ملاحظات على كتاب( اللغة العربية وعلاقاتها باللغات الإرترية) الجذور والامتداد
بقلم / محمد عبد الرحمن آدم
انجامينا- تشاد
الحلقة: الأولى
أولا أشكر الأخ عبد الحميد الذي أشار عليّ بنشر هذه الملاحظات وعلى تفضله بتعريفي على المواقع الإرترية، كما أتقدم بخالص شكري إلى الأخ عثمان الذي أعارني الكتاب موضوع الملاحظات.
الكتاب للباحث الإرتري الدكتور/ إدريس محمود موشي الذي عرفته بنشاطه وهمته وغيرته إلى درجة التعصب للثقافة الإرترية وخاصة اللغة العربية التي يسميها ” اسمنت الشعب الإرتري ” باعتبارها كما يقول في أحد فصول كتابه ( امتداد متطور لأصول متجذرة في البئة الإرترية، لم تستنكف تلك الأصول من التصافح والتلاحم والتآزر معها دون أن يقضي الأصل على الفرع الذي سٌربل بقداسة القرآن أو يتجاسر الفرع على ابتلاع الأصل لتصنع الجذور والامتداد معا حضارة ليس لها مثيل في إفريقيا باستثناء مصر ) أي أن اللغة العربية كما يقول في مكان آخر ( إرترية لحما ودما ) بل يذهب أبعد من ذلك إذ يعتبر إرتريا مهد الساميين والحاميين. والكتاب تصدر بمقدمة رائعة على جانب كبير من الأهمية وتنطوي فصوله الخمسة على أهمية عظيمة إذ يستعرض بشكل جذاب وشيق تاريخ الحضارة الإرترية ومكانة العربية ودورها في صنع تلك الحضارة وهي فرصة ثمينة للهواة والمتخصصين للاطلاع على تاريخ دولة تحوي تراثا حضاريا لا نجد له مثيل حتى في الغطاء العروبي نفسه.ولا تقتصر أهميته على إرتريا فحسب بل لا غنى عنه لكل من يتصدى للبحث عن تاريخ وحضارة جنوب الجزيرة العربية كذلك. وتجدر الإشارة أن الكتاب يحتوي على قائمة مطولة من المصادر والمراجع العربية والأجنبية والمحلية مما يقدم فوائد عظيمة للدارسين الإرتريين والعرب.
ولقد بدأ الكاتب باستعراض الجذور التاريخية للعلاقات العربية الإرترية منذ فجر الإنسانية من خلال الممالك والحضارات التي قامت على الأراضي الإرترية، وحاول الكشف عن حال اللغة العربية في تلك الحقب الضاربة في التاريخ من خلال منهجية علمية راقية، قوامها التحليل والاستنتاج واستنطاق الآثار والنقوش التي انبثقت منها نتائج مذهلة توصل إليها الباحث والتي أكدت على أصالة اللغة العربية في إرتريا، كما حاول الباحث- وكان موفقا- الرد على تلك الأقلام المأجورة التي ما فتئت تشكك في هذه الحقيقة الخالدة التي افتخر بها الإرتريون وما زالوا يفخرون بها.
والمنهجية العلمية تقود الباحث إلى تتبع الثقافة العربية في القرون التي تلت الإسلام، والنهضة العلمية الإسلامية التي شملت الممالك الإرترية، وضرب لها كأنموذج جزيرة ( دهلك ) وما شهدته من رقي في الثقافة العربية الإسلامية، مدللا بالمخطوطات الثمينة التي تعج بها مساجد إرتريا، وكذلك الهندسة المعمارية والزخرفة الإسلامية والخطوط الكوفية الجميلة التي وجدت في مساجدها وقصورها.
ثم ينتقل الباحث إلى الثقافة العربية وهي في مشانق الفاشية الإيطالية في عهد الاستعمار الإيطالي، الذي حاول استئصال اللغة العربية لولا صمود الشعب الإرتري وتصديه لتلك المؤامرات التي حيكت ضد هويته وثقافته في مواقف بطولية سردها الكاتب وعززها بسلسلة من الاعترافات التي وردت على ألسنة القائمين على المستعمرة الإرترية وإعلانهم فشل مشروع طلينة الإرتريين واعترافهم باللغة العربية مكونا أسا سيا من مكونات الهوية الإرترية، طاويا هذه الصفحة من صفحات التاريخ الإرتري المظلمة، ليفتح صفحة أخرى ليست بأقل سوءا من سابقتها، وهي الاستعمار الإنجليزي، وفترة الحكم الخديوي المصري، ثم الهيمنة الإثيوبية، وسجل من خلالها الكاتب بصورة مفصلة السياسات الهمجية التي انتهجتها تلك الحكومات ضد الشعب الإرتري وثقافته وهويته الحضارية، حيث ضرب الإرتريون أروع أمثلة في التضحية والدفاع المستميت عن أصالتهم وثقافتهم وهويتهم المتميزة، كل ذلك سرده الكاتب بصورة مفصلة معززا بالإحصائيات الدقيقة ونشرات الأمم المتحدة.
ثم يستعرض الكاتب الخلفيات التي أدت إلى الكفاح المسلح من قبل الشعب الإرتري وفي طليعتها اللغة العربية ليفتح بذلك صفحة أخرى وعهد آخر هو عهد الثورة الإرترية، وبالرغم من الجهد العظيم الذي بذله الباحث في إبراز الدور الخطير الذي اضطلعت به العربية في مسيرة الثورة أدبيا وإعلاميا ليس في توحيد الذاكرة الجمعية للشعب الإرتري بكل أطيافه فحسب بل في التعريف بعدالة قضيته وإيصالها إلى العالم كذلك فإن الحقيقة التي يمكن أن نلاحظها هو أن الكاتب تجاوز أمورا كثيرة حدثت في الثورة الإرترية- في أبرز شقيها جبهة التحرير الأم، والجبهة الشعبية- كانت بمثابة تحدي حقيقي للغة العربية قد لا يُستبعد أن يكون ما نراه اليوم انعكاس لتلك الأخطاء، وتجاهل الكاتب تلك الأحداث والإرهاصات يجعل القارئ حقيقة يعاني فجوة معرفية تمتد على الأقل لعقدين من الزمن.
ونفس الخطأ يتكرر عند الكاتب في معالجته لواقع اللغة العربية والثقافة الإسلامية في إرتريا، حيث مر على الموضوع على استحياء وراح يطرح مجموعة من الأسئلة قد لا تعين القارئ في الفهم الحقيقي للوضع الراهن للغة العربية ومدارسها في ظل حكومة أسياس أفورقي السيئ السمعة، فالقارئ متعطش لمعرفة الوضع الراهن بعد أن ألم بالتراث الحضاري الضخم الذي تحويه أحشاء إرتريا، وبالبطولات الإريترية النادرة التي حفرت عميقا في ذاكرة الإنسانية، إذ ما الفائدة من هذا التراث العريق الضخم الذي عرَّفنا به الكاتب مشكورا إذا لم نجد لـه ترجمة في واقع نعيشه، ورؤى مستقبلية نتطلع إليها. ويظهر ذلك جليا في صغر المساحة التي تناول فيها الكاتب واقع اللغة العربية، وكل ما علمنا من هذا الواقع هو وجود بديل للغة العربية مطروح في الساحة من قبل نظام أفورقي السيئ السمعة، ويتمثل في مشروع (لغة الأم).
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7272
أحدث النعليقات