريفة تساندها قواعد تعيش معاناة اللجوء في معسكرات اللاجئين في ظروف معيشية قاسية ومنها من يعيش معاناة الهجرة القسرية بكل مراراتها في مختلف بقاع العالم ، وعلي المعارضة أن تدرك أن النظام الحاكم في إرتريا هو نظام وطني صحيح أنه توجد تحفظات في توجهاته وخياراته ولكن سعيها إلى إسقاطه أو تغييره ينبغي أن يكون بأدوات ووسائل وطنية بعيدا عن تحالفات الشيطان التي انتهجها البعض وانتظار أن يأتيه الخلاص بأيدي إثيوبية أو غيرها وعلي طبق من فضة وهي جريمة تاريخية لا تغتفر ولها ثمن وفواتير ستسدد من سيادة وكرامة الوطن الإرتري الواحد الموحد.
واعتقد أن المبادرة هي في يد قيادة الدولة الإرترية التي ينبغي أن تعي أن استقلال إرتريا هو ملك لكل الشعب الإرتري بمختلف فئاته ومكوناته في إطار الخيارات الوطنية المتفق عليها كوسيلة للعيش المشترك ، وأن سياسة أن الباب مفتوح لعودة الجميع ليست وسيلة لكسب شركاء الوطن الواحد ولكن المهم هو ما خلف الباب من قوانين وتشريعات وسياسات وممارسات تفرغ وتكشف محتوي سياسة الباب المفتوح التي تبناها النظام خلال السنوات الماضية تحت شعار العودة الطوعية التي لم تكفل أي حق أو تصون أي عنصر من عناصر المواطنة الحقة التي ينبغي أن تكون المظلة التي يستظل بها كل المواطنين باختلاف انتمآتهم وولآتهم .
واعتقد أن المبادرة هي في يد الأخ الرئيس “”اسياس افورقي”” إن احسن التقدير والتدبير واختار أن يكون رمزا لقيادة تاريخية لمرحلة مضيئة من تاريخ إرتريا المستقبل بدلا من أن يكون قائدا لمرحلة عابرة في المسيرة الوطنية الإرترية التي تناوبت عليها قيادات ظرفية أدت مهمات مختلفة وتوارت في زوايا منسية لأنها لم تكن صاحبت دور وإنما فرضتها مهمات مختلفة خلال تلك الفترة ، فتاريخ الشعوب تصنعه قيادات تاريخية تعي ضرورات الحاضر وخيارات المستقبل في إطار الولاء الوطني المتجرد من الذات المحدودة إلى أفق الخيار الوطني الذي يفتح أبواب التاريخ لمن أراد أن يكون صاحب دور ومكانة في مسيرة شعبه ، ومن المفيد القول أن الأخ ” اسياس افورقي” يعتبر رمزا وطنيا احسن إدارة الصراع خلال مرحلة التحرير وما تلاها من الولادة المتعسرة للاستقلال والمطلوب منه الآن ليتبوأ مكانة تاريخية متميزة في مسيرة المستقبل للشعب الإرتري اتخاذ مبادرة وطنية تهيئ الأرضية لمسيرة التفاهم المشترك بين أبناء الوطن الواحد من خلال الثوابت التالية :ـ
1. أن الهوية الوطنية للشعب الإرتري هي هوية ثنائية مشتركة لا تحتمل التهميش والرمزية بقدر ما تحتاج إلى شفافية ووضوح رؤية لمصالح وحقوق الآخر ضمن ممارسة فعلية وليست صورية لدور الآخر الذي لا يحدده التمثيل الشخصي بشخوص وأفراد بقدر ما تكفله قوانين وشرائع يتفق عليها أبناء الوطن الواحد وتقرها الدولة في كل هياكلها ومفاصلها المختلفة ، وهو ما كرسته وأكدته أجيال ما قبل الثورة في إطار الثنائية المشتركة التي لا تحتمل التهميش والإلغاء .
2. أن ثنائية اللغة هي خيار وسقف لمظلة وطنية تكفل المشاركة في إطار ثنائية الثقافة ووحدة الهدف والممارسة في ظل أداور متكاملة ومتجانسة في خدمة الوطن الواحد، بعيدا عن متاهة اللهجات الميتة التي هي وسيلة تفاهم بين متحدثيها ولكنها ليست لغة علم وثقافة وهي لا تغني ولا تثمن من جوع في ظل ثورة المعلومات التي تجاوزت محدودية لغات حية ناهيك عن لهجات لا تملك ابسط مقومات التخاطب والوصول للآخر في دائرة الوطن الواحد .
3. أن أهمية إرتريا تنبع من انتمائها العربي الإفريقي الإنساني الذي يفرضه عليها موقعها الجغرافي كجسر تواصل وتفاهم بين القارات يمكن أن يحقق لها فرص وأدوات كثيرة تسهم في مسيرتها التنموية وتجعلها نموذجا اقتصاديا تتنافس فيه رؤوس الأموال وتتلقائح فيه الحضارات بمختلف أشكالها وانتمآتها في معادلة تحقق التوازن والاستقرار في علاقاتها الإقليمية والدولية .
4. ضرورة تجاوز الماضي بكل سلبياته والتزاماته واستحقاقاته والنظر إلى المستقبل من خلال دولة تحكمها مؤسسات في ظل مركزية القرار وديمقراطية الحوار بعيدا عن التعددية الضارة في هذه المرحلة التي تحتاج إلى نضوج وطني ووضوح فكري وتجرد وطني في إطار الولاء للوطن الواحد والمقدم علي كل الولاءات .
إن التأكيد علي هذه الثوابت سيفقد المعارضة الانتهازية مبرراتها ويفرغها من محتواها وسيعيد توجيه المعارضة المسؤولة إلى مراجعة خياراتها وتوجهاتها بصورة تكفل مساحة مشتركة للحوار والتلاقي الوطني .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6518
أحدث النعليقات