مغتضيات السياسة الأمريكية في إريتريا
قد يتساءل بعض الإريتريين عن متى وكيف بدأ اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأريتريا والمراحل التي مربها والأهداف التي حققها ، وغيرها من الأسئلة التي تتبادر إلي ذهن كل إريتري متابع للمعارك الكلامية التي تدور رحاها بين النظامين الإريتري والأمريكي منذ عام 2001م وتحديداً منذ 18/9 /2001م من ذلك العام حيث تم أعتقال أثنين من موظفي السفارة الأمريكية الإريتريين بتهمة التجسس لحساب المخابرات المركزية الأمريكية وقد تمت عملية الاعتقال كما هو معروف ضمن الحملة الشعواء التي استهدفت كل من رفع صوته معارضاً للنظام وعلي رأسهم الأصلاحيين الأحد عشر من وزراء وأعضاء مكتب تنفيذي للحزب الحاكم ورؤساء تحرير ومحررين في الصحافة المستقلة التي شاهدتها إريتريا لفترة وجيزة ثم أغلقت أبوابها ولا يعرف أحد مصير الجميع أن كانوا أحياء أم فارقوا الحياة . لقد أثار أعتقال موظفي السفارة الأمريكية خلافاً بين وزير الدفاع رامس فيلد ونظيره كولن باول وزير الخارجية حول استخدام ميناء عصب كقاعدة ، إذ رفض باول الفكرة بسبب تصرفات نظام أسياس غير المسؤولة وخرقه لحقوق الأنسان وغيرها مما تنص عليه المواثيق الدولية ، فكانت جيبوتي ومازالت هي البديل . صارت العلاقة منذ ذلك التاريخ تزداد سوءً حتى وصلت إلي ما هي عليه الأن . أن مناقشة السياسة الأمريكية في إريتريا يتطلب رصدها من النقطة التي بدأت منها وكانت البداية عندما نما إلي علم وزارة الدفاع الأمريكية معلومات عن ميزات طبغرافية تتمتع بها مرتفعات حماسين ولا سيما مدينة أسمرا التي تتوسطها ، لا تمثالها فيها . أية بقعة أخرى في العالم للبث الأذاعي والتقاط الاتصالات ، فأسمرا ترتفع عن مستوى سطح البحر ميلاً ونصف وتقع علي بعد 15 درجة شمال خط الأستواء بما يعني أن شروق الشمس وغروبها يتم غالباً ، في نفس الوقت علي مدار السنة ، من ما يسهل متابعة الأذاعات في الموجات البعيدة المدي حسب ( ما بكلا رونغ ) في كتابها ( لم أفعلها من أجلك ) ولم يع الإيطاليون الذين كانوا يحتلون إريتريا هذه الخصائص الطبقرافية لأسمرا ، مع أنهم أقامو عليها محطة إرسال وأستقبال هي ( راديو مارينا ) للأتصال بالسطول البحري لموسيليني وقد الت محطة ( رادية مارينا ) للأدارة البريطانية بعد هزيمة إيطاليا في 1941م لكنها بعد تردد تنازلت عنها للحلفاء عبر الأطلنطي . وبنا ء علي تلك المعلومات ، عن القيمة الطبقرافية لهضبة حماسين ، وصل إلي اسمرا في أبريل 1943م ضابط أمريكي برتبة عقيد علي رأس طاقم من ستة أشخاص ، ومعدات للفحص ، ويذكر أن صناعة المخابرات الأمريكية الجنينة قد أنتشرت بشكل واسع اثناء الحرب العالمية الثانية ، وكانت وشنطن تجوب العالم بحثاً عن مواقع تصلح للأرسال والاستقبال لأجهزة أتصالاتها . لقد أثبتت نتائج الاختبارات التي أرسلها الطاقم إلي واشنطن صحة ظنون الخبراء وأن الفيل الأبيض كما نطق ( انجيلا رونغ ) علي أسمرا والذي يرتفع في الهواء ويطفوا بقدرة قادر والذي لم تعره الأدارة البريطانية ، الأهمية التي تتناسب وقيمته الحقيقية إلي نقطة مثالية لإقامة محطة تجسس قادرة علي التنصت علي نصف المعمورة تقريباً لهذا قام قسم الخدمات الأستخباراتية ، في سلاح الأشارة للجيش الأمريكي ودون أكتراث للأعترضات البريطانية ببناء ملاجئ تحت الأرض بالأسمنت المسلح مضادة للقصف الجوى لحفظ المعدات في الوقت الذي قام فيه القسم بعملية تدريب مكثف ل50 عنصر في فرجينيا لتعيينهم في أسمرا وكانت باكورة إنتاج هذه المحطة هو تسجيل وحل شفرة التقرير المفصل الذي بعث به السفير الياباني في المانيا ( هيروش أوشيما ) إلي حكومته عن مواقع القوات النازية في خطوط الدفاع الألمانية وطرق أنتشارهذه القوات في الوقت الذي كانت تتاهب فيه المانيا لشن هجومها المدبر علي الأراضي الأروبية الداخلية . فقد أتاحت له السلطات الألمانية في أكتوبر 1943م الطواف بتلك الخطوط بأعتبار اليابان دولة حليفة. وقد تم بث ذلك التقرير عبر وسائل الاتصالات بين البلدين ، وكانت تلك المعلومات التي تم تفكيهها في محطة راديو مرينا بعد إدخال المعدات الجديدة عليها هدية ثمينة للجنرال ( أيزنهاور ) لتنفيذ خطته في أنزال قواته علي نورماندية . لقد أكدت نماذج البث الإذاعي الاختبارية التي بعث بها الطاقم الأمريكي إلي واشنطن صحة ظنون الخبراء الأمريكان . تلك هي الأسباب التي طلبت فيها واشنطن من بريطانيا الأستمرار في إدارة إرتريا لكن الأخيرة تعللت بقلت الموارد المالية والنقص في الكادر البشري بسبب ما تكبدت من خسائر من الحرب . لذلك كان لابد من البحث عن وسيلة لوضع إريتريا في أيدي أمينة ، وإيطاليا حتى وأن تخلصت من كابوس الفاشية وكانت تتطلب بالوصاية علي إريتريا تميهداً وإعداداً لها للاستقلال للعلاقة التأريخية والاقتصادية التي تربطها بها الا أن ثمة كابوس أخر كان قد خيم عليها وهو النفوذ الواسع للحزب الشيوعي الأيطالي الذي لعب دوراً مشهوداً في محاربة الفاشية وخلق لنفسه مكانة تغبطه عليها القوي اللبرالية وسوف لن يختلف الوضع كثيراً لو نالت استقلالها . وإلي ذلك تعود رحلة الامبرطور هيلي سلاسى إلي قناة السويس علي ظهر طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز( د سي 3) أقلعت من أديس أبابا في صبيحة الثاني عشر من فبراير 1945م لمقابلة الرئيس روزفيلت الذي كان قد عاد لتوه من اجتماع في يالطا كان قد ضمه إلي كل من جوزيف ستالين وونستون شيرشل . لقد تمت المقابلة علي ظهر بارجة في عرض القناة حيث أخذت العلاقة الأمريكية الأثيوبية شكلها الرسمي ولا يستبعد أن تكون قد سبقت ذلك اتصالات سرية وتشير أصابع هنا إلي مستشار الأمبراطور منذ عام 1935م السيد سبينسر الأمريكي الجنسية فقد جمعت بين البلدين مصالحهما الملحة المشتركة في إريتريا ، وكانت إثيوبيا قد تعرضت لهزيمة منكرة علي يد القوات الغازية الإيطالية في عام 1936م فقد ثبت لها بما يدع أي مجال للشك إنها إذا كان لها أن تحافظ علي استقلالها ووحدة أراضيها فأن عليها أن تبني جيشاً حديثاً قوامه المعدات والقيادة الحديثة والتدريب ولا تستطيع أن توفر ذلك بالأمكانيات الذاتية المحدودة . لذلك كان لابد من البحث عن صديق يمكن اللجوء إليه كما أن إثيوبيا كانت تحس بأن الخطر دائماً يأتيها من الشمال وعبر البحر فهي أيضاً في حوجة إلي منفذ بحري يفك عقدتها التاريخية بأنها دولة مغلقة هكذا توافقت مصلحتها مع مصلحة واشنطن . جدير بالذكر أن واشنطن لم تعترف مثل باريس ولندن بأحتلال موسيليني لإثيوبيا . من هنا جاء تصدي الولايات المتحدة لإستقلال إريتريا فأريتريا يجب أن تكون في حصن حصين يؤمن أستمرار القاعدة في أسمرا في خدمتها وهكذا أستخدمت تأثيرها علي حلفائها في الغرب ومناطق نفوذها في القارة الأمريكية ، لإستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يربط إريتريا بإثيوبيا بل ويصادر حق هذه الجمعية في إعادة النظر في قرارها إو حمايته لو تعرض لعملية خرق أو إلغاء. لهذا سكتت رغم احتجاجات الشعب الإريتري عند الغاء القرار في نوفمبر عام 1962م ا ولم تخف واشنطن دوافعها ، فقد جاءت صريحة علي لسان وزير خارجيتها جون فوستردالس الذي قال أن الولايات المتحدة رغم احترامها لرغبات الشعب الإريتري الا أن مصالحها الاستراتيجية تأتي في المقدمة . أن ذلك مبدأ يحكم السياسة الخارجية لكل دولة ، أن كانت تملك القوة والنفوذ لتحقيقه ، ولا تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية الا بقدر ما تتمتع به من قوة ونفوذ ، فالاستعمار وهو أبرز معلم لاستغلال الشعوب الأضعف ومواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية كان قائماً علي هذا المبدأ ورغم المظهر الذي أخذته السياسة السوفتية كمساند لحركات التحرير وداعمة لنهضة دول العالم الثالث الفقيرة لإضعاف الخصوم في المعسكر الرأسمالي وتوسيع دائرة أنتشار الحركة الأشتراكية ، فأنها في بعض الأحيان غضت الطرف عن نضالات شعوب من أجل استقلال الوطن إذا كان ذلك لايصب في صميم مصالحها الأستراتيجية ، ويكفي أن نشير إلي موقف السوفييتي المتذبذب من الصراع الصومالي الإثيوبي قيل وبعد انقلاب منقستو في إثيوبيا وحركة التحرير الوطني الإريترية أيضاً بعد ذلك الأنقلاب ، إذا لم يكتف الاتحاد السوفيتي بالضغط علي الحركة الشيوعية العالمية الموالية لموسكو لعدم التعاطي مع الثورة الإريترية وحسب بل شحن نظام منقستو بالدعم الاقتصادي والعسكري حتى أسنانه إلي درجة المشاركة بخبراته العسكرية لتوجيه المعارك العسكرية ضد قوات الثورة الإريترية ومنهم من وقع أسيراً في معركة أفعبت الشهيرة التي كانت بداية النهاية للأستعمار الإثيوبي . واليوم إذا كانت السياسة الأمريكية تتحرك بأتجاه الشعار الذي تحمله المعارضة الإريترية وهو أسقاط النظام الدكتاتوري وأبداله بالديمقراطية وحكم القانون ، فأن ذلك أيضاً يتفق والمصالح الأمريكية الاستراتجية بعد أن أعطاها أسياس ظهره و احتضن المحاكم الصومالية التي رأت فيها أمريكا خطر يهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط والجزيرة العربية التي تمثل المخرن رقم (1) لمخزون الأحتياط للطاقة في العالم ، بعد أن كان أسياس بالأمس حليفها في مواجهة التطرف الديني الذي كان مصدره السودان كما تصورته أمريكا في عهد كلنتون أن هذا الموقف الأمريكي ضد نظام أسياس الدكتاتوري بغض النظر عن دوافعه ينسجم ومصلحة الشعب الإريتري فهناك تلاقا إذا بين المصلحتين الأمريكية والأريترية ، لذلك ينبغي علي المعارضة الإريترية أن تستثمره إلي أقصى درجة ممكنة ولا يتم ذلك الا بتجاوز خلافاتها الثانوية ورص صفوفها حول برنامج الحد الأدنى لإسقاط النظام واختيار أكفأ كوادرها وأكثرهم تأهيلاً لتنفيذه بعيداً عن الصراعات الصغيرة فيمن يقود فيكفي وضع معايير تقوم علي التأهيل بالخبرة والمعرفة كل في مجاله ، لأن القيادة ليست وجاهة أوتتمتع بأمتيازات وما هو متاح منها بالنسبة للمعارضة وضيع لا يستحق الهرولة وراءه أنما هي مؤهلات وخبرات وقدرات ونظرة شمولية للقضية ولا يمكن الفصل بين هذه العناصر والقيادة في عالم اليوم ، ويجب الأستفادة من الدورس السابقة وسد الثغرات في النظام الأساسي للتحالف في كيفية أختيار القيادة وأستبدالها وتحديد فترتها الزمنية بشكل واضح لا يقبل أي جدل في التفسير والأزامها ببرنامج عمل محدد يكون معيارها للأستمرار أو البديل سواء بشكل جماعي أوفردي ، كما أن علي المعارضة القيام بمراجعة موضوعية لإسلوب عمل مواجهتها للنظام وصولا إلي أسلوب يحقق الغاية المرجوة ، أما السلوب الحالي وأنا لا أقصد هنا الوسائل ، إنما الأسلوب الذي يستخدم هذه الوسائل وخاصة في الجانبين العسكري والإعلامي . أن التغيير الطارئ في السياسة الأمريكية والذي ينسجم بصفة عامة مع موقف الاتحاد الأروبي ودول الجوار هي فرصة تأريخية يجب الأسراع بأغتنامها ، لأن لعامل الزمن لا يمكن التحكم فيه الا بمواكبته بالفعل علي الأرض ، فإذا كانت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية اقتضت حجب استقلال إريتريا حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت الاستقلال سواء كان في أجتماع لندن عند أجتماع القوي السياسية الإثيوبية ، لتحديد طبيعة النظام بعد هروب منقستو وسقوط نظامه أو مؤتمر القمة الأفريقية في ابوجا عام 1992م . فأن هذه المصلحة نفسها أقتضت الأعتراف بأستقلال إريتريا كامر واقع تكيف مصلحتها في ضوءه ثم تحالفت مع النظام الإريتري لمواجهة ما أسمته التطرف الديني في المنطقة وكان أسياس يعتبر نظامه الضحية الأولي لهذا التطرف فأن نفس المصلحة هي التي قبلت لحليف الأمس ظهر المجن وقررت بعد سكوت عن ممارساته اللانسانية للشعب الإريتري بأنه يرتكب جريمة لا تقتفر .
إذا ما هو ثابت في السياسة الدولية هو مقتضيات المصالح وما هو متغير هو المواقف فأينما توجد المصلحة تتحرك المواقف وهو ما يجب أن تعيه المعارضة وتتحرك هي الأخرى بأتجاه مصلحتها وبالسرعة المطلوبة وقبل فوات الأوان لأن الأوضاع في إريتريا اليوم حبلة بحداث لا يمكن التكهن بها ويمكن أن تنفجر في اية لحظة وتعرض وحدة وسلامة البلاد وسيادتها لمخاطر جمة .
محمد نور أحمد
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7466
أحدث النعليقات