مشاهدات من واقع الحال
بقلم: د. مسفن بخيت
العدمية ليست منهجا فكريا ولا تيارا سياسيا ، بل لعلها أسلوب تفكير يشوبه الكثير من القصور والذي غالبا ما يكون قد تشكل نتاج إخفاقات عديدة وفي مجالات مختلفة ، سواء تلك المتعلقة بالمعايشة الذاتية والشخصية او المتعلقة بالهاجس العام والقضايا التي تعنى باهتمام وتأثير العامة .
وإشكالية العدمية هو عندما تنتقل من تلك الذاتية و تنحوا صوب تكوين نوع من النسيج الفكري او الأخلاقي او السياسي الذي يمكن تمريره على العامة عبر وسائط مختلفة ، او تبريره تحت ذرائع معينة ، فالاستئثار بقائمة التبريرات الطويلة عوض تقديم الفعل القادر على إحداث التغيير يعتبر من صميم العدمية التي لا تقدم سوا تواريخا من التبريرات على ما تعتقد أنه فعل أستهدفها ومؤامرة حيكت ضدها الى غيرها من المبررات التى أضحت مفضوحة وغير مقبولة لدي الرأي العام العالمي نتيجة التطور الهائل الذي يحدث في عالم الإعلام وثورة المعلومات وتدفقها الهائل بشكل موجي وتصاعدي .
لسنا –كإرتريين – وبأي حال من الأحوال استثناءا في هذا العالم الذاهب نحو الكوكبة (( او الكوننة على حد تعبير المفكر الإيراني علي شريعاتي ))، حيث لا فضل مثله مصطلح العولمة الذي شوه كثيرا نتيجة عوامل موضوعية عدة يطول سردها .. وبالتالي فإننا مطالبون بتقديم برامج طموحة عن ذاتنا ، كمجتمع وكدولة ..نحن بحاجة الى مشاريع مجتمع فعالة ، لا الى شعارات فضفاضة عن النضال ومناهضة الشمولية ..فكل هذه الشعارات بحاجة ماسة وملحة لبرامج وقوالب نظرية وفعلية لترجمتها على ارض الواقع ، بعيدا عن المزايدات التى أجدنا دروبها حتى بلغنا من الوقت والتجربة فيها عتية .
سبق ولم يرق للبعض عندما تناولت في حواري مع المواقع الارترية مسألة الخلاف الذي حدث داخل (المجلس الثوري سابقا) وعن تنصيب الأمين العام للتحالف الارتري (السابق) ، بطريقة مخلة بمواثيق هذا التحالف الفضفاض، وحدث أن اعتبر البعض رفضي للوصاية الإقليمية من دول تجمع صنعاء ، ارتهانا لمواقف معينة هنا أو هناك ..
واليوم كالبارحة قد لا يروق حديثي لدي البعض ..لكن عزائي أن ما حذرت منه في ذاك الوقت قد وقع فعلا واضحي اليوم من الحقائق التى يتفاعل معها التحالف ومن خلفه الجماهير الارترية.. وبالتأكيد أن هناك بالفعل أسماء فشلت في تحقيق أهدافها في الواقع ففضلت ان تكون منظرة في المواقع ، دون ان تمارس نقدا ذاتيا لتجاربها السابقة ، بل تحاول فرض الأبوية على الأفكار وتصيغ عباراتها بموروث جديد من المفاهيم التي يحتاج بعضها الى تفكيك وتشريح حقيقي ، حيث يناقض بعضه البعض …والنتيجة النهائية هو هذا المنحى الذي نشاهده يتجذر بعمق ..
حسنا.. فعل موقع عونا عندما أعادنا الى الحوار الذي أجراه التلفزيون السوداني مع مستر حروي تدلا بايروا، والسيد أسد ، عشية انعقاد المؤتمر العام للتحالف والذي وجهت اليه –شخصيا برسالة مكتوبة -، لم يأخذ بأي من بنودها ، ..والواقع أن الوصاية الإقليمية والمحلية التي لم تكن خافية او حتى مستنكرة من قبل أعضاء التحالف بل كانت مكرسة ومعلنة لم تساعد حوري في أداء مهامه كما ينبغي بل تسببت بشكل واضح ومباشر على خلق المزيد من المتاعب في أداء التحالف وشخص الأمين العام .
وبصرف النظر عن تباشير الوعود التي أطلقها” بايروا” فور تسلمه المهام من قبيل قوله ( سوف نسقط النظام خلال عام واحد ..) الى غيرها من الوعود غير الموضوعية والمسرفة في التفاؤل ، فإن الوضع الذي يعيش فيه التحالف اليوم وهو يعقد اجتماع هيئة القيادة بأديس أبابا يبدوا مختلفا تماما عما كان عليه لدي تعيين بايروا
ولأننا لا ننتبه كثيرا لقضية المساءلة ولا نولي أهمية لضرورة ممارسة نقدا ذاتيا وموضوعيا ، فلدي تبخر كل الوعود والبرامج والآمال والتطلعات التي تعقدها الجماهير تجاه التحالف ، فإن لا احد يتحمل المسئولية كاملة ولا يمكن ان يضع نفسه تحت طائلة المحاسبة الشفافة ..
في الواقع فإنني اكتب هذه الخواطر ( وهي ليست اكثر من ذلك او أقل) وأنا استرجع تفاصيل حواري السابق مع الزميل مؤمن ، وحديثي عن نظرية ( توازن الضعف) التي تسيير قاطرة الوطن الآيلة للسقوط انحدارا ..واليوم وقد مضى على ذلك عامان او أكثر أرى النفق وقد خيمت عليه مزيدا من العتمة بينما لا نري في نهايته ثمة ضؤ يشعل الأمل من جديد ..
دوما هناك ثمة ضوء ما في النهاية
هكذا يقول فرويد ..إلا ان هذا المفكر الفذ المهتم بعلم النفس البشري لم يضع ثمة معادلة رياضية تمكننا من تبديد حلكة العتمة القائمة للاهتداء نحو ذاك الضؤ المنشود ، ولكن تشبثا بالأمل الذي هو وقود الحياة ..دعونا نمضي قدما في مطاوعة فرويد ولنبحث في دواخلنا عن نواة ضوء نشعل بها الأمل دون ان نفرط في التفاؤل الذي حتما سيقودنا الى دربا عدميا.
إضاءات أولية
ضمن جهوده المشكور عليها ( والمحسود عليها من قبل البعض ) قدم الاستاذ عمر جابر قراءات موضوعية عن الصفحات التى اسماها (مضيئة في دفتر الوطن ) ، وليسمح لي باستعارة عبارته والإشادة فيما ذهب إليه ..من نقاط هي بالفعل مضيئة وتستحق التوقف والإشادة والتشجيع دون أدنى تردد
وعبر مفردات الأستاذ عمر ، والأستاذ لوبينت -في النهضة –أيضا اشد بأيدي القائمين على موضع ايلول الثقافي الذي زرع بين جوانحنا أملا جديدا ومورقا في الوقت الذي سرقتنا فيه همومنا السياسية وانشغالاتنا اليومية عن متابعة و ايلاء الأهمية المستحقة للهواجس الثقافية والأدبية والفنية كعناصر مهمة في مفاصل بناء مشروع مجتمع طموح وفاعل.
وهي إشادة مقرونة بالتشجيع على الاستمرار فى ذات النهج الذي اختاره الموقع لنفسه ، والعمل على فرز الغي من الثمين في عملية النشر ، فميزة ( الثقافي والأدبي) تفترض وضع شروطا تتعلق بالنتاج المقدم للقارئ ..، على خلاف المواقع الأخرى التى قد تضطر الى نشر مواد ليست في المستوى المطلوب تماشيا مع سياسة تحفيز الرأي والرأي الآخر التي تتبعها أو لاعتمادها النسبي ان لم نقل الكلي على مراسلات القراء والمهتمين .
فضائيات ام فضائحيات
كنت أتمنى من التحالف الارتري لو عمل على تشكيل لجنة إعلامية عليا تكلف بمتابعة وسائل الإعلام العربية والأجنبية وتساهم بشكل مباشر في عكس وجهات النظر السائدة لدى التحالف وتمثله في البرامج الحوارية التى تبث عن ارتريا، لا سيما في القنوات التي تهتم بالشأن الارتري كقناتي المستقلة ، والعالم ، وغيرها من االقنوات الفضائية كقناة السودان ..الخ ، لأننا وللأسف الشديد أصبحنا نشاهد نماذج من البرامج التى تصيبنا بالغثيان ( وأحيانا بالقرف) نتيجة الاختيار الخطأ في الغالب للشخصيات التى تمثل الهم العام الارتري والتحالف او التنظيمات الارترية بشكل آخر ..
وهذا ليس قدحا في شخص تلك الأعلام التى ربما لها باعا طويلا في النضال الارتري او في المعارضة الحالية ..ولكن الإعلام لعبة أخرى قد لا يجيدها أي مسئول او مناضل ..ففي أي برنامج حواري على الهواء مباشرة لا يكفي ان تحمل معك قضيتك ..بل عليك أن تتسلح قبل ذلك بوسائل وآليات هي الكفيلة بإيصال القضية ..وبنظرة ثاقبة ومتابعة للعالم والإقليم وبأمثلة حية من واقع عالمي السياسة والفكر .. فلا يكفي أبدا أن تكون القضية التي تحملها عادلة، حتى تؤدي دورك الإعلامي في التعريف بها..
في بعض الأحيان أشعر أن الضيف قد بعث برسالة خاطئة الى المشاهد او انه لم يجيد ابدا صياغة الحجج والبراهين اللازمة في مثل هذه الندوات الحوارية المفتوحة ، مما جعل البعض منهم موضعا للقدح والانتقاد عبر الهاتف المفتوح للجمهور ، وبصرف النظر عن الجزئية الأخيرة فإن تجديد الخطاب الإعلامي ومخاطبة العقول بدلا من دغدغة العواطف وتغليب لغة العصر (ملفات الديمقراطية/ حقوق الإنسان/ مجتمع مدني الخ) بدلا من قوائم التظلمات و أدوار الضحية المضطهدة دوما ..سيكون أكثر فائدة ..لان المشاهد قد مل من فعل التعاطف ويريد بدائلا مناسبة تخاطب عقله قبل قلبه ..
أقول ذلك مع كل احترامي لكل من قام بواجبه الإعلامي كاملا او من شاب أدائه القصور البشري ..وهي رسالة نبعث بها الى التحالف على إعادة التفكير في الدور الإعلامي الذي لم يستغل بعد كما ينبغي بالرغم من الانفتاح الكبير الذي تشهده المنطقة تجاه مطالب المعارضة الارترية.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6742
أحدث النعليقات