من وحى إفطار الحزب الاسلامى الارترى
بقلم: على محمد أحمد صالح
على خبر مفاده :(عدوليس) اطلعت في موقع المركز الارترى للخدمات الإعلامية أن الحزب الاسلامى الارترى للعدالة والتنمية قد أقام حفل إفطار صائم ، دعى له لفيف من القيادات السياسية والدينية يتقدمهم نيافة الأب بطروس راعى الكنيسة الارثودوكسية الإرترية بالخرطوم ، الذي تحدث في الحفل مؤكدا على معاني التسامح التي ينبغي أن تسود بين الإرتريين ، وهنأ المسلمين وبارك لهم صيامهم ..
لم يكن حفل الإفطار هذا هوالاول للحزب الاسلامى ، ولكن عند مطالعتي لخبره أوحى إلى ببعض الخواطر ، وتدافعت في ذهني قضايا الوطن العديدة مثل الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطن الارترى يقاسى شظف العيش وضنكه ، مع انعدام الحريات والقهر والقمع الذي يكابده من زبانية نظام أسياس مما دفع الشباب المغلوب على أمره إلى المغامرة وركوب الأخطار في الصحارى والفيافي والبحار بحثا عن نسمة الحرية ولقمة عيش كريم ، جال بخاطري هذا وقضايا انعدام الحريات وغياب الديموقراطية والخروقات على جدار الوحدة الوطنية ، واهتزاز صورة التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الارترى الاثنية والدينية ، والفساد المستشري في مفاصل مؤسسات النظام ، والانحلال والتفكك الأسرى ، والتفسخ الاخلاقى ، وتفشى طاعون العصر(والإيدز)، كلها معاول هدم تنخر في جسد المجتمع الارترى يزكيها ويفاقم من فتكها ومن آثارها السالبة النظام المستبد بسياساته الخرقاء وممارساته الوحشية ..
وغنى عن القول أن تلك القضايا الوطنية من الأهمية بمكان ، تنتظر ملفاتها العديدة من التحالف الديموقراطي الارترى إدارة حوار بناء حولها ، يتسم بالصدق والشفافية ، يتلمس مواطن الخلل، ويشخص الداء ومن ثم يضع الحلول والمعالجات .. في شراكة كاملة مع الكيانات الاجتماعية المختلفة ، وأحسب هذا ما سيفعله التحالف في مؤتمره المزمع للحوار الوطني .
وعودا على إفطار الحزب الاسلامى ، فان الحزب بهذا الحفل الذي يحمل مدلول ديني كبير ، وبحضور سياسي أيضا كبير ، له مغازى عدة ، يشير أول ما يشير إلى الفكرة المركزية التي ينطلق منها والمتمثلة في ربط الحياة – والسياسة جزء منها – بهدى الدين وقيمه ، فيمكن للساسة أن يجتمعوا على موائد الإفطار بغض النظر عن معتقداتهم الدينية ، ويتداولوا في الشأن العام دون الإحساس بأدنى حرج ، ولقد كان في الإفطار المذكور أول ردة فعل من المعارضة الإرترية على توقيع اتفاقية سلام شرق السودان بأسمرا ، حيث جاء على لسان الأمين العام للحزب الاسلامى الارترى الشيخ خليل محمد عامر ، بعد أن رحب بالاتفاق ، بأنه سيلقى بظلال ايجابية على المنطقة ، وأنه يأمل أن تستفيد ارتريا من هذه التجربة فى اصلاح أوضاعها لأن ارتريا أولى بالتوافق من غيرها .
إن الفكرة المركزية للحزب الاسلامى التي أشرنا إليها تتمحور في أن يكون للمسلمين حكومة تحكّم تعاليم الإسلام في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، دون غمط الآخرين حقوقهم ، وهذا كما ترى أشمل من مجرد إثبات الحق للمسلمين في أن يتحاكموا إلى الشريعة في أمور حياتهم الخاصة التي وردت في ميثاق التحالف ، ودار حولها لقط كبير ، برغم القيود في النص ذاته ، وتجرأ البعض وجاهر بإلغاء الفقرة جملة ، مستخدما فيتو لا يملكه ، مصادرا حق الآخر في أن يعتقد وأن يتحاكم إلى ما يشاء من مرجعيات ، منافيا بذلك لأبسط قواعد الديموقراطية المتمثلة في الاعتراف بالآخر واحترام خياراته .!!
إن وراء الأكمة ما وراءها ، فالأمر يشي بأن وراءه أجندات أخرى جعلت فقرة الشريعة ذريعة ومدخلا لتنفيذها ، وستبدى لنا الأيام ماهيتها ! وما علينا إلا التحلي بالصبر !.
مغزى آخر لحفل الإفطار وتمثل في حضور نيافة الأب بطروس بزعامته ورمزيته الدينية يدل على أن الإرتريين ما زالوا بخير ، يشاركون بعضهم بعضا مناسباتهم الدينية ، ويناضلون مع بعض من أجل وحدة واستقرار وطنهم ، وينسقون جهودهم لإحداث التغيير المنشود ، و يحسب للحزب الاسلامى الارترى اعتدال طرحه وانفتاحه على الآخرين خاصة الأخوة المسيحيين شركاء الوطن ، حيث أشركهم من قبل في مؤتمراته وملتقياته السياسية ، وبنفس المستوى في مناشطه الدينية العامة.
لقد عاش المسلمون والمسيحيون على مر الدهور والأزمان في سلام ووئام يتقاسمون الحياة حلوها ومرها ، لا يصدهم اختلاف دين ، ولا يعكر صفوهم وتعايشهم مكدر ، بالرغم من أن هذا المكدر يأتي أحيانا من خارج الحدود بعقليته التوسعية وعصبيته الصليبية ، إلا أن حالة الصفو سرعان ما كانت تعود بزوال مكدراتها ! وينطبق نفس الحال والمآل على الحملة التي شهدتها بعض المواقع بالشبكة العنكبوتية ، تلك الحملة الشعواء على المسلمين ودينهم العظيم ، مسفرة عن وجه صليبي كالح لا يدعم التعايش السلمي ولا التعاون الأخوي في سبيل وطن واحد يسع الجميع .
لا خلاف أن الضيم والظلم وقعا على كل الشعب الارترى مسلميه ومسيحييه ، ولكن للحقيقة أن الظلم كان أفدح على الجانب المسلم ، وهذا يحفظ للمسلمين الحق في مجابهة الدكتاتورية التي صادرت حقوقهم بالكيفية التي يرونها ، كما أن الواجب الوطني يحتم على المسلمين أن يضعوا أيديهم في أيدي إخوانهم المسيحيين لمواجهة العدو المشترك ، وإزالة كافة آثار ممارساته المسيئة لحسن العلاقة بين قطبي المجتمع الارترى ، أعنى المسلمين والمسيحيين ..
لقد أفرز سقوط الشيوعية العالمية وانحسار موجة الإلحاد ، أجواء مكنت التيارات الدينية من البروز والتصاعد ، فأقبل الناس من أتباع الديانات الإبراهيمية على التدين وممارسة شعائره والعودة إلى أصوله ، هربا من الحياة المادية الجافة ، وطلبا لغذاء الروح وراحة الضمير وزلفى إلى الله وحسن مآب .. وحرى بالإرتريين العودة إلى أصول ديانتيهم إعلاء لقيم التدين في المجتمع ،وإشهارا لمعانيها ، وتجسيدا لمضامينها على الحياة في إرتريا ، فان في تلاقى وتوحد أصحاب الديانتين العظيمتين ، وتعاونهم على خير البلاد والعباد ضمانة لوحدة الوطن وسلامة ترابه واستقرار الحياة عليه في محبة وتسامح وسلام .
لقد انخرط الشعب الارترى بمكوناته السياسية والاجتماعية في العمل المعارض للدكتاتورية بهدف إزالتها وإشاعة الحرية والديموقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر دون إقصاء أو احتواء ، ومثل هذا العمل الكبير والجهد العظيم لا يؤتى ثماره ولا يوصل لأهدافه النبيلة بدون إدارة حوار جاد للوصول إلى ميثاق مشترك يجد فيه الكل جزءا منه .
وعلى ذكر الحوار ، فان إيجاد آلية للحوار الاسلامى المسيحي ، تضم العلماء والمفكرين من الجانبين آن أوانها وباتت أكثر إلحاحا من ذي قبل ، إذ ينتظر منها أن تؤسس لقواعد تحكم التعايش بين أصحاب الديانتين ، وتقارب في الآراء حول مختلف القضايا ، بما ينعكس على المجتمع الارترى خيرا ونماء ووئاما .
والله من وراء القصد وهو يهدى سواء السبيل ،،،
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6711
أحدث النعليقات