إجتماعات التحالف والخيارات الصعبة
عبدالرازق كرار
يبدو أن أديس ابابا صارت قبلة افريقيا كل يصلى الى هذه القبلة من وجهة نظره وإعتقاده ، فليس بعيد عن الأذهان أن الإتحاد الأفريقي عقد قمته قبل ايام قلائل ، وفيها بندين مهمين يتعلقان بالسودان والصومال ، وهما من دول القرن الأفريقي الذي يبحث عن معادلة يكون منتوجها السلام والإستقرار ، وهكذا إتجهت إنظار السودنين وكذلك الصومالين الى ( الزهرة الجديدة ) لعلها تفوح بما يسكت اصوات السلاح ، ولكن يبدو أن الحصيلة كانت متى كان بإمكان الزهور أن تقف أمام السلاح . الآن جاء الدور على الإرتريين لتتوجه أفئدتهم الى العاصمة الإثيوبية الذي سوف تشهد إجتماع المكتب التنفيذي للتحالف الديمقراطي الإرتري ( الواجهة الرئيسية للمعارضة الإرترية ) ، ومن بعدها إجتماع القيادة المركزية للتحالف ثم مؤتمره الذي يفترض أن تشارك فيه منظمات مجتمع مدني ، وشخصيات عامة بصفة مراقب ليكون أعلى مستوى قيادي في هياكل التحالف مستقبلاً ، ولعل الكثيرون يتساءلون ما الجديد في ذلك وقد درجت المعارضة عقد إجتماعاتها الروتينية في أديس ابابا ، ولم تك الحصيلة تلبي طموحات الإرتريين الباحثة عن التغيير .
هذا السؤال له ما يسنده بالتأكيد نظراً لما كتب من مقالات وتصريحات حول الإجتماعات المتكررة ، والتي لا تتجاوز الآمال فيها أكثر من نجاح الإجتماع ذاته ، لتصبح الإجتماعات في حد ذاتها هدفاً وليس حلقة في حلقات الإدارة تقيّم ماقبلها وتخطط لما بعدها كما يعرفها علماء الإدارة ، ولعل لذلك مايبرره ايضاً إذ تبرز في كل إجتماع قضية هامشية او مركزية تضع هذا الكيان في مفترق الطرق ، ويبقى أهم أهداف الإجتماع هو الخروج منه والكيان سالماً ، وذلك أمر في غاية الأهمية نظراً الى التجربة السياسية الإرترية ، التي يعتبر هذا الكيان ذروة نضجها وتطورها ، ولكن تكرر هذا السيناريو طوال هذه السنوات يجعل استدعاء نظرية المؤامرة لصرف التحالف عن مهامه الأساسية منهجاً من المناهج المشروعة للتحليل والإستنتاج ، وهو منهج رغم أن الكثيرون يستهجنونه إلا أنه صمد حتى الآن وهنالك الكثير من وقائع التاريخ تسنده .
كان ذلك مدخلاً مهماً لنقول إن الكتابة والتعليق على هذا الإجتماع تختلف عن سابقاتها نسبة لحدوث عدة متغيرات في الاوضاع الداخلية للوطن والمعارضة من جهة ، والوضع الإقليمي الدولي من جهة أخرى .
متغيرات الوضع الداخلي :
لعل الكثيرون يتابعون ما يحدث في الوطن المسلوب من إنهيار إقتصادي وعزلة سياسية على النظام ، وما رشح عن إجتماعات السفراء التي ظهرت فيه بعض الأصوات وإن كانت خافتة تطالب بمراجعة السياسية الخارجية التي هى إنعكاس للسياسية الداخلية ، وهي أصوات ربما ترتفع في مرحلة لاحقة ، ولكن كل هذه القضايا هى مألوفة ، والجديد هو تورط النظام في الصومال بشكل يثير الكثير من التساؤل ، خاصة إذا صحت الأنباء التي تتحدث عن إعتقال عدد كير من ضباط الإستخبارات برتب كبيرة في الحدود الصومالية الكينية ، هذا التورط وضع إرترريا لأول مرة في مواجهة مباشرة أمام الولايات المتحدة الأمريكية ، وهى مواجهة قديمة بدأتها وزارة الخارجية الأمريكية ولكن لم يسايرها في تلك المواجهة صقور البنتاغون الذين كانوا يرون في إرتريا قاعدة يجب عدم خسارتها في الحرب على الإرهاب ، ولكن يبدو أن أحداث الصومال غيرت وجهة نظر البنتاغون خاصة والأنباء التي تتحدث عن إعتقال أكثر من أحدى عشر أمريكي بينهم ضباط من قبل قوات المحاكم الإسلامية في الصومال ، هذه المواجهة سيكون لها مابعدها خاصة إذا وجدت من يستفيد منها ، ولكن المهم في الأمر هو أن التحليل الشائع لأسباب للتدخل الإرتري من قبل المحللين هو مواجهة غير مباشرة مع أثيوبيا ، ولكن كانت المحصلة النهائية هي هزيمة حلفاء إرتريا وإنتصار حلفاء أثيوبيا ، هذه الهزيمة التي يعتبر الكثيرون أن ارتريا لعبت دوراً فيها بتشجيع المحاكم على خوض هذه الحرب غير المتكافئة وهو إستمرار لعقلية عام 2000م حينما أعتقد أسياس أنه يمكن هزيمة أثيوبيا التي يعتبرها فسيفساء زجاجي ستتناثر أجزاءه أمام اول معركة ، وهو تحليل يعتمد على العاطفة أكثر من صموده أمام التقديرات الموضوعية والسياسية .
هزيمة حلفاء إرتريا دون الخوض في اسبابها أونتائجها رسخت الشعور بالهزيمة لدى الرئيس الإرتري واركانه ، وهو مابدا واضحاً في تصريحاته قبل وبعد الإجتياح الإثيوبي للصومال ، وهو شعور ينبني عليه الكثيرويؤدي الى الكثير في عالم السياسة .
الطرف الآخر في المعادلة هو المعارضة فهي ايضاً تعيش أوضاع غاية في الدقة فالعلاقات بين السودان وإرتريا بالتأكيد لها تأثيرات مباشرة على المعارضة الإرترية من تقليص لنشاطها وتضييق للأرضية لتي تحرك فيها ، ومن جهة أخرى الحراك السياسي الذي شهدته المعارضة الإرترية في النصف الثاني من العام الماضي لم يكن مردوده على الساحة كبيراً ، فجبهة الإنقاذ التي إندمجت فيها ثلاث تنظيمات في تجربة مهمة في الساحة الإرترية لاتسير فيها الأمور بالقدر الذي كانت تتوقعه قواعد الإنقاذ وهذا سيكون له ظلاله على المؤتمر ، أما المجلس الثوري الذي كان يتطلع الى قيادة المعارضة عبر فكرة التنظيم الرائد يبدو انه قد قرر العمل بمبدأ ( العزلة المجيدة ) وقدر أن أولوياته في هذه المرحلة هى بناء حزب سياسي وفق قرار المؤتمرالسادس للجبهة ، القوى الإسلامية لم تتطلع الى قيادة التحالف لأنها تقدر أن الوضع الإقليمي او الدولي ليس في صالحها وبالتالى قيادتها ربما يؤخر حسم المعركة ، بعض التنظيمات خارج التحالف وبعض التكنوقراط والناشطين في المجتمع المدني كانوا يعولون على ملتقى الحوار الوطني ليسبق المؤتمر ويفرز نتائج جديدة على ارض الواقع لا يستطيع التحالف تجاوزها ، ولكن التحالف قطع الطريق على ذلك بأن قرر ان مؤتمر التحالف يجب أن يسبق ملتقى الحوار ويكون داعماً له وليس بديلاً كما كان يأمل البعض ، هذا مع وجود رؤى كثيرة لاترى جدوى لعقده في هذه المرحلة . وهكذا تتضح محدودية الخيارات البديلة وبالتالي يصبح إستمرار التحالف بهياكله وقيادته هو المرجح لهذه المرحلة .
متغيرات الوضع الإقليمي :
تعتبر منطقة القرن الأفريقي من المناطق المنتهكة من حيث التدخلات الدولية ، نسبة لموقعها الإستراتيجي ولكن هذه المرة يعتبر التدخل على أشده ، ولعل أحداث الصومال الأخيرة خير شاهد على ذلك ، وإذا كان ذلك مما هو مألوف ومعلوم ، فإن الجديد هو أن الخلاف في التقدير بين الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تخشى عواقب التدخل الأثيوبي فى الصومال ، واثيوبيا التي كان تحارب بالإصالة وليس بالوكالة كما يعتقد الكثيرون والتي كانت تعتبر أنها تستطيع أن تحسم المعركة بأسرع من تقديرات ومخاوف الأمريكان ، وتحقيقها لوعدها للولايات المتحدة الأمريكية جعلت الأخرى تحسم أمرها وتفوض أثيوبيا لرعاية مصالحها في القرن الأفريقي ، وتعتبر المشورة الإثيوبية فيما يتعلق بافريقيا عامة والقرن الأفريقي خاصة أمر ملزم وقد وضح ذلك في قمة الإتحاد الأفريقي الأخيرة التي تطابقت فيها الرؤى الأمريكية الإثيوبية خاصة فيما يتعلق بالصومال والسودان ، وبالتالى فإن إثيوبيا بالإصالة وليس بالوكالة معنية بالتعاطى مع الملف الإرتري في هذه المرحلة بصورة أكثر حزماً وحركية وهى قد وجدت الضوء الأخضر لذلك من قبل المجتمع الدولي وإنجازها في الصومال الذي وجد التفهم حتى من قبل الدول العربية يشفع لها في اى قرار تتخذه وأى تصرف ينبني على ذلك القرار ، هذه الميزة الإثيوبية هى سلاح ذو حدين ، على المعارضة أن تعيها وان تتعامل معها بما يخدم مصالحها ومصالح الشعب الإ رتري في المستقبل مع مراعاة المصالح الإثيوبية الدولية دون ان يتعارض ذلك مع آمال الشعب الإرتري .
صيحة في أذن الإجتماع القادم :
كان ذلك وصف سريع للوضع الذي تنعقد فيه الإجتماعات لهياكل التحالف وسيكون لتأثيرات الزمان والمكان دورها في مآلاته دون شك ، ولكن في الحقيقة هذه ليست أول مرة ينعقد فيها إجتماع التحالف وسط عوامل حاسمة له او عليه ، بإجماع المراقبين لم يستفيد التحالف من تلك المعطيات ، ولكن لأننا في هذه المرحلة لا نملك غير التذكير نقول أن التحالف محتاج لآن يضع أجندة هذا الإجتماع بطريقة تتناسب وتحديات المرحلة ، وكما هو معلوم للجميع سيكون الميثاق أول هذه الأجندة خاصة الفقرتين الرابعة والخامسة وهما الشريعة والقوميات ، ومثل الإجتماعات السابقة ستأخذ هذه الفقرات الزمن الأكبر من الإجتماع ، رغم علمنا بأن هنالك رؤى توفيقية قد طرحت ، ولكن دعونا نقلب الطاولة على هذه الأجندة هذه المرة ، ولنبدأ الإجتماع بوسائل إسقاط النظام الذي نتحمل جميعنا مسئولية تطاول عمره .
أليس الجميع متفقون على :
1/ اسقاط النظام كهدف رئيسي في هذه المرحلة
2/ إقامة بديل ديمقراطي تعددي .
3/ التدوال السلمي للسلطة عبر صناديق الإقتراع .
4/ صيانة الحريات العامة والخاصة .
5/ حكومة إنتقالية تمهد لهذه المرحلة .
6/ عقد مؤتمر حوار وطني يشمل الجميع ليضع مبادئ الدستور الذي هو ابو القوانين .
ماذا لو اضفنا الي ذلك ، حل الخلافات بين مكونات التحالف ، عبر الوسائل السلمية والسياسية .
إلا يكفى هذا لهذه المرحلة ، إلا يمكن أن تأتي الشريعة والقوميات ضمن خيار الحريات وصناديق الإقتراع مثلاً ، إلا يمكن حسم هذه القضية في مؤتمر حوار وطني بعد إسقاط النظام ، إلا يمكن أن تطرح عبر إستفتاء في المستقبل ، إلا يمكن أن توكل هاتين الفقرتين إلى خبراء يعدون حولها دراسات تناسب الوضع الإرتري وفق المناهج العملية وبعد ذلك تخضع تلك الرؤية للوسائل السياسية ( مؤتمر ـ إستفتاء ـ فيدرالية … الخ ) .
السؤال الذي نطرحه هو اين الدولة التي تتحدثون في تفاصيلها وكيف تحكم ، كيف تضعون العربة أمام الحصان ، لماذا لا تستجيبون لمعاناة هذا الشعب الذي يعاني الآمرين من هذا النظام الدكتاتوري الذي جعلهم يتأسفون على إستقلال إرتريا ورحيل الإستعمار .
إن الديمقراطية ومبادئها تقول إن ميثاق التحالف الذي أكتسب شرعيته من شرعية التنظيمات المكونة للتحالف وهى أكتسبت شرعيتها من مقاومة النظام الدكتاتوري لايعدو في المستقبل من كونه مشروع يقدم لمؤتمر الحوار الوطني قد يقبله أو يرفضه أو يعدله ، فلماذا كل هذا العصف الذهني في قضية هذا ليس زمانها أومكانها .
إن هذه ليست إغلاق لباب الحوار حول هذه القضية ولكن الطبيعي أن تخرج هذه القضايا المصيرية من المزايدات السياسية الى المفكرين والأكاديمين ليقولوا رأيهم ، ولكن إدعاء السياسين للفكر لن يوصلنا الى نتيجة .
لكن هنالك هاجس يؤرقني ولا بأس أن اشرك فيه القارئ الكريم وأتمني من كل قلبي أن لا يكون صادقاً ، وهو إن قيادتنا وتحالفنا بعد أن أعيته معركة النضال ضد النظام إختار معركة أخرى ليشغل بها نفسه وهى معركة الميثاق ، وهو هاجس يلح علي بشدة وتسنده دلائل كثيرة ولكني أجبر نفسي على رفضه .
خاتمة :
لو كنت أملك الآليات المناسبة لأحضرت من التوقيعات ما يدعم رأى بدرجة تذهل التحالف ، وعليه معركتنا الرئيسية تحسمها ما توافقتم فيه في الميثاق قوموا فأعملوا تحت سقفه وإلا فلنكن جميعاً صادقين مع أنفسنا ونترجل لندع وسائل أخرى وقيادات أخرى وآليات أخرى علها تنجح فيما فشلنا فيه .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7040
أحدث النعليقات