مؤتمر الحوار الوطنى ضرورة وطنية
بقلم: أحمد نقاش
ان الشعوب الحية والقوية تلجاء الى الحوار والوفاق،كل ما شعرت بمخاطر تهدد وحدة الشعب،ومسير الكيان الوطنى،والحوار هو بمثابة ترميم لما تصدع من جدران البيت الوطنى،ومعالجة ما احدثه الدهر من الاخطاء،ومحاولة إعادة الثقة بين مكونات المجتمع،وتقوية اللحمة الاخوية فى مجتمع لا يزال يذكر التاريخ ملحمته النضالية من اجل تحرير ترابه الوطنى من كل مظالم الدهر وانواع تبعات الاستعمار البرتغالى،والتركى،والمصرى،والايطالى،والبريطانى،وكذلك الاستعمار الاثيوبي الذى كان اشد ضراوة وقساوة_ كما قيل قديما ما اشد الام اذيت القريب_وعندما تحقق قول الشاعر الموهوب شوقى فى افراد الشعب الارترى حين ما قال :
وللاوطان فى دم كل حر…. يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب بكل…يد مضرجة يدق
تحقق تحرير التراب الوطنى الكامل وانقطع اخر زيل المستعمر،وتم بذلك طويت صفحة الاستعمار لتبدأ صفحة اخرى الا وهى تحرير الانسان الارترى من الظلم الداخلى والتسلط السياسي،وهذا لا يتأتى الا بتحقيق وحدة العمل السياسي وارساء ميثاق وطنى يحمى ويؤكد على الثوابت الوطنية التى تعاقد عليها الشعب الارترى منذ فجر الاربعنيات،وكل هذا يتطلب التفاكر والتدارس فى حوار يجمع كل الاطراف الوطنية من السياسين والمثقفين والاكادمين وكل الشخصيات الوطنية.
ومؤتمر الحوار الوطنى الذى اقره التحالف الديمقراطى الارترى،لجمع الكلمة وتأليف القلوب فى مرحلة اتسمت بكثير من المخاطر المحيطة بالوطن والانسان الارترى فى كيانه ووجوده تدل على اهمية هذا الحوار لخلق مناخ ملائم فى مسيرة التحول الديمقراطى الذى هو المخرج الوحيد للوطن والمواطن من النفق الذى يعيش فيه نتيجة سوء ادارة الدولة وانعدام القانون والدستور والعدل الذى هو اساس الدولة والمجتمع.
وللشعب الارترى رصيد تاريخى مقدر فى إدارة الحوار الوطنى والرغبة اليه،من هنا تتضح المسؤليات الجسام الملقى على عاتق اللجنة المكلفة لاعداد هذا الحوار والتى نتمنى لها كل التوفيق والسداد،وهذه المسؤلية على ما اظن تبدأ بدراسة كل الحوارات الوطنية التى حدثت فى تاريخ الشعب الارترى،بدءا من لقاء( بيت قرقس) عام1946م الذى دعى اليه رجال مخلصون من امثال (السيد بلتا عمر قاضى، والسيد ولدآب ولدماريام، وكذلك السيد قبرمسقل ولدو وغيرهم، تلك التجربة التى كان فى امكانها ان تجنب الوطن من كل الويلات التى المت به فى السنوات اللاحقة،الا ان تلك المحاولة الرائدة فشلت بسبب عرقلة عناصر حزب الوحدة بقيادة السيد تدل بايرو اناذاك بتحريف موضوع الحوارقصدا من البنود التى حددت له الى المهاترات الشخصية حين ما طعن تدل بايرو السيد ولدآب ولد ماريام فى اصله الارترى،رغم ان الاخير كان من دعاة الاستقلال الوطنى فى الوقت الذى كان يدعوا السيد تدل بايرو الى الوحدة مع اثيوبيا الام حسب قوله.
الا ان تلك المحاولة رغم اجهاضها وهى فى رحم بيت قرقس كانت بمثابة البذرة الوطنية التى أعقبتها خطوات وطنية اخرى مثل تاسيس الاحزاب الوطنية فى مقدمة تلك الاحزاب حزب الرابطة الاسلامية،وزعمائها،امثال( الشيخ ابراهيم سلطان،والشيخ عبد القادر كبيرى وقاضى على عمر فينجا) وأخرون والذين كانوا رواد ودعات السيادة الوطنية والجدير بذكر ان برنامج حزب الرابطة لقد كان برنامجا وطنيا صادقا فى مقابل برنامج حزب الوحدة التأمرى والذى ما زالت بواقيه تندس وتتلون لاجهاض اى مشروع وطنى صادق عبر مختلف المحاولات والمسميات،الى يومينا هذا،مما يتطلب اكثر وعيا ويقظة فى كل خطواتنا الوطنية التى نسعى اليها.وبخصوص توضيح على وطنية برنامج الرابطة يجدر بى ان انقلكم الى نص الرسالة التى كتبها (الشهيد كبيرى)رئس حزب الرابطة الاسلامية بالعاصمة اسمرا الى احد اصدقائه فى الصومال يوضح فيها اسباب ودواعى تأسيس الرابطة قائلا: (لقدقمنابتأسيس حزب الرابطة الاسلامية من اجل جمع اكبر قدر من شعبناالى نصرة الحق لنا ولغيرنا،وليس لاضطهاد إخواننا المسيحين كما يعتقد البعض،او لتقوية المسلمين دونهم،ولكن لرفض الاتحاد مع أثيوبيا،الله السميع الخالق لقد اعطانا العقل والمنطق الذى نميز به بين النافع والضار،وكيف يمكننا ان نتحد وننضم الى دولة قمعية وكهنوتية،تضطهد اكثر من عشرة مليون مسلم،لذا توحدنا واسسنا حزب الرابطة من اجل الدفاع عن حقوقناالوطنية حتى الموت دون اى تردد،لا قدر الله ان لم نتمكن من تحقيق اهدافنا الان،بقدرة الله وبعون من خلقه سوف تنتشر قضيتنا،وسوف يؤكد التاريخ انتصارنا…) انتهت الرسالة .يتضح من سطور الرسالة الهدف الاساسى من تأسيس الرابطة، الا وهو للحيلولة دون ضم ارتريا الى اثيوبيا،بل العمل من اجل استقلالها وتأكيد سيادتها الوطنية،كما يتضح لنا الى اى درجة كانوا مؤسسو الرابطة اقوياء فى ارادتهم وبعد نظرهم،وبالفعل كما تنبأ الشهيد كبيرى،ان التاريخ لقد سطر انتصار الشعب الارترى وشاهد العالم بأسره مولد الدولة الارتريا،والشعب عندما اراد الحياة كتبت له كما قال ابو القاسم الشابي فى قصيدة الارادة :
إذا الشعب يوما اراد الحياة … فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ……… ولا بد للقيد أن ينكسر
وانفجار الكفاح المسلحة خلال عقد واحد فقط من دخول الاستعمار الاثيوبي،كان دليل واضح على ذاك الرصيد الوطنى الذى تركه لنا هؤلاء الاباء،ذرية بعضها من بعض.
كما يجب ان نقف على كل محاولة وحدة فصائل الثورة الارترية منذ اوائل السبعنيات الى يومنا هذا،لكى ندرك كل المعوقات التى صاحبت تلك المرحلة،حتى نؤسس لما هو قادم،على بينة من السوابق،بإعتبار تطور الفكر السياسي،ينطلق من تراكم معرفى.
ومؤتمر الحوار اذا عليه ان يضع النقاط فوق الحروف،للخروج بميثاق وطنى شامل ليكون بمثابة خاريطة الطريق لكل القوةالوطنية.وكما يفضل على لجنة الاعداد ان تركز على دعوت كل المثقفين والخرجين من ابناء الوطن،وما اكثرهم فى بلاد المهجر ان التركيز على قوى المعارضة السياسية،وعلى ما تعارف علية الشخصيات الوطنية فحسب قد يحرم الحوار من الفوائد التى يجب ان يخطفها المؤتمر من اقحام الطبقة المتعلمة،ومن النظرة الاكاديمية للقضايا الكثيرة التى تحتاج الى العمق النظرى اكثر منه الى الخبرة العملية،فضلا عن ان هؤلاء المثقفون،والمتعلمون،والمستقلون يشكلون المادة العازلة فى احتكاك غير مرغوب فيه،والتى من الطبيعى ان تحدث،فى ظل اختلاف النشأة السياسية،والخلفيات الثقافية،التى يعج بها الوطن الارترى.
على لجنة الاعداد ان تدرك جيدا_ وهذا ما اظنه_ ان مؤتمر الحوار ليس غاية فى حد ذاته،بل وسيلة الى تقريب وجهات النظر والتعاقد على الثوابت الوطنية،والخروج بميثاق وطنى يلتزم به الموقعون عليه،لذا يجب عدم العجلة فى عقده قبل ان تكتمل اطرافه ويشتد ساعده،كما يحدث فى كثير من المؤتمرات الارترية التى اصبحت غاية فى حد ذاتها وليس لما تعالجه او تحدثه من تجديد فى العمل السياسي المعارض،بل لمجرد تجديد الوهم المتبدد،فى مهرجان خطابى،سرعان ما يتبخر فى القاعات التى تموت فيها الاحلام قبل ان تولد،وعلينا ان ندرك جميعااننا فى عصر تقاس فيه الامور بالنتائج وما ينعكس منه على الواقع المعاش،مقاربا لحقائق الاشياء،لا لاوهام النفوس التى تتناقض فى كثير من الاحيان مع الذهن الجمعى والعدل المطلوب،والذى لا تصح الاوضاع الا به.
وفى الختام ارجو لهذا الامل ان يتحقق،فى بدايته ونتائجه،لان الحوار فرصة لاى شعب لاعادة التفكير فى النظرية والتطبيق،ووسائل العمل السياسي،فضلا عن انه ضد عقلية الصدام او منطق الاستقواء،والحوار دائما يأتى من اجل تداول الافكار والاراء للخروج من المأزق،وخلق مناخ من التعايش والتواصل بين أبناء الوطن الواحد فرادى وجماعات.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6694
أحدث النعليقات